الجزء الرابع

143 6 2
                                    

الجزء الرابع:
دخلت إلى غرفة الدكتورة.. بعد أن نادتني الممرضة عدة مرات.. لم استطع سماعها.. و كيف أفعل ؟ كنت منوما بك.. حواسي كلها كانت تصرخ بك.. ففي أذناي بكاء ملك... في أعيني دموع ملك.. و يداي وجنتا ملك..تفكيري كله ملك.. حتى حنجرتي لم تنطق غير ملك.. ملك.. ملك
- ما بها ملكك ؟ !!
-عفوا؟!
- الفتاة التي خرجت قبل قليل يا دكتورة.. لماذا كانت تبكي ؟!
-اهه أتعرفها ؟... المسكينة تعاني من نفس مرضك, و نحن لم نستطع تدبر متبرع آخر.. كنا نريد لو نفرح قلبيكما معا.. لكنك تأتي قبلها في لائحة المنتظرين...
لو تعرفين ما الذي حدث بداخلي لحظتها يا ملك... توقفت أنفاسي.. توقفت حركاتي.. حتى قلبي الذي أردت ان أصلحه كاد أن يتوقف... ظلت كلماتها تردد صداها على مسامعي.. ملك.. مسكينة... مرضك... معا.. لائحة.. قبلك.. ملك... آه لو مت و ما عشت هذه اللحظة... كنت سأقتلك؟.. كنت سآخذ حياتك لأحيا لأجلك؟.. كيف كنت لأحيا عمرا مديدا و انت لست فيه.. كيف كنت سأعيش بقلب انت لن تأخذيه...لقد لعبت بنا الحياة يا ملك.. بطريقةقذرة جدا تستمتع بحرق أرواحنا.. و القدر هو الآخر.. متبختر في حجرها يأكل الفشار.. يستمتع ب إعطائنا فرصة ثم بقضمها.. كما قضم آدم تلك التفاحة التي غيرت مسار البشرية.. قبلها كنا لنكون في الجنة.. و انت كنت لتكوني ملاك.. و أنا خادمك.. أسقيك شرابا و أخبرك عن مدى جمالك و نقائك.. لكننا هنا.. و بحوزتي نصف فرصة صممت على استغلالها.. تمنيت حينها لو ان ظروفنا مغايرة .. لو اننا التقين
بطريقة أخرى .. في عالم آخر.. بقلوب أخرى .. في مكان آخر.. في مقهى
مثلا.. انت تجليسين بأناقة.. تأخذين كأسا من الكابوتيشونو.. المفضل لديك.. و تقرئين رواية لاحلام مستغانمي.
و انا أجلس في الطاولة المجاورة... أكلمك عن الكاتب لأتغزل بك... أو في إحدى الحفلات مثلا.. انت تعزفين .. و أنا أصفق لك.. ثم أهديك باقة من زهور الياسمين.. المفضلة لديك ..
و أخبرك عن مدى روعة عزفك و احساسك.. لأتغزل بك..لكن تلك ليست حياتنا.. و ذاك ليس قدرنا.. فالسيناريو الذي أعده القدر خصيص لنا.. من نوع القصص القصيرة.. لا نملك وقتا كثيرا فيه.. لكنه وقت من ذهب.. كانت هذه فرصتي .. الوقت الذي سنمضيه معا سيقاس بسلم اللحظات.. لحظات كثيرة يا ملك.. كثيرة جدا.. كنت أعد نفسي من المحظوظين... فأنا لم احتج لاختلاق حجج لالتقيك.. فقدكانت لدي كل الحجج...
بعد حديث مطول مع الدكتورة ... خرجت اقتفي اثارك .. متبعا خطوات رائحتك و كأنني خليفة باتيست غرونوي . . وجدتك جالسة عند عتبة الباب .. كنت لا تزالين تبكين ... و يديك الجميلتين لا زالت تمسح دموعك تارة...و انفك المحمر تارة أخرى.. تقدمت اليك .. و انا انظر اليك..بسكون تام...ربما لهذا انت لم تتفطني حينها .. انني كنت ابكي معك .. لكن بدموع جافة .... كنت اتكلم معك و اواسيك ...لكن بكلمات صامتة ... لم اجد سبيلا لكسر سكوني غير يدي..التي مدت اليك منديلا .. ليخلص يديك من العمل الشاق الذي كلفت به و هي لو توجد من اجله ... نظرت إلى المنديل ..ثم الي.. ثم إلى الأرض ...بابتسامة ساخرة قلت لي :
-تقتل ثم تعزي
-عفوا؟
-ماذا تريد ! اذهب و احتفل بقلبك
-اتتخلين عنه بهذه البساطة
- هه! و كأن لي حق الاختيار !
-ربما ..
-ماذا تقصد ؟
- تفضلي ..هذه الورقة اعطيتني اياها الدكتورة .. يكفي ان نوقع عليها نحن الاثنين .. ليصبح القلب لك !
-أحقا ما تقول !!....انتظر!...لماذا تفعل هذا؟ ..اسمع انا لست ذلك النوع من البنات !
- و من قال عكس ذلك ؟
-لماذا تفعل هذا ؟.
-لماذا لا افعل ؟ .
-و انت ؟
- و انا ؟
-لماذا ؟ ..
- لنقل انني لا أريد ان آخذ حق احد
- اذن ؟
-اتبثي لي
-ماذا !
-انك تستحقينه !
- ما هو ؟
- قلبي
- عفوا ؟!
- اقصد قلبنا
- اووووهه ! " هاوشتني" ... سأفكر بالأمر , اترك لي رقمك و ساتصل بك.. تسارعت
في اعطائك بطاقتي ...ربما لانني خشيت ان استيقظ من حلم جميل لأعيش واقعي الاليم... او ربما.. لانني كنت سعيدا جدا.. فقد كنت ستتصلين ب هاتفك انت.. و تكلمينني ب صوتك انت... معي انا... ستطلبين لقائي انا... أعرف انني أبدو كالمخبول و انا اكلمك هكذا... ربما فقدت معظم جاذبيتي... لكن يجب ان افضفض لكي... يجب ان اعوض عن كل المرات التي اردت ان أقول فيها لك احبك و سألتك بدلها كيف حالك.. عن كل المرات التي لم استطع ان اخبرك فيها عن مدى اشتياقي اليك... و كم هي كثيرة الاشياء التي لو اخبرك بها يا ملك...فمثلا انا لم اخبرك انني يومها اتبعتك ... إلى منزلك الموجود في شوارع القصبة العتيقة ...رأيتك تركنين سيارتك التي تضاهي حيك عتاقة .. ثم تصعدين كل تلك الدرجات بسرعة سونيك .. تفطنت يومها .. لسر محافظتك على قوامك الرشيق ... تبحثين بعدها عن قطتك " ربيعة " ..لم افهم حتى الآن لماذا سميتها بذلك الاسم ... تجدين القطة فتحملينها و تقبلينها و كأنها مولودك الجديد .. تدخلين و اياها لمنزلك الجميل المتواضع ....لم اخبرك ايضا .. انني في اليوم الموالي استيقظت باكرا -و ذلك ليس من عادتي - فقط لأراك تخرجين ، اردت ان احفظ كل تفاصيلك يا ملك .. كل لحظاتك و عادتك ... و معارفك و صفاتك .. اردت ان اجمعها كلها في دفتر وهمي .. و استخدمه كدرع لاثباث حبي لك .. اردت ان أشعر انني استحق ان احبك ... لم يكن لدي ادنى فكرة ان ذاك الدفتر سيتحول الى حقيقة .. انني في يوم ما سأشعر بحاجتي للكتابة عنك لأشعر بقربك مني ... ففي آخر لحظة لنا معا .. كنت قريبة مني بقرب القمر من نفسه .. في رقصة "السامبا " خاصتتا .. اردتها ان تكون مفاجأة حفلة عيد ميلادي .. لقد اشرفت بنفسك على تنظيم هذه الحفلة .. لأنك كنت تؤمنين ان سن الثلاثين سن مهم جدا بالنسبة للرجل ... فهو سن نضجه لذلك يجب الاحتفال به ... لكنك نسيت يا ملك .. بل تناسيت .. انني لن أعيش مرحلة نضجي .. بل ستعيشينها انت في خضم شبابك .. لم اعرف لماذا اخترت رقصة السامبا بالذات .. رقصة الحب و الرغبة و الاحاسيس .. اظن ان ربما بين ثنايا هذه الخطوة اردت ان تقولي ان نضجي كان بحبك .. ربما تعرفين انني احبك بعدد النجوم .. رغم انني لطالما حاولت ان أخفي عنك ذلك .. لم اردك ان تقعي في حبي .. لم اردك ان تعاني بعدي .. فانا كنت سأموت لأحييك. . فاردت ان أخرج برشاقة من حياتك .. أن أضمن سعادتك من بعدي ...لكن كانت للقدر رواية أخرى ..
رأيتك تخرجين من منزلك بابتسامة و تفائل جميل ..تطعمين القطط قطع من "الكاشير" .. و ما اكثر قطط حيك يا ملك ...تشترين لنفسك "الزلابية " .... تسلمين على افراد حيك فردا فردا ... استطيع ان اقرأ في وجوههم مدى حبهم لكي ... كيف يمكنني ان لا اتنازل عن قلبي من اجلك .. فان انت ذهبت .. سيحزن "بعدي" جمهور وفير .. سأحزن أشخاص كثر .. اما اذا ذهبت انا .. فصدقيني .. لن يحزن "بعدك " الكثير .. فانا انقطعت عن عائلتي حين قررت العودة إلى الوطن .. ولم تبقى الا أمي الحبيبة التي تسأل عني من حين لآخر .. اما أصدقائي ..فلا املك الا صديقي و اخي "سمير" و زوجته "يارا " التي هي صديقتك و اختك .. اتذكرين عرسهما يا ملك ؟.. كان صخبا جدا .. زفافا تقليديا جزائريا محض .. و كنا نحن ضيوف الشرف ... فقد التقا عن طريقنا.. استمتعنا كثيرا يومها ..لكنني في داخلي تمنيت لو انه كان زفافنا....

إعزفي على اوتار قلبي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن