اول ما اتحركنا.. ابوي ساكت ومبوز وصاري وشو .. وامي ساكتة لكن شكلها عادية .. وانا متوتر .. لي متين نصل عشان اتخارج من الجو المتوتر ده .. مسكنا الطريق السريع .. ومابتسمع غير صوت الساتك مع الظلط والهواء .
بعد شوية ابوي ضغط على المسجل بتاع العربية .. واشتغل شريط بتاع واحد بتكلم عن الدين .. وبتكلم قال الله وقال رسول الله .. صلى الله عليه وسلم .. ونحن نسمع .. وانا كلام فاهمو .. وكلام مافاهمو .. بس في كلام عن العدل والظلم .. والخوف من الله .. انا التفت على امي .. لقيتها مربعة يديها .. ومتبسمة وبتعاين للشارع .. انا استغربت في الابتسامة دي ..
لكن خمنت انو ابتسامتها كانت من كلام العالم الكان بتكلم .. وابوي يسمع في الكلام الهو بعيد منو كل البعد .. اسوء حاجة انو الزول يكون بدعي التدين .. وهو ابعد الناس من الدين .. والاخلاق السمحة البيدعو ليها الاسلام ..
بعد شوية قفل الجهاز .. وبقى يتكلم معاي .. قال لي اها يا فتحي ح تكون شاطر وزول واعي .. وتسمع كلام امك في كل البتقولو ليك ..
وما تعمل اي مشاكل ..
انا برسل ليكم التحويل من المدرسة بكرة بعد بكرة ..
امي قالت ليهو ماتزعج نفسك انا بتصرف .
لانو اصلا هو ماعارف حاجة عن دراستي .. انا الان في خامسة . وهو ماعارف انا في سنة كم .
امي القايمة بالمصاريف .. من انا في الروضة هناك .. من شوية المصاريف البتطلعهم من الدروس الخصوصية البتعملا للشفع
طبعا امي قبل تجي للخرطوم . كانت شغالة استاذة متعاونة .. في المدرسة الدرسة البقرا فيها انا.. مع استاذة شادية .. استاذة شادية الماسكة مدرسة الاساس عندنا في البلد.. صحبة امي وبتبقى ليها . ولمن امي تكون ماعندها شغل في المدرسة ..استاذة شادية بترسل ليها اولاد تامنة ..تعمل ليهم دروس خصوصية بالقروش ..
وتدفع لي مصاريفي .. وتساعد ناس جدو برعي .. وابوي ماقاعد يرسل لينا قروش.. ولا بعرف ليهو شي .. الله يخليهو لي اولادو البريدهم ديك ..
اها يازول بعد ساعة تقريبا وصلنا الحلة .. شمال الجيلي بشوية يعني ماكتير .. وانا كنت فرحان ومبسوط.. اول حاجة بلاقي جدي وحبوبتي الحنينين ..
واصحابي الاتربيت معاهم في البلد .. وامشي الزراعة واركب الحمارة .. واهم حاجة اتفكا من الانسان المضايق امي ده .. ضوقها العذاب والجحيم في فترة خمسة شهور ..
دخلنا جوة وابوي سلم على جدو .. وقال ليهو يا عمي انا وسامية ما اتفقنا .. ومابنقدر نواصل مع بعض .. انا بسمع في الكلام .. ومتذكره كلمة كلمة .. جدي قال ليهو .. الله كريم يا الامين .. كل بامر الله
كل شي قسمة .. ربنا مسطرها عندو .. مافي زول بختار حياتو ولاعمرو ..
الفيها خير ربنا يسويها.. والخير فيما يختاره الله ..
ابوي قال ليهو ونعم بالله ياعم برعي .. انا بمشي وقريب برسل ليكم الورقة .. انا صراحة في الوقت داك ماكنت عارف الورقة دي ورقة شنو؟
وابوي كان بتكلم بي كل برودة اعصاب.. كأنو عايز يبيع ليهو غنماية في السوق .. كأنه ماعارف التبعات البتحصل علي انا ووالدتي من القرار ده ..
لكن زي مابقول جدي (الله غالب) ..
جدي قال ليهو اصبر يا الامين.. افطر الوكت وكت فطور .. عندنا فطير بي روب .. مابتلقاهو في بلدك ديك .. افطر وامش الله يرضى عليك ..
قال ليهو لالا مشكور ياعمي.. انا بمشي وان الله رفع القدم .. بجيكم بي مهلة .. وطلع طوالي.. انا قاعد في ضل الغرفة بتاعة جدي .. كنت بتمنى يسلم علي.. او يقول لي مع السلامة يافتحي .. لكن عاين لي كدا .. كأني ود الجيران ومشى ..
رجعنا لي حياتنا المريحة.. وانا مشيت قعدت مع حبوبة.. ومسكتني عليها كدا وبكت .. وامي قاعدة معاها لسع ماطلعت توبها اللابساهو .. اظنها حكت ليها كل الحاصل .. انا قلت ليها ياحبوبة .. عندكم هنا احسن من الخرطوم ..انا تاني ماماشي هناك .. قالت لي نحن ذاتو مابنبقى بلاك ..
حسيت باحساس جميل ..خصوصا اني اطمنت علي امي انها هنا في مأمن..
انا لمن كنت في الخرطوم.. لو مشيت المدرسة بكون مقلق عليها .اخاف ابوي يجي يتشاكل معاها.. اويضربها وهي مابتقدر تعمل معاهو اي شي ..
المهم بالاختصار ..
حياتنا كانت حياة بسيطة ومريحة ومافيها .. اي تعقيد ولاخوف ..
بالمساء قريب الساعة ستة مساء .. خالتي بدرية جات من الشغل .. شغالة في القضائية .. بتمشي وتجي يوميا كل المشوار ده .. عشان جدي وحبوبتي براهم .. سلمت علي امي وبكو الاتنين ..
وانا حسيت امي عايزة تحكي ليها الحصل .. مشيت بي غادي .. واديتهم راحتهم يحكو ..
طبعا البيت مافيهو زول غير حبوبتي وجدي .. وياها بدرية البتجي الفترة المسائية .. والصباح قبل الشرقة بتركب تمشي .. بس زوجتي خالي صلاح المسجون.. اهلها قريبين من هنا ..وعندها ولد عمره سنتين.. قاعدة مع اهلها ..من يوم صلاح اتسجن .. لكن مرة مرة بتجينا ..
اهااا خالي صلاح .. وما ادراك ما خالي صلاح .. زول احمق .. وماعندو اخلاق بي تعريفة .. بالله التقول امي ما اختو .. جنو مشاكل وفوضى ..هسي انا لمن اعمل مشكلة في المدرسة ..بقولو لي طالع لي خالك ..
لكن انا شخصيا شايف صلاح زول حقاني ..وما برضى الحقارة .
بس احمق نعم ..
المهم قصة سجنو دي ..
كان في واحد من ناس الحلة .. عايز من صلاح قروش .. صلاح كان شغال تجارة بين الغرب وبورتسودان.. ماعارف طبيعة التجارة شنو بالضبط .. المهم كان متدين قروش من واحد .. اسمو ود هجو .. والظاهر خالي التجارة كسرت معاهو.. وماقدر يوفي بالدين.. وبقى يتزاوغ من الزول ..
اها يوم اظنو ود هجو لاقى صلاح قدام الناس.. وضايقو شديد في القروش .. وخالي زهج فيهو ..
وقال ليهو ياخي كرهتني بقروشك.. وشنو وشنو؟ .. قام الزول اتلاءم على خالي ..وسمعو كلام ماكويس .. يعني كلام مابجي فوق الخشم ..
قام خالي بالعكاز.. ضرب ود هجو في راسو.. فتح ليهو راسو .. وود هجو وقع غمران .. طوالي شالوهو على المستشفى .. وفتحو فيهو بلاغ ..
المهم الراجل الحمد لله ما مات .. واتعالج وبقى كويس ..
وفي المحكمة ثبتت التهمة على خالي .. انو شايل قروش وضرب سيد الحق والكلام بشهود ..
وخالي لانو زول احمق .. ماقدر يقول في المحكمة انو الزول استفزاهو.. وقال لي كلام ماكويس .. شافها القصة في حقو ماحلوة ..
المهم اتطبقت عليهو تهمتين .. قروش الزول وغرامة
.. ومع عدم الدفع زيادة في مدة السجن .
طبعا من يومو الدخل السجن.. تاني ناس البيت مافي زول واقف في راسهم .. غير خالتي بدرية .. بي مرتب غايتو ممشية الوضع بي يالطيف ..
اها لمن بدرية لاقت امي .. قالت ليها انا اخدت لي سلفية من البنك في شكل بضاعة .. واحتمال تجيب لي قروش كويسة .. عايزاك تساعديني .. نقدر نطلع صلاح ..
امي قالت ليها اسمعي يابدرية .. انتي عارفة صلاح بجي بضيع قروشك .. وبعدين تبقى مطالبة من البنك .. خليهو في سجنو.. ونشتغل انا وانت في البضاعة .. ونحاول نسدد للبنك لغاية ما القروش تبرد لينا .. بعداك نمشي ندفعها للراجل .. ونطلعه ..
واحتمال لوقت داك يقبل التسوية .. لكن انا مابخليك تجازفي مع صلاح ..
اها يازول امي مشت للاستاذة شادية .. ورجعوني المدرسة.. وامي حكت للاستاذة الظرف .. والاستاذة الله يبارك فيها ساعدت امي شديد ..
وخلتها تدرس .. ومسكت دروس خصوصية ..
والايام مشت .. والشهور بقت تجري .. وخالتي بدرية كرعيها حفو من الجري .. واي زول يتقدم ليها لي زواج ترفض .. وتقول انا ما من البنات البعرسو في الزمن.. ده الله كريم علي .. وعدت سنة وسنتين القروش ما تسددت .. لانو مصاريف البيت ومصاريفي انا بتاعة الدراسة .. وجدي عيان كل يومين تلاتة بودوهو المستشفى ..
وابوي ما جايب خبر ..ولا حصل يوم رسل لينا تعريفة .. ولاجا عشان يشوفني انا حي ولاميت ..
واصلا امي مافكرت تقاضيهو.. او تطالب بي حقي منه .. لانها كانت بتقول كل شي عند الله مابروح .. وانا برفع شكواي لي الله القوي .. بس..
انا في سنة تامنة جدي اتوفى الله يرحمو .. وفرق علينا فرق شديد خلاص . والبيت ده بقى كئيب وشكلو حزين .. وامي بكت عليهو بكا اسبوع وشها مورم ..
والدنيا مسخت عليها ..وبقت تسرح كتير.. وحالتها بقت ما تمام .. لكن حبوبتي كانت صابرة .. وصلاح خالي طلعوهو بي أذن .. جاء العزاء معاهو عسكريين .. ورجعوهو السجن راجع ..
امي وفاة ابوها اثرت عليها شديد ..
لكن انا الحمد لله كبرت .. وبقيت بتكلم مع امي .. وبحاول ادعمها نفسيا" .. وكلما اكبر شوية بفهم الحياة اكتر .. بقيت في ايام الاجازة بشتغل .. وانا في العمر داك .. بمشي بحش القش للمزارعين .. مع الاولاد وبدونا قروش كويسة .. وبوفر للمدرسة .. بقيت قايم بي مصروفي .. لكن مابقدر اساعد تاني ..
اها يازول بعد جدي اتوفى بي شهرين.. ناس امي وبدرية سددو القروش للبنك بالكامل ..
ومشو معاهم عمران ابونسرين مراة صلاح .. مشو لي ود هجو وقعدو معاهو .. وحصلت تسوية.. واستلم القروش ومشو طلعو صلاح ..
الكلام ده كلو حصل في ظرف تلات سنين ..
صلاح لمن طلع جاب زوجتو في البيت .. هو زوجتو قاعدين في اوضة .. وانا وامي وخالتي وحبوبتي قاعدين في اوضة .. وهو قاعد عاطل ماشغال .. وامي وخالتي لسع في نفس الشغل ..
وبقو عايشنو هو وزوجتو بصرفو عليهم .. ومرتو تجي تشيل القروش من امي زي الكانو عندها حق عندها .. ولو مالقت عندها تصر وشها وتنقنق ..
وانا متضايق من الحكاية دي .. عليك الله ده راجل ده .. اخواتو الاتنين شغالات .. ويعيشن فيهو هو ومرتو ..
انا اتكلمت مع امي.. قلت ليها يا امي.. اتكلمي مع اخوك ده .. خليهو يشوف ليهو شغل .. بدل يقعد كدا في البيت .. حارس مراتو ..
قالت لي هوي يافتحي .. صم خشمك ده.. موش الحمد لله ربنا طلعو من السجن.. ونحن قاعدين معاهو مطمئنين .. هسي هو لو كان في السجن.. نحن بنكون كيف حالتنا .. خليهو بي راحتو .. يرتاح شوية من عذاب السنين .. العداها في السجن دي .. ان شاء الله نتقسم اللقمة مع بعض الصبر سمح ياولدي ..
براهو بزهج من العطالة وبقوم يشوف ليهو شغل ..
واستمر الحال بالطريقة دي.. وانا متضايق من شغل امي.. ومن عطالة خالي .. وعدم احترام مراتو .. وطال الزمن وصلاح ماعايز يقوم يشوف ليهو شغل ..
في النهاية بقى يتزهج فينا .. ويوم يشاكل امي.. ويوم يشاكل بدرية .. ويوم يشاكلني انا .. ويتسبب في اقل سبب .. عندو ولد عمره بقى خمسة سنين ..مضر مضرة .. يجي يشرط لي كراساتي
ولو اتكلمت معاهو القيامة قامت ..
و نسرين قاعدة تملا ليهو راسو .. وبتقول ليهو فتحي حاقر بالولد .. وكم مرة لطشني بلا سبب .. وانا بقيت عايش في نفسيات .. وانا في مرحلة دراسية حرجة وممتحن .. ومحتاج لي صفاء ذهني .. ومصر اني انجح في دراستي عشان امي ماتحتاج لزول .. وترتاح شوية من التعب الهي فيهو ده .. الله يسامحك يا ابوي ..
الى اللقاء ..
أنت تقرأ
مـدافن الألم .. طارق اللبيب
Poetryكان في الوكت داك .. قبل عشرين سنة .. انا كان عمري عشرة سنوات تقريبا.. وانا كنت ذكي ولماح وفصيح . وعندي عدم مبالاة غريب .. وما بخاف زي الاطفال .. وبتصرف كاني زول كبير .. .. يوم سمعت النقاش داير بين امي وابوي .. و امي قالت لي خش جوة يا فتحي . اامي...