يوم..گ دمعة مظلوم

82 1 0
                                    

قصة قصيرة
يوم ..گ دمعة مظلوم
‏⁧‫#حنان_وليد‬⁩ ‏
آهاتُنا مغلولةٌ وكفُّ ريح  القمح غادرنا صوب لغاتٍ هجينة، يتمتم بها لسان "دنهش"! متبلد (الشيطان) ليذكرنا بخيباتٍ قديمة ،على وقعِ نقرات غراب  ظلمة اللحد. يوشوش لأبن ابينا ليكمل ما بدأت  يداه الأثيمة ،لا صوت يخرج من حنجرة الليل العقيم ، تستفيقُ الشمسُ من فراش لا يحرقهُ لهيبها معلنةً إحدى صباحاتنا التعيسة المليئة  بالمعاملات الورقية حدَّ تخمة الضواري الكاسرة بفريسة سمينة، بينما أحادثُ زميلتي بالعمل ،دخلتْ علينا  امرأةٌ  ثلاثينيّةُ العُمرِ تُخبئُ وجهَ إعيائها بعباءتها المستهلكةُ، عيناها تنطقُ عنها من شِدَّةِ الألم،ِ هزيلةُ الجسدِ ،  نحيلةٌ و شاحبةُ اللونِ، اغتال الزمانُ بسمتها من ذاكرتها المجهدةُ من جراء  شظفِ العيش .
وقفتْ أمامنا دون أنْ تُحدثَ صوتاً، حتى السلام لم تُلقهِ علينا ، الصمت ظل ساريا إلى أن رفعتُ رأسي مستكشفةً لتقعَ عيني عليها وليرحل الصمت. كانت منكسرةً، صامته كحجر أصم ، وأنا أكملُ الحديثَ مع زميلتي؛ قطعَ لسانَ حروفي "لا ارادياً " لأقولَ : مريمُ حادثي "الحجية" ماذا تريد!! مريمُ تنظرُ لها وتسألها :
"حجية" ما الخطبُ؟ ماذا تريدين؟  لعلّي أستطيعُ أنْ أُنجزهُ لكِ .
  محمرَّةَ العينين ،ِ تقفُ الدمعةُ على مِحْجرِ الجفنينِ تأبى النزول،َ أذابَها العِوزُ لتجيبَ بطعم اليأس وصوتٍ مخنوقٍ يصاحبه  بعض السعال الذي تحاول كتمه خجلاًأَعيتْ سمع أُذُنيَّ، تُبادُرها مريمُ :
اقتربي أمَّاهُ! لا أسمعُ ما قلتِ .
تقتربُ المرأةُ  حيثُ كنتُ أنا واقفةً ومريمُ تجلسُ على كرسيّها الذي تعِبَ منْ كثرةِ ما سمع من شكوى المراجعين.
تقولُ: كنتُ أعملُ موظفةَ خدماتٍ في إحدى مدارسِ منطقتي السكنيةُ بعقدٍ سنوي، يُجدّدُ عند انتهائه وظلَّ الحالُ كما كان عليه طيلة أربعِ سنواتٍ، مع وعودِ التثبيتِ بالتعيينِ على الملاك الدائم، لكن دون تنفيذ، وكانت لي صديقةٌ تتحرى لي الأمرَ دائماً وتنقلُ لي ما يُقالُ لكن لا يهمُني ذلك كوني راضيةٌ بما يعطى لي، فتسألها مريمُ :
وماذا تريدين الان!؟
تمسحُ دُموعَها التي انهمرت بمرارة الحزن دون إذن لتثور بتنهيدة  حسرةٍ دون دخان ،تُواصلُ كلامها "نعم راضيةٌ " لكن  لي زوجٌ عليلٌ أرعاهُ وولدانِ وبنت، ونسكنُ بمنزلٍ استأجرتهٌ حديثاً بعدما طُردنا من منزل أخو زوجِي، قمتُ وأمرت  ولدي البكر(لم يخط الزمن شاربهٌ بعد) أن ينزلَ إلى السوقِ بعد دوام المدرسة
. ‏سألتها (هنا): ماذا يفعل؟؟
تجيب: ليعمل ويساعدني
. ‏- ماذا يعمل؟
‏- يبيع اكياس بلاستك للمتبضعينويساعدني على لقمةِ العيشِ ،  وكنا راضين بذلك. الى أن جاءنيالمديرُ في أحد الأيام وكنت أقومُ بعملي(تنظيف المدرسة) يهرولُ مسرعاً وممسكاً الهاتفَ صارخاً" " أم سلام أم سلام" بصوت عالٍ ونبرةٍ تُنبىء  أن مكروهاً قد وقعَ  ، لا أعلمُ ما هو! تسارعتْ نبضاتُ  قلبي  و ساقايَ لم تعد  تستطيعان حملي  للوصولِ إلى غرفةِ مديرِ المدرسةِ، فأتى  هو بنفسه إليَّ. - ام سلام : ابنك أُصيبَ في تفجير
! ‏ - ماذا.. ماذا تقول؟؟
ببالٍ شريدٍ ،  أين؟ بأيّ تفجير!؟
- قالوا ليلقد نقل بسيارة الاسعاف الى المستشفى.
ليغمى علي من هولِ الخبرِ الذي أحرق  روحَي  المنهكةُ،و أستُفيقُ على أصواتِ مَن حولي ، أصرخُ "ولدي سلام" "ولدي سلام" ...
التحفت عباءتي وركبت  مع المدير ليوصلني للمستشفى  وأبحث عنه ..لتخبرني  إحدى الممرضات أنه أُدخلَ غرفةَ العمليّات، لتستدرك ، لا عليكِ سيخرج بعد وقت قصير انتظريه هنا.
وتأكلني دقائقُ الانتظار، عيناي  تراقب بحذرٍ خوفاً أن تفوتني  لحظةُ خروجه من صالة العمليات. ‏حائرة أنا لا أعرف ماذ أفعل ! أأبكي ؟؟، أأسكت ؟؟، الألمُ يعتصرُ قلبي ،أصبّرُ نفسي  بذكر الرحمن، أقنعُ نفسي  التي تحترقُ شوقاً للنظرِ إليه ، نعم نعم لم يُصبْ بمكروهٍ يلهجُ لساني  بدعاءٍ لألهِ السماءِ: يا الله ، امنحني العمرَ لتبصرهٌ عيني.
يمضي  الوقتُ ،يخرجُ ولدي أرتمي  عليه تقبيلا ولثماً لرأسهِ ويديه. ‏
- الطبيب أأنت أمه؟ٌ
‏ - أجيب: نعم. ‏
- "حجية" الحمد لله على سلامته. ‏
- لتجيب : فدوى لعمرك وليدي  الذي نقل بعدها لغرفةٍ  أخرى  .. ألمحه  بعينِ الحسرةِ والألم. نعم ،  نعم لم يمت والحمد لله  في الانفجار!! ولكن فقَدَ ساقيه !!ويا لفجاعتنا  الكبرى!!
رافقته  في رحلته العلاجيةُ بالمستشفى قُرابةَ الشهرِ ليخرجَ منه  على كرسيّ مُتحرك ، وبعدها بيومين ذهبت  للمدرسةِ لأباشرَ عملي  إلا أنَّ المديرَ أخبرني  أن عقدي  قد أُلغيَ وقامَ بتثبت أصحاب العقود، وخصَّصَ غيري  لخدمةِ المدرسة. سُرقتُ بوضحِ النَّهارِ دون عناء! لمن أرفعُ طلب مظلوميتي؟ أهكذا يعاملننا أبناؤك يا وطنِ؟؟  لقد  تسلطوا على أعناقنا وأرزاقنا عبثوا بنا لم يوقفهم لا دين ولا انسانية  هم كالذئاب التي تصقل أسنانها بعد كل غنيمة معلنه الفوز على غنم بلا أسنان ، أصابهم السامري بعدوى الطمع وقلوبهم كمنازل مهجورة .
تطلب من مريمَ أنْ تُرجعها! "بلسان الرجاء" وتقول : قد طالتنا يد العوز حتى بتنا نأكلُ ما يتصدق به كرم الحيّ وإذا ما أغفلوا عنَّا بتنا جياعاً. تحتارُ الحروفُ على لسانِ مريمَ أيُّ كلماتِ مواساةٍ تتشكل؟ لتنطق: "حجية" والله التعينات بمقر الوزارة، أنا مجردُ موظفةٍ إدارية، لا حول لي ولا قوة، أُعذري تقصيري وعجزي ِتقومُ لتضعَ شيئاً بيديها لم تبصرهُ عيني، كانت كمن ينظرُ لغيمةٍ محمَّلةٌ بباردِ الرذاذِ ينتظرُ اللحظةَ لتمطرَ على صحراءِ روحهِ الملتهبةُ، إلا أنَّ أجنحةَ أحلامهِ ارتطمتْ بجبلٍ من زجاج تهشَّمتْ أمالها. ‏أُشغلُ نفسي عن السمع،ِ لم أتحملُ حجمَ المعاناة التيألحقها القدرُ بها كيف لم ينفجر قلبها لتكتب بشهادة الوفاة سبب الموت أناسك يا وطني، أناس  أقسى من حجرك. ترى كيف استطاع قلبها التحمل ؟؟ أتساءلَ والغضبُ يعلنَ تمكنهٌ من كياني والقلبِ يتفحم فيمَ أصوات صفارات الانذار تصدع رأسي !
لماذا ؟؟ لماذا ؟؟ أُطلقها صوبَ السماءِ لتحلِّقَ بعيداً علها تسمع ويخط الفرج ولو جزءاً يسيرا يسعف حالها.
أُخرجُ ما تحملهٌ حقيبتي من نقودٍ وأَخرجُ من الغرفةِ أنتظرها لأضعَ النقودَ بيدها والدمعُ لوَّثَ وجناتي بلونِ الكُحلِ الذي أضعهُ، لتُهدى روحي أرطال دعاء .
‏                      أنتهى

قصص قصيرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن