الفصل التاسع

5.2K 85 0
                                    


رويدا رويدا بدأت فينيلا بالتعود على روبرت والثقة به كان يعاملها بلطف ولكن بجزم مانعا اياها من التفكير بالتراجع عما كان يخطر لها احيانا ان تفعل .. ولكنه كان يترك لها المجال مفتوحا لعدم الأحساس بالضغط والأسر .. كان متأكدا انه اذا شعر ان لديها الرغبة الحقيقية في الأبتعاد عنه فلن يتردد في ان يطلق حريتها ..
ولكن لم تكن تريد ذلك .. مع انتهاء الأسبوع أصبح روبرت كل شئ في حياتها لم تعد تستطيع الأستغناء عنه .. كان دائم الحضور ..
كانت لاتستطيع البقاء وحيدة أصبحت تشعر بوطأة الوحدة اذا غاب عنها فمنذ ان انهت علاقتها مع جيرمي لم تفارقها تلك الوحدة ابدا فقد اغلقت قلبها في وجه أي علاقة صداقة او حب ..
كان روبرت يوقظها من ذلك السبات ويحاول اعادتها الى الحياة من جديد ولكن ببطء وأصرار..
ذهب معا الى المسارح والمتاحف وصالات العرض , سارا تحت المطر وأثناء هبوب الرياح .. تمشيا بجانب النهر وفي الغابة القريبة من لندن ..
تحدث لساعات حول الكتب التي قرأها والأفلام التي رأياها .. والموسيقى التي يفضلانها .. اكتشفا ان اذواقهما لاتتشابه دائما ..
كان يصلان الى نقطة حرجة في بعض مناقشاتهما لبعض المواضيع..الا ان التوتر مايلبث ان ينجلي بضحكة الا ان كان هناك العديد من نقاط التشابه التي اتاحت الفرصة فخلق مشاعر عميقة فيما بينهما ..
تكلما عن حياتهما السابقة .. عن طفولتهما وعائلتيهما واصدقائهما تحدث روبرت اليها عن بيت العائله في كوتسوردز والذي ورثه اثر وفاه والده منذ ثالث سنوات.. والذي قرر انه سيكون مقره اثناء تأليفه للكتاب القادم ..
بعد ذلك أصبح بمقدور فينيلا ان تحدثه وباطمئنان حول علاقتها بجيرمي ..
اتساءل الآن مالذي اعجبني فيه:قالت بأمانه . كان ذا مظهر جيد جذابا مؤدبا وقد كنت في حينها بريئة لا استطيع التمييز بين الصح والخطأ .. لقد استغلني لتسليته الى ان تحين الفرصة المنتظرة او الخطوة التاليه ..:أحمرت خجلا من ذلك الاعتراف الا انها قالت . حقا لقد كنت غبية سافر بعدها الى سنغافورا وتركني وحيدة ..
ولكنك شابة صغيرة:أمسك يدها بدفء . كلنا نخطئ في وقت من الأوقات ..
شئ في صوته دعاها للنظر اليه
انت ايضا ..
اومأ لها بالموافقة ..
ليس هناك من هو معصوم من الخطأ .. فينيلا ..نعم..مررت بلحظات مثل تلك ايضا .. الا ان خطيئتي قادتني الى الزواج لا تقلقي:امسك بيدها عندملا لاحظ اضطرابها . لقد انتهى كل شئ الآن .. لقد كان ذلك منذ عدة سنوات ..
صمت لفترة .. ونظر الى الفراغ وكأنه يود ان يتذكر الماضي البعيد انتظرته فينيلا وهي تراقب ايديهما المتشابكة لدهشتها شعرت بالصمت يعم المكان .. القت نظرة الى ما حولها .. كان معظم الزبائن قد انهوا عشاءهم وانصرفوا كان النادل قد أتاهم بالقهوة وانصرف.. سمعته يقول :
كنا شبابا ايضا .. وعنيدين جدا .. وواقعين في الحب كان مقدرا من البداية ولكننا لم نلحظ ذلك طبعا .. هل تعرفين ان من اكثر الأخطاء التي كانت موجودة في العقد الأخير هي اعتبار سن الثامنة عشرة للنضوج .. نعم كنا في الثامنة عشرة من عمرنا .. لم يستطع أحد ان يثنينا عما كنا نريد .. وهكذا تزوجنا ..
في الثامنة عشرة من العمر ؟
كنا قد دخلنا الجامعة لتونا .. كان جنونا هذا في الواقع حذرنا الجميع من تلك الخطوة .. ولكننا كنا في غاية العند والجنون فلم نستمع الى احد..
اذن ..ماذا حدث ؟
وماذا تظنين ؟ خلال سنة واحدة ظهرت التصدعات على تلك العلاقة وخلال سنتين لم يعد بالأمكان اصلاح هذه التصدعات لأنها اصبحت شديدة العمق .. قابلت هيلين شخصا آخر .. وانتقلت للعيش معه.. وهكذا انتهت العلاقة .. لحسن الحظ كان من الممكن الحصول على الطلاق بسهولة وذلك بفضل القوانين الجديدة في ذلك الوقت افترقنا بشكل ودي وبكثير من الحزن ولكن بعقلانية اكثر .. على الأقل كنت اذكى منها ..لأن هيلين تزوجت مرتين وربما تزوجت للمرة الثالثة .. لا أدري.. فأنا لم اسمع عنها منذ سنوات .. ولكني كنت مثلك .. بقيت وحيدا لعدة سنوات ....لن اقول انه لم يكن هناك من نساء في حياتي..ولكن لم تكن هناك واحدة ذات اهتمام خاص هل تفهمين ذلك ؟:كان يداعب يدها بأصابعه بلطف .
نعم..نعم..اعتقد انني أفهمك..
دعينا نذهب..
أخذها الى البيت .. كان البيت يغرق في الظلام حيث ان جينا وزوجها وطفليها كانا قد انتقلا الى الريف والساكنين الجدد لم يكونوا قد وصلوا بعد..
في الداخل .. اتجهت الى المصباح الموجود في زاوية غرفة الجلوس كان روبرت يقف عند الباب بنظرة منها دعته الى الدخول والجلوس اختار مكانا ملاصقا لها كات تشعر ان على لسانه الكثير من الكلمات الا انها لم تجرؤ على التكلم او حتى النظر اليه ..
فينيلا....
شعرت وكأنها تريد ان تهرب الى ان قدميها لم تطاوعها على شئ وفي الواقع لم تكن ترغب في الهرب بل لم تكن تعرف كيف تتصرف في داخلها مشاعر متضاربه ظنت انها ماتت منذ زمن بعيد..
فينيلا ..هل تدرين ماذا تعنين لي ؟
رفعت اليه نظرات كلها ترقب وانتظار..
ماذا كانت تنتظر ؟
ان يقبلها ان يقول انه يحبها وسيتزوجها ..
قرب اليها وضمها بين ذراعيه .. كانت تشعر بأحاسيس عميقة لم تكن قد خبرتها من قبل حتى عندما كانت تعتقد انها واقعة في حب جيرمي..
روبرت..
نعم ياعزيزتي ....هناك الكثير لنقوله ولكن ليس الآن لاتقلقي لن اغير رأيك..ولكني اود ان اعطيك فرصة للتفكير .. لعلك تودين تغيير رأيك .. ولكن آمل الا يحدث هذا..ولكنك على كل حال انت في حاجة الى هذا الوقت..
فينيلا ....صدقيني انت في حاجة للتفكير..
اومأت برأسها بالموافقة فقد كانت تعلم انه على حق ..فقد مرا كلاهما بتجربة مرة.. وعليها ان يختبرا حبهما خطوة بخطوة وهذا ماكان يفكر به روبرت تماما..
سأتركك الآن:قال بنعومة . ولكني لن استطيع رؤيتك في الغد ولكن بعد غد .. سأتصل بك في الوقت المعتاد ..سنتعشى في مكان خاص جدا وبعدها سنتكلم..
تذكرت فينيلا ذلك الوعد باللقاء بعد عدة اشهر من اين لها ان تعرف انها بمقدار لهفتها بذلك اللقاء كانت ستواجه نهايتها المرعبة .. حتى الآن وهي قابعة بين ذراعي روبرت وجدت ان من الصعوبة تركيز تفكيرها ومعرفة ماحدث بالتفصيل ولكن لابد من ان تعيش تلك اللحظات من جديد بكل تفاصيلها عندها فقط ستتمكن من طردها من ذاكرتها ومحاولة نسيانها والاستمرار في حياتها..
كان يوما دافئا مشمسا كانت فينيلا قد استيقظت باكرا كان قلبها يخفق بشدة نظرت من النافذة .. شعرت كأن الطبيعة تشاركها فرحتها باللقاء المنتظر..
لقد قال روبرت انهما سيتكلمان .. ولكنها كانت تعلم انها ستحصل على اكثر من الكلمات التي وعدها به فالليلة ستتخلص من ذكرى جيرمي وستنفض عنها وعن حياتها غبار السنوات الماضية التي قضتها وحيدة .. حيث سيأخذها روبرت ويطير بها الى السماء حيث النجوم وحيث السعادة التي لاحدود لها ..
حمدت ربها لأن يومها كان مليئا بالعمل علها لاتفكر كثيرا ويمضي الوقت سريعا .. كانت كل فترة وأخرى تختلس النظر الى ساعتها ..
وأخيرا حلت الساعة الخامسة .. ابتسمت مودعة صديقاتها واتجهت بسرعة الى شقتها استعدادا للقاء روبرت أخذت دشا وارتدت ثوبها الذي اشترته بالأمس أكملت استعدادتها أمام المرآة واطمأنت الى جمالها وملائمة الثوب على جسمها .. ولكنه لاحظت في عينيها الكثير من الخوف والقلق ....لماذا ؟
فروبرت غير جيرمي .. انه لطيف .. صبور..روبرت هو الرجل الذي تحبه والرجل الذي ستحبه دائما ..
قفز قلبها من مكانه لدى سماعها لرنين جرس الباب ..لقد وصل ....والسهرة قد بدأت ..
تحول المكان الخاص الذي وعدها به لتناول العشاء الى مطعم فاخر حيث حجز طاولة منعزلة بعض الشئ ..ظهر النادل وقدم لهما الطعام وانصرف .. ولم يعد يظهر لهما الا اذا كانا بحاجة الى شئ ولهذا بقيا لوحدهما تماما ..
لم تعد فينيلا تتذكر ماالذي طلباه في تلك الليلة شئ له علاقة بالسمك .. ولكنها كل متناولته كان لذيذا مادامت تجلس مع روبرت ....تذكرت انها قالت ذلك لروبرت..
- فكرت خلال اليومين الماضيين؟
سألها بينما كان يشربان القهوة انا لم افكر في شئ عدا ذلك .. فأنت تعلمين ما سأطلبه منك اليس كذلك ؟
صمتت فينيلا للحظة .. والآن وقد حانت اللحظة الحرجة والمهمة في حياتها .. شعرت بالخوف في الأستمرار.. تمنت لو ان الوقت يتوقف عند تلك اللحظة وروبرت ينظر اليها بتلك الطريقة لأنها ما ان تنطق بكلمة موافقة فسيتغير كل شئ .. وربما سيتركها بعد مدة والى غير رجعة..
فينيلا..
نعم ياروبرت..اعرف
تماسكت ايديهما على الطاولة ..شعرت بقلبها يكاد يخرج من مكانه .. احساس بالدفء والسعادة نبع من داخلها..
نظرت الى روبرت .. وادركت الا احد غير روبرت في هذه الدنيا .. وان الحياة لهما..
ارجوك ياروبرت خذني الى البيت ..
دخلا الى البيت .. حيث كان القمر يدخل بنوره الى غرفة الجلوس لم يجدا داعيا لأشعال الضوء.. جلسا متقاربين ..
انتابتها رعشة كبيرة عندما وصلت الى تلك المرحلة من ذكرياتها قربها منه روبرت وحثها على متابعة التذكر .. ولكنها كانت تعلم ان ما سيأتي كان رهيبا ..
كانا جالسين على الأريكة يتحدثان ويبثان حبهما لبعضهما .. لم تكن تشعر بأي شئ الا بحب روبرت عواطفه الملتهبة .. كان يقبلها بحب بالغ..
تابع كلماته لها حوار وقبلات محمومة ..
فينيلا..انا لا اطلب ماتفكرين به فأنا لااريد ان....
ولكني موافقة.. همست له بصوت منخفض..
انا اطلب الزواج منك وليس كما تتصورين ..هل تفهمين ذلك؟
آه..روبرت سأتزوجك غدا ان اردت..
ضمها اليه .. فجأة سمعا وأحسا بحركة بالقرب منهما تنبها للحظة حيث ظهر ثلاثة رجال من الظلال .. كانا يضحكان بشدة وبصوت مرتفع .. نهض روبرت لمواجهتهم الا انه وقع على الأرض أثر ضربة وجهها اليه أحدهم بآلة في يده..
وتكاثر عليه الثلاثة واشبعوه ضربا.. كانت فينيلا تنظر اليهم وكأنها قد فقدت القدرة على النطق او الحركة ..
كانت الأشكال الثلاثة تتحرك بالغرفة بوحشية تامة حتى فقد روبرت القدرة على النهوض من الأرض .. امسكت تمثالا صغيرا كان موجودا بجانب المصباح ورمته على احدهم الا انها لم تصب الهدف .. ولم تجن شيئا الى ان تنبه الرجال الى وجودها شاهدت أضخمهم يتجه اليها والابتسامة على وجهه لم يكن واضحا تماما .. حيث كان يقف عكس النور القادم من النافذة.. امسكها بقوة من كتفيها..
ايتها الكلبة الصغيرة..دعونا نرى ماذا لدينا هنا اضاء المصباح القريب منها .. انزعجت فينيلا من الضوء المفاجئ الذي غمر الغرفة .. القت بمظرها على روبرت ورأته ملقيا على الأرض بدون حركة .. لم تفكر كثيرا.. فقد شعرت بيدي الرجل تعملان في شد ثوبها ..
لا بأس فصديقك يغط في نوم عميق .. اظن اكثر من صديق اليس كذلك..
ارجوك ..ارحل..
وبعد ذلك تتصلين بالشرطة اليس كذلك ؟ لا..لا اظن انها فكرة سديدة .. على كل حال:اتجه بنظره الى الرجلين اللذين كانا يقفان بجانب روبرت . لم نكن نتوقع ان نجد امرأة هنا .. اليس كذلك؟
نظرت فينيلا الى علائم السرور التي ظهرت على وجه الرجلين شعرت بالخوف يزحف الى جميع انحاء جسمها .. انكمشت على نفسها ..
لا ..لا ارجوك:كانت تعلم انها بذلك كانت تزيد سرورهم..
بيأس حاولت ان تستنجد بروبرت الذي كان مايزال ملقيا على الأرض بلا حراك .. شعرت بالرجل يقترب منها اكثر .. ولم يعد لهما من أي امل في النجاة .. وهنا توقفت الذكريات

روايات عبير / الحب المنسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن