الفصل الحادي عشر (هدوء )

6.7K 431 177
                                    

خرج صوته الجهور همساً مُشرّباً بنبرة غريبة عندما قال
- فرح ! هل انتِ بخير ؟ .
ضاع صوتها امام هيبةِ حضوره وتضائل الكون الواسعُ لينحصِر بين تقطيبة حاجبيه الكثيفان لتكتفي بإيمائة صغيرة مع ابتسامة مُتعبة .

رمقها خالد بلوم قبل ان يسحبها من يدها برفق لتستقِر على احد المقاعِد التي تقع على جانب الممرّ الاسفلتي وتوقّف امامها وعيناه القلِقة تحتضِنُ وجهها المُنهك و همس زاجرا
- تبدين مُتعبة ، ويبدوا انكِ لم تتناولي الإفطار . إتسعت حدقتيها وتلعثمت قائلة
- لقد تناولته ، انا فقط ...
لم تجد وصفاً كاذِباً لحالتها فتنهدت بحُزن وعبثت بأصابعها بتوتر .

استعر قلبه بنيران الغضب من تلك الفتاة التي تُثير حنقه بتصرفاتها الطفولية ، بالتأكيد هناك ما يشغلها لتنسى نفسها بتلك الطريقة ، زفر بضيق وانحنى اليها قائلاً
- لا تتحركي من مكانكِ سآتي بعد دقائق .

تركها قبل ان تتسائل عن مكان ذهابه لتضع يديها على وجهها - الذي احتلّه لون الورد - وتبتسم رُغماً عنها عندما تذكرت ملامح وجهه القلِقة فلأول مرّة تشعُرُ ان احدهم يهتمّ لأمرِها . مُنذ ان فهِمت بأن والديها قد توفيا وهي تشعُر بالبرود تجاه كل شيء .

و راودها شعور بأن اهتمام الجميع بها ليس سوى شفقةً على حالها .. واستمرّ ذلك الشعور المرير الى الان وهذا ما منعها من إخبار جدّها بحقيقة عُمر ؛ فهي ليست سوى ابنة ابنه المُتوفي بينما عُمر هو حفيده الاكبر وبالتاكيد لن يقِف بجانبها ضدّه .

تأملها بإبتسامة حزينة .. عيناها الجميلتين تسبحُ ببحرٍ من التيه ورموشها السوداء تُرفرِف كطائرٍ جريح بينما ملامح الحُزنِ ترسمُ مُدُناً على شفتيها الشاحبتين .. بدت كإحدى إهرامات النوبة العتيقة . تلك الصغيرة لا مفرّ من الوقوع بغرامها سوى بالموت وخزاً بالإبر . ببساطة لا خيار له سوى الدُعاء بالفوز بها في جنّة الخُلد و الدار الزائلة .

تسلل دفئ عطره الى انفها مُنعِشاً اياها من نوبة الشرود تلك لتُسدِل جفنيها بخجل عندما وجدته يتأملها بجُرأة فإزدردت ريقها بتوتر وهمست
- خالد ، شكراً لك .. ولكنني تأخرت ويجب ان اذهب

همس بنبرة صارمة
- خُذي هذا ، تناوليه وانا سأُعيدكِ لمنزِلكِ .
واضاف - قبل ان تعترِض -
- هيا تناوليه الان لأنني سأُعيدكِ شئتي ام ابيتي . وابتعد ليجلس بأحد المقاعِد بعيداً عنها قليلاً .

ادارت عينيها بملل وفتحت الكيس البلاستيكي الذي وضعه بجانبها لتجد وجبة طعام وعبوة عصير و بسكويت بالشوكولا .. لتبتسم بسعادة وتلتهم بسكويتها المُفضّل بتلذُذ وترتشف بعضاً من عصير المانجو بينما تركت بقية الاطعمة كما هي .

اسند ظهره على المقعد واغمض عينيه بشرود لتقفِز - كعادتها مؤخراً - الى خياله ولكن هذه المرّة بصورة مختلِفة .. فملمس يديها القُطني وانحناء خصرها - الغض كفرع شجرِ البان - اضفى اليها فتنة اُخرى .. تلك الجميلة قد عصفت بكيانه وارغمته على رفع راية الاستسلام امام انوثتها المُفرِطة .
إحتدّت عيناه بغضب عندما اخذت افكاره لمُنحنى أبعد فإستغفر الله على تفكيره وعزم على فِعلِ ما كان يُفكِر به منذ مُدّة .. وسيبدأ به منذُ هذه اللحظة .

الدرويش والقديسة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن