الفصل الحادي عشر: دائرة الشيطان

318 27 10
                                    

"و لا تعترضنا في الامور فانه ....... من اردناه احببناه حتى احبنا
ينادى له في الكون انا نحبه ...... فيسمع من في الكون امر محبنا"

كلمات قالها الشيخ بصوته المتمهل، و هو يدقق النظر في وجه ابي، الذي بدت عليه الحيرة: "لم افهم يا شيخي، ما علاقة هذا بالثور المهيب؟"

وضع الشيخ يده في اناء صغير من الماء، كان قد وضعه بجانبه احد الدراويش الخادمين في المجلس، ثم قبض على لحيته البيضاء قبضة خفيفة: "هذه الابيات لا تفسر يا بني، انها لروحك، اما ان تفهمها، او ان يقتلك الثور شر قتلة، و يموت معك بصيص الامل الواهن ....."

حينها رفع اذان العصر من مأذنة المجلس، لتداعب الهواء كلمات من ذهب: "الله اكبر، الله اكبر"

قام الشيخ من مجلسه، ملبيا النداء المقدس: "اعذراني يا فتيان، سوف اذهب لاصلي العصر"

"و لكن كلامنا يا شيخي، لم نكمله ....."

اوقف ابي نظرة الشيخ له، في اشارة الى ان الكلام انتهى. تبع الفتيان الشيخ، ليصليا العصر ايضا، و يدعوا الله ان يوفقهما في رحلتهما، مسار الدراويش ........

و بعد الصلاة، خرج ابي و نور القلوب من المجلس، حيث احتلت صورة الشوارع المليئة بالرمال نظر ابي، و فجأة قاطع شروده عويل امرأة من بعيد، فتوجه ابي و نور القلوب نحو مصدر الصوت سريعا، و عندما وصلا، وجدا مجموعة من الناس يتهامسون في ما بينهم، و قد اعتلى الاسى عروش وجوههم، فمنهم الشيخ و منهم الشاب، و لكن ما اتفق عليه الجمع هو انهم كانوا يسلطون انظارهم على امرأة تقف امام دائرة كبيرة.

بدا على المرأة انها في العقد الخامس من عمرها، باح بذلك التجاعيد الخفيفة على وجهها، التى برزت كلما اطلقت المرأة صرخة جديدة، تضفي على المكان البأس و الحزن. تسارعت خطوات ابي و نور القلوب نحو تلك المرأة، و عندما وصلاها، استوقفها ابي بتلهف "ماذا هناك يا عمة، ما الذي يبكيك؟!"

فشلت المرأة في كبح عويلها المستمر، فكانت الاجابة بان ادارت رأسها نحو منتصف الدائرة في حزن بالغ، و صراخ غير متوقف. و حين تبع ابي نظر السيدة الى منتصف الدائرة، صعق لما رأى، لقد وصل وجهته .... لقد رأى الفتاة التى حكى له السائق عنها .....

"لا تتجرأ ان ان تقترب الى الفتاة حتى يا بني" تسربت هذه الكلمات بصوت اجش الى اذني ابي، كلمات قالها عجوز بدا انه كبير الواقفين حول المرأة.

التفت ابي الى الشيخ "لماذا يا شيخي؟!"

اكمل الشيخ كلامه في هدوء و رزانة "لقد حاول العديد من رجال القرية دخول الدائرة قبلك، و لكنهم لم ينجحوا في اجتياز حدودها قط، و كأنها محاطة بحاجز غير مرئي يا بني"

رمق ابي الشيخ بنظرة تحد و ارادة لا نهاية لهما "لا ابرح حتى ابلغ"

كلمات من ذهب تناثرت حروفها على الواقفين، و قبل ان يماطل الشيخ مرة اخرى، كان ابي قد فعل ما نوى. لقد استدار بقوة، ثم اخذ الخطوة تلو الاخرى نحو الدائرة بعينان مشتعلتان و قلب ذهبي يضخ دما كالبركان الهائج.

وصايا الدراويشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن