خرج صوته الجهور همساً مُشرّباً بنبرة غريبة عندما قال
- فرح ! هل انتِ بخير ؟ .
ضاع صوتها امام هيبةِ حضوره وتضائل الكون الواسعُ لينحصِر بين تقطيبة حاجبيه الكثيفان لتكتفي بإيمائة صغيرة مع ابتسامة مُتعبة .رمقها خالد بلوم قبل ان يسحبها من يدها برفق لتستقِر على احد المقاعِد التي تقع على جانب الممرّ الاسفلتي وتوقّف امامها وعيناه القلِقة تحتضِنُ وجهها المُنهك و همس زاجرا
- تبدين مُتعبة ، ويبدوا انكِ لم تتناولي الإفطار . إتسعت حدقتيها وتلعثمت قائلة
- لقد تناولته ، انا فقط ...
لم تجد وصفاً كاذِباً لحالتها فتنهدت بحُزن وعبثت بأصابعها بتوتر .استعر قلبه بنيران الغضب من تلك الفتاة التي تُثير حنقه بتصرفاتها الطفولية ، بالتأكيد هناك ما يشغلها لتنسى نفسها بتلك الطريقة ، زفر بضيق وانحنى اليها قائلاً
- لا تتحركي من مكانكِ سآتي بعد دقائق .تركها قبل ان تتسائل عن مكان ذهابه لتضع يديها على وجهها - الذي احتلّه لون الورد - وتبتسم رُغماً عنها عندما تذكرت ملامح وجهه القلِقة فلأول مرّة تشعُرُ ان احدهم يهتمّ لأمرِها . مُنذ ان فهِمت بأن والديها قد توفيا وهي تشعُر بالبرود تجاه كل شيء .
و راودها شعور بأن اهتمام الجميع بها ليس سوى شفقةً على حالها .. واستمرّ ذلك الشعور المرير الى الان وهذا ما منعها من إخبار جدّها بحقيقة عُمر ؛ فهي ليست سوى ابنة ابنه المُتوفي بينما عُمر هو حفيده الاكبر وبالتاكيد لن يقِف بجانبها ضدّه .
تأملها بإبتسامة حزينة .. عيناها الجميلتين تسبحُ ببحرٍ من التيه ورموشها السوداء تُرفرِف كطائرٍ جريح بينما ملامح الحُزنِ ترسمُ مُدُناً على شفتيها الشاحبتين .. بدت كإحدى إهرامات النوبة العتيقة . تلك الصغيرة لا مفرّ من الوقوع بغرامها سوى بالموت وخزاً بالإبر . ببساطة لا خيار له سوى الدُعاء بالفوز بها في جنّة الخُلد و الدار الزائلة .
تسلل دفئ عطره الى انفها مُنعِشاً اياها من نوبة الشرود تلك لتُسدِل جفنيها بخجل عندما وجدته يتأملها بجُرأة فإزدردت ريقها بتوتر وهمست
- خالد ، شكراً لك .. ولكنني تأخرت ويجب ان اذهبهمس بنبرة صارمة
- خُذي هذا ، تناوليه وانا سأُعيدكِ لمنزِلكِ .
واضاف - قبل ان تعترِض -
- هيا تناوليه الان لأنني سأُعيدكِ شئتي ام ابيتي . وابتعد ليجلس بأحد المقاعِد بعيداً عنها قليلاً .ادارت عينيها بملل وفتحت الكيس البلاستيكي الذي وضعه بجانبها لتجد وجبة طعام وعبوة عصير و بسكويت بالشوكولا .. لتبتسم بسعادة وتلتهم بسكويتها المُفضّل بتلذُذ وترتشف بعضاً من عصير المانجو بينما تركت بقية الاطعمة كما هي .
اسند ظهره على المقعد واغمض عينيه بشرود لتقفِز - كعادتها مؤخراً - الى خياله ولكن هذه المرّة بصورة مختلِفة .. فملمس يديها القُطني وانحناء خصرها - الغض كفرع شجرِ البان - اضفى اليها فتنة اُخرى .. تلك الجميلة قد عصفت بكيانه وارغمته على رفع راية الاستسلام امام انوثتها المُفرِطة .
إحتدّت عيناه بغضب عندما اخذت افكاره لمُنحنى أبعد فإستغفر الله على تفكيره وعزم على فِعلِ ما كان يُفكِر به منذ مُدّة .. وسيبدأ به منذُ هذه اللحظة .
أنت تقرأ
الدرويش والقديسة
ChickLitوردة وسط الاشواك .. وفارس بلا سلاح .. . . . الغلاف هدية من الغالية .. خديجة @DojaAlgatos #مسابقة_افضل_كاتب_عربي_للرواية_2