بعد دقائق من ظهور الدراويش من تراب الارض، اختفوا، و تشكل التراب ثانية، و لكن هذه المرة، على شكل مسجد قديم
دخل ابي، و معه نور القلوب، الى المسجد، فوجداه متهالك من الداخل، تتمنى جدرانه ان تنهدم من الحمل التي لم تعد تقوى عليه
تعجب ابي من ما رأى، و لكنه سرعان ما لاحظ ان ذلك المسجد، هو نفسه الذي رأه في حلمه، فراح يقلب عينيه حتى ثبتهما على صندوق قديم مقفل، فراح ابي على الفور لتفقده، فوجده مقفل باحكام
حاول ابي ان يفتحه بشتى الطرق، و لكن لم يتمكن منه، ثم تأفف في قلة حيلة، قبل ان يقاطعه نور القلوب، قائلا:
"طرق الاسرار بدأت اذن يا أبي ..."
فقاطعه أبي على الفور، بان وقف، و اعطى نظرة مكللة بالفخر لنور القلوب، و قال:
"صدق من سماك نور القلوب!"
فلقد انعشت كلمتا "طرق الاسرار" بيت الشعر الكامن في ذاكرة ابي ....
يا طالبا لطريق السر تقصده ... ارجع ورائك فيك السنن و الدرر
رجع ابي خطوة الى الوراء، حسبما قال بيت الشعر، حينها، وجد شئ اصطدم بقدمه، لقد كان مفتاح ...
اخذ ابي المفتاح على الفور، ثم فتح به الصندوق، ليجد مكتوبا .... وصية الولي الثاني ....
"نصف الطريق الى الرأس، موجود في المملكة التي جئت منها، فقط اعمل بكلام الامام علي ابن ابي طالب:
العجز عن درك ذات الادراك ادراك ...... و البحث في سر ذات الاسرار اشراك"قرأ ابي الوصية بحذر و بطء بالغين، متفقدا اى كلام قد يكون ذا معنى بين السطور، فما شهده من ذكاء الاولياء و حنكتهم في اخفاء وصاياهم، قد حتم عليه ذلك
فقد ابي وعيه بعد قراءة الوصية، و حين استعاد وعيه و حواسه، وجد نفسه ملقى على سريره في بيته، بيته الباقع في مملكة الشمال، و اول ما شغل باله هو نور القلوب، فوجده ملقى الى جانبه، لم يستعد وعيه بعد، الامر الذي فرغ باله مجددا، ليستوعب الاحداث الاخيرة
قرر ابي ان يكف عن التعجب، و مراجعة الاحداث في كل مرة يحدث فيها امر يثير الاستفهام، فمن الافضل له ان يكضي في طريقه قدما، فان الاحداث الاخيره، قد برهنت له ان امرا عظيما على وشك الحدوث، امرا عظيما حقا .....
و بعد ذلك القرار، خرج ابي من غرفته، فوجد اباه جالسا على كرسيه الخشبي القديم، سابحا بخياله الى ما وراء الخيال، مستدلا على ذلك من عيناه الباهتتان كالنجوم المنطفئة
"ابي، ولدي، اين كنت؟"، كلمات نطقها فتحي بتلعثم، الذي تابع تلعثمه، قائلا:
أنت تقرأ
وصايا الدراويش
Historical Fictionفي قديم الزمان حكم الارض قوم عاثوا فيها فسادا، حتى جرى الدم تحت ارجلهم كالشلال، و ما شجعهم على ذلك، هو نعم الله التي لا تحصى عليهم ...... او هكذا ظنوها على الاقل ..... و لكن كيف اذا كان الهدوء يسبق العاصفة ..... و ما بالهم اذا كانت العاصفة من ظهورهم...