(20)

1.1K 23 0
                                    

ما إن وصلت سيارة الإسعاف إلى العتبة الحسينية، حتى وُضعت بتول على كرسيٍ متحرك وأُخذت من بوابة خاصّة للمرضى كما يفعل مع كلّ المرضى الزائرين، بتول ورغم زحمة الزوار من كلّ الأجناس وكلّ اللغات والألوان والأعمار، كانت تعيش في عالم آخر، كانت روحها معلقة بسرّ الوجود وبنور الديجور، كانت تناجي الله: رباه هذه أول زيارة لي لضريح حبيبك، أنت من صاغها وأنت من رسم معالمها، وها أنا أزور الغريب وأنا غريبة، هو وحيد وأنا وحيدة، هو فقد أحبته وأنا فقدتّ أحبتي"
في هذه اللحظة تلوح قبة الحسين بأنوارها الذهبية، فترمقها بتول، والجرح لما يندمل، فتتساقط دمعاتها كما زخات المطر، تقترب أكثر، تخترق الممرضة بكرسيّ بتول الزحام، ويتم إدخالها إلى الحضرة مباشرة،ومن ثم باتجاه الضريح، وكلما اقتربت بتول، كلما شعرت بأنّ الجنة بين متناول يديها، وإذا بها تحتّ قبة الحسين مباشرة، رفعت رأسها فوجدت تلك القبة التي نقش عليها أسماء الأئمة الإثنى عشر، قبضت بكفيها على الشباك واحتضنته وصرخت من أعماق قلبها يا حســـين، يا غريب، حبيبي يا حسين، من ذا الذي يتجرأ أن يذكر مصائبه وهو في حضرتك، إني لأخجل سيدي أن أشكو، كيف أشكو وأنا أراك مضرجاً بدمائك، مقطوع الرأس من القفا، كيف أشكو وأنا أسمع صوتك وأنت تنادي وحق جدي أنا عطشان، كيف أشكو وأنت من وهبت كل ذرة من ذرات روحك وجسدك لله، واحسيناه واحسيناه"
تسقط بتول مغشياً عليها، فتُحمل سريعاً فوق حمالة خاصة وتسعف وتعادُ للمشفى من جديد، تصل بتول للمشفى وهي في حالة سيئة جداً، تُعمل لها فحوصات سريعة، فيكتشف الطبيب أنّ لديها نقص كبير في الدم، مع هبوط في الضغط، فيأمر بوضع أكياس دم عليها مع وضعها تحت المراقبة، وفي المساء تفتح بتول عينيها، لتشعر أنّ يداً دافئة تمسك بها، تتأمل وإذا بها رحمة، كانت رحمة تبكي بحرقة، فتسألها بتول بصوت مخنوق: رحمة ما بك؟ ما الذي يبكيكِ؟ فقالت رحمة: لقد أفجعت قلبي حينما كنت بالقرب من ضريح أبي عبد الله الحسين، فرج الله كربكِ يا بتول، فردت عليها بتول: يا رب، الحمد لله على كلّ حال، فقالت رحمة: عزيزتي، لديّ خبرٌ سار لكِ، لقد داهم الجيش العراقي وكر المجرمين الذين اعتدوا على الزوار، وأفنوهم عن بكرة أبيهم، وقد أوصل أحد الجنود لنا حقيبة يبدو أنها حقيبتكِ حينما كنتِ في المشاية، وهاهي بين يديكِ وجدوها حيث تم احتجازك كما يبدو، فتلقفت بتول الحقيبة بلهفة، احتضنتها وجهشت بالبكاء، ومن ثم بدأت في البحث سريعاً في جيوبها، فبادرتها رحمة: عمّا تبحثين،
فقالت بتول: رسالة علي

#يتبع ّ

ولليل حكاية أخرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن