الجزء الثاني
توجه رائد إلى غرفة مكتبه بعد ان امر شاهيناز ان تذهب بنارا إلى الفراش... وقف و أزاح الستارة عن النافذة و راقب الجسد الضئيل يكافح ليصمد أمام الرياح القوية قبل ان يختفي وراء الطريق... أحس بالغضب لكنه لم يعرف هل يغضب من صهره لأنه وضعه في هذا الموقف أم يغضب من نفسه لأنه رمى بتلك الفتاة خارجا ....رغم انه عصبي لكنه بعمره لم يكن قاسيا بهذا الشكل لكن هذه الفتاة اثارت فيه غريزة الخطر... احس أن وجودها خطر ليس لأنها خرجت توا من السجن بل أحس أنها خطر عليه هو بحد ذاته خطر على سلامته النفسية...
دخلت شاهيناز: ما بك مشغول البال؟،
التفت لها: لالا شئ يا شوشو ،
قالت له: لم أرك بها الغضب منذ سبع سنوات....
أكمل عنها: منذ تركتني سمر من اجل ذلك الرجل أليس هذا ما ترغبين في قوله؟،
أنبته بلطف: نعم لكن دعك من هذا و اخبرني ماذا فعلت هذه المسكينة لترمي بها خارجا في مثل هذا الجو؟ كل هذا لانها محكومة سابقا،
نظر لها: إذن فقد استمعت إلى حديثنا،
قالت له: نعم فصوتك كان من الانخفاض لدرجة أنه وصلني و انا في المطبخ لا أدري ماذا فعلت هذه الصغيرة و أنت تصرخ بها بذلك الشكل المفزع،
قال باصرار: لن اجعل من مجرمة مربية لابنتي إنها خطر،
ابتسمت شاهيناز: خطر على نارا ام على والد نارا؟، زفر رائد بغضب: توقفي يا شوشو عن التفوه بهذه الحماقات،
قالت له و كأنها تجاري طفل صغير: حسنا سأعتبرها حماقه... أشارت للنافذة: أتعرف ان هذه المسكينة أتت مشيا كيف لها ان تمضي في طريقها في مثل هذا الجو،
صاح بحنق: سوف تتدبر أمرها،
سألته: كيف؟،
قال لها: هل لك ان تتوقفي عن الحديث عنها لقد مضت في سبيلها كما أنني متاكد بأنها لو احست بأنها ستتعرض لأذى ما ستلبث أن تعود أدراجها إلى هنا، قالت: لاأعتقد، ثم خرجت و هي تضحك.
مرت ربع ساعة و بعدها بدأ المطر يهطل،
أخذ رائد يتمتم: ياإلاهي... ماهذه المخلوقة الغريبة سوف تقتل نفسها لو استمرت في المشي في هذا الجو، نظر خارجا: لما لم تعود؟، ذهب للمطبخ حيث توجد شاهيناز التي حينما راته يفتح الخزائن و يخرج السلاسل سألته
و هي تبتسم: هل ستذهب إلى مكان ما؟؟،
شد على كلامه في غضب: هذه الحمقاء ستتسبب في موتها سوف أذهب لاحضرها و لسوف ادق عنق رؤوف عندما أراه، خرج رائد بعد ان ارتدى معطف واق من المطر،أغلقت شاهيناز الباب وراءه و ضحكت: ربما يستحق رؤوف الشكر لا الضرب.
عندما بدأ المطر بالهطول أحست نور بالماء يتخلل ملابسها و بدات أسنانها تصطكك، فكرت ان تعود للفيلا مرة اخرى لكنها تذكرت نظرة الغضب في عيني رائد ففضلت أن تتجمد بردا على ان تعود و تواجه غضبه و احتقاره لها... استمرت في مشيها و فجأة اختل توازنها فانزلقت و سقطت على ظهرها أخذت تئن في ألم حتى انها ظلت مستلقية فترة قبل أن تستطيع ان تقف مرة أخرى... وقفت و هي تلعن الظروف التي اضطرتها ان تحتاج إلى هذا "الرائد" إن رؤوف لم يوفيه حقه في الوصف فهو أقسى مما يمكن ان تصفه الكلمات قاسي و غير مبال بمشاعر الغير ... انتابتها رغبة حنونية ان تؤلمه .. تضربه .. تلحق به الأذى.
ركب رائد سيارته ذات الدفع الرباعي و وضع السلاسل و البطانية التي يحملها في درج السيارة و انطلق و هو يتوعد لزوج شقيقته... لقد كان يعيش بسلام و سكينة قبل ان تقتحم هذه المخلوقة الصغيرة حياته... في البداية أحس بصعوبة في تصديق ان تكون مجرمة فملامحها كملامح الأطفال بالإضافة إلى نظرة الذعر التي لاحت على وجهها و هي تخبره بتاريخها في السجن....زاد من سرعة السيارة و عندما لم يجدها على الطريق زاد
غضبه
و صاح: بماذا تفكر هذه الفتاة المجنونة..سوف
تموت بردا،
رأت نور أضواء سيارة قادمة من بعيد فوقفت في منتصف الطريق و أخذت تلوح بذراعيها في لهفة، عندما اقتربت السيارة أبطأت... كانت نور على وشك أن تقفز في السيارة إلا أنها رأت ذلك الوجه المكفهر غضبا فالتفتت و اكملت سيرها، قاد رائد السيارة بجوارها ببطئ
وصاح: اصعدي للسيارة أيتها المختلة،
وقفت و التفتت له: صن لسانك أيها السيد ...
قاطعها: إنني اتصرف معك بنبل و شهامة سوف أفقدهم قريبا فاحذري لان صبري له حدود... لوعاد الامر لي لتركتك تموتين متجمدة لكنني أظن أن رؤوف لن يسره ذلك لذا اصعدي أيتها الآنسة العنيدة قبل أن أنزل و أجرك جرا كما...
قاطعته: حسنا ... حسنا، رمت بأغراضها في صندوق السيارة و ركبت،
شغل رائد التدفئة عندما رآها تهتز...بعدما بدأ الثلج الموجود بين ثيابها بالذوبان صارت مبتلة كليا و تحول اهتزازها إلى ارتجافات قوية و أخذت اسنانها تصطك بقوة شتم رائد من بين اسنانه و اوقف السيارة... اخرج البطانية و لفها بها ثم امرها ان تربط حزام الأمان ثم انطلق مرة اخرى،
حاولت نور أن تغلق حزام الأمان لكن يديها المرتجفتين لم تطاوعانها... عندما نظرت لرائد وجدته منتبه للطريق و قد ظهر على وجهه العبوس فلم تطلب منه أن يغلق لها الحزام و أكتفت ان تسند رأسها على الكرسي و تغمض عينيها في استسلام... فقد رائد السيطرة على السيارة فاخذت تنزلق عن الطريق و استقرت بجانب شجرة ضخمة ... أثناء تدحرج السيارة اصطدمت نور بباب السيارة عدة مرات بقوة ثم استقر بها الامر ملقاة في حجر رائد الذي عندما رآها شهق بذعر... رفع شعرها عن وجهها و رآى خيط من الدم يسيل من جرح صغير في جبهتها... أسندها على جانبه و اخذ يحدث نفسه بغضب: هذه الغبية لم تضع حزام الأمان حولها كما طلبت منها،
أسندها رائد برؤيه إلى كرسيها و نزل ليلف السلاسل حول إطارات السيارة ليمنع انزلاقها على الثلج بعد ان انتهى ركب السيارة و أخذ يحاول أخراج السيارة من الخندق حتى استطاع أن يعود بها إلى الطريق ثم أوقفها و تفحص نور التي كانت غائبة عن الوعي لاحظ أن الكدمة في راسها تورمت و ازداد انسياب الدم منها أخذ يصرخ باللعنات لا شعوريا حتى ان نور فتحت عينيها في فزع... أشار لها بأن تهدأ ثم أخرج من جيبه منديل و مسح الجرح ... أطاعته و أغمصت عينيها بألم بعد ان أوقف رائد نزيف الدم من جرحها أدار السيارة و هو يلوم نفسه... لو انه انتبه إلى أنها لم تستطع أن تغلق الحزام لكان أغلقه هو و لما كانت الآن مصابة... نظر إليها و هي مستلقيه في الكرسي عينيها مغلقتين باعياء و كم تمنى لو كانت أقسى من ذلك لو انها لا تبدو بهذا الضعف و قلة الحيلة لكانت سهلت عليه الأمور كثيرا.
عندما وصلا التفت لها كانت ما تزال نائمة و كان وجهها شديد الشحوب عندما مد يده ليفك عنها الحزام وجدها ترتجف، نزل من السيارة و حملها،
ما إن رأته شاهيناز حتى ركضت باتجاهه: يا إلاهي ماذا حدث لها؟ ألم أقل لك..إنها أعند من أن تعود إلى هنا من المؤكد انها الآن مريضة جدا،
قال بغضب: أظن أنني أنا من سيصاب بالمرض، وضعها على الأريكة التي كانت مستلقية عليها قبل ساعة و خرج ليجلب أغراضها، عندما عاد وجد مدبرة المنزل تخلع عنها ملابسها
فسألها: ماذا تفعلين يا شوشو؟
قالت: أتخلص من هذه الملابس المبتلة قبل ان تصاب هذه الفتاة بالتهاب رئوي... اذهب و احضر لها شئ لترتديه فمن المؤكد ان كل اغراضها ابتلت، ألبستها روب لرائد ... كان كبير فلفته شاهيناز حول خصر نور مرتين ثم ذهبت للمطبخ لتحضر لها شئ تشربه عندما تفيق ...
جلس رائد على طرف الاريكة ينظر لها و هي تهمهم بكلمات غير مفهومة و تذكر جملة شاهيناز"هل ستكون خطر على نارا ام على والد نارا" فجأة أمسكت نور يده بقوة و فتحت عينيها و حدقت في الفراغ كانها لا تراه
و أخذت تصرخ: لا تدعوه... لا تدعوه يهرب إنه الفاعل....أخذت ترتجف بقوة...أحاطها رائد بذراعيه مهدئا: حسنا لن أدعه يهرب... لن ادعه، هدت ارتجافاتها و أغلقت عينيها مرة اخرى، ذهب رائد للمطبخ و وجد شاهيناز تحضر الحساء
فقال لها: أظن يا شوشو أن الأمر سيتطلب أكثر من الحساء إنها مصابة بحمى و تهذي بشدة سوف اتصل بالدكتور و أتمنى أن تهدأ هذه العاصفة اللعينة ليستطيع ان يحضر غدا صباحا.
في الصباح كان الطبيب في الغرفة التي خصصها رائد لنور ، عندما أفاقت حاولت أن تغادر الفراش فمنعها الطبيب:على رسلك يا صغيرتي أظن أنك ستظلين هنا لبعض الوقت،
تجمعت الدموع في عينيها و هزت رأسها: لا .. لا أستطيع البقاء هنا،
ابتسم الطبيب: لا أظن أن رائد سيعترض، هزت راسها بطريقة طفولية: لا.. يجب ان ارحل إنه...إنه...
قاطعها صوت رائد الذي كان يقف بالباب و يراقبها: إنه يقبل بوجودك يا آنسة نور و لا داعي لكل هذا الهياج و الاستياء البادي عليك، التفتت له و الدموع تلمع في عينيها،
فقال:إن هذا غير مناسب لصحتك اهدئي.... كان يقف بالباب و قد ربع يديه أمام صدره... أحست بالرهبة منه... التقت عيونهما و احس رائد بالسخط لأنه رآى نظرة الرعب في عينيها كان يعلم أنه لولا وجود محمود _الطبيب_لكانت انطلقت راكضة هربا منه، أشاحت نور ببصرها و اغلقت عينيها مدعية النوم، سمعت الطبيب
يقول: سوف تنام بسبب الدواء فلنتركها تستريح، خرج الاثنان و تركاها...
ما هي إلا لحظات و احست انها لم تعد تستطيع ان تفتح عينيها و ما لبثت ان غالبها النوم.
أيقظها رائد ليلا مرتين لعطيها الدواء.... أحست به و هو يجلس بجانب السرير و خالجها شعور بالاحباط ...أنه يلازمها لكي يحرص على أنها بعيدة عن ابنته و ليس ذلك اهتماما بها و بصحتها... أحست بوخز الدموع في جفونها .... و هي تتقلب رآها تبكي فسألها بدهشة: لما البكاء؟ هل هناك ما يؤلمك؟،
قالت بضعف: لا إنني على ما يرام... أرجو ان تتركني وتذهب لتستريح لا تخف لن أخرج من الفراش و أسرق أي شئ ليس بي قوة لفعل ذلك،
زفر في احباط: توقفي عن التفوه بالحماقات و نامي، لف الغطاء حولها
لكنها رفعته مرة اخرى: لا إنها الحقيقة إنك تلازمني لأنك تخاف أن أخرج...
قاطعها بغضب: اطبقي فمك الصغير يا آنسة كل ما أريده أن تستردي عافيتك و بسرعة،
قالت: لأرحل من هنا سريعا أليس كذلك؟،
قال لها بهدوء:إذا كان هذا ما تريدين أن تفكري به فحسنا هذه رغبتي... هل ارتحتي الآن هيا نامي و لا ترفعي الغطاء عنك.... أغمصت نور عينيها و نامت... ظلت نور طريحة الفراش قربة الأسبوع .يتبعــــــــــــ...........
أنت تقرأ
رواية بريئة ..... * مميزة *
Romanceكانت نور تكافح لتصل إلى فيلا(رائد) رجل الأعمال الذي دلها محاميها على عنوانه و أخبرها أن تذهب لتعمل عنده.... كانت رياح الشتاء شديده جدا و احست نور أن أطرافها ستتجمد، نظرت في الورقة التي تحملها و عرفت أنه لم يتبقى إلا القليل لتصل إلى الفيلا و تقابل رب...