part.5 عائلة تحت الطاولة

52 12 2
                                    

كانت السماء داكنة، بالرغم من أن الصباح قد بزغ للتو، وكأن الحي كله يشارك لوسي حزنها العميق في يوم جنازة جدتها. كانت تتسلل عبر الأزقة الضيقة المظلمة، متجنبة الأنوار الصفراء الخافتة التي تضيء هنا وهناك، متخفية تحت وشاح ثقيل يغطي رأسها وكتفيها، تاركة جزءًا صغيرًا من وجهها مكشوفًا فقط. كانت خطواتها بطيئة، لكنها حذرة، ويديها المرهقتين تحملان أكياس المساعدات التي أعدتها مسبقًا لبيوت الحي، تلك البيوت التي كانت تعرفها جيدًا، وتعرف حاجة سكانها للطمأنينة وللفتة طيبة.

كانت ترتدي معطفًا داكن اللون يصل حتى ركبتيها، ثقيلًا بما يكفي ليحميها من برد الصباح الباكر، وسروالًا أسودَ فضفاضًا يكاد يختفي تحت المعطف. أما قدماها، فقد دُفنتا في حذاء جلدي قديم لكنه دافئ، وقد ارتدت قفازات سوداء لتتجنب برودة الهواء الباردة حينما تطرق أبواب المنازل لتضع الأكياس أمامها.

رغم التعب البادي على وجهها، كانت عيناها فقط تكشفان عن تصميم قوي. كان بداخلها مزيج من الحزن والإصرار، وشيء من اليأس الذي ظل يلاحقها منذ موت جدتها، كأنها تحمل عبئًا أكبر من نفسها، عبئًا وضعته على عاتقها لاستكمال ما كانت تبدأه جدتها، وتقديم هذه المساعدات لمن هم بأمسّ الحاجة إليها.

توقفت عند المنزل السادس عشر، ووضعت الكيس أمام بابه بهدوء، ثم نظرت إلى الأفق بتنهيدة خفيفة. بدا لها أن الصباح يمتد بطول عمرها، وأنه يأبى الانتهاء. مازال أمامها ثلاثة عشر بيتاً، وكل بيت يحمل عبئًا إضافيًا على قلبها، لكنها استمرت في السير، لا تأبه للوقت ولا للطريق. كان كل بيت بمثابة تذكار جديد لجدتها، كل باب تطرقه يعيد إلى ذاكرتها لمحة من ذكرياتها معها، حتى كادت تختنق من ثقل الحنين والغربة.

كانت تسير ببطء واضح، خائفة من أن تنهار في أي لحظة، لكنها تتماسك بقوة، مدفوعة بذكرى الجدة وصورتها التي تبتسم لها دائمًا، حتى في أحلك الظروف.

جلست لوسي على حافة الرصيف في شارع خافت الإضاءة، بعيدًا عن الأنظار. كان الصباح قد بزغ للتو، والهواء يحمل برودة خفيفة. نظرتها ثابتة، لا دموع في عينيها، فقط صمت وجمود يكسو ملامحها. في داخلها، كان هناك إحساس بالفراغ العميق، لكنه غير ظاهر على وجهها المعتاد البرود. لوسي لم تكن من النوع الذي يسمح للمشاعر بالتحكم فيه، وكانت دائماً تبدو قوية، كالصخر أمام الجميع، حتى أمام نفسها.

حبها لجدتها كان عميقًا، لكنه حب متماسك. لم تعبر عنه بالكلمات أو باللحظات العاطفية، بل بتلك الرعاية الصامتة التي طالما قدمتها لها. كانت تهتم بجلب الأشياء التي تحبها جدتها، ترتب منزلها بنظام شديد، وتحرص على أن يكون كل شيء مناسبًا لها، دون أن تظهر أي مشاعر أو تعليقات على ذلك. اعتادت أن تتواجد معها، ليس بالكلمات، بل بالصمت. حضورها الصامت كان كافيًا.

his daughter : أنها أبنتهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن