بدأت الذكريات تتهافت عليها من جميع الجهات .. وكأن سيلا من المياه اندفع فجأة ولاراد له تتسارع الصور أمامها وتمر من أمام عينيها .. طفولتها .. مراهقتها.. لهوها مع اصدقائها المحاولة الاولى للمكياج .. ارتداء الجينزات المهترئة .. الاستماع الى موسيقى البوب.. الوقوع في الحب للمرة الأولى والم الوحدة وكسحابة مليئة بالذكريات أمطرت فجأة على ساحة عقلها جعلتها ترتعد خوفا وقلقا وتبعد رأسها لعلها تتخلص من تلك الذكريات الأليمة وتتفادى ماهو اصعب .. ولكنها تعرف الآن الا مفر منها فهي ماثلة امامها .. وليس امامها الا التذكر وبأدق التفاصيل ..
كان روبرت ينظر اليها .. وعيناه ملؤهما القلق كانت فينيلا تدرك تماما مدى تفهمه وادراكه حالتها..
هل تتذكرين كل شئ؟
كل شئ ..هذا سؤال كبير يا روبرت..
كان صوتها هامسا وكأنها تعاني من صدمة تابعت:
هناك الكثير .. اشياء جديدة .. وانا بحاجة للتفكير ..
هل تودين ان تكوني لوحدك ؟
في الحال ادارت اليه وجها قلقا وخائفا :
لا..لا..لا تتركني..لا استطيع ان اكون لوحدي .. انا خائفة .. انا ..توقفت عن التكلم وهي ترتجف بين ذراعيه محاولة دفن وجهها على صدره . روبرت يجب ان افكر .. لأنظم هذه الذكريات .. فهي مرتبكة ومتشابكة لا ادري أي منهما تأتي اولا وأي تأتي بعد ذلك ولكن المؤكد انني اريدك معي .. هل تبقى ..أرجوك؟
ابتسم لها ولدهشتها رأت الراحة والتفهم في عينيه وشئ آخر ايضا شئ أعتقدته وتأملت ان يكون الحب .. ولكنها لن تعرف ذلك.. مالم تنته من توارد هذه الذكريات .. حيث انها من المؤكد انه يأخذ حيزا هاما من ذكرياتها ..
كما انها متأكدة تماما انه كان جزءا من آخر تلك الذكريات تلك الذكريات التي تبعث فيها الرعب والخوف.. والتي تقبع في عقلها تنتظر دورها للظهور..
بدأ كل شئ كما اعتقدت فينيلا في اليوم الذي قابلت فيه جيرمي ستاند .. حتى ذلك الوقت لم يكن في حياتها شئ غير عادي كانت حياتها تسيروفق نظام عادي .. تلقت علومها في احدى المدارس القليلة المتبقية للبنات .. والحقت دراستها بدورة حول العمل المكتبي وعملت في مكتبة تبعد عن بيتها ثلاثين ميلا .. كانت تلك المكتية خاصة بأساتذة الجامعه.. وبسبب بعد بيتها عن مركز عملها استأجرت لنفسها شقة قريبة من المكتبة وراحت تزور اهلها كل نهاي اسبوع كان لديها الكثير من الأصدقاء الشباب ولكن لم يكن هناك من له مكانة خاصة لديها الى ان جاء جيرمي ودخل حياتها..
تذكرت فينيلا اليوم الأول الذي رأته فيه.. كانت تقوم بفرز بعض الكتب الجديدة وترتبها بالتعاون مع احدى صديقاتها في المكتبة رفعت نظرها لتفاجأ به يقف حائرا امام احد الرفوف .. كانت اشعة الشمس تتسلل من احدى النوافذ وتنير شعره الاشقر لتحوله الى سنبلة قمح مضيئة .. بدت لها الصورة وكأنها تحدث امامها الآن وليس بالامس البعيد ..
مرحبا:بادرته صديقتها بنعومه . ذلك الكتاب يشبه كتاب " المحاضرين باللغة الأنكليزية " سمعت انه ممتع جدا هل اناولك اياه ؟
ابتسمت فينيلا الا ان قلبه كان يتصرف بطريقة غريبة اما تنفسها كان متسارعا .. شاهدت الرجل يلتفت اليهما شعرت بأرتباك قالت لصديقتها :
لا ....حسنا ياجيني بأمكانك الذهاب اليه سأقوم بترتيب هذه المكتب لوحدي ..
انت مجنونة .. كنت دائما اتوقع ذلك .. لاتقولي انني لم أعطك الفرصة ..:اتجهت الى الرجل ...
انحنت فينيلا مرة اخرى لمواصلة عملها وقد ارتاحت من تلك النواجهة .. لم يكن لديها أدنى شك في ان الشاب سيخرج من المحل بعد لحظات وقد اعطى جيني موعدا للخروج معه الا اذا كان متزوجا .. ولكن شيئا ما .. كان يقول لها انه غير متزوج قفز قلبها مرة اخرى من الأنفعال ..
تابعت عملها .. الا انها كانت بعد الفترة والأخرى تختلس النظر اليهما وهما يقفان متقاربين يتحدثان بحماس .. ومن ثم شاهدت جيني تترك الرجل وتتجه اليها .. ظل الرجل واقفا لا يتحرك وكأنه ينتظر أمرا ما .. لحقت عيناه جيني واستقرتا بعد ذلك على فينيلا ..
عزيزتي فينيلا .. السيد ساند يود ان يحصل على كتاب من غرفة المراجع .. سأذهب معه لأدله على المكان ..
اقتربت منها وأخفضت صوتها متمتمه. لايبدو جاهلا بالمكان الا انه .. قلت لك انك مجنونة فينيلا انه شاب رائع أسمه جيرمي وأعزب ويبحث عن بيت ..
ضحكت فينيلا قائلة :
وهل تعرفين برجه .. وهواياته .. والأطعمه التي يفضلها واللون المفضل لديه ؟ جيني انت غير قابلة للأصلاح ..
غمزت لفينيلا وانطلقت لتنضم الى الرجل الواقف على مقربة منها ينتظر .. قادته الى غرفة صغيرة حيث الكتب المحفوظة والتي لا يسمح للمراجعين بدخولها .. رأتهما فينيلا يدخلان الغرفة ويغلقان الغرفة بأحكام .. عادت الى عملها .. في الواقع لم تدر فينيلا كم من الوقت مكثا في الداخل لأن مجموعة من الطلاب دخلوا المكتبة وكان عليها ان تلبي طلباتهم من الكتب بعد فترة لابأس بها .. غادر الطلاب بعد ذلك انضمت اليهما جيني ولكنها لم تر لجيري اثرا..
أوه.. لقد ذهب منذ فترة طويلة .. هناك بيت يود ان يراه قلت لك انه يبحث عن بيت .. اليس كذلك .. الم اقل لك ؟
متى سيكون موعدك الأول معه ؟
بصراحة.. فينيلا .. وماذا تعتقدين انني ..هل حقا تعتقدين انني أخرج مع رجل لم أكد أعرفه او انني قابلته لتوي ؟ في الواقع لم يطلب مني موعدا .. في حقيقة الأمر يبدو مهتما بك أكثر من اهتمامه بي ..
بي انا ....؟:نظرت الها مستغربة . جيني انك تقحميني في هذا الموضوع ..
لا ....لم افعل هذا .. انه مهتم بك .. انه لاينفك يتحدث عنك ويسأل عن اسمك .. واين تعيشين وهل لديك صديق معين.. صحيح انه حاول الا يكون مكشوفا ولكني لست حمقاء .. هذا الرجل سيعود فينيلا .. ولكن لن يرافقني انا الى غرفة المراجع بل سيرافق احد غيري..
حدقت فيها فينيلا .. وسألتها :
ولكن ماذا قلت عني ؟
حسنا ....ماذا تعتقدين انني قلت ؟ قلت له انك متزوجة ولديك ستة اطفال وزوج غيور حاصل على العديد من الميداليات في القتال ..
انفجرت جيني ضاحكة لدى رؤيتها لتعبير الاستغراب على وجه فينيلا ..
لاتنظري الي هكذا .. وماذا تعتقدين انني قلت بحق السماء أحمرت فينيلا وابتسمت لها :
ليس هذا ولكني لازلت لا ادري لم أثر فيه هذا الأهتمام خاصة وانت تقدمين له كل اهتمام .. وعلى كل حال كلنا يعلم ان الرجال يفضلون الشقراوات ..
ولكن ليس عندما يكونون هم انفسهم شقرا .. فهم في مثل هذه الحالة يفضلون العكس على كل الرجل يفضلك انت ..
نسيت تلك المناقشة والمحادثة تماما ..
لم تر جيرمي ساند لعدة أيام .. على الرغم من انها كانت تختلس النظر كلما دخل احدهم الى المكتبة ويبدأ قلبها في الخفقان في النهاية اقتنعت ان جيني كانت مخطئة او انها كانت تسخر منها ..
ولكنها لم تكن آسفة فقد كانت مقتنعة بحياتها وبعملها تلتقي الأصدقاء من وقت الى آخر .. اما عطلتها الأسبوعية فقد كانت تقضيها مع والديها ..
لا..لم تكن بحاجة الى تعقيدات في حياتها .. فقد كانت متأكدة انه اذا ما دخل جيرمي حياتها فسيأتيها بالصعوبات والهموم بعد ذلك القرار الذي اتخذته بينها وبين نفسها .. لم تعد تختلس النظر الى الباب تابعت عملها الى ان سمعت صوتا باردا يكلمها وهي منسجمة في عملها:
- - اعتقد انه لن يكون بأمكانك مساعدتي .. اليس كذلك ؟ اني ابحث عن كتاب ..
بدأ قلبها يخفق بشدة وتجمدت في مكانها والصمت يلفها تماما ..
لم تكن تعرفه من سمعت صوته من قبل ولكنها عرفته مباشرة جيرمي ساند..
رفعت ببطء عينيها الى عينيه الزرقاوين المتحديتين ..
- انا آسفة ..كتاب ؟ آه ..نعم..عندنا الكثير من الكتب ..
كانت متأكدة انها تبدو غبية بتلك الكلمات الفارغة وقد شعرت بوجهها يتحول الى الللون القرمزي .. أزاحت نظرها عنه بعد ان لاحظت نظرته اللاهية والمستمتعة بارتباكها .. " آه يا جيني اين انت "؟ فكرت بيأس .. لا استطيع معالجة هذا الموقف لوحدي .. ولكن جيني لم تكن موجودة وهي الآن وجها لوجه مع جيرمي ينظر اليها وكأنه يريد ان يخترق تفكيرها..
ولكنه عندما تحدث مرة ثانية لم تعد لهجة اللهو ظاهرة .. رفعت نظرها اليه ورأت الدفء في عينيه ايضا وكأنه وجد شيئا محببا فيها ..
انه كتاب جديد فينيلا:لاحظت انه يقول شيئا ولكنه يعني شيئا آخر . لاتمتنعين اذا قلت لك فينيلا اليس كذلك ؟ فقد اخبرتني صديقتك جيني عن اسمك..
أخبرها اسم الكتاب الذي يرده ..
- لا ادري أذا كان متوافرا ? لقد أخبرتني انه سيتوفر خلال ايام.
- حسنا. سنعرف.
نهضت فينيلا من مكانها وأتجهت الى أحد الرفوف. أدركت ان جيني قد كذبت عليه. ليتسنى لها رؤيته مرة أخرى.
- هاهو.
وجدت الكتاب الذي طلبه. حملته اليه . وقفا للحظة يحدقان في بعضهما. أصابعهما تكاد تتلامس على غلاف الكتاب وكانت عيناها تسعيان للقاء عينيه. ارادت أن تزيحهما إلا أنها لم تستطع . كم تمنت أن يأخذ الكتاب ويرحل.
- انت مغالة جدا. تمتم بصوت منخفض. تابع قائلا:
- ولكنك لو لم تجدي الكتاب بسرعة لكنا مكثنا خلف تلك الرفوف لمدة أطول. ولكنا تعارفنا أكثر.
كان يقف قريبا منها. تراجعت خطوة الى الوراء ولكن اصطدم ظهرها برف الكتب.
- هل تود..هل تود التعرف عليسألته لاهثة.
- تمنيت ذلك منذ المرة الماضية ومنذ أن رأيتك منذ خمسة أو ستة ايام. ولكني أشعر أنه كان اللقاء منذ شهر عيناه كانتا دافئتين. أصابعه بدأت تلامس أصابعها.
- فينيلا . أنت تعلمين ما يحصل لنا.. أليس كذلك.
- لا..لا أنا لا أعلم شيئا ولاشئ يحدث بيننا. أرجوك أذا كنت قد حصلت على الكتاب المطلوب..
ناولته الكتاب الا انه أمسك بيدها بقوة.
- أرجوك...نظرت إليه بتوسل.
-أنت تعلمين وأنا أعلم الأن أنك لاتستطيعين المقاومة قرب وجهه من وجهها واختطف قبلة خاطفة.
قفزت فينيلا من مكانها مصطدمة بالرف من خلفها ووقعت الكتب من جراء هذا الأصطدام. بدا الصوت كانفجار مفاجئ خاصة وأن المكتبة كان يسودها الهدوء والصمت. سمعت صوت صديقتها جيني تناديها من مكان ما لتتأكد من سلامتها. انحنت تلتقط الكتب بينما أصبح جيرمي قريبا منها كتفاه ملاصقين لكتفي فينيلا .
- أرجوك:قالت بصوت منخفض. أرجوك دعني أختم لك الكتاب. لدي الكثير من العمل وهذا ليس الوقت أو المكان المناسب لمثل هذا.
- أنت محقة.:سلمها الكتب التي كانت على الأرض . دعينا نحدد موعدا مناسبا.
- نحدد ماذا..? أنا ليس..
- ليس عندك الوقت أو المكان المناسب..أظن أنك راغبة في تحديد موعد.
- لا أدري:نظرت إليه ختمت الكتاب وأعطته تاريخ الأستعارة سيد ستاند أنا..
- جيرمي أرجوك.
- أنا لا أعرفك..وأنت لاتعرفني. نحن..
- هذه هي النقطة المهمة..نحن لانعرف بعضنا . إذن يجب ان نتعرف وهذا يعني بالتالي الترتيب لذلك. والأن مارأيك أن نتناول العشاء معا هذه الليلة ? لقد أكتشفت مطعما صغيرا ورائعا.
- ولكني..
- ماهو عنوانك.:قال وكأنه لم يسمع أعتراضها . سآتي لأخذك في السابعة والنصف. هل هذا مناسب لك?
- ولكن..
- أنا لا اطلب ألا لقاء واحدا. وليس حياة بطولها .
- نعم ولكن..
- ويسرني أن ابقى هنا حتى توافقي.
نظرت فينيلا أليه ادركت أنه يعني مايقول فسيظل في مكانه الى ان توافق على الخروج معه في ذلك المساء .. استسلمت اخيرا .. ولم يتطلب ذلك منه الجهد الكبير ..
-حسنا في السابعة والنصف:أخبرته عن عنوانها . ولكن هذا لا يعني ....
- انه لا يعني أي شئ:قال بمرح . فقط انني سأذهب لآخذك الى العشاء في السابعة والنصف ولم أعن شيئا آخرا .. والآن سأتركك لعملك . آخذ يدها بين يديه وقربها من شفتيه طابعا عليها قبلة طويلة . الى اللقاء في المساء اذن .. بابتسامة مرحه غادر المكتبة .. وما لبثت فينيلا ان وجدت جيني وقد أصبحت بجانبها ..
- حسنا ....لم تضيعي وقتك .. الم أقل لك انه مهتم بك ؟ متى سيكون اللقاء ؟
نظرت اليها فينيلا وابتسمت بارتباك ..
الليلة .. سأتعشى معه .. لا ادري ما الذي يحدث لي قلت لنفسي انني لا اريد .. اقسم انني لم اكن مهتمة .. ولكن ....
- ولكن ..لم تكن تلك هي الحقيقة .. ما الذي حدث فينيلا ..
هل أصبحت اكثر آدمية .. كبقية الناس .. اذا اردت رأي .. لقد كنت كثيرة التزمت وكأنك مازلت تلميذة في المدرسة .. ولكن الآن لقد بدأت تعيشين وبدأت تحبين الحياة..
- هل هذا صحيح ؟:نظرت الى صديقتها بشك . آمل ذلك جيني .. صدقا آمل ذلك ..
فيما بعد .. تحققت فينيلا انها كانت كالمنومة مغناطيسيا .. لم تكن لها أي قدرة على الأهتراض او التصرف الذاتي .. كانت كالقطة .. تنتظر دائما من يلمس رأيها ويربت عليها وهي تستجيب .. لقد أعطته ثقتها .. اخلاصها وجهها الخالص والصادق..
لم يحدث لها قط مثل ذلك من قبل .. كانت مسلوبة الأرادة .. وفتونة بطريقة معاملته لها .. ولقد كان خبيرا في ذلك .. حيث سيطر على حواسها وأرادتها تماما .. وعلى الرغم من ذلك كانت مسرورة..
في الواقع لقد أصبحت حياتها سلسلة من الأحلام السعيدة ولكن المسيطرة..
اريد ان اقول لك شيئا فينيلا:قالت لها يوما جيني . صحيح انه من اكثر الرجال وسامة .. وانها لم تر مثله منذ اكثر من عام .. وانك تريدين امتاع نفسك بهذا الحب .. ولكنك ذهبت بعيدا في ذلك..
لا استطيع ان اسيطر على نفسي:اعترفت فينيلا . لم اتعرف على أي انسان مثله من قبل .. انه ..انه..في الواقع لم ار مثله ابدا..
لم تعد تدري ماذا تقول..
- ياللسماء ..لقد بدأ الأمر يصبح سيئا .. هل انتقلت للعيش في شقته ؟
تصاعد الدم الى وجنتي فينيلا
لا ..
ولكنك على وشك القيام بذلك .. اليس كذلك ؟ وما عليه الا ان يطلب منك ذلك .. آه فينيلا .. هل انت متأكدة مما تفعلين ؟
نعم.. لا.. لا ادري .. لست متأكدة من أي شئ هذه الأيام ..:نظرت اليها بنفاد صبر . ولكن لماذا كل هذا الاهتمام .. انا متأكدة انك لم تكوني لتمانعي لو انك في مكاني ..
نعم هذا صحيح .. انه يجذبني كثيرا .. ولقد فتنت به منذ اللحظة الاولى لرؤيته .. ولكن انت .. انت مختلفة فينيلا .. فأنت لاتذهبين مع أي انسان .. ولاتلهين مثلي مع أي رجل بل تأخذين الأمور بجدية ..اليس كذلك ؟
نعم هذا صحيح..
اذن ماذا ستفعلين ؟
اخذت فينيلا نفسا عميقا وأجابتها :
في الوقت الحاضر لاشئ .. سأذهب الى بيتي حيث والدي في نهاية الاسبوع القادم .. ومن ثم اقرر .. وماذا يمكنني ان افعل ؟
وهل ستأخذين جيرمي معك ؟
لا ..ليس هذه المره ..:لم تقل لصديقتها انها وبعد عدة لقاءات دعته للذهاب معها .. الى اهلها الا انه كان يتعذر دائما .. وبشكل مؤذ وكان يتركها في حالة من الشعور بالأهانة وكأنها كانت تطلب منه أشيئا ليس مستعدا لها.. وفي المحتمل الا يستعد لها ابدا..
حسنا ..:قالت جيني . احذري فينيلا .. فأنت كالطفل البرئ في هذا العالم الفاسد .. اشعر في بعض الاحيان وكأنني اكبرك بمئات السنين .. واشعر بالمسؤولية نحوك ؟
ضحكت فينيلا : لاتكوني سخيفة جيني .. فأننت لست مسؤولة عن شئ لأنني كنت سأقابله على كل الأحوال فهذا هو القدر..
أعرف ..ولكني شجعتك على ذلك .. واعلم انني اقول الكثير من الكلمات السخيفة في بعض الاحيان .. ولكن اتساءل كيف ستتصرف فتاة مثلك ترعرت في مدرسة للفتيات فقط في مثل هذا الموقف..
ولكن فينيلا تعرف ان تصرفاتها وحياتها لاتعودان الى ترعرعها في مدرسة للبنات فقط .. وانما تربيتها منذ الصغر .. فقد ولدت لوالدين في الاربعين من العمر .. وقد فقدا الامل في الانجاب عاملا طفلتهما الوحيدة كلعبة او دمية غالية الثمن .. وليس كطفلة تعيش في اواخر القرن العشرين ..
كانت تشعر دائما انها تنتمي الى القرن الماضي .. بتصرفاتها واخلاقياتها .. الا ان شخصيتها وطبعها المنفتح جعلاها تندمج بسرعة مع غيرها من الفتيات .. او انها أصيحت اكثر آدميه كما قالت لها يوما جيني.. اما جيرمي فقد غير كل ذلك .. جعلها تتقد حبا واحاسيسا لم تكن قد عرفتها من قبل او حلمت بها .. كانت متأكدة انها معه ستتعرف على جميع الاشياء الجميلة التي كانت تسمعها من صديقاتها ..
اما والداها فقد كانا يشكلان عائقا كبيرا في طريق نضوجها سفرهما الى كندا يع الحد الفاصل بينها وبين النضوج والدلال .. كانت متأكدة انها لن تنضج ولن تصبح امرأة الا اذا ما سافرا والداها .. ولكنها في نفس الوقت كانت قلقة لأنها ستصبح لوحدها وستكون مسؤولة عن نفسها مسؤليه كاملة .. وستعيش حياة المستقلة بنفسها جعلتها تلك الفكرة ترتجف اثارة..
اذن:قال جيرمي عندما جاءت الى بيته الصغير بعد عودتها من عطلة نهاية الاسبوع . لقد ذهبوا اليس كذلك ؟ انهما بأمان في الجهة الثانية من المحيط الاطلسي ولم يبق ما تقلقين من اجله..
آقلق ؟
جلس جيرمي بجانبها على الاريكة وضحك .. القى بيده على ظهرها وبدأ بملامسة رقبتها بنعومة ..
هيا يا فينيلا ..دائم الخوف من ارتكاب أي شئ لايتناسب مع افكار والديك وكأنك طفلة خائفة من ارتكاب خطيئة تحاسبك عليها والدتك:اقترب منها اكثر . ولكنه ليست خطيئتك .. انها خطيئة والديك لقد احكما الوثاق حولك وكأنه لن تأتي نقطة التحول تلك .. وعندما تقعين في الحب الحقيقي .. ولكنهما الآن اعترفا بأنك قد نضجت وأصبحت لحجم المسؤلية لقد ذهبا وغادرا البلد .. كم سيغيبان ؟ شهرين ؟ انت مضطرة الآن لمعالجة امورك بنفسك .. واتخاذ قراراتك ايضا وبدون تدخل أحد . عانقها بنعومة:والآن ماذا ستقررين فينيلا ؟
اقرر ؟ ....همست كان رأسها يدور:ماذا ..وبماذا ؟
ماذا ..لاتدرين عن ماذا ..ازداد التصاقا بها:عنا نحن الاثنين طبعا ..
لم تقرر بعد هذا المساء او ربما كانت قد اتخذت قرارها منذ عدة اسابيع ومنذ اللحظة التي رأته فيها للمرة الاولىفي المكتبه مهما تكن الاسباب والحقائق .. انتقلت للحياة معه في بيته الصغير ..
لابد وان جيني ستتهمها بالحمق .. ولكنها ليست هنا .. ولن تراها الآن .. فقد اخذت مكانها في المكتبة امرأة مسنه صعبه الطباع..
على كل حال – فكرت فينيلا – ليس هناك من احد يمكن ان يغير من الأمر شيئا
اما الان وهي بين ذراعي روبرت وتعود بذاكرتها الى تلك الفترة ادركت كم كانت انفعالاتها عنيفة .. ربما اعنف مما يستحق الموقف ..
عاشت مع جيرمي ست اسابيع الى ان جاءها ذات مساء اليها بجريدة قائلا :
- هذا ماكنت انتظره سأغادر خلال اسبوعين ..
حدقت فينيلا فيه
ستغادر..الى اين ؟
الى سنغافوره ..:قالها ببساطة وكأنه يخبرها انه ذاهب الى الشارع القريب من البيت . لقد حصلت على وظيفة في التدريس ذات أجر عالي طبعا وسكن .. وخدم وحياة اجتماعية رائعة..ياللخسارة .. لن تستطيعي الذهاب معي ايضا ولكن آمل ان يتوافر لك عمل فيما بعد..
جلست فينيلا لأنه لم تعد تستطيع الاستمرار واقفة اكثر من ذلك ..
جيرمي ..هل تمزح ؟
لا ..بالطبع لا ..لقد علمت هذا الصباح انه لا يمكنني السفر قبل اسبوعين ولكن لابأس..
اقترب منه وجلس بجانبها ..
- مابك لم هذا الحزن والقلق فينيلا .. اعرف انها كانت مفاجأة لك .. ولكننا قضينا وقتا ممتعا معا .. اليس كذلك ؟
تمتعنا كثيرا .. ربما يمكنك ان تأتي لزيارتي وسيسرني ان اكون دليلك في سنغافورا..
كان يتحدث وكأنه اصبح في سنغافورا .. بحثت فينيلا عن كلمات تقولها ولكن كيف لها ان تقول شيئا وآحاسيسها في هياج واضطراب كبيرين ؟ شعرت بالغثيان وكأن الحياة تنسل من بين أصابعها .. وغشي السواد عينيها ..
هيا فينيلا ..حاذري ان يغمى عليك ..
سمعت صوته بعيدا بعيدا جدا ..
فينيلا .. فينيلا ..أسندي رأسك على الوسادة .. اشربي قليلا من هذا الشراب ..
شعرت به يبتعد عنها بعد لحظات شعرت بأسى عند شفتيها وان رشفت منه رشفة حتى عادت اليها الحقيقة المرة..
بادرها قائلا :
هل يعقل ان تصابي بمثل هذه الصدمة:عاتبها . انت تعلمين ان علاقتنا ماهي الا لفترة بسيطة ..
لو انها كانت تعرف ذلك .. ولكن في الواقع كانت تعلم الا انها تناست تلك الحقيقة في غمرة أحاسيسها .. لم تكن تريد الأعتراف بها ..
ولكنها الآن .. والحقيقة تلك ماثلة امام عينيها ليس امامها من خيار الا رؤيتها..
انا آسفة ..:قالت هامسة . طوال اليوم كنت اعني من توعك عام ..
لم يكن ما قلته صحيحا ولكنها لم تكن لتقبل ان يعرف مدى الصدمة التي اصابتها من كلماته فكل احلامها وأمانيها التي بنتها خلال الاسابيع الماضية قد ماتت في مهدها ..
في الحال رسم على وجهه كل الاهتمام :
هل هذا صحيح .. آه ياعزيزتي وها انا اخبرك بما لدي وبدون ان الاحظ ذلك .... نعم اعتقد انني لاحظت ذلك فور دخولي البيت ..
وضع أصبعه تحت ذقنها رافعا وجهها اليه .. بدا القلق على وجهه ..
لا أظن ذلك..
لا.. انا لست كذلك فأنا لا انتظر طفلا
فكرت انها لايمكن ان تلجأ الى هذه الحيلة لابقائه بجانبها حتى وان كان ذلك حقيقة..
حسنا دعينا نهتم بك اذن .. دعيني آخذك الى السرير ابتسم لها .. لأول مرة رأت فينيلا تلك الابتسامة..
الأبتسامة التي لم تستطع حتى الوصول الى عينيه .. حتى الوسامة والسحر اللذين تراهما على وجهه لم تعد ترى منهما شيئا هل يعقل انها كانت طوال تلك الفترة عمياء..
لا ..شكرا جيرمي ..كانت افكارها . قد استقرت ونهضت على قدميها . لقد اصبحت احسن .. حقيقة .. وسأذهب الآن على أي حال ..
تذهبين ..تذهبين الى اين ؟
سأعود الى شقتي:افتعلت ابتسامة . هناك ما يجب ان افعله ومن المحتمل ان اقضي الليلة هناك .. في الواقع أظن انه من الأفضل ان اعود نهائيا الى شقتي ما رأيك؟
تعودين نهائيا ؟:حدق فيها لفترة ومن ثم افتعل ابتسامة باردة أعتقد انك غاضبة من اجل سنغافورا .. قلت لك فينيلا سألت عن امكانية عمل لك ايضا ولكن ليس هناك من عمل في الوقت الحاضر على الأقل .. وعلى كل حال لا أظن ان العمل هناك يهمك ..اليس كذلك..
انتظر أجابتها لبرهة .. وعندما لم تبد أي استعداد للأستجابة تابع محاولا اخفاء انانيته وحقارته..
انظري الي فينيلا .. لا اظنك فكرت في يوم من الأيام ان علاقتنا هذه سيكون لها أي هدف .. اليس كذلك ؟
اقصد ان ذلك كان واضحا منذ البداية .. ولم يكن من المقرر ان تستمر .. والا ماكنت احتفظت بشقة لندن..
حدقت فيه فينيلا غير قادرة على الأجابة .. لقد احتفظت بشقة لندن .. لأنها لم يكن باستطاعتها نقل جميع امتعتها الى شقة جيرمي الصغيرة التي استأجرها منذ شهرين..
وضعت يدها على رأسها ..
انا آسفة جيرمي.. لا استطيع ان اناقشك في شئ الآن فأنا لا اقدر على التفكير .. كل ما اعرفه الآن انني اريد العودة الى شقتي هذه الليلة .. وغدا..
غدا ....ستأتين مرة اخرى وكأن شيئا لم يكن ..:فجأة أصبح صوته قاسيا . وستبدئين من حيث توقفنا وتحاولين ايقاعي في نوع من الألتزام..الزواج مثلا..
تابع قائلا:
حسنا..هذا لن يفيد..مما لاشك فيه اني سأفتقدك .. فقد كنت رفيقة رائعة طوال الأسابيع الماضية .. قليلة الخبرة ولكن تعدين بالكثير:ابتسم بخبث . آسف لأنه ليس لدي الوقت لأظهر كل مواهبك .. في الواقع هناك فتيات يأخذن وقتا طويلا ليظهرن على حقيقتهن ..اليس كذلك؟
ابتعدت عنه فينيلا وبدون ان تنبس بأي كلمة دخلت الى غرفة النوم .. جمعت بعض الحاجيات لليلة واحدة .. هبطت الدرج عبرت الصالة الصغيرة.. خرجت الى الحديقة واتجهت الى سيارتها .. لم تودعه بأي كلمة .. ولم يحاول جيرمي اللحاق بها .. عادت الى شقتها .. قضت ليلة مسهدة .. وعادت في صباح اليوم التالي وبعد ان تأكدت من خلو الشقة لتأخذ بقية اشيائها بعد يومين ..وصلتها أخبار مقتل والديها في كندا اثر حادث قرب مدينة تورنتو....لم تعد الى رؤية جيرمي بعد ذلك..
أنت تقرأ
روايات عبير / الحب المنسي
Romanceالملخص -أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟ - لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة.. - ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه - او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده...