أعطت ريانون فرصة غداء لبيري وحاولت التركيز على ترتيب الرفوف عوضا عن التفكير بغابرييل هادسون. كانت مستعدة لأن تسامحه على انتهاكه خصوصياتها, وأن تقول له إنها بالغت في رد فعلها.
إلا أن اللحظة المؤاتية لم تحن, وقد أخل الحادث عند مغادرة المطعم توازنها. كانت ممتنة لحضوره القوي, وفي الشارع حين ضمها إليه, شعرت برغبة في الاستسلام لدفء يديه.
لا بد أنه قال مجنونة, إذ انهارت جراء حادث تافه كالذي حصل. كانت تكتب على أحد الملصقات بحذر, وترفع نظرها من حين لآخر لتراقب زبونين دخلا, إلا أنها توقفت فجأة, وجمد القلم في يدها فيما اضطرب نظرها. . . لقد واجهت في السابق حوادث مشابهة ولم تشعر بالانهيار, ليس مؤخرا على أي حال. فهي تشعر بالأمان في الأماكن العامة. كان الرجل يمازحها فحسب.
إلا أن رغبتها بالانهيار و الاستناد إلى غابرييل, لمجرد أنه فهم انزعاجها, أمر مزعج وخطير أيضا. لقد تعلمت ريانون بالطريقة الصعبة أن تتكل على نفسها, وأن تقف على قدميها بمفردها, وتحل مشاكلها. وهي ليست مستعدة للمساومة في هذا, فقد نالت استقلاليتها بعد جهد وعناء.
تمكن غابرييل بطريقة ما من خرق دفاعاتها, دفاعات تحتاجها لتعمل في العالم. وقد انتابها بحضوره مشاعر ظنت أنها تخلصت منها إلى الأبد. وقبل أن تكتشف أنه يعرف عنوان منزلها, كانت تتجه بخطى ثابتة نحو اكتشاف المشاعر التي يحييها فيها, والسماح لها بالنمو والتطور إلى شيء. . . ربما إلى شيء أعمق.
لكن, إن كان الأمر يعني أن تفتح الباب على مشاعر تضعفها. . . فهي لا تستطيع أن تحتمل ذلك على حساب ما اكتسبته في السنوات الخمس الماضية.
عطف غابرييل و حمايته كفيلان بنسف استقلاليتها. إنه شرك وإغواء في الوقت عينه, فإن سمحت له بأن يغريها لتعتمد على قوته,تخلى عنها, فستعود إلى دوامة اليأس التي ابتعدت عنها بحزم. ولم تبتعد مرة واحدة بل اثنتين.
-عذرا؟.
قطع الصوت حبل أفكارها, فنظرت لترى سيدة تقف قبالتها حاملة بيدها لوحة صغيرة.
-كم ثمن هذه اللوحة؟ فأنا عاجزة عن قراءة الثمن.
تناولت ريانون اللوحة ثم قرأت السعر بصوت مرتفع. عليها أن تكتب الأرقام بشكل أكبر, فخطها صغير.
دخل بيري, وأمسك الباب للزبونة التي غادرت وقد اشترت اللوحة.
سألها بيري:"إذا, كيف كان غداؤك".
-وقعنا عقدا بخصوص العمل.
-لا يعقل أنكما لم تتحدثا سوى عن الأعمال.
-بلى.
عادت ريانون إلى عملها ثم قالت لبيري:" ألا يتوجب عليك إفراغ بعض صناديق البضائع؟".
-طبعا راي.
تنهدت. لم تقصد أن تكون حازمة مع بيري, فعدم استقرارها وضياعها ليسا ذنبه. في الواقع, الذنب ليس ذنب غابرييل حتى, المشكلة مشكلتها وحدها.
وشعرت بنوبة من الغضب تجتاحها, فهذه ليست غلطتها حتى.
بعد أشهر من العلاج النفسي, اقتنعت أخيرا بأنها وحدها القادرة على شفاء نفسها.
غدا, ستبدأ بطلب المعدات للوحة آنجل إير, كما عليها الاتصال بغابرييل للاستعلام عن غرفة التخزين التي وعدها بها.
هذه الفكرة أيقظت فيها مزيجا من المشاعر المعقدة: القلق والأمل, والترقب, مشاعر تخلو تماما من المنطق. مشاعر لا ضرورة لها كما تبين لها لاحقا.
وفيما كانت تماطل مدعية أنه بالكاد تسنى لها الوقت للقيام بأي ترتيبات, اتصل بها في صباح اليوم التالي, وقال:
-حضرنا لك غرفة للتخزين قرب المصاعد كي يتم نقل المعدات إليها, وسأحرص على وجود شخص يساعدك كلما احتجت إلى إحضار شيء ما أو حمله.
-لا أظن أن الأمر ضروري.
-بلى, أعرف أن البلاط ثقيل الوزن, أتذكرين؟.
وتذكرت كيف حمل الصندوق بسهولة بعد أن جعلت من نفسها موضع سخرية بإيقاعها الصندوق أرضا.
-لن أحتاج إلى البلاطات قبل فترة, ليس قبل أن أنتهي من الكرتون.
-من ماذا؟.
-رسم ملون على الحائط أعمل على أساسه.
في المشاريع الأخرى, كانت تعمل في الاستديو ثم تثبت اللوحة في مكانها, لكن هذه اللوحة كبيرة جدا ومعقدة. لذا, فضلت العمل في الموقع عوضا عن المخاطرة بتقسيمها إلى أجزاء غير متناسقة.
-كما طلبت سقالة, يمكنك المجيء متى شئت للتأكد من تركيبها تماما كما تريدين.
وقف غابرييل يراقب عن كثب فريق العمل وهو يركب السقالة تحت إشراف ريانون, ليتأكد من أن أنها آمنة تماما.
أكدت له ريانون:" أنا متأكدة من أن السقالة متينة".
-ألست قلقة من العمل هنا؟.
-سأكون بخير.
فالوقوع من فوق يسبب كارثة, إلا أن حبل الأمان الذي أصر على تركيبه كفيل بضمان عدم حدوث أي مشكلة.
قال غابرييل منتقدا:" الإضاءة ليست ممتازة, فإن كنت تنوين العمل ليلا ستحتاجين إلى ضوء كاشف أو ما شابه, سأرى ما بوسعي فعله حيال هذا الأمر".
-شكرا لك!.
تناولت ورقة كبيرة ملفوفة وفتحتها, فإذا بالتصميم الذي وضعته سابقا, لكن بحج أكبر.
سألها:" هل ستنسخين هذه؟".
-نعم, فأنا لا أريد ارتكاب أي خطأ على لوحة بهذا الحجم. سأرسم شبكة على الحائط أولا.
-هل أساعدك في شيء؟.
كانت تنوي طلب مساعدة بيري, على أن تدفع له أتعابه, لكنها عادت وشعرت بالذنب لإلهائه عن فنه, فوقته محدود جدا نظرا لعمله بدوام كامل في صالة العرض.
عندما ترددت أضاف:" قلت لك إنني لن أستعجلك, ولكن ثمة عرقلة طفيفة بسبب السقالة. إن حدث طارئ ما وعجزنا عن استخدام المصاعد فسنواجه مشاكل جسيمة, لأن المدخل مغلق بشكل شبه كامل.
إنه محق لقد بقي مكان ليمر شخص واحد, فقد قلصت السقالة المسافة بشكل كبير.
-سأنهي الجزء العلوي أولا, وبعدئذ يمكننا إزالة السقالة.
-متى تنوين البدء بالعمل؟.
-غدا, بعد إغلاق صالة العرض, سأحضر للعمل لبضع ساعات.
-سأكون هنا, ولكن إليك المفتاح لتستخدميه لاحقا.
مد يده إلى جيبه, وناولها مغلفا.
-سأعلمك كيف تستعملينه.
وفيما كانا ينزلان السلالم, ظهر رجل ملتح, متوسط العمر, فقدمه غابرييل إليها على أنه الحارس.
سلم ميك دايارت على ريانون, وأكد لها أنه سيساعدها متى احتاجت إليه.
وفيما كان يواكبها إلى سيارتها, قال غابرييل:" إن غادرت في وقت متأخر, ولم أكن في الجوار, فسيرافقك ميك أو غيره من رجال الأمن إلى سيارتك أو يطلبون لك سيارة أجرة".
حين وصلت بعد ظهر السبت, وجدته واقفا عند موقع العمل يتأمل الحائط, كما رأت ضوءين كبيرين موجهين إلى الحائط. سألها:
-هل تناولت الطعام؟.
-نعم.
وانشغلا برسم الشبكة. وانتهيا قبل حلول الظلام.
قالت وهي تنزل من على السقالة:" شكرا لك, لم أتوقع إنهاء الشبكة اليوم".
-ما الخطوة التالية؟
-سأنقل الرسم على الحائط.
-أظن أنك ستنجزين هذا العمل بمفردك.
-نعم, ولكنني أقدر لك مساعدتك.
-هل لي بدعوتك لتناول الطعام؟.
-أنا خارجة للعشاء مع رفاقي هذه الليلة, كما أنك لست مضطرا لإطعامي.
-طالما يفعل أحدهم هذا. . .
نهار الأحد, كانت قد بدأت العمل منذ حوالي نصف ساعة, عندما سمعت وقع خطوات فتوقفت عن العمل, ونظرت إلى الأسفل وهي تتوقع رؤية الحارس. لكنها رأت غابرييل عند أسفل الدرج وقد اتكأ إلى الحائط. قال:" ظننت أنك ستكونين هنا".
-لم أكن أظن أنك ستأتي.
تردد صوتها في المبنى الفارغ الذي بدا أكثر هدوءا من البارحة.
-لدي بعض الأعمال المكتبية التي علي أن أنهيها. آمل ألا تبقي هنا طيلة النهار, فالعمل ستة أيام في الأسبوع في صالة العرض, وقضاء عطلة الأسبوع في العمل في صالة العرض, وقضاء عطلة الأسبوع في العمل لحسابي, يعتبر عبودية ولن أرضى بها.
-هذا مختلف عن العمل في صالة العرض.
لوى فمه:" أهذه عبودية تحبينها؟".
-أعلم أنني أتقاضى أجرا مقابل هذا, لكنني أقوم بعمل أحبه!.
-حسنا, لا تطيلي البقاء. هل تحتاجين إلى شيء ما؟.
هزت ريانون رأسها:"لا, شكرا لك".
وقف للحظة ثم قال:" حسنا, إلى اللقاء".
وقفت تستمع إلى وقع خطواته, وبقيت جامدة في مكانها إلى أن أيقنت أنه ذهب. . . ذهب بكل بساطة!
عادت إلى الرسم فارتكبت غلطة, وشتمت في سرها, مر الحارس بضع مرات ليطمئن عليها, ثم غاب.
وعند الساعة الواحدة, ظهر غابرييل من جديد وسألها: هل تناولت الغداء؟ أو أخذت استراحة؟".
-نعم فعلت, قلت لك ألا تقلق بشأني.
كانت قد أحضرت بعض السندوتشات والفاكهة وتناولتها وهي تجلس على الدرج.
-هذا عمل كبير كي ينجزه شخص واحد.
-أنا قادرة على إتمامه.
-لم أكن أشير إلى العكس. جل ما في الأمر هو أنني لا أريد رؤيتك منهكة.
-لن تفعل, فأنا قادرة على الاعتناء بنفسي.
فهي تفعل هذا منذ مدة طويلة.
نظر إلى ساعة يده:" علي أن أنصرف, ميك هنا إن احتجت إلى شيء ما".
نهار الإثنين, مر بها غابرييل قبل أن يغادر المبنى, فأجبرت نفسها على التركيز وهو يراقبها ولم تسترخ من جديد إلا بعد أن غادر.
وعند الساعة الثامنة, عرض عليها ميك بعض القهوة, وجلس بقربها على الدرج يتحدثان إلى أن أنهت قهوتها.
قال وهو يريها صورة ثلاثة أولاد مبتسمين مع والدتهم:" هؤلاء أحفادي. للأسف لم تعش زوجتي حتى تراهم".
قالت ريانون:" إنهم رائعون".
فهي تحب الأولاد, إنهم مسلون وغير مؤذيين, بالرغم من أنهم يحملون ذويهم مسؤولية كبيرة. وتمنت أن تحظى يوما ما بأطفال لها, إلا أنها طردت من فكرها كل الأمور الأخرى التي تسبق إنجاب الأطفال.
كانت رانون تقود سيارتها كل مساء إلى مبنى آنجل إير, وتستفيد من المواقف الشاغرة لتركن سيارتها. نهار الجمعة, ضغطت ريانون على جرس باب الموظفين لتخرج, وعوضا عن ميك, ظهر غابرييل أمامها وهو يبدو أكثر وسامة من أي وقت مضى, بقميصه الأبيض وكميه المرفوعين, وسرواله الأسود.
-أتعمل لساعة متأخرة؟
رد وهو يفتح لها الباب:" نعم. كيف يجري العمل؟ بدا هذا الصباح وكأنك على وشك إنهاء الرسم".
-لقد أنهيتها الآن, غدا سأبدأ التلوين.
وسارا باتجاه سيارتها.
-ستحتاجين إلى مساعدة في حمل علب الطلاء, لذا سأساعدك.
-قلت إن ميك سيساعدني.
-سيأخذ ميك عطلة نهاية هذا الأسبوع ليرى عائلته.
-ألا تأخذ عطلا؟
-أنا المدير. آخذ عطلة عندما يتسنى لي ذلك.
فكرت ريانون في أنه اعتاد العمل حتى وقت متأخر منذ أيام صباه, ما ساعده على تحويل شركته إلى ما هي عليه الآن.
سأل:" في أي ساعة تودين الحضور؟".
-حوالي الثانية والنصف, بعد إقفال صالة العرض.
-سأكون هنا.
حين صعدت إلى سيارتها, انحنى قبالة النافذة وقد كتف يديه, ثم قال:" قلت لي يوما إنني أعجبك, فهل تغير هذا؟".
-لا.
ردت قبل أن تتذكر متى قالت هذا, ثم تذكرت عناقهما في مكتبه إنها معجبة به, لكنها تخشى تأثيره فيها.
في اليوم التالي, لاقاها غابرييل مرتديا بنطلونا من الجينز وقميصا, وساعدها على حمل علب الطلاء من غرفة التخزين.
عندما بدأت طلاء الخلفية باللون الأزرق قال:" اللون خفيف, أليس كذلك؟".
أكدت له:" هذه الألوان تقريبية فحسب, إنها مجرد أساس لقطع البلاط".
-إذا, أأستطيع أن ألون؟.
فكرت في أن إلهاءه بالعمل سيساعدها على التركيز عوضا عن الوقوف في الأسفل يتأمل عملها.
-أظن ذلك.
وفكرت للحظات:" إذا بدأت من أعلى الزاوية هنا فقد نلتقي عند الوسط".
ابتسم:" فكرة ممتازة".
حين وصلا إلى الوسط, تراجعت وسمحت له بإنهاء الجزء الأخير, وسألها:" كيف أبليت؟".
-حسنا.
بدا راضيا عن نفسه, فضحكت:" يمكنك أن تقوم بالمزيد إن شئت".
كادت تعتاد على وجوده بقربها حيث يعمل بصمت وينفذ تعليماتها, طاليا المساحات الكبيرة, فيما تعمل هي على المساحات الصغيرة الدقيقة.
وعند الخامسة, سألها:" هل تنوين العمل لفترة أطول؟".
هزت ريانون رأسها:" سأتناول العشاء مع رفاقي الليلة".
-دعيت لزيارة ملهى ليلي جديد نهار السبت المقبل, فهل تودين مرافقتي؟.
في المرات القليلة التي ارتادت فيها ريانون ملاه ليلية مع رفاقها, كانت التجربة مزعجة, فقالت:" أنا لا أرقص, كما أننا اتفقنا على إبقاء علاقتنا مهنية صرف".
-في الواقع, لا أذكر أنني اتفقت على شيء كهذا.
رمته ريانون بنظرة ثاقبة, فسألها:" لم لا ترقصين؟".
-أنا لا أجيد الرقص.
-التمرين مفيد... كما في معظم الأمور.
-أنا غير مهتمة بهذا.
ضحك:" أنت لا تعرفين ما الذي يفوتك!".
وصلت في صباح اليوم التالي فوجدته ينتظرها وقد حضر الطلاء والفرشاة, ووقف يتأمل ما أنجزاه في الأمس. توقفت عند أسفل الدرج فاستدار نحوها وقال:" صباح الخير".
لم يشح بنظره عنها, وراح يراقب كل حركة من حركاتها وهي تتجه نحوه. عجزت عن قراءة تعابير وجهه, فانزعجت. كانت عيناه مغمضتين قليلا وتلمعان.
حاولت ريانون محاربة الشعور بالانجذاب الذي استيقظ فيها. كان الشعور قويا إلى حد أنها تعمدت الوقوف بعيدا عنه. وحين وصلت إلى موقع العمل, شعرت بأن جسمها يخدر وأحست بسائل دافئ يسري في عروقها.
لم يتحرك, بل تسمر في مكانه أمام علب الطلاء, وأيقنت أن عليها الاقتراب منه لتناول الطلاء.
كادت تقع عندما مست يدها طرف قميصه. بقي مسمرا في مكانه, فيما شعرت بخدر في أناملها. راحت يدها ترتجف وهي تتناول الفرشاة عن الأرض فيما اقترب منها, اقترب كثيرا. شعرت بدفء جسمه وبنفسه يداعب شعرها فانزلقت الفرشاة من يدها, وحطت على الغطاء الموضوع أرضا. التقطها غابرييل وناولها إياها بأصابعه القوية.
قالت بصوت منخفض:" شكرا لك".
-ما من مشكله, قولي لي ما علي فعله.
عملا بصمت, وشعرت ريانون بأن التوتر يتلاشى تدريجيا. وعندما حضر ميك وعرض عليهما بعض القهوة كانت ريانون قد عادت إلى طبيعتها. عند الظهر, اقترح غابرييل:
-ثمة مطعم جيد بالقرب من هنا.
هزت ريانون رأسها:" لقد أحضرت غدائي معي, فتفضل أنت".
غادر لبعض الوقت وعاد وهو يحمل بيده فطيرة وقطعة دوناتس, وفنجاني قهوة.
شكرته ريانون حين قدم لها كوب القهوة. جلست على الدرج وأسندت ظهرها إلى الحائط وراحت تتناول طعامها.
نظر إليها نظرة مفكرة ثم سأل:" هل أنت راضية عن مجريات الأمور؟".
قررت عدم تفسير كلماته بطريقة مبطنة, فنظرت إلى اللوحة.
-العمل يسير بشكل أسرع مما توقعت بفضل مساعدتك.
-تسرني مساعدتك. أنت تعلمين أن بوسعك طلب مساعدتي في أي وقت, ولأي غرض.
نظرت إليه وقد اكتسحها شعور بالضعف إلا أنها قاومت هذا الشعور. قالت:"
-أظن أن لوحة الموزاييك ستعني لك الكثير الآن بعد أن شاركت في صنعها.
نظر إلى العمل الذي أنجزاه ثم استدار ناحيتها:" هذا عمل سأذكره ما حييت".
عند الخامسة, نزلت ريانون لتتأمل عملها من الأسفل وتريح يديها وظهرها, لحق بها غابرييل ووقف وراءها واقترح:
-هذا يكفي لليوم, هل نضع الطلاء والفراشي في مكانها؟.
-نعم, أظن ذلك.
-سأهتم بهذا بعد أن أوصلك إلى سيارتك, فأنت بحاجة إلى الراحة.
اعتادت ريانون وجود غابرييل وتقديمه المساعدة من وقت إلى آخر. وفي غياب غابرييل, يحضر لها ميك القهوة, ويوصلها إلى سيارتها بعد أن يحرص على ألا تطيل السهر.
بعد أن انتهى الرسم, وضعت نوعا من الغراء على البلاط, فيما تعاون غابرييل و ميك على حمل صندوق مليء بالبلاط ووضعاه بحذر على السقالة. وقف غابرييل تحتها واضعا يديه على خصره, ورأسه مرفوع.
بعد أن وضعت بعض قطع البلاط على الحائط نظرت إلى الأسفل, إلى الأغراض التي تركتها على الشرشف.
-ماذا تريدين؟.
أشارت:" نسيت إحضار أدوات تقطيع البلاط".
ناولها الأدوات التي تحتاجها وراقبها وهي تقطع البلاط إلى الشكل المناسب, ثم تغمسها في الغراء وتلصقها على الحائط.
قالت لغابرييل:" إن كنت مشغولا فيمكنك الانصراف. أنا لا أحتاج لأن تساعدني اليوم".
استدار ونظر إلى وجهها:" كما تشائين. هل أزعجك؟".
بعد المساعدة التي قدمها لها , بدا قولها هذا فظا. فتنهدت:
- سيصبح العمل مضجرا, ليس إلا.
عقد يديه على صدره, ووقف مبعدا رجليه الواحدة عن الأخرى:
-أنا لم أضجر بعد.
استدارت لتتناول قطعة أخرى.
-افعل ما يحلو لك.
-أنا أفعل هذا, في الواقع أنت تحلين لي.
-نعم فعلت, قلت لك ألا تقلق بشأني.
كانت قد أحضرت بعض السندوتشات والفاكهة وتناولتها وهي تجلس على الدرج.
-هذا عمل كبير كي ينجزه شخص واحد.
-أنا قادرة على إتمامه.
-لم أكن أشير إلى العكس. جل ما في الأمر هو أنني لا أريد رؤيتك منهكة.
-لن تفعل, فأنا قادرة على الاعتناء بنفسي.
فهي تفعل هذا منذ مدة طويلة.
نظر إلى ساعة يده:" علي أن أنصرف, ميك هنا إن احتجت إلى شيء ما".
نهار الإثنين, مر بها غابرييل قبل أن يغادر المبنى, فأجبرت نفسها على التركيز وهو يراقبها ولم تسترخ من جديد إلا بعد أن غادر.
وعند الساعة الثامنة, عرض عليها ميك بعض القهوة, وجلس بقربها على الدرج يتحدثان إلى أن أنهت قهوتها.
قال وهو يريها صورة ثلاثة أولاد مبتسمين مع والدتهم:" هؤلاء أحفادي. للأسف لم تعش زوجتي حتى تراهم".
قالت ريانون:" إنهم رائعون".
فهي تحب الأولاد, إنهم مسلون وغير مؤذيين, بالرغم من أنهم يحملون ذويهم مسؤولية كبيرة. وتمنت أن تحظى يوما ما بأطفال لها, إلا أنها طردت من فكرها كل الأمور الأخرى التي تسبق إنجاب الأطفال.
كانت رانون تقود سيارتها كل مساء إلى مبنى آنجل إير, وتستفيد من المواقف الشاغرة لتركن سيارتها. نهار الجمعة, ضغطت ريانون على جرس باب الموظفين لتخرج, وعوضا عن ميك, ظهر غابرييل أمامها وهو يبدو أكثر وسامة من أي وقت مضى, بقميصه الأبيض وكميه المرفوعين, وسرواله الأسود.
-أتعمل لساعة متأخرة؟
رد وهو يفتح لها الباب:" نعم. كيف يجري العمل؟ بدا هذا الصباح وكأنك على وشك إنهاء الرسم".
-لقد أنهيتها الآن, غدا سأبدأ التلوين.
وسارا باتجاه سيارتها.
-ستحتاجين إلى مساعدة في حمل علب الطلاء, لذا سأساعدك.
-قلت إن ميك سيساعدني.
-سيأخذ ميك عطلة نهاية هذا الأسبوع ليرى عائلته.
-ألا تأخذ عطلا؟
-أنا المدير. آخذ عطلة عندما يتسنى لي ذلك.
فكرت ريانون في أنه اعتاد العمل حتى وقت متأخر منذ أيام صباه, ما ساعده على تحويل شركته إلى ما هي عليه الآن.
سأل:" في أي ساعة تودين الحضور؟".
-حوالي الثانية والنصف, بعد إقفال صالة العرض.
-سأكون هنا.
حين صعدت إلى سيارتها, انحنى قبالة النافذة وقد كتف يديه, ثم قال:" قلت لي يوما إنني أعجبك, فهل تغير هذا؟".
-لا.
ردت قبل أن تتذكر متى قالت هذا, ثم تذكرت عناقهما في مكتبه إنها معجبة به, لكنها تخشى تأثيره فيها.
في اليوم التالي, لاقاها غابرييل مرتديا بنطلونا من الجينز وقميصا, وساعدها على حمل علب الطلاء من غرفة التخزين.
عندما بدأت طلاء الخلفية باللون الأزرق قال:" اللون خفيف, أليس كذلك؟".
أكدت له:" هذه الألوان تقريبية فحسب, إنها مجرد أساس لقطع البلاط".
-إذا, أأستطيع أن ألون؟.
فكرت في أن إلهاءه بالعمل سيساعدها على التركيز عوضا عن الوقوف في الأسفل يتأمل عملها.
-أظن ذلك.
وفكرت للحظات:" إذا بدأت من أعلى الزاوية هنا فقد نلتقي عند الوسط".
ابتسم:" فكرة ممتازة".
حين وصلا إلى الوسط, تراجعت وسمحت له بإنهاء الجزء الأخير, وسألها:" كيف أبليت؟".
-حسنا.
بدا راضيا عن نفسه, فضحكت:" يمكنك أن تقوم بالمزيد إن شئت".
كادت تعتاد على وجوده بقربها حيث يعمل بصمت وينفذ تعليماتها, طاليا المساحات الكبيرة, فيما تعمل هي على المساحات الصغيرة الدقيقة.
وعند الخامسة, سألها:" هل تنوين العمل لفترة أطول؟".
هزت ريانون رأسها:" سأتناول العشاء مع رفاقي الليلة".
-دعيت لزيارة ملهى ليلي جديد نهار السبت المقبل, فهل تودين مرافقتي؟.
في المرات القليلة التي ارتادت فيها ريانون ملاه ليلية مع رفاقها, كانت التجربة مزعجة, فقالت:" أنا لا أرقص, كما أننا اتفقنا على إبقاء علاقتنا مهنية صرف".
-في الواقع, لا أذكر أنني اتفقت على شيء كهذا.
رمته ريانون بنظرة ثاقبة, فسألها:" لم لا ترقصين؟".
-أنا لا أجيد الرقص.
-التمرين مفيد... كما في معظم الأمور.
-أنا غير مهتمة بهذا.
ضحك:" أنت لا تعرفين ما الذي يفوتك!".
وصلت في صباح اليوم التالي فوجدته ينتظرها وقد حضر الطلاء والفرشاة, ووقف يتأمل ما أنجزاه في الأمس. توقفت عند أسفل الدرج فاستدار نحوها وقال:" صباح الخير".
لم يشح بنظره عنها, وراح يراقب كل حركة من حركاتها وهي تتجه نحوه. عجزت عن قراءة تعابير وجهه, فانزعجت. كانت عيناه مغمضتين قليلا وتلمعان.
حاولت ريانون محاربة الشعور بالانجذاب الذي استيقظ فيها. كان الشعور قويا إلى حد أنها تعمدت الوقوف بعيدا عنه. وحين وصلت إلى موقع العمل, شعرت بأن جسمها يخدر وأحست بسائل دافئ يسري في عروقها.
لم يتحرك, بل تسمر في مكانه أمام علب الطلاء, وأيقنت أن عليها الاقتراب منه لتناول الطلاء.
كادت تقع عندما مست يدها طرف قميصه. بقي مسمرا في مكانه, فيما شعرت بخدر في أناملها. راحت يدها ترتجف وهي تتناول الفرشاة عن الأرض فيما اقترب منها, اقترب كثيرا. شعرت بدفء جسمه وبنفسه يداعب شعرها فانزلقت الفرشاة من يدها, وحطت على الغطاء الموضوع أرضا. التقطها غابرييل وناولها إياها بأصابعه القوية.
قالت بصوت منخفض:" شكرا لك".
-ما من مشكله, قولي لي ما علي فعله.
عملا بصمت, وشعرت ريانون بأن التوتر يتلاشى تدريجيا. وعندما حضر ميك وعرض عليهما بعض القهوة كانت ريانون قد عادت إلى طبيعتها. عند الظهر, اقترح غابرييل:
-ثمة مطعم جيد بالقرب من هنا.
هزت ريانون رأسها:" لقد أحضرت غدائي معي, فتفضل أنت".
غادر لبعض الوقت وعاد وهو يحمل بيده فطيرة وقطعة دوناتس, وفنجاني قهوة.
شكرته ريانون حين قدم لها كوب القهوة. جلست على الدرج وأسندت ظهرها إلى الحائط وراحت تتناول طعامها.
نظر إليها نظرة مفكرة ثم سأل:" هل أنت راضية عن مجريات الأمور؟".
قررت عدم تفسير كلماته بطريقة مبطنة, فنظرت إلى اللوحة.
-العمل يسير بشكل أسرع مما توقعت بفضل مساعدتك.
-تسرني مساعدتك. أنت تعلمين أن بوسعك طلب مساعدتي في أي وقت, ولأي غرض.
نظرت إليه وقد اكتسحها شعور بالضعف إلا أنها قاومت هذا الشعور. قالت:"
-أظن أن لوحة الموزاييك ستعني لك الكثير الآن بعد أن شاركت في صنعها.
نظر إلى العمل الذي أنجزاه ثم استدار ناحيتها:" هذا عمل سأذكره ما حييت".
عند الخامسة, نزلت ريانون لتتأمل عملها من الأسفل وتريح يديها وظهرها, لحق بها غابرييل ووقف وراءها واقترح:
-هذا يكفي لليوم, هل نضع الطلاء والفراشي في مكانها؟.
-نعم, أظن ذلك.
-سأهتم بهذا بعد أن أوصلك إلى سيارتك, فأنت بحاجة إلى الراحة.
اعتادت ريانون وجود غابرييل وتقديمه المساعدة من وقت إلى آخر. وفي غياب غابرييل, يحضر لها ميك القهوة, ويوصلها إلى سيارتها بعد أن يحرص على ألا تطيل السهر.
بعد أن انتهى الرسم, وضعت نوعا من الغراء على البلاط, فيما تعاون غابرييل و ميك على حمل صندوق مليء بالبلاط ووضعاه بحذر على السقالة. وقف غابرييل تحتها واضعا يديه على خصره, ورأسه مرفوع.
بعد أن وضعت بعض قطع البلاط على الحائط نظرت إلى الأسفل, إلى الأغراض التي تركتها على الشرشف.
-ماذا تريدين؟.
أشارت:" نسيت إحضار أدوات تقطيع البلاط".
ناولها الأدوات التي تحتاجها وراقبها وهي تقطع البلاط إلى الشكل المناسب, ثم تغمسها في الغراء وتلصقها على الحائط.
قالت لغابرييل:" إن كنت مشغولا فيمكنك الانصراف. أنا لا أحتاج لأن تساعدني اليوم".
استدار ونظر إلى وجهها:" كما تشائين. هل أزعجك؟".
بعد المساعدة التي قدمها لها , بدا قولها هذا فظا. فتنهدت:
- سيصبح العمل مضجرا, ليس إلا.
عقد يديه على صدره, ووقف مبعدا رجليه الواحدة عن الأخرى:
-أنا لم أضجر بعد.
استدارت لتتناول قطعة أخرى.
-افعل ما يحلو لك.
-أنا أفعل هذا, في الواقع أنت تحلين لي.
استدارت بسرعة تواجهه, إلا أنه كان يحدق إلى الحائط قال:
-يبدو جيدا.
رأى أن من المستحسن أن يجاريها في ما تقول. لكنه لا ينوي القيام بذلك إلى الأبد بل إلى أن تسامحه على انتهاكه خصوصياتها كما لا يريدها أن تشعر بالتهديد, إذ ستصده من جديد, قال:" سأكون في مكتبي و ميك في الجوار إن احتجت إلى أي مساعدة".
جلس وراء الكومبيوتر يحدق إلى الأرقام وفكره مشغول بريانون راح يتذكر شكل جسمها, ونظرة التركيز في عينيها, والطريقة التي تزيح بها شعرها عن وجهها.
تاق لأن يخرج من مكتبه, ويهرع للقياها, ويأخذها بين ذراعيه ويعانقها بحب وشغف وجنون كما لم يسبق له أن عانق امرأة من قبل. لكنها صدته, ولسوء الحظ, مرات عدة, ومن غير المجدي التفكير بعلاقة جدية مع امرأة ترفض كل فرصة للرومانسية والحب في حياتها.
حسنا, لن يفكر في هذا الآن بل سيخطو خطوة تلو الأخرى. ومن يدري كم ستستغرق كل خطوة؟.
لكن غابرييل هادسون ليس برجل يقبل الهزيمة بسهولة.
أراد أن يضع خطته الأخيرة موضع التنفيذ, فتراجع قليلا إلى الوراء وقرر التصرف بتأن وبتمهل. وبالرغم من أن ريانون لا تحتاج لمساعدته, إلا أنه اعتاد أن يمر لرؤيتها لوقت قصير أولا. ثم لفترات أطول تدريجيا حين بدا أنها لا تنزعج منه. وبقي طيلة هذا الوقت محافظا على قراره بعد الضغط عليها.
كان أحيانا يتعمد البقاء بعيدا علها تلاحظ غيابه وتشتاق إليه ولو قليلا. وحين يقف بجوارها, يصون لسانه ويتحكم بكلماته متجنبا توجيه أي ملاحظة لاذعة, ومحاولا إخفاء المشاعر الظاهرة في عينيه.
ظل على خطته هذه, وقد سر لأنها بدأت تسترخي بوجوده قربها. لقد مرن نفسه و ابتعد عن كل نوع من العلاقات, كما أنه اكتسب خبرة جديدة إذ ازدادت علاقته بريانون عمقا, وهو أمر لم يختبره من قبل.
كان الأمر أشبه بمراقبة نضوج فتاة يافعة. ففي كل مرة تبتسم, أو تنظر إليه من دون أن تستدير سريعا, يشعر بقلبه ينقبض وينتفض من مكانه.
كانا يتحدثان أحيانا عن أمور عامة, لكنه تمكن في أحيان أخرى من معرفة بعض التفاصيل الشخصية عن طفولتها, وعلاقتها بذويها, وجدتها. واستنتج من حديثها, أنها كانت تعيش حياة سعيدة قبل الفاجعة التي حرمتها من والدتها وحولت والدها إلى ظل.
وذات يوم, جعلها تضحك من كل قلبها على ملاحظة أدلى بها, فشعر ببهجة كبيرة.
وذات مساء, حين جلست بقربه على الدرج لاحتساء التي أحضرها ميك شعر أنه حقق نصرا.
تناولت ريانون قطعة البلاط الأخيرة, ووضعت عليها الغراء ثم علقتها على الحائط بحذر وضغطت قليلا.
وضعت القطاعة جانبا وأرخت عضلاتها لتستريح قليلا, ثم نزلت وهي تتمطى. تناولت قنينة الماء البارد عن الأرض وشربت ورشت القليل من الماء على وجهها.
نظرت إلى الأعلى, إلى العمل الذي أنجزته, وشعرت بالرضى. صحيح أن الكثير من العمل ينتظرها لكنها وضعت الخطوط العريضة للوحة وبدأت بملء الفراغات. كان الجزء العلوي هو الأصعب إذ عليها أن تبذل جهدا لتتمكن من وضع كل قطعة في مكانها.
وضعت يدها على كتفها الأيمن تمسده, إلا أنها قفزت من مكانها حين لمستها يد أخرى.
قال غابرييل:" عذرا, ألم تشعري بوجودي؟".
-لم أسمع وقع خطواتك.
كان ينتعل حذاء رياضيا كما كانت مستغرقة كثيرا في عملها إلى حد أنها لم تلحظ قدومه. بقيت يده في مكانها, وبدأ يمسد كتفها, فكتفيها. بدت أصابعه قوية ومألوفة.
-هل يساعدك هذا التدليك؟ قولي إن كنت تريدينني أن أتوقف.
شعرت ريانون بعضلاتها تسترخي. تسمرت وقد فاجأتها رغبتها في الاستسلام للمساته, فاعترفت:" نعم, أظنه يفيدني".
ابتسم قليلا وتابع حركات التدليك.
سألها بعد أن توقف عن التدليك واستراحت يداه على كتفيها:
-أتشعرين بتحسن؟.
-شكرا.
-عملت بما يكفي اليوم.
قالت وهي تشير إلى الأعلى:" أريد إنهاء الزاوية العليا. كنت على وشك مزج المزيد من الغراء".
-المكان مرتفع.
-لهذا السبب كتفي متصلب.
هل أساعدك؟ قولي لي ما علي أن أفعله, فأنا أستطيع الوصول إلى تلك الزاوية بسهولة أكبر.
هذا العمل متعب أكثر مما تخيلت وهي لا تريد أن تصاب بألم في كنفها جراء القيام بالعمل عينه مرارا وتكرارا.
وقفا جنبا إلى جنب, فراحت ريانون تنتقي القطع التي تحتاجها وتسلمها لغابرييل الذي يضعها في المكان الذي تشير إليه. لقد فهم آلية العمل بسرعة وتمكنا في وقت قليل جدا من إنهاء الزاوية العليا.
قالت ريانون بارتياح:" سيكون الباقي أسهل, فأنا لم أنجز شيئا كهذا من قبل".
-ألم تندمي لأنك استلمت هذا العمل؟
-طبعا لا, فهذه فرصة لا تعوض؟
-فرصة لم تخشي استغلالها؟
-لا.
رمته بنظره ثاقبة وابتعدت عنه, ثم نظرت إلى ساعتها و تفاجأت لأن الوقت تأخر. سألته وهي تشير إلى الأدوات الموزعة على الأرض:
-هل لي بترك هذه المعدات هنا فغدا يوم أحد؟".
-طبعا, اتركي كل شيء هنا إلى الغد... أو إلى أي يوم آخر.
فاجأتها نبرة صوته فنظرت إليه مجددا, لترى نظره مسمرا عليها. ابتسم لها مجددا وقفز إلى الأرض ثم مد يديه إليها.
قالت وهي تهز رأسها:" أفضل الطريق الآمن".
وفضلت النزول على السلم.
وبعد أن وصلت إلى الأرض, قال وقد ابتسمت عيناه:" كنت لأمسك بك لو وقعت".
تراجعت إلى الوراء تتمطى:" أعرف".
انتظر لحظة كما لو أنه يفكر بما سيقوله ثم سألها بهدوء:" لما أنت خائفة يا ريانون؟".
عضت على شفتها السفلى, وراحت تفكر بأمور كثيرة, قبل أن تجيب:" ليس منك".
ولمع بريق أمل في عينيه فأردفت:" أعلم أنك لن تلحق بي الأذى".
الحقيقة معقدة حقا. ولكن..
-ولكن الأمر معقد.
-أهو أكثر تعقيدا من أن تبوحي لي به؟.
نظرت مجددا إلى عينيه, فرأته ينظر إليها كما لو أنه يشجعها على البوح بسرها, كما لو أن هذا الأمر غاية في الأهمية بالنسبة إليه.
قالت هامسة:" حين كنت في السابعة عشرة من عمري, تعرضت لحادث".
-أعلم.
انتفض قلبها وتوترت, وأحست بانقباض في معدتها. أما هو فتابع:" أعني أنني تكهنت أنك عشت تجربة سيئة. لكنني لا أعرف ما هي ولا متى حصلت معك".
وتوقف عن الكلام. وبما أنها لم تعطه أي معلومات إضافية, حاول استعادة رباطة جأشه وسألها:" هل اعتدى عليك رجل ما؟".
ابتلعت ريانون ريقها:"ليس... تماما".
-
أنت تقرأ
روايات عبير / دقات على باب القدر
Romanceالملخص: تلك الفتاة تحد ينبغي أن ينتصر عليه. كيف لا وهو غابرييل هادسون رجل الأعمال لأنجح في نيوزيلندا. أيعقل أن ترفضه!! ومن هي التي تجرؤ على ذلك! سيحاول بكل ما أوتي من نفوذ و سحر أن يخضعها حتى لو اقتضى ذلك أن يعرض عليها العمل في شركته... إحساسه الداخ...