الفصل السابع والعشرون (الإنتقام)

5.8K 352 70
                                    

شُعلة من النار مُتقِدة بقلبه و عيناهُ إحترق لون البُنّ بداخِلها مُكوِناً حِمماً سوداء مُحاطة بلهيبٍ حارِق تمثّل في تلك العروق الحمراء التي تكادُ تلتهِمُ بياض عينيه بينما يداهُ المُتشِحتان بدمائها تضغطُ على رأسه بعُنف في مُحاولة لكبح ذلك الإرتجاف الذي سرى بهِما و كُل نفسٍ يخرُجُ من بين رئتيه يُعاتِبهُ على ما فعل؛ فغضبه و حُرقته انستهُ ان صغيرتهُ تحمِلُ روحانِ بداخلها .

روحان تتألمان لحال والدتهُما و تُعاقِبانه بالتهديد بفقدِهِما، هو نسِيَ انّ فرح تتألم من كُلّ شيء حولها فلقد إحتملت الكثير ولم يعُد بمقدورها مُداراة ذلك الالم الذي ينخرُ بأعماق روحها وقد كانت هادئة وهي تشهد إتحاد الكُلّ ضدّها وكأنها مرض عُضال يجب مُكافحتهُ وشعرت بالنبذ من كُلّ من حولها واولهُم هو، هو الذي يجبُ ان يكون امانها و منزِلها اذا ضاق عليها الكون وها هو اوّل من يفتح جِراح ماضيها و يزيدها مِلحاً بجروحٍ جديدة .

- لا تأخُذهم منّي يا الهي لا تُذِقني مرارة الفقد مرّةً اُخرى، أتوسلك يا مُجيب الدعوات لا تخذُل ذُلّي وحاجتي واعِد اليّ روحي التي تعلّقت بِهم.
ناجى ربّهُ بشرود واغمض عيناهُ لوهلةٍ يتخيّل طِفلان صغيران بملامِحاً جميلة يركضان في الارجاء حول طفلتهُ الاولى التي عادت اليها ابتسامتها الجميلة .
فرّت ابتسامة رِضا من بين شفتيه قبل ان يعود لواقِعه المرير على صوت نحيب فاطِمة التي يُحاوِلُ الجميع تهدئتها ولكن بلا فائدة فروحها مُعلّقة على جُرف الإنتِظار الهشّ الذي قد يتداعى بأيّ ثانِية مُهدِداً بخبرٍ حزينٍ قد يقتُلها، تأملها خالد بحُزن مُدرِكاً انها الصادِقة الوحيدة بين جميع من حولِها فهي وحدها التي لم ولن تؤذي فرح وقد علِم بعلاقتهُما الحميمة من دفتر مُذكرات فرح التي صرّحت بهذا بنفسها قائلة انها قد تفقِد الثِقة بالكُلّ عدا فاطِمة.

إحتدّت عيناهُ وهو يرمِقُ والد عُمر بنظرات ساخِطة ؛ فهو من اجبر عُمر على الزواج وهو السبب بكُلّ ما تُعانيه فرح الان، أشاح بعينيه بعيداً حيثُ باب غُرفة العمليّات وقد تجمّد الوقت و تعاظم الضيق والخوف القابِع بقلبه و تمنّى لو بإستِطاعته الدخول لرؤيتها. بالتأكيد هي تتألّم الان وتحتاجهُ بجانِبها ، تسائل بداخله برُعب، هل يا تُرى قد تحتاجهُ بعدما كُلّ ما فعلهُ لها؟ هل ستسنِدُ الى كتِفٍ مائل؟ ام انّها لن تتوقّف مُجدداً؟!صدّ سيل افكاره ذلك الباب الذي فُتِح على مِصرعيه لتخرُج الطبيبة ذات الرِداء الازرق .

يُداهِمهُ خوفٌ عظيم وهو يجُرّ قدميه جرّاً ليواجِهها وعيناهُ تقطُرُ لهفةً و رجاء لتهمِس الطبيبة بعملية - وهي تُجيب على تساؤل فاطِمة -
- الجنينين بحالة حرِجة ولكن قلبيهِما ما زالا ينبِضان ولا يُمكِننا تحديد ما سيحدُث الاّ بعد اربعة وعشرون ساعة لأنّ المريضة الان بحالة غيبوبة بسبب فقدها لكمّية كبيرة من الدماء، نحن الان حاولنا تعويض دماء النزيف و ليس بيدنا سوى الدُعاء ان تعود المريضة للحياة.
اسند احمد جدّه الذي كاد يسقُطُ من هول ما سمِع ولم تستطِع الجدّة كتم صوت بكائها ليرتفِع عالياً. دمعت عيني فاطِمة بصمت قبل ان تلطُم خدّيها بعُنف وتركضُ صارِخة بإسم فرح قبل ان يمنعها والدها من دخول غُرفة العمليّات لتصرُخ بقهر
- انتَ السبب، بحياتي لن اُسامِحكَ لو حدث لها مكروه.

الدرويش والقديسة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن