الفصل الثامن

5.5K 94 0
                                    

مضت الأشهر التي تلت الحادث وكأنها كابوس .. همست فنيلا بتلك الكلمات وهي مستندة على صدر روبرت ..
- بدا لي ان العالم بأكمله قد انهار من حولي .. كان ينتظر ان اقوم بالعديد من المهام اولها السفر الى كندا لأرتب امور الدفن واجراء بعض المعاملات الرسمية حيث ان والدي ووالدتي لم يكونا كنديين....لقد كان كابوسا..

لم يكن هناك من احد يساندك في محنتك:تمتم وهو يضمها بين ذراعيه . خاصة وانك لم تفيقي بعد من صدمة جيرمي وحبك له ..

اعتقدت انني كنت احبه:قالت بسرعة . لم يكن حبا حقيقيا ولكني لم اكن اعلم ذلك .. ولم اعرف ماهو الحب الى ان قابلتك ..

بعد ان عادت الى انكلترا.. كان على فينيلا القيام بالعديد من الأشياء الخاصة وانها كانت تشعر بالوحدة والحزن يملأ قلبها ..
بعد ان تمت جميع الأجراءات قررت الأبتعاد فكرت ان لم يبق من شئ يمكن ان تهتم به او من اجله .. قررت الرحيل علها تبدأ حياتها من جديد ..
وقد حاولت ذلك .. وضعت الأموال التي ورثتها عن والديها في البنك ورصدت مبلغا معينا للسفر الى الخارج لمدة سنة قامت بجولة في اوروبا .. زارت صالات المعارض.. والمتاحف جلست على أرصفة الشوارع دخلت المقاهي الشعبية .. تعلمت اللغات التي كانت تنقصها .. تعرفت على الحياة الفرنسية والألمانية والأسبانية ولكن لم يبارحها رغم ذلك الشعور بالوحدة..
المرحلة الثانية كانت السفر الى امريكا كانت تحتاج الى شجاعة كبيرة لعبور الأطلسي مرة ثانية بعد عبورها له في المرة الأخيرة زارت كاليفورنيا والأريزونا ولانها لم تكن تستطيع البقاء بدون عمل عمدت الى استلام العديد من الأشغال اينما حلت مثل نادلة في مقهى .. مساعدة في محل .. عملت أي شئ وكل شئ في سبيل التخلص من الشعور بالحزن .. ومن حقيقة انها اصبحت وحيدة في هذا العالم ..
على الرغم من وحدتها .. لم تستطع تكوين اصدقاء حميمين .. كانت دائما تطاردها صورة جيرمي وخيانته لها .. كانت متأكدة انها لن تستطيع خيانة اخرى..
اخيرا .. عادت الى الوطن بعد ان تأكدت من انها لن تجد السلام الا في بلدها انكلترا.. والا اذا عادت الى بلدها وواجهت مخاوفها وجها لوجه والانتصار عليها..
لقد هربت لوقت طويل وان لها العودة ..
لقد صدمها المبلغ المطلوب لشقة لندن .. ولكن المكتب العقاري أكد لها ان المبلغ المطلوب يعتبر مقبولا بالنسبة للأسعار الموجودة في المدينه والضغط الحاصل على البيوت .. اقترح عليها المكتب مشاركتها احدا ما في البيت خاصة وانه مؤلف من غرفتي نوم الا ان الفكرة لوحدها اشعرت فينيلا بالخوف والقلق .. فبعد سنتين من السفر والغربة لم تكن تريد شيئا في هذا العالم اكثر من حاجتها للوحدة خاصة بعد قضاء يوم كامل في الغابة البشرية التي آلت اليها مدينة لندن.. لم تكن لتسمح لأحد بان يحطم هذا السلام وهذه الوحده ..
اتجهت الى النافذة ونظرت الى الخارج .. كانت شقة ضمن عدة بيوت قديمة تقع داخل سور يضم العديد من البيوت تحيط بها الحدائق .. كان ذلك في الماضي الا ان الحديقة الان اصبحت مشاعة للجميع .. انتشر الأطفال هنا وهناك وجلست الفتيات اللواتي يعملن في المكاتب القريبة على العشب يتناولن وجباتهن الخفيفة..
سآخذ هذه الشقة:القت نظرة سريعة الى الشقة . سأصنع من هذا بيتا رائعا لي ..
نظر اليها الشاب مستغربا .. لم يكن معتادا على الزبائن الذين يتخذون قراراتهم بهذه السرعة..
تقصدين انك ستأخذينها بالسعر المطلوب ؟
لا....
ضحكت فينيلا.. صحيح انها بسيطة الا انها لم تكن ساذجة في شئ .. طلبت تخفيضا مناسبا وذكية..
حسنا ....سأتصل بصاحب البيت وقدم له عرضك وسأبلغك بالنتيجة .. هل تودين ان نقوم نحن باجراءات الشراء ..
حسنا ..
بعد ان تمت حل هذه المشكلة .. التفتت الى ايجاد عمل .. قررت البدء من جديد ..بناء حياتها من جديد ولكن بدون تهور وتسرع وبعد تفكير طويل..
كان قد مضى عليها ثلاثة اسابيع منذ ان انتقلت للعيش في شقتها الجديدة .. عندما شاهدتها جينا عند درج البيت ودعتها لحضور حفلة في بيتها..
حفلة ..لست متأكدة..
كانت ماتزال تخاف من تكوين صداقات جديدة خاصة بعد ان فقدت الرجل الأول الذي احبته وبعد ان فقدت والديها .. لم تكن تريد المزيد من الألم..
نظرت الى الفتاة التي امامها .. ارتبكت لم تكن لتستطيع أعطائها الجواب اللازم ..
ارجوك اقبلي ..:كانت جينا جارتها واما لولدين شقيين جدا .. الأول في السادسة والثاني في الرابعة من عمره كانا يملان الحديقة بصراخهما الدائم . انها حفلة خاصة للترحيب بأخي لقد امضى في استراليا اكثر من اربع سنوات وهو لا يعرف احدا في لندن .. ارجوك ان تأتي .. بالأضافة الى انه حان لنا ان نتعرف عليك .. فقد مضى عليك في الشقة شهر تقريبا وأشعر بالذنب نحوك..
حسنا:ضحكت فينيلا بمرح . يسرني ان آتي .. ومتى ستكون الحفلة ..
غدا مساء .. تعالي في الثامنة .. سنكون حوالي عشرة اشخاص.. الذين يسكنون في الجوار .. بالأضافة الى اخي وصديق له سيأتي معه .. لقد أعددت طاولة مفتوحة .. لذلك أرجو الا تتناولي شيئا قبل المجئ .. لدينا الكثير من الطعام .. واذا زاد شيئا فسيتولى العفاريت الذين عندي القضاء عليها في اليوم التالي ..
ابتسمت لفينيلا واختفت في شقتها .. تاركة فينيلا تتابع الصعود الى شقتها حاملة معها الأغراض التي كانت معها بالأضافة الى قلق تولد من خلال حديثها مع جينا .. ولكن لم القلق .. فماهي الا حفلة:هكذا فكرت فينيلا حتى انها لم تكن مجبرة على البقاء لنهاية الحفلة اذا ارادت ان تغادر باكرا.. كان بأمكانها الظهور في البداية وقضاء ساعة وبعد ذلك الأعتذار والانسحاب ..
أذن..لماذا ينتابها الأحساس بالقلق وكانها حياتها التي حرصت على المحافظة عليها خالية من القلاقل كانت على وشك ان تصبح رأسا على عقب ....مرة ثانية..
هذه جارتنا الجديدة الانسة فينيلا سوتكليف ..
لمست جينا ذراع ان لتنبهها الى الرجل الطويل الأسمر الذي كانت تريد ان تقدمه لها:فينيلا ..هذا صديق أخي مايك .. انه البروفسور روبرت ميلبورن....
ولكن لم الألقاب ..فهذه حفلة .. ليس حفلة رسمية . كان صوته عميقا ومؤثرا .. ولكن بدون لكنه من اللهجة الأسترالية .. كما توقعت فينيلا ..انا لست عالما ولكن رجل تاريخ التقطني مايك وانا في استراليا .. وعدنا والتقينا هنا في لندن ..وماذا عنك ؟
كانت عيناه تحدقان بها بأصرار..
انا..
نظرت اليه بأرتباك .. كانت تعاني من اغرب الأحاسيس والمشاعر نعم .. لقد مرت من قبل بمثل تلك الأحاسيس ولكن لم تكن بنفس القوة
تذكرت لقاءها الاول بجيرمي ..
" لا ..لا.. ليس مرة ثانية .. لقد سعيت الى الاستقرار في حياتي وحصلت عليه ولا اريد ان افقد هذا الأحساس " كانت تلك الفكرة اول ماتبادر الى ذهن فينيلا ..
كان روبرت ميلبورن مايزال يحدق فيها .. بحثت عن طريقة للهرب ولكنها لم تجد ..
نعم....بالنسبة للتاريخ القريب .. علمت من جينا انك انتقلت الى شقتك مؤخرا..
هذا صحيح .. الشقة التي فوق هذه..
أظن ان ذلك أفضل من السكن في الشقة التي تحت هذه خاصة وان لجينا ولدين في غاية الشقاوة .. اظن ان ساكني تلك الشقة مصابون بالصمم..
:ابتسمت فينيلا . لا اظنهما في غاية اللطف ذلك الشقيين ..
في بعض الأحيان ..اذن .. اين كنت تقيمين قبل الانتقال الى شقتك الجديدة ..
ليس هناك من مكان محدد .. لقد مكثت حوالي الثلاث سنوات في الخارج..
هذا يبدو مسليا..
شعرت فينيلا بقوتها للحظة الا انها كانت تقوم بجهد كبير لذلك ..
ولكن لو انها تجد مهربا من ذلك الموقف وفي ذلك الرجل ولكنهما كانا يجلسان في زاوية الغرفة والمهرب الوحيد نافذة فرنسية واسعة .. اخذت نفسا عميقا في محاولة للتخلص من التوتر الذي كان يهيمن عليها ..
ليس كثيرا .. فلم أكن أعلم أي شئ على وجه الخصوص اطلعت على صالات العرض والمتاحف ومن ثم ذهبت الى امريكا لفترة من الزمن ..
تتحدثين عن تلك الرحلات وكانها نزهة او مشوار تسوق ممل .. لابد ان هناك أشياء أكثر متعة..
نظرت فينيلا الى عينيه كانت تحاول ان تعترض ولكن الانطباع الذي كان فيهما جعلتها تردد حاولت قول شئ الا انها توقفت ..
شعرت بتوعك كبير .. امتلأت عيناها بالدموع .. ظهر الأهتمام على وجه روبرت وضع يده تحت مرفقها ..
فينيلا..هل انت متوعكة ..انظري يمكننا الخروج من هنا:قادها عبر النافذة الفرنسية العريضة الى الحديقة حيث كان الجو اكثر برودا وهدوءا أخذت نفسا عميقا لعدة مرات .. ما ان تحسنت حتى نظرت اليه بأبتسامة امتنان..
شكرا لك .. لقد أصبحت أحسن حالا الان .. لقد شعرت بالحرارة فجأة..
كان ينظر اليها بأصرار .. انتبهت الى انه لم يصدقها ..
هل هناك من شئ أزعجك ؟ شئ قلته لك مثلا او شئ قلتيه انت بنفسك .. ماذا كان يا فينيلا ؟ هل تعتقدين ان بأمكانك اخباري ؟
هزت رأسها وامتلأت عيناها بالدموع مرة اخرى..
ماذا كان يحدث لها ؟ بعد كل تلك السنوات من العواطف المتبلدة .. تسمح لتلك الدموع بالسيطرة على تماسكها .. لماذا تشعر فجأة بالحاجة الى البكاء وأخراج كل ما يعتمل في صدرها من احزان .. هل السبب تلك العينين الرماديتين المحدقتين فيها بدفء؟ هل السبب ذلك الصوت الذي مس شفاف قلبها .. أخذت يديها الى وجهها لتفاجأ به يحتضنها بيديه المرتجفتين ..نهضت بارتباك رافعة اليه نظرها..كانت عيناها تحمل كل الآلآم من الحب الأول..
نظر اليها روبرت باهتمام أطلق يديها ولكنه قربها منه واحتضنها بين ذراعيه ..
-سآخذك الى شقتك فينيلا:قال بسرعة . لاتقلقي بشان جينا .. سأفكر بعذر اقوله لها .. ويوما ما وفي القريب العاجل .. سنتقابل ونتحدث .. فلدينا الكثير لنقوله..
اعتقد انك توافقيني الرأي اليس كذلك؟
لم تقل شيئا فقد كانت دقات قلبها تتسارع .. وعلى كل حال لم يكن لديها من شئ تضيفه او تقوله .. بينما كان يقودها الى شقتها عبر الحديقة شعرت بان هذا اللقاء كان مقدرا له ان يحدث وان حياتها قد بدأت لتوها..
لم يكن بيدها شئ تفعله .. فمنذ اللقاء الأول مع روبرت وكما حصل لها في المستشفى أثناء مباراة الكرة .. شعرت فينيلا ان هذا الرجل سوف يكون له شان في حياتها بطريقة او بأخرى فعيناه وشفتاه وقوة خطوط وجهه انبأتها ان ذلك الرجل لم يكن عاديا ..
ففي الليلة الأولى التي رافقها فيها الى شقتها .. انتابها القلق والتوتر خشيت ان يطلب منه البقاء لفترة طويلة .. كيف كانت ستتصرف في مثل هذه الحالة.. كان هناك أحساس مواز لأحساس القلق والخوف .. أحساس لم تكن تدري كنهه في ذلك الحين ولكنه كان يملأ قلبها انفعالا وتأثرا ..
ولكن روبرت لم يقترح البقاء ولم يطلبه .. قادها الى غرفة الجلوس ..
القى نظرة سريعة على محتويات الغرفة الانيقة ساعدها على الجلوس على الأريكة الكبيرة .. ومن ثم وقف يحدق فيها لفترة وعيناه مليئتان بالأهتمام ..
تبدين شاحبة .. سأعد لك شرابا ساخنا .. ما رأيك ؟
لا..ارجوك ليس هناك من حاجة لذلك ..
ولكن روبرت أسكتها بحركة من أصابعه على شفتيها .
حسنا في هذه الحالة افضل فنجانا من الشاي .. ولكني استطيع ان اقوم بذلك .. فانا..
عبر روبرت الغرفة متجاهلا اياها ..
هل هذا المطبخ ؟ أظن ذلك ..لا ..لا لا تتحركي فانا بأستطاعتي ان اضع الماء على النار وأعداد الفناجين..
كان صوته يأتيها من المطبخ عبر الباب المفتوح.. سمعت صوت فرقعة فناجين الشاي وتذويب السكر فيها..
اظن انك لاتمانعين فيما اذا اخذت معك فنجانا من الشاي .. ظهر عند الباب يحمل فناجين من الشاي التي يتصاعد منهما البخار ..
هل اقول لك شيئا .. لقد بدأ المشروب الذي قدمته لنا جينا يأتي بمفعوله ولا اود ان اشرب أي مشروب روحي هذه الليلة ..
راقبته فينيلا وهو يضع الفناجين على الطاولة المنخفضة يناولها فنجانا ويأخذ لنفسه الآخر .. وأخيرا أختار لنفسه المقعد المقابل لها وجلس عليه يرتشف الشاي .. فكرت ان لو كان جيرمي مكانه لكان اختار الجلوس الى جانبها ولم يكن ليضيع هذه الفرصة..
هل تودين التحدث الي عن الشئ الذي ازعجك وأثار الحزن لديك:سألها بعد لحظات . هل هو شئ قلته لك ؟
هزت فينيلا رأسها نفيا .. لا ..في الواقع لم يقل أي شئ فقط الطريقة التي نظر فيها اليها .. ذلك الشعور المفاجئ الذي تولد داخلها .. خيبة الأمل .. تمنت في تلك اللحظة لو انها قابلته منذ سنوات عديدة .. وقبل التعرف نهائيا الى جيرمي وقبل ان تغلق قلبها في وجه الحب..
لا..لم يكن هناك من شئ .. فقط لحظة حمق او سخافة من المحتمل لانني متعبة..
ابتسمت له لتبرهن له عن صدق اقوالها.. تغير الانطباع على وجه روبرت .. أبعدت نظره عنها بسرعه تخيلت للحظة انها رأت فيهما الحنان .. ولكن هذا غير معقول .. لقد تقابلا لتوها .. كيف له ان يشعر نحوها بأي شئ ماعدا الأهتمام العابر ؟
حسنا:قال بعد لحظات على الرغم من ان فينيلا كان لديها الشعور انها ستبكي مرة اخرى بسبب اللطف والحنان الذي كان يعاملها به . لن اضغط عليك أكثر من ذلك .. ولكن في يوم ما آمل ان يصبح لديك ثقة نحوي .. ثقة تدفعك الى اخباري .. سنتقابل ثانية .. اليس كذلك؟
هل سنتقابل ؟:همست وبدون ان تجرؤ للنظر اليه ...
نعم ..:كان صوته حازما وواثقا . وسيكون ذلك قريبا جدا .. غدا ..؟ لا لدي موعد هام لا استطيع تأجيله اذن فلندع ذلك لبعد الغد .. هل استطيع دعوتك على العشاء:انتظر الى ان تتمكن فينيلا من السيطرة على قلبها المضطرب وأضاف . أرجوك ؟ كان رجاؤه حارا وكانه كان يتوقع رفضها وفي نفس الوقت كان يتمنى مخلصا قبولها لدعوته .. دقت أجراس الخطر في اذن فينيلا .. في تلك اللحظة لم يكن بوسع فينيلا ان ترفض لذلك الرجل أي طلب .. لم يكن الأمر يحتمل التسويف او المماطلة .. قالت لنفسها انه عشاء واحد....وماذا يمكن ان يحدث لها ؟ فقط ليلة من العمر ولكن في قرارة نفسها كانت متأكدة ان ما تشعر به لن يتوقف بعد تلك الليلة مر ذلك اليوم في ترقب لتعود بعد العمل الى شقتها .. وقفت فترة طويلة امام المرآة وأمام الملابس تفكر ماذا تلبس أخيرا أختارت ثوبا تركوازيا يظهر جمال جسمها الرشيق وفي نفس الوقت يظهر رونق شعرها الأسود الفاحم..
لن تسمح في حال من الأحوال ان يعرف روبرت كم عانت من الحيرة في اختيار اللباس والمكياج المناسب لهذه الليلة وكم كانت قلقة من ذلك اللقاء..
عندما وصل الى شقتها كانت بانتظاره بدت وكانها فتاة اعتادت مثل هذه المواقف واعتادت ان ياتي الشبان لدعوتها الى العشاء لاحظت انجذابه اليها من النظرة الأولى وهي تقوده الى غرفة الجلوس .. لدهشتها كانت تواقة الى معرفة رد فعله ورأيه فيها .. أخذت منه الزهور وشكرته ..
انها جميلة .. القرنفل زهري المفضل .. سأضعها في الماء حالا أرجوك تفضل وخذ لنفسك كأسا ..اتجهت الى المطبخ لتعود بعد لحظات ومعها مزهرية .. وجدته منهمكا في صب كأس من الشراب البارد ..
الا تفضل نوعا اقوى ..
ليس هذه اللحظة .. شكرا .. سنتناول بعضا منه على العشاء .. وعلي ان اقود السيارة ..
استقرت عيناه عليها لفترة..
تبدين افضل حالا هذا المساء..
شكرا لك..
بدأت بترتيب الزهور .. مدركة الأحمرار الذي كسا وجهها وكانها سمعت لتوها مديحا جريئا .. بادرته قائلة :
في الواقع لم اكن اعاني من شئ ذلك المساء.. فقط كنت مجهده قليلا .. ذهبت الى جينا واعتذرت لها وشكرتها على الدعوة .. قالت لي ان السهرة انتهت باكرا..
لا ادري .. فانا لم اعد الى الحفلة ..
كان هناك صمت لم يطل .. وضعت فينيلا المزهرية على طاولة صغيره التفتت الى روبرت .. رأته يحدق في الصورة المعلقة فوق الموقد مما اتاح لها الفرصة للتحديق فيه لأول مرة..
كان في الواقع جذابا .. اكتاف عريضة .. طول فارع .. خصر نحيف مع عضلات بارزة وكانه رياضي محترف .. وليس أكاديميا يعمل في مجال التاريخ..
استدار اليها فجأة وكانه أحس بنظرتها الفاحصة ما ان التقت نظراتهما حتى تشنجت وارادت ابعاد نظرها عنه بأي طريقة الا انها لم تستطع .. استقرت نظراتها عليه وشعرت بالحرارة تحرق وجهها وامعاؤها تتقلص من الداخل وانتقل التوتر الى كافة انحاء جسمها لم تتحمل كثيرا ذلك الموقف نهضت بسرعة .. اغلقت النافذة .. وضعت كتابا في المكتبة وبحثت عن حقيبة يدها ..
هل تريد مزيدا من الشراب ؟
اصبح صوتها غريبا عليها .. عضت على شفتها السفلى ولعنت نفسها لماذا تسمح له ان يؤثر عليها هكذا ؟
لا شكرا .. اذا كنت مستعدة يمكننا ان نذهب ..
تنحى لها قليلا لكي تمر من امامه .. كان جسمها يرتجف من الانفعال لدى مرورها بجانبه.. كانت متأكدة من انه يراقبها بأصرار طلبت من ربها ان تمر هذه الأمسية على خير ولن تكرر التجربة مرة اخرى ابدا..
كانت سيارته متوقفة امام الباب .. فتح لها الباب ودخلت كالأميرة لو كان جيرمي مكانه.. لقام بنفس التصرف الا انه كان يبدو مصطنعا وكان يحتفظ باللطف والكياسة في خزانة يخرجها وقت الحاجة وأثناء المناسبات .. اما روبرت ميلبورن فتبدو من صميم شخصيته ونمت معه وترعرت معه..
اخذها الى مطعم بجانب دار الأوبرا .. دخلوا الى شارع جانبي ودخلوا الى المطعم .. كانت الأضواء خافته استغرقت فينيلا وقتا لكي تعتاد على المكان .. لاحظت صورا عديدة لفنانين مشهورين معلقة على الجدران وعلى كل طاولة كان هناك شمعة ..
تلك صور ممثلين:اتجها الى طاولة منزوية قليلا . هذا المكان خاص بالمسرحيين والكتاب والعاملين في التلفزيون ..
نظرت فينيلا حولها ولكنها لم تتعرف على احد .. في الواقع لم يكن لديها في الماضي وقت لمشاهدة التلفزيون او الذهاب الى المسارح بدلا من ذلك أعادت انتباهها الى الوجبة المقدمة لها..
تبدو لذيذة .. شوربة الفاصوليا .. والسلطة التي احبها كل شئ لذيذ وأحبه .. شكرا لك على هذه الدعوة وعلى المكان طبعا انه هادئ..
اعتقدت انه ربما سينال اعجابك:قال بهدؤ . انه مريح لم اكن اريد الذهاب الى أي من المطاعم الفخمة .. سنؤجل ذلك الى وقت لاحق ..
وقت لاحق ؟:خفق قلبها ...
اجل ..أقصد في المرة الثانية .. لابد وان هناك مرات اخرى .. اليس كذلك فينيلا ؟
أذا كنت تريد ذلك:تمتمت . ولكننا بالكاد نعرف بعضنا ..
ولهذا نحن بحاجة الى ذلك اللقاء .. لنتعرف على بعضنا:مد يده عبر الطاولة وأمسك يدها . انا لست أفلاطونيا .. لقد كان لدي العديد من العلاقات في السابق .. ولكني لم اسخر من أي امرأة ولم أسمح لواحدة منهن ان تفعل ذلك ..هل يريحك هذا في شئ ؟
انا لا ادري ماذا..
لاتقولي انك لاتدرين ماذا أقصد:بدأ غاضبا . لتدعينا نتصرف بتظاهر كاذب .. أعرف انك تبدين خائفة مني .. ولكني أعدك اني لن اكون ذئبا مفترسا .. ينتظر الفرصة لينقض عليك .. ولن انهي هذه الامسية بالطلب المعهود في مثل هذه الحالات:تجاهل امتقاع وجنتيها . فقط اود ان يتاح لنا التعرف على بعضنا البعض بشكل اكبر وأعمق ..اذا كان هذا ممكنا ....
لم تسأله ان مرة اخرى عما يقصده فقد أصبح واضحا لديها ما يقصده .. وقد أصبح واضحا لديها شعورها نحوه في هذه اللحظة كانت يداها ترتجفان تحت يديه ..
أخذت تحدق في الوجبة الموجودة امامها الا انها لم تكن ترغب أي شئ .. لم يكن في ذهنها الا شئ واحد .. لقد دخل روبرت الى حياتها وأصبح جزءا منها ..

روايات عبير / الحب المنسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن