الفصل الرابع

6.5K 108 2
                                    


اتجهت فينيلا عبر الغابة وحاولت الوصول الى الطريق العام ..
لم تكن قد قالت شيئا لروبرت عن ترتيبها مع اندرو للخروج .. فقد كانت ماتزال تشتعل غضبا من محادثتها بالأمس معه في الحديقة .. لم تعد الى ذكر اسم قريب السيدة بينيت الشاب امامه .. ولكنها ايضا لم تخبره عن عزمها الخروج معه .. وعلى كل حال هذا ليس من شأنه هكذا قالت لنفسها وهي في طريقها للقاء اندرو .. لقد اختارت ان تستطلع المكان وليكن برفقة اندرو ..
وماذا يمكن ان يحدث؟ ولكن لماذا ذلك الشعور الذي ينتابها ؟ ذلك الشعور بالذنب؟ هل هو من عدم اخبار روبرت بالأمر؟
فقد قررت منذ الصباح ان تخرج للقاء اندرو بدلا من مجيئه الى البيت لاصطحابها .. لمحته من بعيد وقد بدأ يلوح لها بيده ..
والابتسامة الواسعة على شفتيه ..
هل هذه الابتسامة اثارت في قلب روبرت المخاوف ؟
- اهلا..اليس صباحا رائعا ..انه افضل صيف مر علي في هذه البلدة ومن الصعب البقاء في البيت ..
وصلت الى جانبه وبادرته قائلة:
- لم اكن اريد الخروج هذا الصباح .. ولكن روبرت يعمل في الوقت الحاضر لوحده ولا اظنه بحاجة الى مساعدتي.. يجب الا ننسي انه صاحب عملي..
- هل صحيح ما قلته لي .. انك لم تتجاوزي حدود الحديقة منذ اتيت الى هنا؟
- نعم:تذكرت ما قالته لروبرت عن خوفها من مواجهه اسئلة الاخرين اذا ما خرجت
- اذن لم تشاهدي أي شئ في وينكشومب .. هناك الكنائس والبوابات والتي يمكنني ان اريك اياها الأن ..الا ترين انك محظوظة بلقائك معي ؟
- آه..هذا صحيح .. والأفضل من كل هذا انه لايحيط بك مجموعة من السياح .. يمطرونك اسئلة وتوجيهات..
ولكن هذا مستحيلا .. فهنا الكثير من السياح الامريكيين الاغنياء الذين يحبون رؤية مباهج هذه المناطق الانكليزية ولديهم السيارات الفاخرة..
- هذا طبيعي وينزلون في افخم الفنادق..
- هذا صحيح ولكني لا افضلها على المنزل الذي انزل فيه حيث الجو العائلي والفطور البسيط .. ولكن هذا لايمنع انه يمكنني القيام بعمل جيد اذا ما قررت ذلك..
كان قد اجتازا بوابة القلعة ووصلا الى صف من الأكواخ الخشبية والتي تحيط بها الورود ..تقابلها جدران الكنيسة توقفا الى يمين الكنيسة حيث قادها اندرو فهو مكان صغير يقدم بعض الحلويات والشاي ويحيط به حديقة صغيرة..
- دعنا نجلس في الحديقة ..الم نقل لتونا انه من الصعب ان نبقي داخل البيوت..
- هل ستنفذ ما فكرت فيه في الطريق يا اندرو..
- تعنين عمل الدليل السياحي..؟ لا..لا اعتقد ذلك فأنا افضل ان اكون دليلا لسائح واحد فقط:نظر اليها بمرح:اظن ان هذا امتع..
ابتسمت له فينيلا..
- اذن حدثني عن عملك لقد قلت لي انك هنا من اجل العمل..
- هذا صحيح ولكن هذا ممل خاصة الحديث عن العمل في مثل هذا الصباح المشرق..هاهي القهوة والحلويات ..الم اقل لك انها لذيذة ؟:نظر الى المضيفةسارة من افضل الطباخات هنا فهي تقوم بطهي وأعداد المأكولات اللذيذة..
كم سيكون محظوظا زوجك يا سارة !!!
احمرت المضيفة خجلا وانطلقت هاربة من امامه..
- لقد اربكتها بكلامك هذا..
- لا.. انا وسارة متفاهمان جدا .. الآن..مارأيك في تناول القهوة..
بعد ذلك تجولا في البلدة واتجها الى الكنيسة تمشيا خارج الكنيسة وحولها ..
- تعالي وانظري الى هذا المنظر..
كانت الخضرة المحيطة بالكنيسة رائعة شعرت فينيلا بالراحة والسرور ولكنها تنبهت الى الوقت .. نظرت الى ساعتها..
- ياللسماء انظر الى الساعة .. لم يكن لدي ادنى فكرة عن تأخر الوقت.. علي ان اعود الآن .. سيتساءل روبرت عن مكان وجودي..
- ولكنك لست مضطرة للعودة .. كنت اتمنى ان تتناول الغذاء معي..
- انا آسفة يا اندرو .. ولكني لم اقل لأحد انني خارجة واذا لم اكن على الغداء سيقلقون علي .. فلنؤجل ذلك الى يوم آخر..
لقد تمتعت كثيرا بالخروج معك ..
- الى اللقاء غدا اذن..
ترددت فينيلا قليلا:
- احب الخروج معك مرة اخرى .. حقيقة احب ذلك ..ولكني لا استطيع ان اقوم بأية ترتيبات الآن .. لما لا تتصل تليفونيا....اما الآن فعلي ان اسرع..
- حسنا .. اذن:اصطحبها الى بوابة البيت:ارى انه من الافضل ان اتركك الآن .. ولكن سأتصل بك تليفونيا مع الوعد بالخروج معي لتناول الغداء في مكان ما..
- اتمنى ذلك ايضا .. سأحاول ان ارتب لهذا قريبا جدا.. لا اظن ان روبرت سيمانع ولم يمانع؟
لم....؟ هذا صحيح فكرت وهي متجهه الى البيت .. ليس هناك من سبب لذلك .. ولكنها كانت تشعر بأنه سيعارض..
- اين كنت بحق السماء؟:بادرها روبرت عندما اطلت على الشرفة التي اعتادو ا فيها تناول وجباتهم في الايام الصحوهة..
جون والسيدة بينيت بحثا عنك في كل مكان .. اعتقدنا ان مكروها قد اصابك..
- مثل ماذا؟
انتاب فينيلا الغضب اتجهت الى كرسي من الكراسي ورمت نفسها فيه .. صبت لنفسها كأسا من الماء المثلج..
انا آسفه لقد تأخرت....ولكني لم اكن اعتقد انك ستكون على الغداء .. فأنت لا تلتزم بمثل هذه المواعيد ومن ثم لم اكن اعتقد انكم ستقلقون علي .. وليس هناك من داع لهذا القلق ..
- هذا صحيح ولكن انت نفسك اعربت عن تخوفك من مواجهه العالم الخارجي وكرهك للخروج وحيدة الى أي مكان .. اذن ماذا تعتقدين اننا سنفكر ونحن نعرف انك خرجت وحيدة وبقيت في الخارج لفترة طويلة ؟ انا....
- انا لم اكن وحيدة:قالت تلك الكلمات فجأة الا انها تنبهت بسرعة الى الخطأ الذي وقعت فيه ولكن ماالعيب في الخروج مع صديق لها .. لم لم تقل انها كانت مع اندرو .. قررت ان تهدئ من ثورة اعصابها قالت بهدؤ:لقد كنت مع صديق..- صديق ..؟:رفع حاجبيه استغراباحسب اعتقادي ليس لديك اصدقاء هنا..
- لم يكن لدي .... اما الآن فلدي اندرو بينيت .. واذا اردت ان تعرف ماذا فعلنا..لقد تناولنا القهوة معا ومن ثم ذهبنا في جولة الى الكنيسة:رفعت رأسها ونظرت الى عينيه مباشرةهل هذا كافي ام ان هناك أي اعتراض؟ بدا لها منزعجا ومفكرا..
- فينيلا....انت لست مجبرة على اعطائي كل تلك التفاصيل..
لا..بل فعلت ماشعرت انني يجب ان افعله..
- لا تكوني سخيفة ! فكل ما اردته....
- ان تعرف اين كنت ؟ وماذا كنت افعل خلال اليوم؟
بدت عصبية وثائرة:اهذا كل شئ ؟ هل في رأيك انه من الافضل ان اكون دائما تحت ناظريك ....حسنا اريد ان انبهك انني لا احب ان اكون مسجونة ولن اسمح لأحد بأن يعاملني هكذا ..ماذا كان لي ان اعمل هنا يا بروفسور ميلبورن..اود ان تخصص لي وقتا اقوم به بما يحلو لي..وقتا حرا..
- فينيلا .. هذا من حقك ..وانا لم اقل غير هذا..
- هذا صحيح ولكن اود ان يكون وقتي بالفعل ..ان اقضيه كيفما اشاء والا اكون مضطرة للشرح ..:توقفت عن التكلم ونظرت اليه .. تنبهت الى انها كانت قد رفعت صوتها كثيرا....
حاولت ان تهدأ من اعصابها وتابعتاعتقد انه عندما كنت اعمل في مكتبك لم تكن لتقلق علي كل هذا القلق وما كنت لتسأل وتلح على مثل هذه التفاصيل كانت هناك لحظة صمت..نظر خلالها روبرت اليها.. كان هناك تعبير مختلف على وجهه ..تعبير ظنت ان روبرت سيفصح عنه بعزم .. الا انه قال بهدؤ وببساطة:
- لا....ربما لم اكن لاهتم ولكن الوضع هنا يختلف اليس كذلك؟ ..انت تعيشين في بيتي....واشعر ببعض المسئولية نحوك.. خاصة وانني اعلم..وضعك الست محقا في قلقي ؟ ومن جهة اخرى انت لست معتادة على الخروج خارج اسوار الحديقة..
قابلت فينيلا عينيه بخجل..
- لا..اقصد لا اعتقد بأنك تبالغ ..فأنت محق كان علي ان اعلمك بأنني سأخرج..
مرة اخرى شعرت وكأنه يود ان يخبرها بشئ..كان يريد ان ينقل اليها خبرا ما او ملاحظة ما.. وكأنه لم يكن غريبا عنها اقشعر جسمها .. اخفضت نظرها ووقعت عيناها على يده فوق الطاولة .. كانت اصابعه قريبة من يدها .. تصاعدت المشاعر لديها ..هل هذا حلم انه تصور هل من المعقول انها قد عرفته في يوم من الايام ..نظرت الى الحديقة وسرحت بأفكارها .. تمنت من قلبها لو انها عرفت روبرت ميلبورن قبلا وفي حياتها الماضية .. لانها لو صح ذلك .. لكانت عرفت الامان والحب بالتأكيد..
ولكن الأن ..ليس لديها الأمان ولا الحب .. ليس لديها الا الألم وفقدان شئ ربما لم تكن تملكه في يوم من الأيام.. ملأت الدموع الحارقة مقلتيها.. اعتذرت منه ونهضت متجهة الى البيت تاركة روبرت ميلبورن حبيس كرسية على الشرفة تماما كما تشعر هي بفقدان لذاكرتها ولكنه افضل منها على الأقل..
خلال ذلك الاسبوع قرر روبرت البدء في تأليف كتابه .. وجدت فينيلا نفسها مشغولة طوال الأيام تدون معلومات او تبحث في المكتب لذلك كانت تقضي معظم الوقت في المكتبة الضخمة التي شغلت غرفة كبيرة من البيت .. وسرعان ما اندمجت في العمل لدرجة انها لم تعد تفكر في اندرو بينيت وفي خططه للخروج معها..
وفي المساء وعندما يقرر روبرت التوقف عن العمل .. كانت تقضي الأمسية في نقاش معه حول العمل المنتظر في الغد اوالعمل الذي انجز خلال ذلك اليوم..
- لابد وان الناس كانوا يتعذبون خلال الحصار:قالت وهما يتناولان احدى الأطعمة التي اعدتها السيدة بينيت:تصور نفسك وانت تأكل حيواناتك الأليفة .. او اسوأ مثل التقاط الفئران:اشمأزت من الفكرةآه ولكني افضل هذه الأكلة اللذيذة فالسمك اكلتي المفضلة..
تلا الغرفة صمت نظرت خلالها الى روبرت .. كيف عرفت ان السمك هو طعامها المفضل ..
- انت تعرفين ذلك اليس صحيحا ؟:كان يردد كلماتها:لقد عرفت الأكلة قبل ان تريها ومن رائحتها:انحنى اليها قليلا أصبح صوته اكثر رقة:كيف عرفت ذلك فينيلا ؟ هل تتذكرين انك تناولت هذه الوجبة من قبل وفي مكان ما..ربما..من انسان خاص جدا بالنسبة لك ؟
حدقت فيه فينيلا..كانت عيناه تحملان عاطفة واضحة شعرت بالتوتر الذي كان يعانيه .. حبست انفاسها..هل يعقل انه عرف ما كانت تفكر فيه....ولكن كيف ؟ ولماذا؟
كيف يمكن لذلك الرجل الذي لم تعرفه من قبل ان يفهم ماتفكر فيه او ما تحس به؟
اخفضت نظرها وابعدتهما عن وجهه قبل ان تخونها افكارها وكلماتها فلم تكن ترغب في قول ما لايجب ان يقال ..
- لقد كانوا يأكلون الحيوانات الموجودة في حديقة الحيوانات في باريس اثناء الحصار:همست اخيرافذلك الفيل المسكين....
لم تعد تستطيع الاستمرار في الحديث لحسن الحظ اخذ روبرت عنها دفة الحديث وتابع.. ربما لأنه كان يود ان يخرج من دائرة التوتر والارتباك اللذين كانا يحسان بهما..
- ليس فقط اثناء الحصار.. فالناس يتصرفون تصرفات همجية اثناء المجاعات .. تصرفات لا يمكن ان تتصوريها الا اذا قرأتيها في الكتب..
- هناك اشياء كثيرة وغريبة .. فالمواضيع التي قرأتها اليوم حول الاساليب التي كان يستخدمها الجنود اثناء الحروب للأتصال مع الوحدات القيادية والطريقة التي كانوا يرسلون فيها رسائلهم الى اصدقائهم واقربائهم....
توقفت عن الكلام..لماذا كانت تتحدث بتلك الطريقة؟ هل لأنها كانت تخاف من التوقف:هل كانت تخاف من الكلمات التي يمكن ان تقال فيما اذا عن الصمت بينهما ؟ مالذي كان يحدث لها؟
وماذا عن روبرت ..هل كان لديه نفس الأحساس .. او انها توهمت تلك النظرة في عينيه وذلك التوتر الذي كان ينتابه وتلك الرسالة التي كان يحاول جاهدا ان يوصلها اليها .. لم يعد لديها ما تقوله ولم يحاول روبرت ان يقول شيئا تصاعد التوتر بينهما وملأ الغرفة ..
رفعت فينيلا اليه نظرها وحدقت فيه.. كانت عيناه تتكلمان معها.. يداه على الطاولة وقريبتان جدا من يديها كانت تستطيع ان تشعر بالدفء الذي ينبعث منهما ..
- انا ....بدأت بالحديث مرة اخرى ولكنها نسيت ماذا كانت تريد ان تقول .. اخذت نفسا عميقا وابعدت يديها ونهضت بسرعة قائلة:سأنقل هذه الأشياء الى المطبخ..
وبدون ان تعاود النظر اليه بدأت في جمع الأطباق الفارغة ونقلها الى المطبخ ةما ان أصبحت خارج الغرفة حتى اسندت ظهرها على الحائط علها تستطيع التقاط انفاسها ماالذي كان يحدث لها؟ وما الذي كان يحدث لهما؟
شعرت وكأنهما كان يعيدان تمثيل مشهد ما حدث في الماضي في مكان وزمتن ما حتى الطعام الذي تناولاه والمواضيع التي تحدثا فيها.. كلها كانت مألوفة لديها ....هذا مستحيل ..
ولكن ما هذا الذي كانت تفكر فيه فحتى الأشخاص الذين لم يفقدوا ذاكرتهم من قبل يشعرون بهذا الأحساس..وما الغرابة في ذلك؟ تابعت طريقها الى المطبخ..فما هي بحاجة اليه في الوقت الحاضر هو الهدؤ والحديث العادي مع السيدة بينيت فتحت باب المطبخ لتفاجأ بأندرو يتناول طعامه .. بادرها قائلا:
اهلا بالغريبة .. تعالي وانظري كيف يعيش النوع الآخر من الناس..
تنفست فينيلا الصعداء .. ولكنها لم تستطع ان تظهر سرورها برؤيته وضعت الصحون وابتسمت للسيدة بينيت..
لقد كان العشاء لذيذا قضيت معظم الوقت اشفق على اولئك الناس الذين لايستطيعون تناول وجباتك..
مثلي ؟:سألها آندرو بحزن مصطنعبينما يتناول الأسياد هذا الطعام اللذيذ اتناول انا في المطبخ الحساء مع قطعة من الخبز..
- لاتكن سخيفا اندرو ..انبته خالته بشدةالآن آنسةفينيلا .. هناك الكيك والقهوة....هل تستطيعين اخذهما الى السيد روبرت..
- او هل اكون انا النادل لهذه الليلة ؟:قاطعها اندرولقد عملت في احدى المطاعم الفخمة واستطيع ان احمل الصحون على يدي وذراعي..هل اريكما....؟
- لا تقلق فالأنسة فينيلا يمكنها ان تتصرف بدون مساعدتك الآن..اجلس واكمل عشاءك....لاتبالي به آنسة فينيلا..نظرت السيدة بينيت بغضب الى اندروابتسمت فينيلا وهي ترفع الأطباق..
- هاي....الى اين..لاتذهبي بهذه السرعة لقد اتيت خصيصا لأراك ..اين كنت خلال الأسبوع الماضي ؟ اعتقدت اننا اتفقنا على القيام بنزهة طويلة؟
- انا اسفة .. لقد كنت مشغولة .. ولكن اعتقد انه مازال بأمكاني تخصيص يوم العطلة الاسبوعية .. ربما يمكننا ان نذهب غدا اذا كان الجو مناسبا ..
- بل سيكون مناسبا ..سأرتب لهذا النزهةغدا صباحا او انك تفضلين ان نخرج بعد الظهر..
ارتفع حاجباه من الدهشة عندما رأى ترددها
- ياللسماء يافتاة هل يلزمك هذا التفكير الطويل .. ماذلك السيد المستبد الذي تعملين لديه البرفسور ميلبورن؟
- انه ليس مستبدا على الاطلاق:دافعت عنه بحماسحسنا في الصباح ..سأقابلك عند البوابة..
- العاشرة والنصف:سارع الى القول عندما رأها قد توقفت قليلا:واذا تأخرت سآتي الى هنا واخذك بالقوة لقد تم تحذيرك!!
- العاشرة والنصف:وافقت فينيلا:والان علي ان اعود لابد وان السيد ميلبورن يتساءل عن سبب تأخري .. شكرا سيدة بينيت تبدو الكعكة لذيذة..
اثناء عودتها الى غرفة الجلوس شعرت بغصة وثقل في قلبها ..
تساءلت هل ستستطيع التخلص من شعور التردد والانزعاج الذي كانت تعاني منه منذ قليل .. توقفت قليلا عند الباب .. استعادت ثقتها بنفسها ومن ثم دخلت والابتسامة مازالت على وجهها..
- يبدو انك كنت تقضين وقتا ممتعا في المطبخ .. هل الحديث مع السيدة بينيت سبب هذا ؟
- لا..بالطبع لا..:قالت فينيلا:لقد قابلت ابن اختها اندرو وقد رتبنا لنزهة في الغد..
- نزهة ..على الأقدام.. والى اين؟
نزهة عادية.. هذا ما اعتقده على الاقدام لابد وانها ستكون بالجوار:توقفت فجأة عضت شفتهاانا اسفة لم اكن افكر ..لم اقصد..
التفتت الى الكعكة وقسمتها واضعة قطعتين منها في صحن روبرت ..
- نعم .. هذه الطريقة المثلى للنزهة:قالهل بهدؤ:النزهة التي لايمكنني القيام بها الان:رفع نظرة اليها وعيناه تلمعان:ولكني سأتمكن من ذلك قريبا..
حدقت فيه لفترة شعرت بتأنيب الضمير والتعاطف في آن واحد كم اصبحت انانية في الاونة الاخيرة هل يعقل انها لاتفكر الا في نفسها وفي مشاكلها ؟ هل يعقل انها لاتستطيع ان تعطي أي مشاعر او احاسيس لاحد آخر للذين يعيشون معها ؟
على الرغم من ذلك .. كانت عزة نفسه وشجاعته وثقته بنفسه هي التي جذبت انتباهها اليه في البداية .. لقد كان يضرب الارض بعصاه وهو يلعب متحركا من مكان الى آخر بواسطة الكرسي المتحرك..
- نعم اعتقد انك ستتمكن من ذلك:انحنت قليلا لتضع يدها على يده:لا ..لايمكن ان تفشل في ذلك .. بل ستتمكن من السير مرة اخرى .. وستقوم بكافة الاعمال التي تحب القيام بها ..
التسلق التزلج على الجليد .. السباحة .. كل الاشياء..
- كل الشياء ..:ردد كلماتها ببطءتركزت عيناه على اصابع يدها المحكمة حول يده:اتساءل ..فينيلا هل سأستطيع يوما؟ هل سأتمكن من القيام بكافة الاعمال التي اريد القيام بها والتي احب القيام بها .. الاشياء التي كنت امارسها من قبل؟
رفع رأسه فجأة والتقت عيونهما شعرت وكأنه استخلص من تلك النظرة جميع الافكار التي كانت داخلها حتى تلك التي لم ترغب في الافصاح عنها حتى لنفسها ..
لدهشتها ابقت يدها بين يديه لفترة طويلة كانت خفقات قلبها تتسارع وتكاد تسبب لها الألم.. شعرت وكأنه يوصل اليها رسالة من خلال هذا التقارب .. انتابها الخوف وسارعت الى سحب يدها بسرعة..
انقطعت الرسالة مباشرة .. اخفض روبرت نظره وتابع تناول قطعة الحلوى..
-انا آسف..لقد انتابتني الشفقة على نفسي ..اذن ستقضين يوم الغد مع الشاب اندرو .. اليس كذلك..
للحظة شعرت فينيلا انها لا تستطيع ان تتذكر الموضوع الذي كان يتحدثان بها قبل اللحظة الحرجة التي مرت عليهما..
الا انها وافقت على كلامه بأيماءة من رأسها ولكنها في حقيقة الأمر كانت قد فقدت كل رغبه بالخروج مع اندرو وبدأت تعتقد انها ستكون أكثر سرورا فيما اذا قضت اليوم مع روبرت.
- نعم ...هذا اذا لم يكن لديك اعتراض.
القى اليها نظرة خاطفة..لاحظت مدى التعب الذي يعانيه.
ماالذي حدث للألفة بينهما? فكرت بحزن. هل الألفة والتقارب مقدر لهما الا يأتيا الا للحظات خاطفة. هل قدر لألفة التي حدثت بينهما الا تعيش. الا ان هذا الشعور مازال يعيش داخلها وبقوة تمنت لو انها تستطيع أزالة كل الحواجز التي تفصلها عنه.
- لا..قال روبرت بصوت منخفض. ليس لدي اي اعتراض وكيف له ان يكون? يمكنك الخروج مع آندرو بينيت أذا كانت لديك الرغبة في ذلك كما يمكنك قضاء الوقت الذي ترغبين به خارج المنزل.:ازاح صحنه. لاأستطيع ان آكل أكثر من ذلك. قولي للسيدة بينيت ان الكعكة كانت لذيذة. ولكني أكلت كثيرا على العشاء. وأظن أنني لن أتناول القهوة هذا المساء . فقد طلبت من جون أن يأخذني الى السرير.
قال كلماته تلك بحزن ويأس عارم وجعلت فينيلا تمتلئ حزنا عليه هل قدر لهذا الشخص المفعم بالحيوية أن يقضي وقته حبيس ذلك الكرسي المتحرك. وربما لما تبقى له من الحياة. هل قدر له أن يحرم من السير. في جلب كتاب أذا أراد أو من الذهاب الى سريره بدون مساعدة أحد. إذن من الطبيعي أن تدخله الغيرة من وجود شاب مثل آندرو ملئ بالمرج والنشاط والصحة آندرو الذي يستطيع الذهاب والإياب إذا اراد. إذن لاعجب من ردة فعله تلك التي أصابت أقرب الناس أليه وصدف أن تكون فينيلا.
" ليس هناك من دافع شخصي في كل ما حصل " هذا ما حاولت فينيلا ان تقنع نفسها به وهي تتمنى ليلة سعيدة لرئيسها في العمل بينما يقوم جون بمساعدته للأنتقال الى غرفته..
تساءلت فينيلا اذا كان روبرت قد اعتبرها شخصا له كيانه واحاسيسه في يوم من الايام ..في النهاية
لم تكن الا موظفة لديه سكرتيرة او مساعدة .. وعندما ينهي كتابه ويستعيد القدرة على السير فلن تكن لفينيلا
فائدة في حياته.. ومن الطبيعي عندها انها ستحاول البحث مرة اخرى عن وظيفة وستبدأ من جديد في بناء حياتها وبناء أصدقاء او عائلة .. اعترفت فينيلا بينها وبين نفسها ان التجربة الثانية لابد وانها ستكون قاسية عليها خاصة وانها بدأت تميل لروبرت وستفتقد دعمه لها وستشعر بالوحدة من جديد لفراقه..
-اعتقد ان هذا يكفي ....لقد عملنا بما فيه الكفاية اليوم .. قال روبرت هذه الكلمات بشكل جدي بعد عمل يوم كامل جمعت فينيلا اوراقها بتنهيدة خفيفة .. فمنذ يوم السبت الماضي وهو يعاملها بجفاء وبرود ظاهرين .. وكأنها لم تعد موظفة تعمل لديه.. وعلى كل حال لم تشعر في يوم من الايام انها موظفة لديه فقد مرت لحظات أحست بقربها منه وكان لهما معا لحظات حميمه عندما استرجعتها في ذاكرتها انتاب قلبها وحدة باردة امتدت الى سائر جسمها..
لم تكن قد رأته ذلك الصباح الذي خرجت به مع اندرو..
رافقتها كلماته طوال اليوم حتى تلك اللحظات التي قضتها بين الحقول بصحبة اندرو وبصحبة نكاته التي هي جزء من شخصيته ماالذي يحدث لها لماذا لاتشعر بالحياة تدب من حولها عندما تكون مع روبرت ؟ ولماذا تشعر ان ليس للحياة معنى اذا ما غاب عنها؟
لم تجرؤ على مقابلته بعد عودتها في المساء الى البيت شعرت بالخوف من لقائه ومن لقاء تلك العينين الرماديتين .. ولكنها لم تجده في أي مكان .. اخذت حماما سريعا ونزلت الى غرفة الطعام لكنها فوجئت بروبرت وقد امضى اليوم في غرفته وتناول عشاءه وحيدا وأوى الى فراشه باكرا .. شعرت ذلك المساء بالهزيمة والراحة في آن معا وكانت ليلة لانهاية لها..
الآن وفي نهاية العمل أحست بأنها بالفعل تقوم بدور الموظفة وبدون أدنى فرصة او بادرة لتطوير هذه العلاقة بينها وبين روبرت ..
فطول اليوم دأب على معاملتها بأدب بالغ .. وطوال اليوم شعرت بكتلة ضخمة تنم وتجثم فوق صدرها وليس هناك من شئ يمكنها ان تفعله او تقوله..
- في الواقع..ليس لدي مانع من العمل لفترة أخرى:تقدمت اليه بذلك العرضفلم تبلغ الساعة الخامسة بعد..
- قلت ان ذلك يكفي:كان هناك غضب ظاهر في صوتهأجمعي أوراقك فينيلا .. فلقد اكتفيت وان لم تكوني قد اكتفيت بعد.. في الحال بدأت آلة الكتابة .. اما روبرت فقد اتجه بكرسيه المتحرك الى النافذة المفتوحة واتجه بنظره الى الخارج حيث الحديقة والغابة من خلفها ..
نظرت اليه فينيلا لفترة .. وهي على معرفة تامة بعدم تمكنه من رؤيتها خطت خطوة باتجاهه .. فقد امتلأ قلبها فجأة بالعاطفة .. في تلك اللحظة عرفت ماهية العاطفة التي كانت تجتاحها .. وادركت لماذا كانت تشعر بالحزن لمجرد التفكير بالابتعاد عنه.. لماذا لم تتمتع بيومها بصحبة اندرو ؟ لماذا غدا روبرت مهما في حياتها ؟ بل غدا محور حياتها ؟
انفرجت شفتاها لتنطق وبدون صوت باسمه مرارا بينما هي تفعل ذلك استدار روبرت فجأة بكرسيه ورأها كانت هناك لحظة من الصمت المربك ..
- فينيلا ....كان تنفسه ثقيلا فجأة نهض من كرسيه..
لم يكن سهلا بعد ذلك تذكر ماحدث .. والذي بقي حيا في ذاكرة فينيلا كان التعبير الذي ظهر على وجه روبرت وهو يحدق فيها ومن ثم انتباه المفاجئ لوقفته على قدميه واحتوائها..
كانا يتنفسان بصعوبة ويضحكان في آن واحد..
- علينا ان نستدعي الطبيب حالا:قالت وهي تركع الى جانبهوضعت اصابعها على رسغه لمعرفة دقات نبضه..
- سام نعم سام.... سأحاول الاتصال به .. لابد وانه مايزال في المستشفى .. او هل استدعي الطبيب المحلي؟
- ليس هناك من حاجة للاتصال بأحد..الا ترين معي فينيلا انني كدت اقف على قدمي وهذا يعني انني تحسنت ولهذا اظن انه لاداعي للطبيب..بحق السماء فينيلا لقد تحسنت حالتي ..
- بل على العكس في هذه الحاله علينا ان نستدعي الطبيب ليطمئنا سأتصل بسام.. ابق هنا ارجوك..
ما ان انتهت من كلماتها تلك حتى اتجهت الى خارج الغرفة..
ولكنها نبهته قبل الخروج بعدم المحاولة مرة اخرى .. لاحظت انها لم تتكلم من الغرفة التي كان فيها روبرت .. وعلى كل حال لم تكن لتتمكن مع قول كلمة واحدة في وجوده..
عندما جلست تنتظر سام ليرد عليها..
أخذت تتنفس بعمق لكي تنظم دقات قلبها وبدأت تسترجع تلك اللحظات الرائعة ..
ماالذي جعل روبرت يرفع نفسه عن الكرسي بهذه الطريقة؟ هل لأنه استدار لاحظ ذلك التعبير الذي كان مرتسما على وجه فينيلا ؟ هل لأنه رأى كما كان معتادا ان يرى ماهو اعمق من ذلك التعبير .. هل غاص في اعماقها وعرف ما كان يعتمل في قلبها ؟ هل يبادلها نفس الشعور لدرجة انه لم يلاحظ عدم مقدرته على السير وهم بلقائها ؟
هزت رأسها .. هذا مستحيل يجب عليها الا تفكر بتلك الطريقة .. عليها ان تنسى تلك النظرة التي كانت في عينيه عندما استدار اليها.. عليها ان تنسى العاطفة الكامنه في قلبها والتي خانتها وظهرت له .. فتلك العاطفة لن تجلب لها الا المصاعب والهموم .. وهذا ما لم يكن ينقصها ابدا..
اذن..انها تحب روبرت ميلبورن .. وهذا هو سبب تلك الألفة التي تشعر بها نحوه.. انها تلك الحاسة التي تتولد بين المحبين .. ولكن حبها مقدر له ان ينتهي قبل ان يبدأ .. فروبرت لا يشعر بشئ نحوها ..لاشئ ماعدا الشفقة..
عليها ان تنسى نظرته وركضتها باتجاهه .. وطريقة ضمها اليه بين ذراعيه والقبلة التي تبادلاها ..
نعم..ان هذه الأحاسيس ليس لها أي معنى بالنسبة لروبرت بل هي لحظات مشتركة تولدت من لحظات الانفعال..
أعادها رنين الهاتف الى الواقع بشدة استجمعت افكارها وكلمته..
- سام....؟ هل هذا انت:
انا فينيلا لدي خبر سار لك ..

روايات عبير / الحب المنسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن