تمطت ريانون تريح عضلاتها المتشنجة وأبعدت أوراق الضرائب بعد أن انتهت منها. ربما عليها توظيف محاسب ليهتم بالمعاملات المالية. لطالما استمتعت بالتعامل مع الأرقام, إلا أن ساعات النهار محدودة لسوء الحظ, وهي تفضل قضاءها في العمل في فنها عوضا عن إجراء الحسابات.
وتذكرت الوعد الذي قطعته لغابرييل.
وتذكرت غابرييل! اقتحم ذاكرتها بقوة وثقة. إنه ذكي جدا, وقد فطن لما يدور في خلدها, كما أيقظ مشاعر لم تكتشف إلا مؤخرا أنه يصعب العيش من دونها.
كانت مرتاحة, آمنة وراضية تعيش في القمقم الذي بنته لنفسها.
لكنها لم تعد مرتاحة الآن, بعد أن فقدت توازنها بسبب غابرييل هادسون.
كانت قد علقت صورة الملاك فوق مكتبها لتراها مرارا خلال النهار ما يساعدها على الإبداع. فهل السبب الذي يمنعها من عدم التفكير به؟ حدقت للحظة إلى الصورة, ثم تناولت ورقة بيضاء وبدأت ترسم.
مرت ساعات طوال واستعملت أوراقا وأوراقا إلى أن عادت من رحلة الأحلام.
نظرت إلى الساعة الموضوعة فوق مكتبها وأيقنت أنها عملت حتى ساعات الصباح الأولى, وأنها تشعر بالبرد. لكنها علمت بما ستزين حائط غابرييل.
كانت عيناها مثقلتين من النعاس,ولم تحبذ فكرة الذهاب وحدها إلى موقف السيارات, فتناولت الهاتف وطلبت سيارة أجرة.
بعد بضع ساعات, دق المنبه في الموعد المعهود, فاستيقظت وقفزت من سريرها.
كانت جانيت في المطبخ تعد القهوة, فرمتها بنظرة غريبة.
-عدت متأخرة مساء أمس. أكنت في موعد مسل؟.
ردت ريانون, وهي تتناول فنجانا:" كنت أعمل. أعتذر إن أيقظتك".
-لا, لقد عدت لتوي. العمل ليل نهار ليس مفيدا لصحتك. كم من الوقت مر على خروجك في موعد؟.
جانيت من النوع الذي يهتم بشؤونه الخاصة عادة, إلا أنها قلقة عليها وإلا لما طرحت عليها مثل هذا السؤال.
دافعت ريانون عن نفسها:"أمس الأول".
-أحقا؟.
وتابعت جانيت وهي تسكب الماء الساخن في فنجان:" وهل استمتعت بوقتك؟".
-نعم, إلى أن... اسمعي جانيت, فلنفرض أن رجلا ما بحث عن عنوان منزلك وعرفه من دون علمك... فهل كنت لتنزعجي؟.
-إن كان يعجبني حقا وقد بحث عن عنواني ليرسل لي الورود أو ما شابه, فقد أسر لذلك. طالما لا يستخدم عنواني لمطاردتي وإزعاجي طبعا.
وضعت ريانون السكر في قهوتها وحركتها. كانت ترتجف من البرد فارتشفت القليل من القهوة لتدفئ نفسها.
سألت جانيت:" هل أنت قلقة؟".
المنطق يقول أن غابرييل هادسون لا يفتقر إلى صحبة فتاة, كما أن جانيت فتاة رزينة وواقعية, ورأيها مهم. أجابت:"لا".
أمضت ريانون الأسبوع وهي تترقب دخول غابرييل إلى صالة العرض, لكنه لم يفعل.
في نهاية الأسبوع, أنهت اللوحة للكنيسة, وفقدت كل عذر لتأجيل لوحة غابرييل لوقت أطول.
في الأسبوع التالي, وضعت المخطط النهائي للوحة الموزاييك, وزارت في عطلة نهاية الأسبوع بعض التجار.
نهار الاثنين, كانت قد وضعت عرضا مفصلا للأسعار, وفيما راح بيري يهتم بالزبائن, جلست إلى مكتبها تحدق إلى الهاتف لدقائق طويلة, ثم تناولته واتصلت.
حين أوصلتها السكرتيرة بمكتب غابرييل, أخذت نفسا عميقا وقالت:" لقد حددت الكلفة, وهي..." وذكرت المبلغ.
لم يجب فورا, فتابعت:"أعرف أنه مبلغ كبير, لكن.."
قاطعها:"إنه ثمن معقول, ولن أجادلك, لكنني أريد رؤية التصميم النهائي, قبل أن نوقع العقد".
-طبعا, كنت سأقترح هذا.
-إن كنت لا تريدين مغادرة صالة العرض فأستطيع أن أحضر إليك. هل يناسبك أن نلتقي في الحادية عشرة والنصف؟
-حسنا.
قالت هذا وهي تشعر بالغرابة, لقد أبعدته عنها وطلبت منه إبقاء علاقتهما على مستوى مهني. وقد استجاب لطلبها, ويقترض بها أن تسر لذلك.
-سأحضر في الموعد.
بدا جافا, هذا ما خطر لريانون وهي تضع سماعة الهاتف. ولاحظت أن يديها متعرقتان لكثرة ما شدة على الهاتف وارتبكت.
وضع غابرييل سماعة الهاتف وراح يحدق إليه وهو يمرر قلمه مرارا وتكرارا على دفتر المواعيد الذي وضعته السكرتيرة أمامه.
شعر برغبة جامحة في الذهاب فورا لملاقاتها, وهي الرغبة نفسها التي كبحها طيلة الأسبوع الفائت. موعدهما في الحادية عشرة والنصف, وقد يتمكن من اقناع ريانون بمرافقته لتناول الغداء. سيقول لها إنه غداء عمل. حبذا لو يستطيع أن يرى شيئا ما في التصميم, شيئا لا يعجبه, فيقنعها بتناول الغداء لمناقشة المسألة. نعم! قد تنجح هذه الفكرة!.
إلا إذا استخدمت هذا الأمر كعذر للتهرب من المشروع. عندئذ, جمدت يده وتوقف عن تحريك القلم.
إنه واثق من تعلقها بمشروع لوحة الموزاييك, ومن تحمسها لإتمامه, هذه ورقته الرابحة. وما إن يوقعا العقد, حتى تعجز عن التراجع والخروج من حياته إلى أن تنهي المشروع. أما هو فسيراقب تقدم المشروع, إذ سبق أن منحته الإذن لمشاهدتها تعمل.
آه, كم يتوق لرؤيتها تعمل!
تأخر عمدا عن الموعد خمسة عشر دقيقة واعتذر مدعيا أنه تأخر في اجتماع طارئ وأن الوقت داهمه. كانت صالة العرض تعج بالزبائن, فاضر إلى الانتظار لدقائق قبل أن تتفرغ له.
تجاهلت العذر الذي قدمه, وقالت وهي ترشده إلى الباب:" يتحسن أن ندخل إلى الغرفة".
عندما اتجهت إلى مكتب موضوع في زاوية الغرفة, ألقى غابرييل نظرة في الأرجاء. إنها غرفة أكبر مما توقع, لكنها أشبه بمكان للعمل, خال من أي طابع شخصي.
-هذا هو التصميم, آمل أن توافق عليه.
اقترب منها وأمسك بطرف الورقة التي كانت تلتوي فيما ثبتت ريانون الطرف الآخر.
كانت الألوان شبيهة بألوان الصورة التي أرته إياها سابقا. وبالرغم من أن اللوحة إيحائية, إلا أنها تبرز الملاك وجناحيه الفضيين, كما يتجلى وجهه وشعره الطويل الذهبي.
سألها:" هل تستطيعين نقل هذا الرسم إلى لوحة موزاييك؟".
-نعم, لكنني سأستعمل المعدن للخطوط الفضية. فكرت أولا باستخدام الزجاج, إلا أنني عدت وارتأيت بأن المعدن سيمنح هذه الخطوط نعومة أكبر مقارنة بباقي الألوان. فهل تعجبك؟.
تذكر خطته فسأل:" هل لك أن تفسري لي بعض النواحي الرمزية للوحة؟".
ظن أنه لا يحتاج إلى إيضاح, لكنها كشفت له أمور لم يلحظها, بالرغم من أنه كان يحدق إلى تعابير وجهها وملامحه, عوضا عن النظر إلى إصبعها الذي يشير إلى مختلف عناصر اللوحة.
استقامت وردت خصلة من شعرها إلى خلف أذنها, فلاحظ لمعان عينيها. وللمرة الأولى لم تسيطر على تعابير وجهها, فبدت ساحرة واستحوذت على قلبه. تملكه سرور بريء لم يعرف له مثيلا من قبل.
ولا بد أن شعوره بان في وجهه, إذ رأى عينيها تتسعان وشفتيها تتباعدان, فشعر برغبة ملحة في احتضانها, لكنها تراجعت إلى الخلف مفلتة الورقة من يدها.
رفت يدها إلى شعرها, ثم ضحكت وقد بان عليها القلق:" هذا كل شيء, آمل أن يكون هذا مطلبك".
أيقن أنها تنتظر حكمه, وعجز عن الادعاء بوجود خطب ما, فقال:
-إنه رائع! تماما كما أريد, لا بل أكثر بكثير مما توقعت.
استرخت ريانون قليلا, حتى أنها ابتسمت ابتسامة صغيرة حذرة.
-إن كنت راضيا, فقد حضرت نسختين من العقد.
ابتعدت عنه وفتحت درجا من أدراج المكتب.
لا, لم يكن راضيا تماما, وهو لن يعرف طعم الرضى ما لم تصبح له, يريد أن يرى تعابير وجهها عندما تنظر إليه وليس إلى لوحة فنية, يريد أن تتغير تعابير وجهها فتمتلئ بالحب والشغف لمجرد رؤيته.
انحنت وتناولت ورقتين من الدرج, فيما راح غابرييل يتأمل تفاصيل جسمها بإعجاب.
قالت وهي تستدير نحوه:" إن كنت تريد إجراء أي تعديلات. . . ".
تغيرت ملامح وجهها, وظهر عليها الامتعاض. أحس غابرييل بالذنب, فأشاح بنظره وادعى النظر إلى ساعته, ومن ثم إلى الورقتين اللتين تحملهما في يدها وسأل:" لم لا نناقش الأمر حول غداء عمل؟".
قالت ريانون في نفسها إنها مخطئة حتما, فغابرييل هادسون ليس من الرجال الذين يتأملون النساء كنمر يستعد للانقضاض على فريسته. واقتراح الغداء صادر عن رجل لا يملك الكثير من الوقت ليضيعه, وقد شاء الدمج بين العمل والطعام لتوفير الوقت. وعندما نظر إليها مجددا, بدت عيناه فارغتين من أي تعبير, فقالت:
-غالبا ما يرتاد صالة العرض زبائن كثر عند وقت الغداء, ولا أريد أن أترك بيري بمفرده.
رفت عيناه بشكل طفيف, وهو رد الفعل الوحيد الذي استطاعت ملاحظته, ثم انتقلت نظرتها إلى ما وراءها فأدركت أن بيري دخل الغرفة فيما كانت تتكلم.
قال لها فرحا:" لا تقلقي راي, ألا تثقين بي؟".
-بالطبع أثق بك!.
-إذا اذهبي, أستطيع تدبر الأمور بمفردي.
رفع غابرييل حاجبيه ونظر إلى ريانون:" هلا ذهبنا؟".
دلها إلى الباب فقال بيري ملوحا بورقة:" لدي طلبية أخرى من الشمع الذي وصلنا الشهر الفائت, سأتركها على مكتبك, أراك لاحقا".
-أظن أنني أستطيع الخروج لنصف ساعة.
تناولت حقيبة يدها, ووضعت العقدين في داخلها.
وصلا إلى مطعم فسيح غير مكتظ بالناس, وأرشدتهما نادلة إلى طاولة في الزاوية قرب النافذة. خلع غابرييل سترته, ووضعها على الكرسي قبل أن يجلس, ويطلب لهما الغداء.
سلمته ريانون العقدين, قرأ أحدهما بسرعة وطرح عليها سؤالين فردت برضى, ثم وقع النسختين ووعدها:" سأحرص على أن تستلمي الشيك غدا لتبدئي العمل على المرحلة الأولى من المشروع".
دفع الأوراق نحوها, وناولها القلم الفضي الغالي الثمن الذي استخدمه لتوقيع العقدين لتوقع بدورها.
نظر غابرييل إلى العقد للحظة ثم ثناه ووضعه في جيبه, وناولته ريانون القلم بدورها فوضعه في جيبه ومد يده يصافحها:" هل اتفقنا؟".
سمحت له بمصافحتها, فأبقى يده في يدها للحظة ثم أفلتها.
وبعد أن أحضرت النادلة الطعام سأل ريانون:" متى تستطيعين البدء بالعمل؟ سأطلب تحضير السقالة لك".
-سأجيبك لاحقا, فهذا يعتمد على الوقت الذي أحتاجه لتحضير المواد.
أعادت نسختها إلى حقيبة يدها.
-أما من غرفة في المبنى لأخزن فيها البلاط, فهي ستحتاج إلى مساحة كبيرة؟
-سأتدبر لك مكانا, يفترض به أن يكون قريبا من الحائط الذي ستعملين, عليه أليس كذلك؟.
-إذا أمكن.
-سأجعل هذا ممكنا.
نظرت إليه وهي تقطع الفطيرة المحشوة بالخضار إلى نصفين, فقال:
-إن أراد المرء شيئا ما بقوة, فيصبح أي شيء ممكنا.
-لا!.
وانزلق السكين في يدها فجرحت إبهامها. أفلتت السكين في صحنها ورفعت إبهامها إلى فمها.
مد غابرييل يده, وأمسك بيدها ليرى الجرح الزهري اللون على إصبعها.
قالت ريانون وقد بدأ الدم يسيل:" لم يحصل شيء فالسكين ليس بحاد".
-إنه حاد بما فيه الكفاية.
تناول محرمة وثناها ثم ضغط على الجرح الصغير.
حاولت أن تسحب يدها لكنه اكتفى بالقول:" كفي عن الحراك فيتوقف النزيف بشكل أسرع".
-هذه الأمور لا تحدث معي عادة, لا بد أنك تظنني غبية.
فهذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها لحادث فيما هي تتناول الطعام معه. الحمد لله, أنه لم يكن موجودا حين أوقعت إناء الزهور من يدها عندما رأت الباقة التي أرسلها.
ابتسم:" أعلم أنك لست غبية, فأنت سيدة أعمال ناجحة, وفنانة موهوبة, يا لهذا المزيج!".
-لا يقضي الفنانون كلهم وقتهم وهم يحلمون.
إذا استمر في الكلام, فقد تنسى أن يده تحيط بمعصمها وتدفئ يدها, وتزيد سرعة نبضها, وأن يده الأخرى تمسك بإصبعها المجروح وتضغط عليه كالبلسم الشافي.
-طبعا, ماذا؟ ماقصدك؟..
ضاقت حنجرة ريانون, ولو لم يكن يمسك بيدها بقوة لسحبتها.
-أنا. . . لا أذكر عما كنا نتحدث.
-كنت أقول إن المرء يستطيع الحصول على أي شيء إذا أراده بقوة. وأنت قلت. . . لا.
نظرت إلى أيديهما, ورطبت شفتيها بلسانها, وحاولت أن تثبت صوتها لئلا يرتجف, فقالت:
-لا تجري الأمور دوما على هذا النحو. ليس إذا كان ما تريده مرتبطا برغبة شخص آخر, شخص يحتاج إلى هذا الأمر تماما كما تحتاجه أنت.
أحنى رأسه, فعرفت أنه فهم ما تعنيه.
-ثمة ما يدعى تسوية, وأنا أحاول أن أجعل الأمور مناصفة عندما تتسنى لي الفرصة لذلك.
قالت ريانون وهي تحدق إلى الفوطة المطوية والملفوفة على إصبعها.
-أحيانا يتوجب على المرء أن يخسر.
-أنا لست بخاسر.
شعرت برعشة, فأردف:" ولا أنت أيضا".
التقت نظراتهما. كانت نظراته هادئة ثابتة, وقد انعكس ضوء النهار في عينيه فبدتا فضيتين. قال:"أظن أن النزيف توقف".
رفع الفوطة بحذر, ثم نزعها عن إصبعها بلطف بالغ وأفلت يدها.
-سيلتئم الجرح بسرعة.
نعم فالجراح تشفى, والندب تلتئم مع الوقت, والمعجزات تحصل, فلطالما أدهش المعوقون أطبائهم بشفائهم.
ظهر الفضول في عينيه:" بم تفكرين؟".
هزت ريانون رأسها:"لا شيء".
تناولت الفطيرة من صحنها وقضمت منها قضمة صغيرة متجنبة بذلك الكلام. ليس لديها ما تقوله لأحد قبل أن تتغلب على شياطين الماضي.
قضم غابرييل قطعة من الهامبرغر. لن تخبره حتما ما الذي جعل نظرة التصميم تعلو وجهها, وحول لون عينيها الأخضر إلى نور حاد, وجعل ابتسامتها شبيهة بابتسامة الموناليزا.
كانت ريانون خبيرة في إخفاء أفكارها, وتتقن تماما فن الاحتفاظ بها لنفسها إلا أنها لا تستطيع دوما إخفاء مشاعرها. لقد تعلم أن يقرأ تعابير وجهها, لكنها لن تسر إذا عرفت هذا. ولن يسألها مجددا عما يدور في خلدها لأنها تسلك الآن طريق العودة إلى قمقمها مدعية تناول الطعام.
سألها ليكسر حاجز الصمت:" كيف تجدين طعامك؟".
-لذيذ, وأنت؟.
ونظرت إلى صحنه, فلاحظت أنه لم يأكل إلا قطعة صغيرة من الهامبرغر لأن انتباهه كله مركز على تعابير وجهها وصوتها.
كان نبضها سريعا. ولعل السبب هو إمساكه بيدها, أو الحادث الصغير الذي تعرضت له, فبعض الناس لا يحتملون رؤية الدم.
-لذيذ!.
كان الهامبرغر كبيرا وشهيا, و البطاطا المقلية مقرمشة. وقبل أن يتسنى لها أن تقضم قطعة أخرى من الطعام, قال:" سأحضر لك مفتاحا كي تتمكني من دخول المبنى. فبما أنك ستعملين بعد الدوام, لن تجدي أحدا هناك, وسيكون الباب مقفلا".
-شكرا لك.
لاحظ توترها فأردف:" يعيش الحارس في الطابق الأخير من المبنى, ومكتبه في البهو. إذا واجهتك أي مشكلة. فيمكنك مناداته".
-سأفعل.
أهو شعور بالارتياح ذاك الذي علا وجهها؟ لعلها تتوتر من البقاء في المبنى الخالي بمفردها. إن كان الأمر كذلك, فهي لن تقر بذلك حتما.
تناولت الفطيرة مجددا فبات عاجزا عن رؤية ملامحها.
أنهت ريانون طعامها, وشربت كوب القهوة ثم نظرت إلى ساعتها, ووقفت:" علي أن أذهب".
أبعد غابرييل صحنه, ووقف ليحضر سترته.
كان الشبان على الطاولة المجاورة قد أضافوا كرسيين, ومد أحدهم رجليه معترضا طريق ريانون.
قالت ريانون:" عذرا!".
نظر الرجل إليها وبدأ يستقيم على مهل وهو يتأمل جسمها صعودا إلى وجهها, ثم قال:
-طبعا يا حلوة!.
لم يتحرك بسرعة بل أخذ وقته وراح يتأملها مسترعيا انتباه رفاقه تقدم غابرييل من ريانون ووضع يده حول خصرها, ونظر إلى الرجل باستعلاء.
تحول نظر الرجل إليه, فرفت عيناه ثم استقام ووقف مبعدا كرسيه عن الطريق.
تمتم غابرييل فيما خرجت ريانون من المطعم:" غبي, نذل".
انتبه إلى أنها ترتجف فقربها منه, ثم أدرك أن ما قام به ليس بالتصرف الذكي, فخفف من قبضته:
-هل أنت بخير؟
-طبعا, لم يحصل شيء, إنه مجرد غبي.
عادة, كان غابرييل ليتجاهل ما حدث, لكنه شعر برغبة كبيرة في ضرب هذا الرجل, ومحو الابتسامة البغيضة عن وجهه.
صحيح أنه مجرد حادث بسيط, لكنه كشف عن انزعاجه من هذه التصرفات وهو أمر لم يعهده في نفسه سابقا.
لا يحق لأي رجل أن يعترض طريق امرأة وأن يتنمر عليها, وهذا ما فعله ذاك الساذج في المطعم. لقد استمتع باعتراض طريق ريانون وإحراجها, وجعلها تشعر بالانزعاج.
بغض النظر عما حصل لريانون في الماضي, فالحوادث الشبيهة بما جرى اليوم مهمة بالنسبة إليها وليست عابرة.
يمكنه أن يكتشف ما حدث لها في الماضي. يمكنه أن يوظف تحريا خاصا ليعرف ماضيها. اضطر للقيام بهذا في الماضي لحماية شركته, لكنه لا يستطيع أن يفعل هذا بريانون. لقد وعدها بذلك, عليها أن تخبره بسرها بنفسها.
ترى هل ستثق به يوما إلى حد أن تكشف له سرها؟.
أنت تقرأ
روايات عبير / دقات على باب القدر
Romansaالملخص: تلك الفتاة تحد ينبغي أن ينتصر عليه. كيف لا وهو غابرييل هادسون رجل الأعمال لأنجح في نيوزيلندا. أيعقل أن ترفضه!! ومن هي التي تجرؤ على ذلك! سيحاول بكل ما أوتي من نفوذ و سحر أن يخضعها حتى لو اقتضى ذلك أن يعرض عليها العمل في شركته... إحساسه الداخ...