الفصل الثاني: دهاء "أكثم"

1K 62 43
                                    

"مع احترامي يا سيادة الوزير الاعظم، و لكن هذا حل قد يعرضني للخطر، هذا ان استطعت القيام به من الاساس ..." قالها الحنوتي الذي طالما عمل في مقبرة تكية الدراويش، حتى انه اقدم من القبور التي تملأها و أشجارها التي ذبلت من رائحة الموت التي لم تتبدل منذ عقود.

رد الوزير الدرويش اكثم عليه و هو يجلس ساندا ظهره الى حجر قبر والده، و التوتر و اليأس اللذان بدأ يتخللهما شئ من الأمل، لا يرى بالعين المجردة، و لكن عين اكثم في ذلك الوقت اصبحت كالعدسة السميكة التي تبحث عن أي بصيص من الأمل، قائلا: "لن يعلم أحد يا فتحي، سوف اصدر قرارا بعد تنفيذك المهمة، مفاده انك سوف تعزل من مهامك لظروفك الصحية، و اعطائك مبلغ من المال من خزينة التكية كمكافئة لخدماتك القيمة الوفية للتكية، ذلك بالإضافة إلى توفير منزل لك في مملكة الشمال لاضمن لك حياة كريمة"

فكر "فتحي" مليا في العرض، فقد امضى حياته بأكملها في المقبرة، يكلم الموتى و لا يردون عليه، لم يتزوج، حتى انه لم يحلق شعره منذ سنين حتى ان اصحاب الكهف لو رأوه لظنوا انهم اوسم خلق الله!

كانت الساعة التاسعة مساءا عندما بدءا حديثهما و بعد ان حول "اكثم" يديه العاريتين الى يد من اصرار كالحديد و اخرى يد رحيمة كالحرير لعرض اشد العروض اغراءا على "فتحي"، حينها فقط و بعد ساعتين من الإلحاح مال "فتحي" إلى شجرة هي ليست اشد بؤسا من القبر التي تظله و خفض رأسه قليلا كأنه يحدق بارض المقبرة يريد ان يرى خلالها عظام طفل من المحرقين، و قال: "و لكن وشم الدراويش على كتفه، يمكن ان يكشفنا فنهلك .."

رد "اكثم" و كأنه عراف يعرف الأسئلة قبل ان تسئل بل و عنده إجابات لها أيضا قائلا: "البيت الذي سأعطيك اياه في مملكة الشمال سوف أعين عليه حرس من حرسي الخاص و احتيجاتك كلها سوف يجلبونها اليك، لذا لا حاجة لك ان تخرج من البيت" توقع اكثم ذلك السؤال لأنه يعلم ان كل مولود من نسل الدراويش يحمل ذلك الوشم ....

تناقش اكثم و فتحي في الخطة كثيرا حتى حفظها فتحي جيدا و وافق عليها .....

و في اليوم التالي الساعة العاشرة صباحا

فتح اكثم عينيه بصعوبة كبيرة، و كأن ملاكه الحارس قد امر عينيه، بعصاه السحرية، ان لا تفتح لترى هذا اليوم المشؤوم. و لكن صوت بوق الدراويش كان اقوى من سحر الملاك، كانوا نوعا خاصا من الدراويش، او فرقة الاعدام ان صح القول. هكذا رأها أكثم و كل درويش صالح، و لكن عين "الددة بابا" كانت تراهم كملائكة الرحمة التي تضمن استمرار حكمة، فصوت المترجم الفارسي لم يكد يفارق اذنه. لم يكن تصديقه المبالغ فيه في الوصية من فراغ، فال"ددة بابا" البالغ من العمر الخامسة و التسعين كان جد جده من الأولين الذين كتبوا الوصايا، و ان جاز لي التعبير عنهم بدقة لقلت "العرافين" و لكن جد جده لم يفصح له عن أي من اسرار الوصايا لقد كان يفضل الموت على ذلك ....

وصايا الدراويشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن