هل ترغبين في ايام قليلة للتأقلم مع الوضع؟
سألها روبرت اثناء تناول العشاء. او انك تودين مباشرة عملك في الحال ؟
نظرت اليه فينيلا .. كان قد قاد كرسيه المتحرك وتصدر طاولة العشاء والى جانبه جلست تقابلها النافذة المطلة على الحديقة المليئة بالزهور..
- انا على استعداد لمباشرة العمل في أي لحظة .. ولكني لست متأكدة تماما مما هو مطلوب مني سمعتك تتحدث عن بعض البحوث..
- نعم ..على كل حال ليس لدي الكثير منها في الوقت الحاضر ..فالعمل الجاد سيأتي فيما بعد .. أما الآن أعتقد أنني سأعمل في بعض الأوراق والكتب التي جلبتها معي وستعملين معي لكي تتعرفي على طريقتي في العمل وماهي المعلومات التي يمكن ان اكون بحاجة اليها.. أظن انها ستكون في البداية أعمال سكرتارية هذا اذا لم يكن لديك مانع..
كانت لهجته رسمية وجادة وكأنه قد قرر عدم السماح لأي علاقة أخرى للنمو بينهما .. كالصداقة مثلا.. كان واضحا انه حدد الأسس التي ستكون عليه هذه العلاقة.. مبدأ الرئيس والمرؤوس ..
" هل هذا يناسبك" حسنا هنا ما يناسبني أيضا"
هكذا فكرت فينيلا خاصة عندما تذكرت النظرة التي رمقها بها أثناء مقابلتها له في الزيارة الأولى .. فهي غير مستعدة لمثل هذه الأشياء في الوقت الحاضر على الأقل..
شعرت فجأة بالضياع..لم تكن تستطيع التحمل أكثر من ذلك استعادت في ذاكرتها الليلة الأولى التي وصلت فيها الى هذا البيت .. واستعادت السؤال الذي بقى يلح عليها طوال الليل .. هل يعقل انها كانت واقعة في الحب في حياتها الماضية ؟
هل هناك رجل يهتم ويعتني بها وهي تحبه بدورها؟
اذا كان ذلك .. اين هو الآن ؟ لماذا لا يبحث عنها ؟ او يكتب لها او يراسلها ؟ لماذا لايأتي الى شقتها في لندن لزيارتها؟
الأجابة التي لم تستطع الهروب منها كانت مرة وصعبة ليس هناك من احد....انها وحيدة.. لاعائلة..لا اصدقاء ..لاحبيب ..ولكن لماذا؟
" لا اعتقد انني من النوع الذي يحب الوحدة:فكرت
فينيلا.
فأنا أحب الناس ..أنا متأكدة من ذلك"
لاحظت ان روبرت يراقبها تصاعد الدم الى وجهها .. حاولت ان تتذكر السؤال والحديث الذي كان يوجهه اليها منذ برهة..
لقد كان شيئا حول اعمال السكرتارية التي كان عليها القيام بها ..
- لا ....ليس لدي أي مانع .. اعتقد انها فكرة جيدة .. ماهي الساعات المفضلة لديك للعمل ؟
- كأي كاتب آخر ..طوال اليوم .. فكتابة الكتب كأي عمل آخر وخاصة بالنسبة لي .. فأنا لا انتظر الألهام لكي أكتب فنوعية كتبي لاتحتاج الى الكثير من الأحاسيس فهي كتب تاريخية كما تعلمين اما من ناحية اخرى .. فأنا اتناول فطوري لوحدي لأنني لا استسيغ التحدث الى احد قبل تلك الساعة .. لذا بأمكانك القيام ببعض الترتيبات مع السيدة بينيت وحسب راحتك بعد التاسعة اقوم ببعض التمارين والعلاج الفيزيائي مع جون .. وبهذا لن يكون بأمكاني البدء بالعمل قبل العاشرة .. سنعمل حتى الواحدة .. بعد ذلك نتناول غداء خفيفا وفيما بعد نتابع حتى الرابعة او الخامسة اعتقد انه خلال الأيام الأولى يمكنك قضاء الوقت في قراءة كتبي لتتعرفي على اسلوبي في العمل والكتابة .. أظن انك ستجدينها مملة نوعا ما (ابتسم لها بمرح )..
- انا متأكدة انني لن امل منها..فأنا احب التاريخ..
توقفت فجأة فهذه المعلومة لم تكن معروفة لديها الا الآن وبعد ان نطقتهاأظن انني سأحب قرأة كتبك..
- الم تقرأي بعض الكتب التاريخيه من قبل ؟
- لا ادري وكيف أستطيع ؟ فأنا لا اعرف ماهي الكتب التي قرأتها حتى الآن ..أنا لا اعرف أي شئ عن نفسي .. لقد فقدت كل شئ..
وضعت يدها على جبهتها بألم ..
- هل هذا صحيح .. دعني ارى ..ماذا تذكرين عن أليس ؟
- "أليس في بلاد العجائب" ولكن
- الشيخ والبحر ..
- ارنست همنغواي .. ولكن روبرت..هذا لايعني أي شئ لقد قرأت هذه الكتب وانا صغيرة ..
- وهذا يفسر أنك بدأت تتذكرين شيئا ما .. وكما هو معروف تبدأ الذاكرة بالرجوع منذ الطفولة ومن ثم المراهقة .. وهناك شئ آخر فأنت بأ ستطاعتك الطباعة على الآلة الكاتبه ....ارى ان هناك أشياء كثيرة قد تذكرتها أذن لم الخوف؟
حدقت فيه فينيلا قائلة:
-الأشياء ولكنها غير مفيدة .. لقد فقدت الكثير من ذكرياتي .. والداي مثلا انا لا اتذكرهما ابدا ذكريات الطفولة معهما .. عطلاتنا التي قضيناها معا .. نصائحهما لي حياتي معهما كلها ذهبت .. هل تستطيع ان تفهم ماذا يعني هذا ..
نظرت الى صحنها لبرهة شعرت بالدموع تحرق مقلتيها تابعت ..
- وخلال الفترة التي تلت وفاتهما .. هل من المعقول الا يكون لدي أي انسان حبيب او صديق انا خائفة من هذا الوضع وهذه الوحدة..
ترددت كلماتها في الغرفة الهادئة .. وجهت فينيلا نظرها الى النافذة .. لم تكن ترغب في النظر الى الرجل الجالس على الكرسي المتحرك على بعد خطوتين منها .. انها المرة الأولى التي تحدث فيها احد حول تلك الأحاسيس التي تنتابها .. شعرت بالتوعك..
- هل مازلت تعتقدين انه لم يكن هناك انسان خاص في حياتك ؟
- لقد قلت لك .. ليس لدي ادنى فكرة ..ولكني متأكدة انه لو كان هناك من احد .. لم اكن لأستطيع نسيانه بسهولة..
- ربما....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه او ربما عليك الأعتراف بعدم وجوده على الأطلاق..
- ولكنني لا اتذكر أي شئ ....صحيح انني اتذكر بعض الأشياء..
- نعم اظن ذلك..
ولكن تلك الفكرة جلبت الحزن الى قلبها شعرت وكأنها فقدت شيئا مهما .. شيئا كان غاليا عليها ..
أختلست نظرة الى روبرت والى تفاصيل وجهه والى جسمه الذي كانت متأكدة من طوله اذا ما تسنى له الوقوف على قدميه..
- انا آسفة:قالت بصوت منخفض:أظن انك تعتبرني ميالة الى الحزن قليلا .. خاصة وانه لا يحق لي ذلك .. فأنا في كامل صحتي وأستطيع الوقوف والحركة بينما انت....
- لا يجب ان تقولي هذا .. فالشيئان مهمان .. ولا يمكن ان نخضعهما للمقارنه .. ولكن الأكيد في الموضوع انه كل واحد منا يجب ان يجد للآخر حلا ومواساة .. وان يعتاد على ما حصل له..
- لقد قررت ان تمشي من جديد ولكني لا استطيع ان اقرر استرجاع ذاكرتي .. مشكلتي تختلف ..
- هذا صحيح..:نظر اليها بأمعان تلك النظرة النفاذة الحارقة والمربكة في آن واحد..:انظري .. لقد حدث لك شئ تودين لو ان عقلك لايتذكره ابدا وقد قررت ان ترفضي تذكره .. ولكن لسوء الحظ محيت من ذاكرتك تلك الحادثة وحوادث أخرى ايضا..
هذا في عقلك الباطن .. فأنت تفضلين عدم معرفة أي شئ تفاديا من تذكر تلك الحادثة .. اذن لماذا لا تقرين بهذا وتبدأين حياتك من جديد .. هنا ....في هذا المكان .. الم ينصحك بذلك الدكتور سام..؟
- نعم..ولكن..
- اذن ....لم لاتأخذي بنصيحته؟
- ولم لا تأخذ انت ايضا بنصيحته .. وفي النهاية من انت وماذا تكون بالنسبة لي حتى تقرر عني اشياء تخص حياتي؟
رأت الأنزعاج على وجهه واضحا .. انتبهت الى انها ذهبت بعيدا في تهجمها عليه الا انه لدهشتها ابتسم لها قائلا:
- هذه فينيلا....قال بصوت منخفضهذه روحها استدار بعد ذلك .. لكنها استطاعت ان ترى قبل ذلك تعابير الألم على وجهه .. لم تفهم سببا لهذه المشاعر ....فكرت هل رأت تلك التعابير ام انه تخيلتها ..
- اذن ماذا قررا ....في البداية عليك قضاء بعض الوقت في عملية تآلف مع محيطنا هنا ومع عملي خلال ساعات العمل فقط .. ماعدا ذلك انت حرة في التنزه وقضاء الوقت خارج المنزل اذا أردت ..
انتهوا من تناول وجبتهم .. بعد ذلك تحدثوا حول التاريخ وحول أعمال روبرت .. شعرت من خلال الأحاديث تلك بالراحة والهدؤ .. خاصة وانه غي الحديث حول ذاكرتها وفقدانها لها لدرجة انها استمتعت بالحديث وشعرت بالأسترخاء
وبدأت تستعمل اللهجة الأليفة معه ..
عندما اصطحبه جون الى غرفة التمارين الفيزيائية .. خرجت فينيلا الى الحديقة وبدأت بالتفكير.. من هو روبرت ميلبورن وماهو السر الذي يجذبها اليه .... ولكن من هو في حقيقة الأمر هل يعقل الا تكون هناك امرأة في حياته .. امرأة أحبها واحبته ولكن اين هي الآن .. جعلتها هذه الفكرة تجلس متعبة مرهقة على كرسي في الحديقة .. لما لم تفكر في هذا قبل الآن ؟ هل يعقل انها كانت مشغولة في حياتها والكابوس الذي يتهددها لدرجة انها لم تفكر اطلاقا ان هناك اناسا آخرين يعيشون حولها لهم حياتهم ومشاكلهم .. تذكرت كلمات روبرت .. صحيح لايمكن ان تكون هي فقط محور الحياة .. لابد وان يظهر اصدقاءوه وصديقاته الذين كانوا جزء من حياته قبل الحادث..
بدون ارادة منها اعترفت فينيلا ان روبرت وبرغم الوضع الذي فيه مايزال يمتلك جاذبية مميزة والحقيقة التي ازعجتها اكثر انه لابد وان هناك نساء في حياته على الرغم من انه لم يأت على ذكر أي منهن .. ولابد وان هناك امرأة خاصة جدا وستأتي قريبا لزيارته ..
وقفت بانزعاج .. هذا ما كان ينقصها ان تترك للشعور الذي كان ينمو داخلها ان يؤثر عليها .. ان تسمح لجاذبية روبرت ان تغير من مجرى تفكيرها وكأنها مراهقة غرة..
ولكن لم يكن شعورها مجرد انجذاب حسي .. كان لديها الأحساس الأكيد انها مرت بتلك الحالة من قبل .. لقد قابلت روبرت قبل الآن فلمساته لم تكن غريبة عنها .. والأنجذاب الحسي الذي كانت تشعر به نحوه ليس جديدا عليها..
ولكن مالها وهذا التفكير .. لاحظت ان هذه الأحاسيس ستجلب لها المتاعب خاصة وانها لاتدري حتى الآن اذا كان هناك رجل في حياتها..
ترددت الا تخوض مثل هذه المسائل الا بعد ان تسترد ذاكرتها وصلت لذلك القرار ولكنها شعرت بالحزن يغمر قلبها ..
استدارت وعادت الى غرفتها ..
قضت فينيلا الأيام القليلة التالية تنفذ ما اقترحه عليها روبرت تقرأ كتبه .. تكتشف الحديقة والبيت .. تتعرف على بقية الخدم والقائمين على البيت السيدة بينيت وجون ووالتر الذي يهتم بالحديقة..
- كلنا نناديه هكذا لأن اسمه بينيت ايضا وأخاف ان يعتقد الناس اننا متزوجان وهذا مالا اود ان يحدث ابدا ..
قالت لها مدبرة المنزل وهما جالستان في المطبخ تشربان قهوة الصباح..
الا ان والتر كان يقنعها دائما بالعكس ويشجعها على قبوله كزوج كان يقول:
- تزوجيني على الأقل لن تضطري لتغيير اسمك ..
- ولكنك ستضطر الى تغيير اسلوب حياتك .. فأنا لا اتزوج رجلا يلبس قمصانا غير نظيفة والثقوب منتشرة هنا وهناك..
- ولكن لن البسها حين نتزوج .. اعني ....انك لن تقبلي بذلك بل ستقومين على اصلاحها لي وستحافظين على نظافتي ووسامتي:كانت فينيلا تخفي ابتسامتها وهي تستمع اليهما:لقد خلقت لتكوني زوجة صالحة لرجل محظوظ .. لما لا يكون هذا الرجل بينيت والتر بينيت..
- هل اقول لك شيئا .. اذا لم يكن لديك عمل فأنا لدى الكثير:وقفت السيدة بينيت معلنة انتهاء تلك المناقشة:واذا كنت انتهيت من تناول قهوتك ضع فنجانك وفتش عن شئ تفعله:نظرت الى فبه قائلة:
- كيف وجدت الغداء اتساءل اذا كان لديك من يطهو لك الطعام في شقة لندن.. او ربما كنت معتادة على تناول طعامك في المطعم .. اظن هذا مايفعله الناس هناك ..
ابتسمت فينيلا .. فكما عرفت من السيدة بينيت انها لم تزر لندن الا مرة او مرتين في حياتها احدى هذه المرات عندما زارت لندن لحضور المهرجان البريطاني منذ اربعين عاما لقد كانت بعيدة عن الحياة التي تعيشها فينيلا.. هذا ما فكرت به فينيلا ....كيف لها ان تعرف حياتها والنمط المحيط بها ولكنتها من المؤكد انها لم تستطع ان تخبر السيدة بينيت عن طريقة تأمين وجباتها..
لحسن الحظ لم تنتظر السيدة بينيت اجابة بل اتجهت لتواصل عملها استدارت هي الأخرى الى الغرفة المخصصة لها ستكون اكثر حرصا في المستقبل لم تكن تريد ان يعرف الجميع عن فقدانها لذاكرتها..
- قلت لك انه لا يتحتم عليك قراءة كتبي اثناء اوقات راحتك:توجه اليها روبرت على كرسيه المتحرك
- ولكنني اريد ذلك .. فهذا الكتاب مثلا ممتع جدا وسهل الفهم يبدو لي وكأنني....
- وكأنك قرأتيه من قبل؟
- لا ادري ..قالت ببطءاعتقد انه ربما فأنا كما ابدو احب الكتب التاريخيه .. واعتقد انني كنت دائما هكذا .. اذن ربما كنت في يوم من الايام مهتمة بكتبك او قرأت جزءا منها..
نظرت اليه بعيون واسعة ورمادية كالبحر الهائجولكن لم لا اتذكرها بسهولة كما اتذكر ابطال القصص او مؤلفي بعض الكتب ؟
- ربما لأنك قرأت كتبي مؤخرا اما الكتب الأخرى فقد قرأتها منذ الطفولة ولكن على كل حال يسرني جدا انك اعجبت بكتبي . توقف قليلا ثم تابعالا ترغبين بالخروج بين فترة واخرى لم تخرجي عن محيط البيت والحديقة منذ ان اتيت أي منذ اسبوع لماذا؟
- لأنني مسرورة هنا .. يوجد هنا حديقة كبيرة..
- ولكنك لا تشاهدين احدا ولا تكونين اية صداقات ..
بالتأكيد انت بحاجة الى صحبة احد..
نظرت اليه فينيلا بحدة وشيئا في صوته بدا لها غير حقيقي شعرت انه يقول ما يجب ان يقال وليس ما يشعر به في الحقيقه:انه لايريدني ان اخرج على الأطلاق هكذا فكرت فينيلا بل يريدني ان اعتقد بذلك .. ولكن لماذا ؟" سألت نفسها..
- قلت لك..أنا أشعر بالسعادة هنا .. انا لا اريد .... أقصد لا اشعر بالحاجة الى صحبة احد او لقاء اناس أخرين .. ارجوك لا تضغط علي ياروبرت ..
- ولم لا ....فأنا من واجبي ان اقوم بذلك وفي نفس الوقت أضغط على نفسي ..
كان ذلك صحيحا .. فروبرت كان يقوم بجهود جبارة للمواظبة على التمارين الفيزولوجية وعلى تقوية عضلاته للوقوف على قدميه مرة اخرى ..
- ولكن هذا يختلف .. انت تريد السير من جديد ولكني بحاجة الى استرداد ذاكرتي..
- وانا اعتقد انك تخطئين في محاولاتك الحثيثة في استرجاعها يحتمل ان تسترديها او لا تسترديها ولكن يجب ان تحاولي بناء حياتك من جديد..
- لماذا ؟ . سألته بيأسلم لا أستطيع العيش بهدؤ؟
روبرت اذا بدأت في مقابلة الناس فأنني سأكون مضطرة لشرح مشكلتي بأستمرار وعلي ان اعترف انني لا يمكنني تذكر أي شئ هذا مالا أستطيع مواجهته .. واحب الشرح ومشاهدة الشفقة على وجوههم ....لا....لا استطيع ان اقوم بذلك..
نظر اليها لفترة ليست بالقصيرة ومن ثم أمسك بيدها وضغط على أصابعها المرتجفة..
- حسنا فينيلا .... لا تقلقي ..لن اجبرك على أي شئ....
ففي يوم ما ستجدين نفسك مجبرة على ذلك..
- اعرف ذلك.. ولكن ليس قبل ان اكون مستعدة ..
تقابلت عيونهما .. كانت عيناه رماديتان كعينيها.. شعرت مرة اخرى بصدمة .. صدمة تذكر شئ ما لا تستطيع تحديده.. ولكنها بالتأكيد تعرف ان هذا الأحساس ليس غريبا عليها .. هل هذا انجذابا جسديا فقط بين امرأة ورجل يجلسان متقاربان كما كانا جالسين؟
....ولكن هذا يحصل كثيرا في اماكن العمل وفي الباص " فكرت فينيلا..لقد شعرت بهذا الأنجذاب لأنها تمر بمرحلة نفسية صعبة هكذا اقنعت نفسها والا لكانت مريضة وقعت في حب طبيبها ..
على كل حال لم تستطع المكوث اكثر من ذلك الى جانبه ويدها في يده وعيناها تنظران الى عينيه .. لا ....لا يمكنها ان تخفي شعورها نحوه ..
- انا آسفه روبرت ..:كانت ترتجفعليان ادخل فالشمس:سحبت يدها بسرعة او كادت ان تسقط الكتاب من يدها استدارت وولت هاربة الى البيت:في غرفتها ..اتجهت الى النافذة ونظرت الى الأسفل حيث الحديقة....أنبت نفسها على تصرفها الأرعن.. ماذا فعل روبرت لكي تركض هكذا وتهرب منه؟....ماذا سيفكر فيها الآن ؟ اتجهت الى المرآة وكلمت نفسها..
اذا لم تكوني شديدة الانتباه .. فسيعمد الى الاستفادة منك للعمل من اجله .... عليك العودة الى لندن وهناك ستبنين حياتك من جديد..
عكست لها المرآة وجها شاحبا وعينين يكسوهما الحزن..
تلك الفكرة لم تجلب لها الراحة شعرت بالجمود يجتاح كيانها اذا غادرت روبرت فلابد وان حياتها ستنتهي اما اذا بقيت فمن المؤكد انها ستبدأ حياتها من جديد اذن هل هي بحاجة الى هذا البيت البعيد عن لندن:هل هي بحاجة الى الهدؤ المسيطر على ذلك المكان ؟ ام انها بحاجة الى روبرت ؟
بعد اسبوعين من مكوثها في بيت روبرت .. انتهت فينيلا من قراءة كتابين وبدأت بالثالث .. تساءلت اذا كانت قد قرأت تلك الكتب من قبل .. حيث انها معروفة جدا.. احد تلك الكتب اعتبر من افضل الكتب المباعة في الفترة الأخيرة وكان لديها شعور غريب بأنه ليس غريبا عنها .. بل شعرت وكأنها كانت تعرف مضمونه قبل ان يدون على الورق .. شعرت وكأن روبرت قد تكلم اليها عنه مطولا .. ذلك الشعور اثار فيها الأضطراب .. أغلقت الكتاب واتجهت بنظرها الى الخارج وكأنها تود ان تسأل الطبيعة عن كل ما يقلقها ويثير اضطرابها .. لكنها لم تكن تدري كيف تصيغ اسئلتها تلك..
وكيف كان للطبيعة ان تجيبها؟
- تبدين شديدة القلق والتفكير ....
قفزت من المفاجأة .. وقع الكتاب من يدها نظرت الى الأعلى لتفاجأ بوجه غريب لشاب ذي شعر بني وعيون زرقاء كان يبتسم لها ويدعوها الى الابتسام ايضا.. حدقت فيه..توقف الرجل عن الضحك .. وبد الاهتمام على وجهه..
- هل ....هل اخفتك....انا شديد الاسف.. لماذا هذا الخوف ؟ لن اتسبب لك بالأذى..
جلس بجانبها وأمسك يدها قائلا :
- هل استطيع ان اقدم لك أي شئ ؟ لقد اصابك الشحوب صدقا لم اقصد ذلك ابدا....
- لابأس:رفعت فينيلا يدا مرتجفه الى رأسها:سأكون بخير خلال لحظات .. انها ليست غلطتك ..:اجبرت نفسها على الابتسام:لقد كنت مريضة ولهذا تراني متوترة قليلا انني حمقاء..
- لا ..لست حمقاء:كان صوته مريحابل انا الأحمق .. لأنني اخفتك بتلك الطريقة انا اندرو بينيت .. على فكرة السيدة بينيت خالتي .. سأبقى في القرية لعدة اسابيع لذلك أتيت لزيارتها ..
- السيدة بينيت.. خالتك؟
- شئ من هذا ....ليست خالتي تماما ولكنها قريبة لي منذ وفاة والدتي وانا اعتبرها كذلك .. لقد دبرت لي مكانا عند صديقة لها اثناء أقامتي من اجل عملي....المكان هنا جميل وساحر الا تعتقدين ذلك؟
هزت فينيلا رأسها نفيا كانت مستغربة من تصرفات القادم الجديد..
- لا ادري في الحقيقة لم ار المكان بعد..
- لم تشاهدي ايا من الأماكن الجميلة التي تحيط بهذا البيت ولكن كم مضى عليك في هذا المكان؟
- حوالي ..:فكرت فينيلا قليلا في محاولة للتركيز:حوالي الأربعة عشر يوما ..
- ولم تشاهدي شيئا حتى الآن ؟ آه ....صحيح قلت انك مريضة .. اليس كذلك..نظر اليها بتمعن. ولكنك تبدين بصحة جيدة الآن .. خاصة بعد الصدمة التي تسببت لك فيها..
ولكن ماذا كان المرض هل هو خطير؟
- لا ....انه حادث لقد اصبحت افضل الآن .. ولكن ....
- حسنا من واجبي ان اريك الجوار .. انا نفسي لم اقض هنا اكثر من اسبوعين ولكني اعرف المكان جيدا .. لما لا نذهب لتناول فنجان من الشاي.. هناك مكان رائع في وسط البلدة تستطيع....
- اعتقد انك اتيت الى هنا لمشاهدة خالتك ؟
- آه .. صحيح ولقد فعلت .. حسنا .. لا اريد ان اجرح مشاعر خالتي فلنؤجلها الى الغد..
- انا لست متأكدة ..فأنا لا اقضي العطلة في هذا المكان فأنا اعمل كمساعدة للسيد روبرت ..
- ولكن لابد وانه لديك وقتا للراحة اليس كذلك ؟ اعني انه لا يجعلك تعملين طوال اليوم..
- نعم ..هذا صحيح .. ولكن لم ارغب في ..
- ولكنك تريدين ان تعرفي المكان الآن .. وهناك الكثير من المشاهد والأماكن التي تستحق المشاهدة.. القلعة....هل تعرفين الملك هنري الثامن حسنا .. لقد عاشت معظم زوجاته في هذا المكان .. كاترين بار على سبيل المثال .. تلك التي جعلت لهذا المكان قيمته الجمالية ..هل تحبين السير..
- لكن..نعم.. انما..
- انظري ..ارجو ان تطلبي مني الأنصراف اذا كانت رفقتي تزعجك فأنا لا اود ان أقحم نفسي على احد..
نظرت فينيلا اليه ..لماذا تتصرف معه بهذه الطريقة .. انه يقدم لها خيارا ....شعرت فجأة بالخجل من نفسها ومن رفضها المتوالي لصداقته وصحبته ..
- انا آسفة..لقد كنت قاسية .. لقد أصبحت هكذات بعد الحادث .. لم تعد عندي الرغبة في الخروج كثيرا .. لقد تعرضت لضربة في الرأس ..وقد.. وقد أثرت على كثيرا....اعني لقد فقدت الثقة ..اعرف انني يجب ان احاول استعادة الأصدقاء ولكن ليس من السهل ان ابدأ من جديد ..
- افهم ....ولكن لم لا تبدأي بالتدريج:نظر اليها بودمثل ....ان تأخذي القهوة معي ونزهة ناعمة ولطيفة حول الكنيسة .. هل تعملين لساعات محددة مع السيد روبرت؟
نظرت اليه بدهشة سألته :
- هل تعرفه ؟
- اعرف عنه بعض الشئ .. فقد اخبرتني عمتي بعض الأشياء واسمه معروف جدا..تبدين مستغربة ..
- لا..ولكن لم ابدأ العمل بعد وفق ساعات محددة انا اقوم الان بالتعرف على كتاباته . اشارت الى كتاب في يدها...
- اذن ليس هناك من مانع في الخروج معي لساعة او لساعتين اليس كذلك.. خاصة وانك لم تخرجي حتى الآن .. هل نتفق منذ الآن على القهوة غدا؟
نظرت الى مسحة القلق التي كانت ظاهرة على وجهه ترددت قليلا ولكنها قررت ان تواجه العالم من جديد ان تواجه الناس مرة اخرى والتعرض لأسئلتهم ومع هذا الرجل بالذات..
- اود ذلك ..شكرا لك..
استرخى وجه اندرو وقال:
- هذا رائع .. سأقابلك في العاشرة والثلث .. هل هذا مناسبا؟ فأنت لاتعرفين البلدة على الأطلاق .. لذلك سآتي لآخذك من هنا .. لن يستغرق الوقت كثيرا .. سنتناول القهوة معا وسأريك الكنيسة .. والآن على ان اذهب الى خالتي لابد وانها تتساءل الآن اين اختفيت ..
ابتسم لفينيلا بسرور وغادر المكان باتجاه المطبخ ..
- من هو:ظهر روبرت على كرسيه المتحركمن كان ذلك الرجل الشاب؟
قفزت فينيلا مرة اخرى من المفاجأة .. شعرت بالذنب هذه المرة وكأنها كانت على وشك القيام بعمل ممنوع..
- انه..انه اندرو..ابن اخت السيدة بينيت .. حسنا ليس ابن اختها بالتحديد ولكنه قريب لها .. انه يسكن في القرية..توقفت عن التكلم بعد ان لاحظت نظرة السخرية التي ظهرت على وجه روبرت .. وفي عينيه الرماديتين الجليديتين..
- يبدو انك تعرفين الشئ الكثير عنه..
- ليس كثيرا:اعترضت وقد احمر وجهها:فقط ما قاله لي جاء لزيارة خالته ليس لديك اعتراض اليس كذلك؟
- لا ....اطلاقا .. فالسيدة بينيت تعيش هنا ومن حقها استقبال الضيوف الذين ترغب فيهم.. ولماذا لا يفعل ..فهو يزور خالته على كل حال..
- تقصد ان يزور خالته عوضا عن التحدث الي:شعرت فينيلا بالغضب:حسنا كان متوجها اليها ولاحظني .. ولانه لطيف قليلا توقف ليلقي التحية ويعرفني بنفسه .. لم اكن اعتقد ان لديك أي اعتراض فيما يخصني لابد وان لديك اسبابا اخرى..
- عزيزتي الصغيرة ارجوك لاتضجريني بحديثك ..ابعد نظره عنها:اعتقد ان هذا الشاب فعل شيئا آخر غير القاء التحية .. فكما عرفت منك لقد روى لك تاريخ حياته .. وفي النهاية هذا ليس من شأني ..:توقف قليلا ثم تابع:سيبقى في القرية تقولين؟
- هذا صحيح..
- هذا يعني اننا سنراه لاحقا هنا؟ طبعا لزيارة خالته او ماذا تكون السيدة بينيت بالنسبة له ؟
- نعم خالته.. واظن انك محقا في هذا..
- اذن لاتدعيه يقترب كثيرا منك فينيلا .. لاتنسي انت مازلت في حالة صعبة .. ولا اريد ان يؤذيك احد..
" يؤذيني احد" فكرت فينيلا بتلك الكلمات ماذا يقصد ؟ ماذا يظنها ؟
- انظر روبرت لقد تحدثت الى اندرو بينيت لدقائق قليلة فقط .. كان لطيفا ومؤدبا لاشئ اكثر من ذلك .. ماهو العيب في هذا ؟ اعتقدت انك طلبت مني ان اقابل الناس وان اكون اصدقاء ..
- نعم..نعم.. هذا صحيح ..:تكلم بعصبية وصبر نافذ:ولكن هذا الشاب بالذات....اظن انه من النوع اللعوب واللاهي.. لاتنسي انني درست في الجامعه واعرف النوعية من الشباب انهم لاهون يقضون الصيف مع فتيات جميلات ومن ثم يرحلون وفي النهاية تكون الضحية تلك الفتيات الجميلات ..
- اتفهم ذلك.. ولكن بما انني في السادسة والعشرين من عمري وقد نضجت كفاية وبدون ان اتعرض الى مثل ما ذكرت....
توقفت قليلا .. كيف كان لها ان تعلم ذلكفأظن انني استطيع الأعتناء بنفسي .. انه لطف منك ان تهتم بي ولكن بما انني اكبر من اندرو بسنتين على الأقل اعتقد انني استطيع مواجهة أي خطر اذا وجد.. والآن اسمح لي سأذهب لتناول بعض الشاي .. اعتقد ان السيدة بينيت قد اعدته..
نهضت واتجهت الى امطبخ .. متمنية الا يكون روبرت قد لاحظ دقات قلبها وارتجاف يديها .. لم يكن باستطاعتها ان تدعه يحدثها بهذا الشكل وبتلك الطريقة الآمرة المسيطرة..
لم يتغير شئ فنظرة واحده من عينيه او لمسة من يديه كانت كافية لجعلها تضطرب وتفقد السيطرة على نفسها فمجرد وجوده بقربها يجعلها تنسى مئة شاب مثل اندرو بينيت..
فكرت فينيلا بالتخلص من هذا التأثير .. ولم تجد غير افكارها تلك فهي التي ستساعدها على ابعاده عنها..
فهي لم ترغب في أي حال من الأحوال ان يعرف روبرت اين يكمن الخطر بالنسبة الى قلبها..
أنت تقرأ
روايات عبير / الحب المنسي
Roman d'amourالملخص -أما زلت تعتقدين بأنه لم يكن هناك شخص خاص في حياتك؟ - لقد قلت لك .. ليس عندي أية فكرة ....ولكني متأكدة من انه لو كان هناك شخص كما تقول لما نسيته بهذه السهولة.. - ربما ....ربما هناك شخص خاص ولكنك تودين نسيانه - او ربما عليك الاعتراف بعدم وجوده...