منزل روبرت ميلبورن لم يكن منزلا باالمعنى المجرد للكلمة فقد بدا لها وكأنه قلعه وسط غابة وقريب جدا من الحديقة القديمة حتى يهيأ للقادم اليه أنه بعيد جدا عن المدينة أو كأنه في أقاصي الريف.
وصلت فينيلا الى المنزل برفقة سام في أواخر شهر حزيران أبدى لها سام سروره من وضعها ووضع روب الجديد فقد كان يتوق الى رؤيتها بعيدا عن أجواء المستشفيات.
كان سام قد رافقها قبلا الى شقتها في لندن وذلك لجلب بعض الملابس وراقبها وهي تتحرك بارتباك في ارجاء الغرفة. لم تكن لديها ادنى فكرة عن الملابس الموجودة. اختارت بعضا منها على الرغم من انها لم تكن رأتها من قبل. والغريب في الأمر أنها شعرت بتأنيب الضمير شعرت وكأنها تفتش في أشياء فتاة أخرى.
_ أشعر وكأنها ستأتي بين لحظة وأخرى.
نظرت الى الدكتور الذي كان يراقبها بصبر بالغ.
_ أقصد الفتاة التي تعيش هنا.. فلة الحقيقية.
- أنت لاتقصدين أنك فينيلا الحقيقية أليس كذلك.
_لا أدري...لقد قلت لي أنني فينيلا وأنا أثق بك أذن لابد وأنها الحقيقية . ولكن في داخلي. لا أشعر بذلك بل لا أشعر بما تقول ولا أعتبر فينيلا الا اسما من الأسماء.
_ صحيح. أسم اعتدت عليه وعشت معه ستة وعشرين عاما. أنه زمن طويل.
_ أعتقد أنني سأعتاد عليه..حزمت حقيبتها قائلة لا أظن أنني سأحتاج الى أكثر من هذا . ولا أعتقد أن البرفسور ميلبورن يقيم الكثير من الحفلات أليس كذلك?
نظرت الى ثوبي السهرة المعلقين في الخزانة قائلة:
_ أعتقد أنني كنت امارس حياة اجتماعية حافلة. نظرت اليه بتساؤل. أذن لم لا يتذكرني أحد? الم يكن لدي أصدقاء?
- ربما كان لديك ولكن قبل مجيئك الى لندن.
_ أظن ذلك. تابعت بحزن: كنت أعتقد أنني سأجد صندوق بريد ورسائل أو أي شئ عندما آتي الى هنا. حتى المسؤول عن البناء قال انه لم يعرف أي شئ عن فينيلا سو قبل مجيئها للسكن في هذه الشقة .. يبدو لي وكأنني اتيت من مكان مجهول انا لا افهم ذلك وكأنني قد فقدت سنين عمري التي تلت وفاة والدي الآن وهما يقتربان من منزل روبرت ميلبورن ذلك المنزل المغمور بالأشجار والحدائق .. شعرت فينيلا بالتوتر تساءلت مرة أخرى .. ماالذي جعلها توافق على القيام بهذه المهمة وكيف وافقت على المجئ الى هذا المكان ؟
تذكرت مرة اخرى تلك الأمسية التي قضتها مع روبرت ميلبورن في حديقة المستشفى الذي كانت تتعالج فيه .. تحدثا كثيرا عن نفسيهما .. بدا لها وكأنه يعرف الكثير عنها .. لم يسألها عن أي شئ .. وقد كان ذلك السبب الرئيسي لموافقتها للعمل معه .. فقد كانت تخشى مواجهة الناس واسئلتهم عنها وعن فقدانها لذاكرتها
وكان عليها بدورها ان تشرح لهم مشكلتها .. اما روب فقد قبل بها واعتبرها انسانة تعاني من اعاقة تشبه اعاقته والحالة واحده .. تحدث اليها عن نفسه وبأنه خريج كلية الأكسفورد .. بنى لنفسه مكانه واسما في عالم التاريخ .. تاريخ اوروبا بالتحديد.. وكتبه تتحدث عن الحياة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وعن الحروب والدمار الحاصل في القرن العشرين .. اما الآن فهو مرتبط بكتابة بحث يهتم بعدة مواضيع وخاصة الثورات التي بدلت العالم..
- احتاج الى احد يساعدني في بحثي (قال لها) لقد حصلت على العديد من الكتب الضروريه .. ولكن مازلت بحاجة لزيارة المكتبة البريطانيه وأماكن اخرى ايضا.. هل تعتقدين ان بأستطاعتك القيام بذلك ..
" المكتبة البريطانية" بدت لها هذه الكلمات مألوفة..
انه مكان قامت بزيارته كثيرا من قبل.. انها متأكدة من ذلك..
- نعم....أظن انه بأستطاعتي القيام بذلك .. كما اعتقد انه سيسرني جدا القيام بهذا العمل ولكن....
- انا لا اتوقع منك القيام بأي عمل لا تجدين نفسك
قادرة على القيام به..
كان ينظر في عينيها يبحث فيهما عن شئ لم تعرف فينيلا ماهو ..
ولكنها لاحظت ان عينيه رماديتين او فضيتان أحست بالدوار التقط عقلها ذكرى ما .. ولكن سرعان ما اختفت..
نظرت اليه علها تلك الذكرى الا انها كانت قد اختفت انتابها الأحساس القديم بالخوف والأنجذاب في الوقت ذاته ولكن....لماذا تخاف منه ؟ ولماذا تشعر نحوه بتلك الألفة؟
- كيف حدث وأنك تعرف الكثير عني ؟(سألته فجأة)وما الذي جعلك متأكدا انني سأنفع لهذا العمل ؟
- كنت اتحدث مع سام في احد الأيام .. طبعا هذا قبل ان اكتشف كم انا محظوظ فقد علمت ان هناك امراضا اصعب وحالات اخطر من حالتي .. فكرت انه يوجد الكثير من الأشخاص الذين لايعرفون كيف يبدأون حياتهم وكيف يتأقلمون مع وضعهم الجديد على كل حال .. سألت سام اذا كان بأمكانه مساعدتي على الحصول على زوجين من الأرجل لأستعمالهما الى ان اشفى تماما فكر فيك واقترح اسمك ..
نظرت اليه ....كانت تفكر بكلماته " قال: الى ان اشفى تماما "
قالت له:
- قلت الى ان تشفى انت ست..
- سأتحسن ؟ بالطبع هذا ما انويه بالفعل
اللعنة اذا كنت سأقضي بقية حياتي حبيسة هذا الكرسي سأمشي مرة اخرى وفي غضون سنة..
فوجئت بعزمه وتصميمه على الشفاء لاشك انه سينفذ ما قاله ففي غضون سنة سيصبح باستطاعته الوقوف والمشي من جديد تماما كما قال في غضون سنة سيتسنى له الوقوف من جديد وفرد طوله الفارع وجسمه الرياضي ربما سيتسنى له تسلق الجبال ايضا او التزلج على الثلج .. لقد كانت متأكدة ان ما يقوله هذا الرجل لابد وانه سينفذه..
أذن....هل سيصبح باستطاعتها تذكر كل شئ اذا ما صممت على ذلك .. هل سيصبح باستطاعتها أخراج ماهو مخبأ في عقله وأسترجاع ذاكرتها..
أنها اللحظة التي محت وأزالت كل الشكوك لدي فينيلا فروبرت ميلبورن بأمكانه ان يشكل خطرا من نوع ما ولكنه في نفس الوقت يمكن ان يشكل واقعا لها لاسترجاع مافقدته وذلك من خلال تصميمه على استرجاع قدراته..
باختصار انها فرصة قد لاتتكرر مرة اخرى..
لم يكن باستطاعتها تصور اليوم الذي سيشفى فيه روبرت..
اليوم الذي لن يكون فيه بحاجة اليها.. لقد تعودت ومنذ ان فتحت عينيها في المستشفى على التفكير فقط في اليوم الذي تعيش فيه كما تعودت ان تنسى الماضي ولاتهتم بما حدث فيه وان المستقبل مجهول..
لم يكن لديها الآن الا الحاضر..
مساء الخير يا آنسة وسيدي..
بدت المرأة التي فتحت لها الباب ذكية ذات وجه سموح وشعر رمادي .. تابعت..
-دكتور وايتمان.. لطيف ان نراك مرة اخرى .. وانت لابد وأنك الآنسة سوتكليف..
ابتسم سام للمرأة .. وساعد فينيلا على النزول من السيارة..
- يسرني ان اقدم لك السيدة بينيت مديرة بيت روبرت....أعتقد انه هنا اليس كذلك سيدة بينيت..؟
- نعم ياسيدي....انه يأخذ بعض العلاج الفيزيائي ولكنه قارب على الأنتهاء سأقدم لكما الشاي في غرفة الجلوس .. تفضلا سأخذ الآنسة سوتكليف الى غرفتها اولا..
قادتهما الى الداخل اجتازا بهوا واسعا .. دخلا الى غرفة الجلوس كانت غرفة مريحة فيها مقاعد مريحة وأنيقة أخبرتهما السيدة بينيت انها غرفة الجلوس الصغيرة " يا الهي" فكرت اذا كانت تلك غرفة الجلوس الصغيرة فكيف ستكون الكبيرة ولم يحتاج السيد روبرت الى غرفتي جلوس..
- غرفتك في الطابق الأول..
استدارت هي والطبيب ولحقا بها الى الطابق الأعلى..
في الواقع لم يكن البيت ضخما جدا.. الا ان فينيلا وجدته كبيرا ذلك المساء أعجبتها غرفتها كثيرا منذ النظرة الأولى فقد كانت تطل على الوجهة الأمامية للبيت وتطل أيضا على الغابة الكثيفة ووراءها أسطحة البيوت الرمادية للبلدة .. كانت غرفة كبيرة مطلية بالأخضر الشاحب والذهبي اما السرير العريض فهو مغطى بغطاء ابيض مطرز وكان هناك باب في الزاوية يؤدي الى الحمام الخاص بها ..
حسنا....سترتاحين كثيرا هنا .طمأنها سام وهو ينظر حولهارى ان روبرت يعاملك بشكل جيد..
توجه الى السيدة بينيت قائلا:
- دعينا نتوجه الى الأسفل لنرى ماهي أخبار الشاي .. أظن أن الآنسة سوتكليف تحتاج الى بعض الدقائق لتعتاد على الغرفة..
بقيت فينيلا لوحدها .. وبقيت لفترة لابأس بها جامدة تنظر حولها لم تتوقع شيئا كهذا .. ولم تتوقع ان يقدم روبرت لموظفة مثل هذه الغرفة بالأضافة طبعا الى الأجر العالي .. لقد توقعت غرفة صغيرة مهملة لاتصح الا لأستعمال أهل البيت .. اما هذه الغرفة فهي تليق بضيف عزيز وعالى المستوى .. مرة اخرى شعرت بأن هناك مايزعجها ويقلقها .. كانت تشعران في الأمر لغزا تمنت لو انها تستطيع ان تضع يدها على طرف الخيط..
او لو انها تستطيع ان تتذكر....تتذكر أي شئ ..
أبعدت عنها هذا التفكير واتجهت الى الباب فهي لو اكتشفت حقيقتها وحياتها فأن هذا لن يحل لغز روبرت ميلبورن فهي لم تقابله في حياتها .. فأذا كانت قد قابلته فلم يخف عنها روبرت هذه الحقيقة ؟ ولكنه على العكس لايعطيها أي انطباع من هذا النوع ..
ولكن ماهو ذلك الشعور الذي تحسه ناحية روبرت..ذلك الشعور بالخطر والذي يوازي شعور الأنجذاب نحوه وذلك الشعور بالأفة وكأنهما قد تقابلا من قبل في عالم آخر وحياة اخرى ؟
هل يمكن ان يكون كله من وحي خيالها وتفكيرها ؟
عندما نزلت الى غرفة الجلوس وجدت روبرت ميلبورن هناك وسام يصب لنفسه كوب الشاي الثاني على مايبدو..
- آه ..انا آسفة .. لم انتبه الى انني....
- ليس هناك مايدعو الى الأسف والأعتذار ..فقد بدأنا لتونا ....أقدم لك جون مساعدي الأول..
فوجئت فينيلا بالرجل الذي وقف وحياها بخجل فلم تكن قد لاحظته اثناء دخولها..
- انه يقوم بمساعدتي بما يخص التمارين الفيزيائية ..بالأضافة الى الأعمال الخاصة التي احتاج اليها.. طبعا في وضعي هذا..
بدا صوته ساخرا لاحظت فينيلا انه لم يكن قد اعتاد بعد على وضعه على الرغم من محاولته الجادة في قبوله تابع قائلا :
- جون ....هذه فينيلا والتي ستقوم بجميع المهام الفكرية .. سنشترك نحن الثلاثة في خلق عمل تاريخي مميز..
- هذا صحيح فلابد ان يكون الناتج عظيما اذا ما اشترك شاب كله حيوية وفتاة كلها جاذبية في هذا العمل..
كان هذا تعقيب الطبيب وهو يقضم قطعة من كعكة التفاح ..
لم يعره روبرت أي اهتمام وتابع..
- حسنا .... وحيث اننا وضعنا جميع النقاط الرئيسية لتعاوننا ..
اتمنى ان تكونا عونا لي..
- اظن انه بالتصميم الذي تتمتع به لن تحتاج الى الكثير من العون..اخذت منه فنجان الشاي ) بقليل من التدريب تستطيع السير مرة اخرى..
- هذا صحيح فينيلا لقد عرفت هذا الرجل لسنوات عديدة .. واظنه انتظر طوال حياته هذه اللحظة ليتدلل كالطفل.... حسنا علي ان اذهب الآن.. لدي الكثير من المهام....هل سترافقني الى الباب الخارجي فينيلا..
وضع فنجانه ونهض....نظرت فينيلا الى روبرت .. فكرت ان من الصعب عليه الا يستطيع مرافقة ضيفه الى الباب الخارجي.. ولكنه لم يقم بأي اشارة تدل على ذلك.. بل لوح له بيده وبأيماءة من راسه ودعه..
تبعت فينيلا الطبيب الى الخارج..
- شكرا لأنك رافقتني الى هنا سام..
شعرت وهي تودعه عند الباب انها ضعيفة وليست قادرة على مواجهة هذا العالم .. فقد كانت قد اعتادت عليه خلال الأسابيع الماضية .. اعتادت ان تلجأ اليه في الأزمات وعندما ادركت ما حصل لها ومحاولتها استرجاع ولو ذكرى صغيرة عن حياتها الآن وهي تراه يبتعد شعرت بأنها وحيدة.. لم تكن تعرف متى ستراه مرة أخرى .. ربما لن تراه مرة أخرى وجدت نفسها وحيدة مع روبرت ميلبورن ذلك الأنسان الذي كانت تشعر انه يعرف عنها الكثير ..
-ماذا تفعلين هنا؟ لماذا وافقت على القدوم ؟
هذا ماكانت تتساءل به ..
" لابأس....ليس هناك ما يثير القلق "
تذكرت تلك الكلمات التي كان يرددها سام على مسامعها دائما..
والتي رددها عليه اثناء وداعها له عند مدخل البيت.. سرها كثيرا وعده لها بالزيارة في اقرب وقت..
راقبت سيارته وهي تبتعد .. شعرت نذ لحظات انه كان يود ان يخبرها بشئ ما الا انه أحجم عن ذلك الشئ اعتقدت انه سيساعدها على انارة عقلها ولو قليلا ..
هل يحمل سام مفتاح ذاكرتها؟ وهل يمكن لروبرت دخل في ذلك ؟ وهل يمكن لشعورها نحو روبرت أي دخل؟
تنهدت بصمت وعادت الى الغرفة حيث كان ينتظرها للبدء في حياة جديدة..
وجدته وحيدا في الغرفة بادرها قائلا:
- كنت بدأت أعتقد انك غيرت رأيك وعدت الى لندن مع سام..
كانت كلماته ملحة .. نظرت اليه بأستغراب ....في الواقع هذا ما فكرت منذ قليل .. ولكنها اجابته بشدة:
- اذا كنت قررت ذلك .. كنت سأخبرك..
لم يعقب على كلماتها الا انها بدأت تشعر بالغضب يتصاعد داخلها جلست ونظرت الى فناجين الشاي سألته:
- هل تود كوبا آخر من الشاي؟
- لا شكرا .. بأمكانك ان تأخذي انت اذا كانت لديك الرغبة في ذلك..
صبت لنفسها كوبا من الشاي وأضافت اليه القليل من الحليب في صمت .. كان قلبها ينبض بقوة .. كانت تلك المرة الأولى التي يجلسان فيها لوحدهما تماما.. أختلست نظرة اليه من خلال رموشها .. كان يحدق في مجلة بين يديه ولكنه لم يقلب ولا صفحة منذ وقت لا بأس به.. كان يبدو عليه انه لم يكن يقرأ أي حرف .. ماهي قصة هذا الرجل؟
هل ندم على أحضارها الى هذا البيت ؟
- لقد وجدت غرفتي لطيفة .. أكثر مما كنت اتوقع..
قالت اخيرا بأدب..
- وماذا كنت توقعت اذن .. ان اعطيك اذن .. ان اعطيك غرفة صغيرة او مخزنا للمؤن؟ او انك توقعت ان اعطيك غرفة خدم؟
- لا....بالطبع لا....ولكن..
- ستمكثين هنا لفترة من الوقت .. لذلك فمن الطبيعي ان تحصلي على غرفة لائقة (تابع قائلا) وعلى كل حال لا اتوقع استقبال الكثير من الضيوف..
- آه ..اعتقدت ان سام قال..
- قال ماذا..؟
_ انك دعوته لزيارتنا يوم العطلة .. ربما سمعت خطأ..
- آه ..سام.. نعم بأمكانه المجئ الى هنا ولكني لن اعطيه افضل غرفة لدي .. وعلى كل حال سام لا يلاحظ مثل هذه الأشياء..
- وهل ستعطيه غرفة المؤن؟
نظر اليها روبرت وقد بدأ يفقد صبره.. الا انها ابتسمت له..حدق فيها للحظة كانت مشاعره غير واضحة بالنسبة لفينيلا ولكنها شعرت بالسعادة..
مد اليها يده....خفق قلبها بشدة .. وضعت يدها داخلها بينما قبضت أصابعه عليها بدفء..
- تابعي ذلك..:قال بهدؤ
- أتابع ماذا؟
- الضحك ....الأبتسام .. هذا سيجعل الأمور أفضل لي ولك.. ولنا نحن الأثنان..
صمتت فينيلا للحظة ومن ثم قالت..
- لدي احساس انها كانت طبيعتي من قبل أن..ولكن منذ الحادث لم يعد هناك ما يدعو الى الأبتسام والضحك-
- لكنك يجب ان تسترجعي هذه الطبيعة انها هبة من الله .. ولن اسمح لك بفقدانها..
نظرت اليه بأستغراب .. لقد بدا لها صوته دافئا وعميقا بدا وكأنه بالفعل يهمه امرها .. فكرت في ذلك ولكنه لا يمت لها في شئ وهي لاتعني له أي شئ .. انها فقط موظفة..
هل هذه الصفة تسمح بهذا الاهتمام..
ولكن ماذا يهمها من الأمر على الأقل اختفت لهجة السخرية من كلماته وأصبحت تعابيره اكثر عمقا وصدقا ..
انما ماذا يجعلها في طبعه وفي تعابيره وهل لها الحق في الحكم عليه وكيف لها ان تقيم طباعه وهي تراه لايستطيع القيام بأبسط الأمور .. توديع.ضيفه عند البابصحيح انه يستطيع التحرك بواسطة الكرسي المتحرك.. الا ان هناك ممرات وأبوابا ضيقة وادراجا لايستطيع تجاهلها ..
تنبهت فجأة الى يدها التي مازالت تقبع بين يديه .. حاولت سحبها ولكنه أحكم قبضته عليها..
-بروفسور ميلبورن
- روبرت:صحح بسرعة. خلال الفترة القادمة سنعيش معا في هذا البيت .. وعليك ان تناديني بروبرت..
- روبرت:قالت بصعوبة. أرجوك ..أريد ان اشرب الشاي..
أطلق يدها في الحال .. تصاعد الدم الى وجه فينيلا التقطت فنجانها بعصبيه..كان احساسها بأصابعه على يدها مازال قائما .. كان لديها شعور قوي انه في يوم من الايام وفي موقف من المواقف قد أمسك يدها ولفترة طويلة راودها هذا الأحساس مرة أخرى عندما خلت الى نفسها في ذلك اليوم .. ولكن كيف يكون هذا .. وهي لم تلتق بروبرت قبل اليوم..
شعرت بقشعريرة في جسمها .. ماهو السر في ذلك الرجل الذي يدفعها للمكوث الى جانبه .. ماهو سر انجذابها اليه واحساسها نحوه؟....لو كانت تعرف ....لو كانت تستطيع التذكر..
انتفضت من هذه الفكرة لانها لم تكن معقولة .. فأين لها ان تقابل روبرت....خاصة وانه كان قد تعرض لحادث ما هو ايضا....
صحيح انها لا تعرف الكثير عن الحادثة التي جرت له وأي الحادثين حصلت في البداية وعلى كل حال هذا لا يؤثر على المسألة الأساسية وهي الشعور الكبير بالألفة الذي تشعر به نحو روبرت .. كانت تشعر وكأنها بين ذراعيه..
عادت بذاكرتها الى جلستها معه قبل قليل ..
كانت قد وضعت كوب الشاي ومكثت لفترة تحدق في الفنجان الفارغ .. سألها:
- هل صحيح انك لا تتذكرين أي شئ عن حياتك قبل.... قبل الحادث؟:سألها بهدؤ.
حبست فينيلا انفاسها .. كانت تلك المرة الأولى التي تشعر فيها باهتمامه الجاد .. هزت رأسها نفيا .. أخفضت نظرها..
شعرت لفترة من الوقت باقترابه منها وقربه ايضا .. كان باستطاعتها الأحساس بأنفاسه قريبا من وجهها .. سألها:
- الا يمكنك ان تتذكري ولو نكتة واحدة .. ولو ذكرى واحدة شارك فيها انسان ما الا تشعرين بفقدانك وشوقك الى انسان ما .. انسان كنت تحبينه في يوم من الأيام؟
رفعت فينيلا رأسها وحدقت فيه.. امتلأ قلبها بالحزن والصداع اللذين تصاعدا الى عينيها .. تساءلت
"لماذا لاتشعر بالكره نحو روبرت ميلبورن خاصة وأنه يضعها وجها لوجه أمام ما يزعجها وما تحاول عدم التفكير فيه "
مرة اخرى هزت رأسها نفيا .. لكن ارتجفت شفتاها من تأثير التعابير التي ظهرت على وجهه..
- انا لا تذكر أي شئ:صرخت في وجهه:لا اتذكر أي شئ .. حتى اني لا اعرف ان كنت على علاقة حب مع احد .. ولكن لابد وانه كان لدي حبيب ..ففتاة في السادسة والعشرين لابد وانها تعرضت لمثل هذه التجربة .. ولكن رغم ذلك نسيته تماما كما نسيت كل شئ ..
غطت وجهها بيديها ورددت عليه ما رددت لسام مرارا وتكرارا..
- ولكن لا..لايمكن ان يكن هناك من احد والا سأل عني وبحث عني في كل مكان .. بل كان سيصر على مقابلتي وحتى وان لم اتعرف عليه . أخفضت رأسها قليلا ومن نظرت اليه:اظن انني كنت سأتعرف عليه في الحال .. اليس كذلك؟ كانت هناك فترة من الصمت ومن ثم ثال روبرت بهدؤ ..
- لا أدري يا فينيلا .. ربما ..وربما لا..أنا آسف لأنني فتحت هذا الحديث من الواضح انه يؤلمك جدا ومع ذلك..:انحنى اليها مرة اخرى ممسكا بيدها بين راحتي يديه لدرجة أحساسها بدفء يديه يجتاح جسمها كله .. تابع قائلا
- عندما تشعرين بأنك على استعداد للتكلم تذكري انني سأستمع اليك ..اتفقنا..
حدقت فيه محاولة قراءة التعبير الذي رأته في عينيه السوداوين ..
- حسنا سأتذكر..
نظر اليها لبرهة ومن ثم أطلق يدها قائلا بنعومة كبيرة .. جلبت الدموع الى عينيها ..
- لما لا تصعدين الى غرفتك وترتبي حقائبك .. لابد وأنك متعبة ؟صمت قليلا ثم تابع. ليس من واجبك المكوث الى جانبي بشكل دائم.. عيشي حياتك فينيلا .. كوني صداقات جديدة فلن تكوني مشغولة معي الا لساعات قليلة خلال اليوم .. تسارعت أنفاسها من مجرد التفكير تصورت نفسها تخرج الى العالم الخارجي .. تسير في الشوارع وحيدة ....لا لم تكن مستعدة لمثل هذه المغامرة .. تمنت لو انه يستطيع مرافقتها ولكن ذلك مستحيل..
- الا تود الخروج..ربما تستطيع..
- لا..كان صوته حادالن اخرج الى الشارع مدفوعا على كرسي متحرك تماما كالطفل ..سأخرج عندما أستطيع الأعتماد على قدمي وليس قبل ذلك .. ولكن هذا لايمنعك من الخروج واستكشاف المكان .. ستكتشفين انه رائع..
- نعم ..شعرت انها لم تعد تستطيع تحمل التغير السريع لمزاجهأعتقد انني سأصعد الى غرفتي لترتيب ثيابي..
ومن ثم سأذهب في نزهة حول المكان..متى تقدم السيدة بينيت العشاء؟
- العشاء؟ . نظر اليها وكأنه لم يسمع في حياته مثل هذه الكلمة:آه ..حوالي السابعة والنصف ..أعتقد ذلك ..
كان روبرت يتكلم وكأنه يعيش في البيت كضيف..
تساءلت فينيلا هل يعقل انه لايهتم اطلاقا بما يجري في البيت .. تابع قائلا:
- لما لا تسأليها بنفسك لابد وانها في المطبخ..
- أذن سآخذ معي ادوات الشاي:رفعت الفناجين ترددت قليلا وسألته:هل يمكنني ان اقدم لك اية خدمة قبل ان اذهب؟
- لا....شكرا..
نظر اليها مليا .. استطاعت من خلال هذه النظرة ان تشعر بأحساسه الداخلي .. ذلك الأحساس الذي تجلى واضحا .. كان يحاول ان ينقل اليها رسالة ما لكنها لم تكن لتعرف ماهي ..
ارتجفت يداها واهتزت الفناجين.. استدارت بسرعة وغادرت الغرفة..
ما ان اصبحت في الخارج حتى استندت على الجدار في محاولة للتخفيف من التوتر الذي كانت تعانيه .. ما ذلك الشعور الذي كان ينتابها نحو روبرت ؟ لماذا تشعر بأنها تعرفه منذ زمن طويل.. وليس معرفة سطحية وأنما معرفة عميقة .. كان هناك شعور عميق يكمن داخلها ..
ولكن ذلك غير ممكن .. فأذا كانا قد التقيا .. لم لم يقل لها أي شئ ؟ فلابد وانه سيساعدها كثيرا على استعادة ذاكرتها..
تابعت فينيلا طريقها الى المطبخ .. استغربت من نفسها معرفتها للطريق اليه .. تذكرت كلمات الطبيب لقد نبهها الى تلك النقطة من قبل..أذن..لابد وأنها قد عاشت في هذا البيت او على الأقل أتت اليه..
أنتابها شعور غريب وهي تدخل الغرفة الواسعة المضيئة كان المطبخ أليفا ....تذكرت انها شعرت بنفس الأحساس من خلال عيني روبرت وهو ينظر اليها..
أنت تقرأ
روايات عبير / الحب المنسي
Romanceالملخص -أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟ - لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة.. - ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه - او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده...