الفصل الثالث
أمام عيني كلاريسا تغيرت تعابير كايل, كانت دائما تفخر نفسها أن لديها القدرة علي قراءة لغة جسد الناس, وكان ذلك يساعدها وبشكل كبير مع العروسين المتوترين,الأمهات الحريصات والآباء الكرماء, لكن لغة جسد كايل ترسل لها معلومات مترابطة ومختلطة,لقد توقعت منه وبشكل مطلق أن يتحدث بصوت جلي عندما يتذكر فجأة أنه عليه أن يكون في مكان ما,بأن ينظر نظرة واحدة الي اعاقة ستيفاني ويغادر,فالرجال بحياة كلاريسا لديهم قدرة علي القيام بذلك بسرعة قصوي.
كانت ستيفاني تتكلم, ومع أن كايل كان يهز رأسه لكنه كما يبدو لم يكن يتابع ما تقوله...بدا وكأنه غير متأكد مما يجب أن يفعله بعد,لكن هناك شيئا واحدا كان متأكدا منه ....لم يكن مستعدا علي الرحيل.
صوت الأوراق المتجعدة شد انتباهها ناحية ابنتها, والتي تمددت علي الأرض قرب الشجرة, رتبت فستانها الأحمر الواسع فوق ساقيها والقضبان المعدنية أمامها, لمعت عينا ستيفاني وحملت الهدية بيديها الاثنتين وضحكت من الفرح.
لام كايل نفسه بصمت اختياره للهدايا,نظر الي الفتاة الصغيرة بعينيها البنيتين الكبيرتين والكثير من القضبان المعدنية علي ساقيها وأعد نفسه لرؤية الدموع وخيبة الأمل في عيني الفتاة,كان يعلم أنه ليس خبيرا ولا ماهرا بالتصرف مع الأطفال, وهو لا يستسيغ فكرة افساد سعادة هذه الطفلة ....لكنه لم يكن يعلم.
صرخت ستيفاني من الفرح وهي تمزق الأوراق الملونة ,لكن سماع ضحكة كلاريسا هي التي بددت قلقه,كانت ضحكتها عميقة ومن قلبها ومن النظر اليهما شعر أن هناك ملامح قلة من الناس قد شاهدتها...كلاريسا كوهاغن,مرتاحة وسعيدة.
جلست علي الأرض قرب ابنتها وخصلات من الشعر تدلت من تحت قبعتها وتشابكت مع القرطين المتدلين من أذنيها.
كانت لا تزال تضحك عندما التقت عيناها بعينيه, وكأن نظرتها انجذبت اليه فشعر برغبة لا تقاوم اليها وتحرك في مقعده وعقد ساقيه فوق بعضهما.
الصوت الذي أصدرته ستيفاني شد انتباهه,لم يكن هناك دموع علي الوجه الصغير,فقط نظرة استغراب وهي ترفع المزلاجين للتزحلق منا لصندوق,شعر كايل بالراحة وابتسم للفتاة الصغيرة ولكن عندما نظر الي كلاريسا,لمعان الدموع في عينيها جفف له ابتسامته.
كان يفخر بنفسه كونه الرجل الذي يحظي باعجاب النساء لكن الآن...تبا.
شعر بالغضب لأنه لا يدرك سبب هذه النظرة في عيني كلاريسا
قالت ستيفاني" مزلاج للتزحلق" وبدأت في وضعه فوق حذائها,مدت كلاريسا يدها لتمنع ابنتها عن الحركة "ستيفاني ,كايل لا يعرف بشأن القضبان الفضية علي ساقيك, لا يمكنك الاحتفاظ بهذه الهدية"
"لكنه قدمها لي"
"أعلم حبيبتي ,لكن لا يمكنك الاحتفاظ بها"
كان كايل قد رأي جوي ,ابن أخيه, وهو في حالة من الغضب والثورة أكثر من مرة وهكذا يعرف كيف تبدأ العاصف في عيني ستيفاني ومن المحتمل أن ميتش كان يعرف كيف سيتصرف في هذه الحالة, لكن كايل لا يعلم مطلقا ما الذي سيفعله.
"لكن لماذا؟"
هذا كل ما جري, لم يكن هناك عاصفة من الغضب ولا من الدموع, فقط كلمتين صغيرتين ونظرة تحمل الشوق والألم, ولأول مرة شعر كايل بأنه يشعر بأكثر راحة لو سمع عنادا. هو لم يسمع يوما صوتا أنعم أو أحس يوما الحاجة في تعابير طفلة صغيرة كهذه
قال"لن تؤذي أحدا ان جربتها"
أشرق وجه ستيفاني بعكس أمها, كان هناك صمت مرير قبل أن تسلم كلاريسا ابنتها رزمة أخري ملفوفة, نظرت اليه بحده وقالت"لماذا لا تفتحين هذه عزيزتي,بينما أعرض علي كايل السجادة التي صنعتها في المدرسة؟"
الصوت الدافئ الذي تحدثت به مع ابنتها يناقض تماما النظرة الباردة التي وجهتها نحوه, وتلك النظرة أفهمته أن ستيفاني ليست علي مسئوليته, كما ذكرته أيضا أنه تخطي حدوده,لكن ان اعتقدت كلاريسا أن بوجهها الغاضب ستتمكن من السيطرة عليه, فعليها أن تعيد التفكير. لقد نشأ مع أخوين مقربين اليه جدا ولقد تعلم باكرا كيف يتمكن من الحصول علي ما يريده والسير عبر الأوضاع الخطرة.
كانت غاضبة....غضب بامكانه التعامل معه.
نهض من مكانه ببطء وتبع كلاريسا الي خارج الغرفة, رآها كيف تسير برشاقة ووجد أن هناك الكثير الذي يرغب بمعرفته مع تلك المرأة.
بعد قليل أغلقت الباب ورائها واستدارت اليه قائلة" عليك أن تأخذ تلك الهدية معك"
"لقد أحبتها"
"كايل, هي تستعمل عكازين ولديها قضبان معدنية علي ساقيها"
"لاحظت ذلك"
"تلك القضبان لم تأت بالصدفة,كما تعلم, لا يمكنها أن تتزحلق"
"لن تفعل ذلك, هي تريد فقط أن تجربها" لم يتظاهر كايل أنه يعرف الكثير عن الأطفال, لكنه يعلم جيدا أن تلك الفتاة في غرفة الجلوس قد أحبت المزلاجين اللتين قدمهما لها, وهو لا يفهم لماذا كلاريسا منزعجة هكذا, سألها" ما الذي حدث معها؟ لماذا عليها أن تضع تلك القضبان المعدنية؟"
رغم التنهيدة العميقة التي أخذتها كلاريسا ,رأي كايل كيف ارتجفت شفتها السفلي وهي تبذل مجهودا لتجعله يفهم, أخفضت صوتها وكأنها تهمس وقالت" ولدت ستيفاني ولديها عيب منذ الولادة"
غاب صوتها وتساءل كايل عن سبب ما رآه في عينيها, لم يتعجب كثيرا...لأنه رأي الاحساس بالذنب واضحا.
وقالت" قال لي الأطباء أنها لن تسير مطلقا مع القضبان المعدنية فكيف بدونها, وكانوا مخطئين. لقد مرت بثلاث عمليات جراحية مع علاج فيزيائي صعب , كل أسبوع طوال الخمس سنين الماضية, عملية واحدة بعد وهي الأهم, والأطباء يقولون أنها قد تتمكن من السير بدون القضبان وأنا لا أستطيع المخاطرة أن تكسر ساقيها....ليس بعد كل الذي عانيناه"
مرة ثانية رأي كايل لمعان الدموع في عينيها, كان يرغب بابعاد شعرها عن وجهها وأن يضع يده علي خدها ليقدم لها الراحة, لكنها لم تكن جاهزة لتقبل مساعدته, في الحقيقة, بدت وكأنها ستتمزق الي آلاف القطع ان لمسها حتي.
أخفض صوته لكنه لم يتمكن من عدم جعل صوته أجش وعاطفي" ما الذي تريدين مني أن أفعله؟"
شحب وجهها وشيء ما عميق لمع في عينيها, ضغطت بقوة علي شفتيها واستدارت مبتعدة عنه, قالت" أريدك أن تستمتع معنا في هذا النهار, وعندما تغادر أريدك أن تأخذ المزلاجين معك"
فهم ما الذي قالته, وما الذي لم تقله, لم تكن تتوقع منه أن يبقي هنا طوال هذه الفترة وبعد اليوم, هي لا تتوقع أن يعود ثانية. ادراكه لذلك جعله يقف مستقيما, لأنه ما أن نظر الي عنقها النحيل وتذكر كيف أن عينيها تتحولان من الدفء الي البرودة ومن دون أي انذار, علم كايل أنه يريد العودة مرة ثانية.
قال "حسنا"
"ما الذي تعنيه بقولك(حسنا)؟"
أدارت رأسها لتنظر اليه وقد ضاقت عيناها وكأنها تشعر بالشك في دوافعه, تمكن من عدم الابتسام لأن لديها كل سبب لتشك به ولأن لديه رغبة قوية ليتعرف عليها بطريقة أفضل...وأفضل بكثير.
علم أن هناك شيئا بينهما منذ اللحظة الأولي التي رآها فيها في زفاف ميتش وقد لمح تحذيرا واضحا في عينيها لمرة أو أكثر, وحقيقة أنها لم تستسلم لاحساسها لا يفقد ذلك الاحساس قوته, بل يجعله أكثر قوة وأكثر تصميما لرؤيتها مرة ثانية, والحقيقة أنه منجذب ل كلاريسا كوهاغن, واذا اعترفت بذلك ...لم لا؟ فالشعور متبادل.
شيئان يعرفهما كايل جيدا, الموسيقي والنساء, فبإمكانه أن يغني وعلي اللحن كل أغنية سجلت منذ عشرين سنة والي الآن,وهو قد عرف ما يكفي من النساء في سنسن عمره الستة والثلاثين ليصبح شهيرا بمغامراته, ومن الواضح جدا أن هذه المرأة لا تثق به, لكنه تصور أنه من المحتمل أن لديها سبب قوي لتفعل ذلك, وهكذا هو لن يستعجلها.
كررت قائلة" ما الذي تعنيه بقولك حسنا؟ "
استغرق للحظة حتي فكر بسؤالها, وعندما فعل لم يعترض" أقصد حسنا, أعدك بذلك, عندما أغادر بعد ظهر اليوم سآخذ معي المزلاجين"
"اذن فهمت"
نظر اليها مفكرا قبل أن يجيب" نعم, ولا...لكن هذا لا يهم, فلقد وعدتك"
"جيد"
استدارا نحو الباب وانضما الي ستيفاني, التي كانت لا تزال جالسة علي الأرض وهي تحاول أن تدخل قدمها باحدي المزلاجين
قالت كلاريسا" ستيفاني حبيبتي, لنري الهدايا الباقية, فكايل لم يكن يعلم بشأن القضبان المعدنية وسيعيد المزلاجين الي المتجر"
أدارت ستيفاني رأسها الي كايل الذي غمز لها وهو يرفع الأوراق عن هدية أخري وقال واعدا" لا تقلقي ستيف, أخبرتني أمك عن القضبان علي ساقيك, وطالما لا نريد أن تكسرين أي عظام في ساقيك, فأنا سأحتفظ لك بالمزلاجين في منزلي"
كايل هاريس, أنت عبقري, سيتمكن من ايجاد وسيلة ليمنع الفتاة من أن تصاب بخيبة الأمل ويستمر برؤية أمها في ذات الوقت
سألت ستيفاني بصوت ضعيف" أنت تقصد أنني أستطيع أن أستعملهما في وقت ما؟"
هي تريد أن تستعملهما في وقت ما؟ لم يفكر بذلك, قال" أعتقد ذلك" ونقل نظره من ستيفاني الي كلاريسا, وشعر أن بعضا من كبرياؤه قد ذاب.
سألته كلاريسا"هل يمكنك أن تضمن أنك ستمسك بها ان وقعت؟"
شحب وجه كايل وفجأة شعر بالإحراج, ف كلاريسا تريد ضمانة أنه سيبقي ابنتها بأمان؟ انه مجرد عازب لا هم لديه وما الذي يعرفه عن حماية الأطفال؟
رأت كلاريسا الرعب في عيني كايل, وفجأة فهمت ما الذي جعلها تعامله بخبث, فهو يذكرها ب جوناثان, والد ستيفاني, فكلاهما يملكان القدرة علي التأثير بالغير في غضون ثوان قليلة.وأكثر من أي شيء آخر ,كيف نظر الي ساقي ستيفاني وكيف أصيب بالرعب عندما سألته ان كان يستطيع ن يضمن سلامة ابنتها وهي علي المزلاجين, اعاقة ابنتها أثارت أعصاب كايل وجوناثان, فلم يكن جوناثان أيضا قادرا علي تحمل المسئولية, ولهذا السبب رحل.
شعرت كلاريسا بالمرارة لرحيل جوناثان منذ وقت بعيد, ولكنها الآن لا تشعر بالمرارة كما وأن اعاقة ستيفاني ليست من مسئولية كايل, لقد بالغ بشراء الهدايا ولم تكن غلطته أن اشتري هدية لا تستطيع ستيفاني استعمالها.
رأته ينزع الورقة عن رزمة أخري وهو يبتسم تقريبا كابتسامة ستيفاني, فالرجل فاتن لا شك بذلك, وقد جعل العيد لابنتها مناسبة خاصة, علي الرغم من اختياره للهدايا, وشعرت كلاريسا بقلبها يصبح ناعما ما أن نظرت الي عيني ستيفاني, وشعرت بنعومة أكثر عندما نظرت الي كايل, لم تكن تشك ولو لدقيقة واحدة أن هذه المناسبة ستكون المرة الأخيرة التي ستراه فيها, لكنه هنا الآن, وفي النهاية...انه العيد.
"هل تعتقدين أن هذه طابة لكرة السلة, ماما؟"
أجابت أمها" يمكن ذلك"
"هل علي كايل أن يحتفظ بها أيضا في منزله؟"
أجاب كايل هذه المرة" لا أعتقد أن هذا الأمر ضروري, ستيف. هناك الكثير من الوسائل التي يمكنك بها لعب كرة السلة وأنت بأمان, لكن لا تحاولي اللعب مع أخي تاي. لقد قفز علي قدمي بقوة المرة الأخيرة ونحن نلعب وهذا ما جعلني أعرج معظم الأسبوع , وانظري فقط لما فعله بيدي"
بصدق فكرت كلاريسا أنه ليس من الرجال الذين يتذمرون بسبب بعض الجروح
قالت ستيفاني" واو, انظري ماما"
رفع كايل يده أمامها لتراها ولم تستطع أن تقول له أنها قد تعاني من أظافرها بطريقة جدية أكثر من الخدوش في يديه, كانت يداه سميكة وأصابعه طويلة
"عليك أن تطلب من أمي أن تقبلها وهكذا ستصبح أفضل"
جملة ستيفاني جعلت كلاريسا تصور صورة ما في مخيلتها, تابعت التحديق في يديه وهي تتخيل تلك اليدين حولها, انتقلت أخيرا بعينيها الي عينيه, وشعرت بخديها يتوهجان من الحرارة, تحرك كايل في مقعده وكأن خياله شاركها في ذات الأحلام
سألته ستيفاني" هل تريدها أن تفعل ذلك؟"
جلس براحة أكثر في مقعده وقال" شكرا علي النصيحة ستيف, ربما في مرة أخري"
فجأة أصبحت الغرفة حارة جدا فأبقت كلاريسا نظرها علي ابنتها
سألته الفتاة الصغيرة" لماذا تناديني ستيف؟"
مال كايل برأسه الي جهة واحدة وقال" مع أن ستيفاني اسم جميل ولكنه طويل, اذا ناديت الانسان باسمه المصغر تصلين الي شخصيته الحقيقية, وأنا أصغر اسم كل شخص الي مقطع واحد"
"وما هو المقطع الواحد؟"
آه...آه, كايل , والذي علق مرة مع جوي في لماذا وكيف, حاول أن يجيبها بطريقة سهلة وبسيطة فقال" المقطع الواحد هو كنغمة واحدة في الموسيقي أو ضربة واحدة علي الطبل, ستيف مقطع واحد" وربت علي فخذه مرة واحدة ثم ربت ثلاث مرات وقال" ستيف-ا-ني,ثلاث مقاطع"
قهقهت ستيفاني وقالت" كم مقطع اسم السيد أبرناتي؟"
ربت كايل علي فخذه ست مرات"ستة"
"لا أعتقد أن السيد أبرناتي سيرغب باسمه ان ناديته أب ,أليس كذلك ماما؟"
وقبل أن تنتظر جواب أمها, بدأت الطفلة بتمزيق ورقة حول الرزمة الدائرية وقالت انها دائما كانت ترغب بكرة السلة
بوقت سريع جدا فتحت ستيفاني الهديتين الباقيتين, لأحجية ولعبة علي شكل هرة ناعمة وفروها طويل وناعم وناصع البياض, وعلي الفور أسمتها آبي لأنها كما قالت تذكرها بلحية السيد أبرناتي البيضاء, وما أن ذكرت جارها حتي نظرت الي كايل وقالت" هل تؤمن بالعجائب ,كايل؟"
توقعت ستيفاني أن يتهرب بطريقة ما من الاجابة وكادت أن تقدم علي انقاذه بتبديل الموضوع عندما قال" ألا يفعل ذلك كل انسان؟"
قالت ستيفاني" كنت أعلم ذلك, قال لي السيد أبرناتي أن والدي يؤمن بالعجائب" وقبل أن يتمكن كايل أو كلاريسا من قول أي شيء تابعت" ماما, هل تعتقدين أننا نستطيع أن نأكل؟ فأنا جائعة جدا"
كان أولا عليها مساعدة ستيفاني لتقف, وثانيا, أن تبعد شعرها عن وجهها ومن ثم تراقبها وهي تسير حول المفروشات وتتجه للمطبخ, وكذلك أن تشعر بالفخر من تصميم ابنتها الصغيرة وروحها العالية. قال كايل بنعومة" لا أستطيع أن أعرف كيف تتمكنين من مجاراتها"
ابتسمت له وأجابت" انها مفعمة بالحيوية"
لقد قالت كلاريسا هذه الجملة كثيرا حتي أصبحت طبيعة ثانية لها, لكنها لم تقلها من قبل لرجل كان ينظر لها بكل هذا الشوق
تمكنت أخيرا من ابعاد نظرها عنه وسارت نحو المطبخ
هناك كانت ستيفاني منشغلة بالتنقل الي طاولة اعداد الطعام وكانت تضع بعناية فائقة الملاعق والشوك بجانب الأطباق.
شعرت كلاريسا بالفرح لأن كايل أبدا اهتماما بابنتها, وهذا ما جعله ينشغل وهكذا تمكنت من أن تستجمع أفكارها, لقد مر وقت طويل علي احساسها بنفسها كما حدث لها تحت نظرات كايل منذ دقائق قليلة
بينما كانت تقطع الحبش, ذكرت نفسها بالصفات المشتركة بين كايل و جوناثان,لكن عندما وضعت الطبق الكبير بين يدي كايل نسيت تماما ما الذي كانت تقوله لنفسها ,كل الذي كانت تفكر فيه هو وجوده قربها.
صممت أن لا تعطيه أي تشجيع إضافي, فوضعت ما تبقي من الصحون علي الطاولة وجلست.
تصرف كايل كسيد رائع طوال فترة تناول الطعام وهو يخبرهما بقصص عن طفولته وكلها لطيفة ومسلية وعندما انتهوا من تناول الطعام سألته ستيفاني ان كان يرغب في مساعدتها في ترتيب الأحجية, فوجدت كلاريسا نفسها وحيدة في المطبخ ,كان بامكانها أن تترك غسل الأطباق لكنها كانت تريد شيئا ما يبقيها منشغلة, شيء ما يبعدها عن مراقبة التقارب بين كايل وابنتها.
وبينما كانت تغسل الأطباق سمعت الحديث الدائر في الغرفة المجاورة كانت ستيفاني سعيدة جدا تضحك وتلعب, كرهت كلاريسا أن تري لذلك نهاية, لكن هذا هو الأمر الوحيد الطبيعي...فليس هناك أي شيء لا تفعله من أجل ابنتها, بامكانها أن تهد جبال وتبني الجسور وتأخذها للغيوم ان كان ذلك يجعلها سعيدة وغدا ستشرح لها عن الآباء, لكن ذلك سيحدث غدا وليس اليوم.
كانت غارقة في أفكارها ولم تلاحظ الصمت حتي انتهت من تجفيف آخر طبق, طوت المنشفة واستدارت لتري ما الأمر, توقفت عن الحركة واتسعت عيناها.
كان كايل يقف أمام الباب متكئ علي الطاولة يراقبها
"منذ متي وأنت واقف هناك؟"
"ليس منذ وقت طويل"
"وأين ستيفاني؟"
تقدم خطوة نحوها قبل أن يجيب "لقد نامت علي الصوفا منذ عدة دقائق"
ساد صمت للحظة قبل أن يسأل" ما الذي كنت تفكرين فيه؟ منذ قليل, أقصد"
أخبرتها نظراته أنه كان يعلم ما الذي كانت تفكر به في وقت سابق, وعندما وجدته يحدق بها بشوق واضح, انتقلت نظراتها الي يديه ولأول مرة لاحظت أنه يحمل رزمة في كل يد
"ما كان عليك احضار هدايا لنا اليوم"
"أردت أن أفعل" اقترب منها أكثر وأصبح صوته منخفضا وهو يتابع" هناك الكثير من الأشياء أريد القيام بها معك ريسا"
صححت له"كلاريسا" مدت يدها الي الرزمة الأكبر وتابعت" اعتقدت أنك تصغر اسم كل شخص الي مقطع واحد, ريسا مقطعين"
"أنت مختلفة عن الباقيين بالنسبة لي"
هزت رأسها ورفعت ذقنها وهي تقول" أنا لست لك بأي شيء"
ابتسم كايل وقال"ألن تفتحي هديتك؟"
"ما الذي أحضرته لي بكل الأحوال؟"
قدم لها الصندوق وهو يبتسم ابتسامة ماكرة" شيء عندما رأيته ذكرني بك, لكن علي أن أحذرك, نحن عائلة هاريس مشهورين بقدرتنا علي تقديم هدايا توقظ الأفكار"
مررت كلاريسا ظفرها تحت الشريط, مصممة أن تنتهي من كل ذلك, رفعت الهدية من الصندوق" هل هذه هدية توقظ الأفكار؟"
كانت الهدية عبارة عن زهرية في داخلها زهرة من مادة البلاستيك عليها نظارة شمسية وتحمل غيتار, تحركت وعلي صوت ضحكتها المتفاجئة بدأت بالعزف علي الغيتار , فضحكت مرة ثانية.
تمتم كايل" علمت أنها ستعجبك" ترنحت وتمايلت الزهرة علي صوته الناعم تماما كما فعل قلبها
سألته" وماذا يجب أن أفعل بهذه؟"
"استمتعي بها"
لم تستطع الا أن تبتسم لتلك النظرة الماكرة في عينيه وقالت"حسنا, وماذا يجب أن أفعل بك؟"
"يمكنني قول ذات الشيء لكنني هدية ستيف علي العيد"
"لا تشجعها"
"أنا أحاول أن أشجعك أنت, فهي بامكانها دائما اعادتي, لكنني أخشي أن والداي لا يريدان استعادتي"
"لا شك بذلك" وابتسم لها ابتسامته الشهيرة فوجدت كلاريسا نفسها تتراجع خطوة للوراء وتقول"كايل"
تقدم نحوها حتي شعرت بأنفاسه قربها, كررت اسمه بصوت ناعم ونظرت الي عينيه
"يبدو وكأنني تحت قرارك, فافعلي ما تشائين"
"كايل"
"ريسا"
"أقصد حقا ما قلته"
"وأنا أيضا"
للحظة,فكرت كلاريسا ما الذي يقصده بأن تفعل ما تشاء, بعد ذلك انحني قليلا وعانقها
ابتعدت عنه, فأمسك بالهدية الثانية وهمس وهو يقدمها لها" والآن هذه"
تمتمت من دون أن تنظر اليه" كايل, ما كان يجب أن تفعل ذلك"
قال باصرار" قلت لك سابقا نحن رجال هاريس مشهورون بشراء الهدايا وهذا يسري في العائلة, أهدي أبي رحلة في البحر لأمي, وألم تخبرك راين عن رحلة المنطاد الذي قدمها ميتش لها في عيد ميلادها؟"
هزت كلاريسا رأسها ولم تبذل أي عناية للورق فمزقته ورفعت الهدية من داخله, كانت مستعدة لتري أي نوع من الهدايا ولكن ليس هذا, مررت أصابعها فوق الصندوق المخملي وببطء رفعت الغطاء, سمعت الموسيقي ناعمة من داخل الصندوق ورأت راقصين يرقصان وكأنهما يطيران في الهواء علي مسرح المرايا
تمتمت" انها رائعة" وتنهدت بنعومة, لماذا هدية رائعة كهذه أشعرتها بكل هذه الأحلام؟
"هناك المزيد.."
للحظة الموسيقي المنبعثة من الصندوق وصوته العميق جعلاها تشعر وكأنها تستمع الي أغنية حب, التقت عيناها بعينيه وطالت النظرة, نسيت كلاريسا احساسها بالذنب, وكل ما يتعلق ببرنامج عملها الملئ دائما, لتلك اللحظة...كانت مجرد امرأة متعلقة بصوت عميق لرجل, وقد تأثرت بحنانه وسحره.
قالت" هناك المزيد؟" ووضعت علبة الموسيقي بجانب الزهرة, وابتسمت للتناقض الواضح في الهديتين, واحدة مبهرجة والثانية في منتهي الأناقة, "ماذا يمكن أن تحضر لي بعد؟"
بحث داخل صندوق الموسيقي وأخرج مغلفا صغيرا ووضعه في يدها"افتحي هذا واكتشفي بنفسك"
فتحت المغلف وأخرجت شهادة مستطيلة الشكل, وشعرت باتساع عينيها, أخذ قلبها يضرب بعنف قبل أن يستقر بثقل واضح في صدرها, نظرت الي الشهادة وتمنت لو أنه أحضر شيئا آخر.
لم يستطع أن يخفي دهشته وهو يقول" انها منحة لتعلم دروس الرقص في أستوديو في فيلادلفيا"
"أعلم ما هي"
أصبح صوتها باردا ولم يعلم السبب قال" قلت لي أنك لا تجيدين الرقص"
"أنا أعلم كيف أرقص, كايل...في الحقيقة, لقد كنت راقصة, وهكذا تعرفت علي والد ستيفاني, الذي قلت لك أنني لا أريد أن أرقص"
الآن فكر بالأمر, هذا ما قالته بالتحديد" لما لا؟"
وضعت الشهادة في المغلف وأعادته اليه وقالت" لماذا أمر غير مهم"
"انه مهم بالنسبة لي" لم يعجبه لهجة صوتها ولا العناد الواضح في رفع كتفيها" لا وقت لدي للقيام بذلك"
"لا وقت لديك لتشرحين لي ...لماذا امرأة جميلة وامرأة كانت راقصة لا ترغب بالرقص معي؟"
رفعت عينيها اليه ومن خلال العاطفة القوية التي رآها هناك ندم لأنه كان قاسيا بصوته معها, ابتعدت عنه فشعر أن أشياء كثيرة أصبحت مفهومة لديه.
قال" أنت لا ترقصين بسبب ستيف"
"هش ,لا أريدها أن تسمعك"
"وما علاقة ستيف برغبتك بالرقص؟"
سمع كايل من قبل كلام غير منطقي, حتي أنه كان يتفهم تلك الأمور قال" حقيقة أنك لا ترقصين لا علاقة له مطلقا بعدم قدرتها علي السير, وأنت تعلمين ذلك"
"هذا أمر غير مهم بالنسبة لي"
"هذا يشبه حبسك للأنفاس لتكوني بأمان وأنت تقودين خلال قناة"
"ربما"
لمعت الدموع في عينيها وشعر كايل بقلبه يعتصر, لأنه شعر بأنه يعلم ما الذي حدث...انها تضع اللوم علي نفسها باعاقة ابنتها وهي تعاقب نفسها بعدم السماح لنفسها بالقيام بشيء تحبه.
هو يفهم اليد القاسية للاحساس بالذنب علي الانسان, وهو يعلم أن لا شيء يستطيع قوله أو القيام به ليبعدها عن ذلك الاحساس, لكنه علم شيئا آخر أيضا....ومن أجل مصلحة كلاريسا, يريد كايل المحاولة.
نهاية الفصل الثالث......
أنت تقرأ
الفارس الاعزب منقوله من منتدى رواياتي روايات عبير دار النحاس
Romanceالمقدمة صرخ كايل" أنا من سيمسك بذلك الرباط, تراجعوا" بدأ الحشد بالعد من رقم عشرة ونزولا, عند الرقم ثمانية , نظر كايل الي منافسيه ليدرس قدراتهم. عند الرقم خمسة, وضع يديه علي ركبتيه. عند الرقم اثنين, تخيل نفسه يضع الرباط علي ساق كلاريسا كوهاغن المتناس...