الفصل الأول: التكية

2.4K 103 41
                                    

حك اكثم لحيته البيضاء الطويلة، و عيناه تملأهما الحزن و الدموع حتى كادا ينيران الطريق في الظلام الحالك في غرفته في تكية الدراويش، تلك التكية التي انحصر ارتباطها بالتكية الحقيقية في الاسم فقط، فهي اقل ما توصف به هو القصر الفاخر، الذي تملأ الزخارف جدرانه. ذهب اكثم الى القسم المخصص للحريم في التكية او كما يسمونه "العويل"، و ذلك لأن النساء فيه دائمات العويل و البكاء، و لكن ماذا يفعلون و قد قرر "الددة بابا" -شيخ الدراويش الاكبر-، ان كل من تلد فيهن صبي، يؤخذ منها و يحرق حيا ثم يدفن! نعم، لقد كان ابن اكثم، الذي ولد منذ دقائق مستعدا ليلقى مصيره المحتوم في الصباح ..........

و في الطريق إلى هناك، مر أكثم خلال الممرات الفاخرة في التكية، حيث مر اولا على القاعة التي اخذت شكل الجلسة العربية، حيث يجلس الطلاب في حلقات حول شيوخهم و يتلقون منهم العلوم المختلفة -العقيدة، الجغرافيا، الحساب و ما الى ذلك- حتى يصبحوا دراويشا، و لكنها كانت مغلقة لانه وقت العشاء، فالوجبة الانف ذكرها شهية و غالية كما التكية ....

وصل اكثم الى "العويل" و هناك ذهب الى زوجته الجميلة، التي اسرت و جئ بها التكية رغما عنها، كما هو الحال مع باقي النساء، و هو امر اخر من اوامر "الددة بابا" الظالم، الذي ملك الارض جميعا. ملأت الدموع ايضا عينا زوجة اكثم و لو جاز ذلك، لقلنا أنها دموع اكثم التي لم تعد عيناه تتسع لها، و كتم الحزن على صوتها حتى فقدت قدرتها على العويل ...
بضع كلمات فقط نطقت بهما الزوجة قبل ان تفقد وعيها .... "ابني يا اكثم ... لا تدعه يموت"

لا يختلف اثنان على ان ذلك هو ما اراده اكثم ايضا، و لكن كيف له ان يخالف اوامر "الددة بابا" و هو وزيره و أحد اتباعه المخلصين، اجل، طاعته كانت الخيار الوحيد و إلى لقى أكثم نفس المصير ....

مكث اكثم ساعتين في العويل و هو يحتضن ابنه، اسئلة كثيرة قد تخطر في بال أي اب في هذه اللحظة .... ماذا اسميه ... ماذا سيعمل عندما يكبر .... و لكن لم تخطر ببال أكثم لعلمه بمصير ابنه المشؤوم .... الموت!

و اخيرا، و بعد وابل من الحزن و الأسى، غادر اكثم العويل و في طريقه إلى غرفته مر على المدرسة مرة اخرى و لكنها كانت مفتوحة هذه المرة، اصوات الشيوخ و هم يعلمون طلابهم و وجوه الطلبة التي منها المتشوق للعلم و منها المتأفف منه، ذكرته بنفسه و هو صغير فقد مر بكل ذلك، و تفوقه و اجتهاده في الدراسة هو ما حوله من طالب الى درويش و من ثم شيخ و وزير.

لمح كبير المعلمين -و هو شخص بلغ من العمر ارذله- أكثم، فنادى عليه بصوته الأجش " يا اكثم"، و فور سماع اكثم اسمه، ركض إليه و قبل يده، كما كان يفعل طوال حياته، "أرى الحزن في عينيك يا طالبي النجيب" قالها الشيخ و هو يمسح على رأس اكثم ليمنحه البركة و الطمأنينة. رد أكثم "ابني يا معلمي .." قاطعه شيخه في إيحاء انه فهم قائلا "و لكنك تعلم لماذا قرر الددة بابا ذلك" و بدأ الشيخ في سرد علية حكم "الددة بابا"، تلك القصة التي عرفها أكثم، بل و حفظها، فقد شهد الأخير احداثها ....

قال الشيخ "الوصية التي حصلنا عليها من مملكة الشرق، مكتوبة بالفارسية، و قد فسرها المترجم الفارسي الأخير قبل ان يموت كالتالي: "سوف يأتي زمن على الناس، يحكم فيه الارض من كانوا مستضعفين فيها فتنسيهم فتن الدنيا مبادئهم، فيسعوا في الارض فسادا، حتى يخرج من نسلهم رجل يرث منهم الارض و ينفيهم الى اقصى الارض و يعيد العدل مرة اخرى" و بقية الوصية مقطوعة، و لهذا قرر الددة بابا هذا القرار القاسي، لاعتقاده اننا هؤلاء القوم، و نحن نجاريه مضطرين"

قبل أكثم يد شيخه و قام من المجلس و غادر القاعة و عيناه تلمعان و تتلألأن ..... لقد فكر في حل لمشكلة ابنه .... نعم ... حل

معلومات:

. التكية هي المكان التي يتجمع فيها الدراويش ليعيشوا فيها و يتلقوا العلوم من شيوخهم


. الأرض في ذلك الزمن قسمت الى اربعة ممالك، مملكة الشرق و مملكة الغرب و مملكة الشمال و مملكة الجنوب، و في الوسط تقع تكية الدراويش الفخمة و يقود اليها اربعة طرق، واحد لكل مملكة.

. كل مملكة فيها وصية تركها الاولين مكتوبة بالفارسية.

. يؤتى بالدراويش من الممالك الاربعة عن طريق بعثة من الشيوخ من التكية اليها، لان نسلهم لا يكمل كما قلنا

و اخيرا اذا اعجبكم ما قرأتم فأرجو ان تضغطوا على vote و اذا تفضلتم comment و سأكون ممتنا جدا لأن اهتمامكم هو الوقود الذي يحركني نحو الامام و سأهدي لمن يفعل الchapter

انتظروا الupdate

وصايا الدراويشحيث تعيش القصص. اكتشف الآن