البارت السابع

1.6K 27 0
                                    

الفصل السابع
سمعت كلاريسا صوتا ما علي الباب لكنها لم تبعد نظرها عن أوراق الزفاف التي كانت تكتب عليها, بعد مرور لحظات شد انتباهها صوت راين"كلاريسا ,من المحتمل أنها هدية شكر من أحد زبائننا"
"لا أعتقد ذلك"
شيء ما في لهجة مساعدتها جعلها تنظر اليها, لمع مكر في عيني راين وهي تضع خصلة من الشعر الأشقر وراء أذنها
سألتها كلاريسا" ما الذي تقصدينه؟"
وضعت راين الهدية, التي هي أثقل مما تبدو, في يد كلاريسا قالت" لا أعتقد أن هذه من زبون" وضعت البطاقة علي مكتب كلاريسا وتابعت" أعتقد أن من الأفضل أن تفتحينها بنفسك"
رفعت كلاريسا الرباط الفضي عن الرزمة بسرعة, ونزعت الورقة الزرقاء الداكنة وفتحت الصندوق, ورفعت الهدية بين طبقات من الورق الناعم
قالت راين" رجل ثلج من الكريستال"
أمسكت كلاريسا قاعدة المنحوتة بيد ومررت أصابع اليد الأخري علي طوله, كان يبلغ حوالي ستة انشات ومصنوع من الزجاج السميك, وهذا سبب وزنه الثقيل, كان شفافا جدا ما عدا أنفه, والذي هو جزرة برتقالية اللون.
لم تستطع النظر الي الأنف دون أن تبتسم وتتذكر رجل الثلج الذي ساعدها هي و ستيفاني علي صنعه الأسبوع الماضي.
التقطت كلاريسا البطاقة وشعرت بمعدتها تضطرب, كانت البطاقة تحمل اسمها وعليها سطر واحد قصير" يستحق وزنه ذهبا"
سألت راين" أليس هناك اسم للمرسل؟"
ردت كلاريسا "لا "
لمست كلاريسا الجزرة الصغيرة وهزت رأسها ببطء وقالت" انها من كايل"
دارت راين حول المكتب بسرعة مما دفع بعض الأوراق تتطاير قالت" هذه من كايل؟ كايل هاريس؟ شقيق ميتش؟"
هزت كلاريسا رأسها مرة ثانية
"دعيني أفهم ذلك بصورة واضحة, سألت ستيفاني عن أب كهدية للعيد, ومر كايل الي منزلكما, وأنت اعترفت لي أنكما صديقان, لكنه أرسل لك هذه الهدية"
قالت كلاريسا" هذا صحيح"
همست راين" آه, مع أنني أري أن كايل رائع, واذا كنت لا ترغبين في الوقوع في غرامه, فلا تدعيه يقبلك, مهما كان الأمر, ان هدايا عائلة هاريس رائعة, لكن اذا كان كايل يشبه شقيقه فان قبلته ستكون من المستحيل عليك نسيانها"
انتظرت كلاريسا حتي توقف قلبها عن الخفقان بسرعة, منتظرة أن تبتعد ذكري تلك القبلة عن مخيلتها, وبعد ذلك وبقدر ما تستطيع من ارادة قالت" شكرا علي التحذير راين, سأحاول أن أتذكر ذلك دوما"
الهدية التالية وصلت في صباح اليوم التالي ,كانت راين خارج المكتب, فوقعت كلاريسا علي الاستلام, وكانت ملفوفة بورقة من ذات اللون وعليها شريطة فضية تماما كالهدية السابقة
حملت الرزمة الي مكتبها وجلست تحدق بها محاولة أن تقرر ما الذي تنوي عليه؟
فكرت اليوم الذي عملا فيه علي صنع رجل الثلج, حاولت أن تتذكر كلمات التي قالتها له بالتحديد, بأنها ترغب أن تكون صديقته, الآن هي تفكر بالأمر وأدركت أنه لم يقل شيئا , في ذلك الوقت, أخذت صمته كعلامة أنه فهم ووافق أن الصداقة هي كل ما سيجمعهما, أما الآن....فلم تعد متأكدة من ذلك.
عندما وصلت الهدية الأولي شعرت وبمنطق أنها ببساطة مجرد ذكري لرجل الثلج الذي صنعوه, نوع من الهدايا بين الأصدقاء, وصول الهدية الثانية بدل كل شيء, فهذه ليست مبادرة بريئة, فالرجل يقوم بالأعيب واضحة.
نزعت الشريط ومزقت الورقة, هذه المرة البطاقة لا تحمل أي كلمات فقط اسمها,ريسا,
قال انه يصغر اسم كل شخص يعرفه الي مقطع واحد وباستطاعة كلاريسا أن تتخيله وهو يقول أنه منحها شرفا لأنه ترك اسمها بمقطعين, المشكلة أنها حقا تشعر أنه أثني عليها, وهي لا علم ما الذي تستطيع فعله بشأن ذلك.
حملت زجاجة صغيرة مملوءة الي نصفها بسائل صاف كالماء وهناك عدة أشياء تطفو علي السطح , غليون وحجرين صغيرين وقبعة سوداء وجزرة برتقالية صغيرة, علي قمة الزجاجة قرأت" رجل الثلج في تموز"
هزت كلاريسا الزجاجة وابتسمت وهي تري الأشياء تطفو علي سطح الماء من جديد
كانت لا تزال تبتسم عندما أدركت أنها بالغت بردة فعلها , قد يكون كايل يقوم ببعض ألاعيبه لكنه يتعامل كصديق, وهذه الهدية الثانية تبرهن ذلك.
شد انتباهها تساقط حبات المطر علي نافذتها وباهتمام فتحت دليل الهاتف وأمسكت به واتصلت بمحطة الاذاعة التي يعمل بها كايل, قالت لموظفة الاستقبال أن لا تعطي اسمها وبقيت علي اتصال لعدة دقائق قبل أن تسمع أخيرا صوت كايل" كايل هاريس في خدمتك"
عند سماع صوته شعرت بشيء ناعم يتحرك بداخلها, لم يكن لديه أي علم من علي الخط المواجه, لكن ذلك الصوت مازال عميقا وناعما كالأحلام ليصل مباشرة الي أعماقها.
سألته" ما الذي تفكر في القيام به؟"
"ريسا؟"
"أقصد ما أقوله"
سألها" كيف تحبين أن تري أشخاص الثلج؟"
لم تكن لتستسلم لطريقته في الكلام والتي تحول ارادتها الي غبار, وأكثر من أي شيء آخر, لم تكن لتحاول أن تستسلم لصوته الذي تتجاوب معه ومن كل أعماقها.
سألته بصوت متمنية أن لا يبدو مرتجفا"كيف لك أن تعلم أنها ستمطر وتذيب كل الثلج؟"
"منذ سنوات عدة تواعدت مع فتاة كانت تعمل في دائرة الأحوال الجوية وكانت تقدم أخبار الطقس في الاذاعة, أعتقد أن بعضا من مهاراتها قد أصابني"
قالت كلاريسا" دعني أوضح الأمر, لقد تواعدت مع خبيرة الطقس, وخبيرة بالسيارات, وقائدة فرقة موسيقية ورائدة فضاء, هل هناك أي نوع من النساء لم تواعدهن؟"
"لم أواعدك أنت"
أغمضت عينيها علي سماع كلماته ولسبب ما اضطرب له قلبها قالت" كايل"
"لكن الناس لا تتواعد مع أصدقائها أليس كذلك؟ اذا كيف حالك, وما هي أخبارك؟"
دائما تترك له الأمور ليفعل عكس ما تتوقعه قالت"ماذا يمكن أن يكون هناك؟ لقد مر يومان فقط علي آخر لقاء لنا"
"اذا أنت أيضا تحسبين الوقت, قولي لي ,ريسا..."
سمعت صوت قطع الاتصال وبعد قليل عاد صوت كايل "من الأفضل أن أذهب والا سيستمع المعجبين بي الي لا شيء, افعلي شيئا واحدا لأجلي...اصغي الي المحطة الليلة عند الساعة العاشرة وثماني وأربعين دقيقة"
سمعت صوت انقطاع ثاني وغاب الاتصال, وبعد مرور لحظات وجدت كلاريسا نفسها تحدق بالهاتف متسائلة كيف ستتمكن أن يكون لها اليد العليا. أعادت الهاتف الي مكانه ونظرت الي الزجاجة التي تحتوي علي رجل الثلج الذائب وذكرت التحذير بشأن رجال هاريس وهداياهم, من المؤكد أن كايل يعمل علي شيء ما, عليها أن تفكر بطريقة ما لتقنعه أن يتوقف.
لقد أعد لها كايل العشاء ولكنه كان واضحا أنه لا يعرفها, لو أنه كان يعرفها لعلم أن كلاريسا كوهاغن لا تقوم بأي ألاعيب, ولكان علم أن لا رغبة لديها بسماع المحطة عند الساعة العاشرة وثماني وأربعين دقيقة في هذه الليلة ولا رغبة لديها برؤيته بأي طريقة الا من خلال منظار الصداقة وليس هناك أي مجال مطلقا لأي شيء آخر
ذهبت كلاريسا الي ستيفاني وتنفست بعمق لأن أخيرا نامت الطفلة الصغيرة, ووضعت الغطاء فوقها ولمست بشفتيها خد ستيفاني الرطب, لمعت الدموع في عينيها وهي تسير علي رؤوس أصابعها من الغرفة ولأول مرة ومنذ وقت طويل سمحت للدموع أن تنهمر من عينيها.
لم تكن قد خططت للتحدث عن العملية القادمة حتي موعد حدوثها لكن ستيفاني سألتها عنها الليلة. حاولت كلاريسا أن تشرح لها كيف أن الأطباء سيعمدون الي تنويمها وعلي تثبيت مفاصل وركها وهكذا ستتمكن من السير.
أجابت ابنتها" لا أريد أن أثبت مفاصل وركي"
"لكن عزيزتي, هكذا ستتمكنين من السير بدون عكازات"
"يمكنني السير مع عكازات, ايمي جو باركر تظن أنهما جميلتين, وأنا أستطيع أن أخطو خطوات أكبر من كل الأطفال بصفي, والسيد أبرناتي يقول ان كل شخص مختلف عن الآخر, بعض الناس تحتاج لنظارات لكي تري والبعض يحتاج لعكازات لكي يسير, قال لي أن لديه ثلاثة أرجل, وقد حسب عصاه وأنا لدي أربع"
أجابت كلاريسا بابتسامة مرتجفة" هذا صحيح, " لم تبتسم لها ابنتها ولم تدري كلاريسا ما الذي ستقوله لتقنع ابنتها أن هذه العملية هي خطوة ايجابية
"لا أريد الذهاب الي المستشفي ماما, عديني أنك لن تجعلينني أذهب"
كان ذلك الوعد الذي لا تستطيع كلاريسا القيام به.
ستيفاني والتي منحت طبع فرح ومشرق كان منا لنادر أن تبكي, لكن الليلة بكت ومن دون حدود. فهي لا تريد الذهاب الي المستشفي وهي لا تريد أي عملية أخري, كلاريسا تعلم أن ابنتها خائفة من الألم, من الناس الذين لا تعرفهم والذين سيضعون آلات في مفاصلها لا تحبها, ضمت ستيفاني اليها بقوة وأغمضت عينيها, كانت تشعر بالألم في قلبها بسبب مخاوف ابنتها وألمها.
وضعت رأس الفتاة علي الوسادة ووضعت آبي (الحيوان الذي أحضره كايل لها) بين ذراعيها ولمست شعر ابنتها الناعم وأبعدته عن وجهها, بعناية وحذر نهضت كلاريسا عن السرير وانحنت لتطفئ المصباح, وعبر الظلام سمعت التوتر في صوت ستيفاني وهي تقول" هل تعتقدين أن أبي كان سيسمح بأن أذهب الي المستشفي؟"
لم تجب كلاريسا, فهي لا تستطيع, لم تستطع أن تظهر الكلمات من خلال الدموع التي تجمعت في حلقها أو الثقل الكبير الذي تشعر به في صدرها.
أغمضت عينيها وهمست" نامي عزيزتي, وسأراك في الصباح" وسارت الي خارج الغرفة.
كان الوقت تجاوز التاسعة والنصف لكن كلاريسا شعرت بأنها مرهقة ,احتاجت لارادة من حديد لتتمكن من ألا تنهمر دموعها وهي تستحم, ما أن انتهت حتي دخلت غرفة الجلوس لكن كلمات ستيفاني بقيت تدور في بالها.
"هل تعتقدين أن أبي كان سيسمح لي بالذهاب الي المستشفي؟" تلك الكلمات تعذبها وترغب كلاريسا في اعطاء أي شيء لتبعد ستيفاني عن الألم, وكانت لتأخذ ذلك الألم لو أنها تستطيع, كانت لتفعل أي شيء لتؤمن السعادة لطفلتها ولتجعلها قوية آمنة,
لقد فعلت كل ذلك بمفردها والآن ومن بين كل الأمور, ها هي ستيفاني تسأل ان كان والدها سيفعل مثلها, والدها, الذي لم يأت مرة لرؤية طفلته الجميلة.
دخلت كلاريسا الي المطبخ لتحضر كوبا من الماء متمنية أن تتخلص من تلك الدموع التي علي وشك الانهمار, وبخطي بطيئة عادت الي غرفة الجلوس وهي غارقة في أفكارها, لا يمكنها القاء اللوم علي ستيفاني علي مخاوفها من المجهول, علي خوفها من الألم والإبر والمستشفيات, ولا تستطيع لومها لأنها سألت عن والدها, لكن كلاريسا لا تعرف كيف تخبر ستيفاني أن والدها لن يجبرها علي اجراء العملية لأن جوناثان لن يكون هناك عندما تستيقظ من الجراحة وعندما تسير أول خطواتها بمفردها ,تماما كما لم يكن موجودا طوال السنين الخمس الماضية. ظهرت في مخيلتها صورة زوجها السابق وهي لم تفكر في جوناثان منذ وقت طويل
كانت تعمل علي تقديم الجزء الراقص في مسرحية برودواي في أول مرة قابلته فيها, كان يعمل مصورا في الجريدة وخدمة لصديقه ,كان يصور المسرحية. الانجذاب بينهما كان قويا ومتبادلا, قدمت دورها الصغير وأصبحت هي وجوناثان زوجان بسرعة قصوي, فقد كان جوناثان كوهاغن ملئ بالحيوية .
لديه شعر أسود وكذلك عينيه, من السهل عليه ايجاد الأصدقاء, لكن رغم الحياة التي عاشتها معه فهو لم يتحدث مطلقا عن حياته, كانت تعلم أنه ولد وحيد وأن والديه توفيا منذ عدة سنوات بعد معاناتهما من المرض لسنوات عديدة, أحب جوناثان كلاريسا والي هذا اليوم هي تعلم أن هذا كان صحيحا, لكنها تعلم أيضا أنه كان هناك دائما جزءا منه مخفيا عنها.
أول اشارة أنه لا يستطيع تحمل رؤية الدماء عرفتها كلاريسا عندما كانت حامل ب ستيفاني, عندما أخبرها أنه لن يكون معها يوم الولادة, تقبلت ذلك مع أنها لم تفهمه مطلقا.
أتي لرؤيتها ورؤية ستيفاني عدة مرات في المستشفي وفي كل مرة كانت كلاريسا تشعر بالقشعريرة حتي عظمها, وكأنه يطير بعيدا, بعيدا عن متناولهما. لم يحمل ابنته ولا مرة مع أن كلاريسا كانت متأكدة أنها رأت الحب في عينيه في أول مرة رأي فيها ابنتهما.
آخر مرة رأته فيها عندما أتي الي غرفتها في المستشفي ليخبرها عن الفرصة التي كان بانتظارها طوال العمر, لديه عقد عمل مع مجلة مشهورة جدا ليسافر حول العالم وليصوره من كل الزوايا وقال انه سيسافر.
ومن ثم, وكما فعل والدها, رحل,قال أنه سيبقي علي اتصال, وبعد مرور سنة وصلت أوراق الطلاق, ومثل والدها, لم يكن لديه القوة ليبقي ولا الرغبة في الحياة المستقرة, ومثل والدها كان واضحا أن جوناثان لم يحبها بما فيه الكفاية لأنه لو كان يفعل , لرجع اليها والي ستيفاني.
عادت كلاريسا من تأملاتها ببطء ووجدت نفسها تحدق بكوب الماء, بكل الأحوال ما هو الأمر الجيد بشأن الرجال؟
بامكان الرجال أن يجعلوا المرأة تضحك وأن يجعلوها تشعر بأنها محبوبة وغالية, ولسوء الحظ بامكانهم أيضا أن يحطموا قلبها ومرتان في الحياة أكثر من كفاية.
لم تصدق أن هدف الرجال هو التباهي بقوتهم, فمعظم أطباء ستيفاني رائعون وهي تعلم أن هناك العديد من الرجال الجيدين في هذا العالم, السيد أبرناتي واحد منهم, كايل أيضا واحد منهم.
أتت الفكرة بصورة خاطفة ومع ذلك في قلبها علمت أن ذلك صحيح, فكايل رجل جيد, ماكر أحيانا, و عنيد لكنه لطيف أيضا, مع أنها تشك أنه سيقدر هذا الوصف.
لم ترغب كلاريسا بالتفكير في الرجال الليلة, لا تريد أن تفكر كم هي وحيدة, وكم ستكون حياتها موحشة لما تبقي من عمرها في هذه اللحظة.
كانت تفكر في اطفاء المصباح عندما استقرت عيناها علي الساعة الموضوعة علي المكتب, كانت الساعة العاشرة وسبع وأربعين دقيقة, أبعدت يدها عن زر المصباح وأدارت الراديو بدلا عن ذلك ووضعتها علي المحطة التي يعمل بها كايل.
سمعت الصوت الساحر" انها العاشرة وثماني وأربعين , لقد طلبت طلبا غير عادي من صديقة غالية جدا علي"
أصغت كلاريسا وهي تتساءل ما الذي يفكر به كايل
"الأغنية التالية لامرأة مميزة جدا"
بقيت كلاريسا جامدة تماما ,لم يعد صوت مقدم الأغاني يصل اليها عبر الهواء, كان هناك صوت آخر , صوت الرجل الوحيد الذي لديه القدرة للتأثير عليها هكذا....كايل.
"أصغي ومن ثم أنظري الي الليل"
أصغت كلاريسا وهي تترنم داخل الغرفة الهادئة, شعرت كلاريسا بعينيها تغمضان وشعرت بنفسها تترنح مع الموسيقي ووقفت في الغرفة الخافتة الضوء, تصغي الي كلمات ا\أغنية الحب القديمة, أحنت رأسها وشعرت بقلبها يضطرب حتي سمعت آخر سطر من الأغنية( اذا,عزيزتي, اتركي الرقصة الأخيرة لي)
الطلب ذكرها ب جوناثان ودموع ستيفاني, كان كل ذلك كثيرا عليها, لم تشعر يوما أنها وحيدة هكذا وبأن روحها قلقة ومعزولة, ليس عندما غادر والدها ولا حتي عندما رحل جوناثان.
في منتصف الأغنية التالية أقفلت جهاز الراديو ببطء واستدارت
(أصغي ومن ثم انظري الي الليل" كانت تلك هي الكلمات بالتحديد التي استعملها كايل
لم تعلم لما استعمل تلك الكلمات ولماذا أرسل لها تلك الهدايا ولماذا أصر عليها بسماع تلك الأغنية الخاصة وهو يعلم أنها لا ترقص, مهما كانت أسبابه تمنت لو أنه لم يفعل, لأن سماعها لتلك الأغنية الليلة ذكرها بالأحلام القديمة التي كانت تراودها.
لم تكن ترغب في السماع ولم ترغب أن تنظر الي الفراغ والظلام, لكن كلاريسا سارت الي النافذة ووجدت نفسها تفعل تماما مثل ما قال لها, لكن الليل لم يكن فارغا, كايل كان يحدق بها من دون حراك, ثم استقام وسار عبر الرصيف.
فتحت الباب قبل أن يقرع , لم يعرف كايل ماذا سيفعل, دخل الي الغرفة وأغلق الباب وراءه بسبب هواء الليل البارد.
حدقت به من دون أن تتراجع" لماذا يا كايل؟"
لم يكن متأكدا عما تسأله, لماذا هو هنا؟ أم لماذا قدم لها الاهداء وأرسل تلك الأغنية, أو أنها تسأل لماذا بسبب أمور أعمق بكثير؟
سألها" ما الأمر؟" لم يرها كايل يوما هكذا, كانت تبدو متوترة جدا وكتفيها مشدودين, كان خائفا ان لمسها أن تتفتت وتتناثر ,لم تجبه علي سؤاله لكنها تحركت أخيرا وهي تتنفس بعمق
كرر"ريسا, ما الأمر؟ ما السبب لكل هذا القلق؟ هل السبب سماعك للأغنية؟"
رفعت عينيها اليه, ومن ثم أخفضتهما, قالت" لا, ليست الأغنية, انها ستيف"
تساءل كايل ان أدركت أنها نادت ابنتها باسمها المصغر,قال" ماذا عنها؟"
"لا تريد الذهاب الي المستشفي ولا تريد اجراء العملية, أرادت أن تعرف ان كان والدها سيرضي باجراء عملية لها"
شعر كايل بعينيه يضيقان وأوقفت كلماتها حركته, ذكر الجراحة والمستشفي لديهما هذا التأثير عليه, لكنه لا يشعر بالقلق والتوتر علي نفسه, انه يشعر به نحو كلاريسا. تبا, هذا شعور جديد لم يكن متأكدا أنه راض عن الاحساس القوي في صدره, لكنه كان متأكدا أنه غبر راضي عن الأسي الظاهر في عيني كلاريسا.
أسبابه ليسمعها تلك الأغنية بسيطة جدا, كان يريدها أن تفكر به, وأن تريده كما يريدها, وأسبابه للقدوم الي هنا بذات البساطة ...يريد أن يراها وأن يكون قريبا منها.
لكن لم تسر الأمور كما خطط لها, لم تكن كلاريسا مرمية بين ذراعيه, حتي أنها لم تفكر به مطلقا, فهي تبدو كامرأة ستفعل ما بوسعها لإبعاد أي رجل, وكايل سيساعدها علي التخلص من مخاوفها.
نزع معطفه ورمي به علي الكرسي قبل أن يجلس علي الصوفا, مد ساقيه ورتب بنطاله ومن ثم نظر الي كلاريسا ليري ان كانت تعترض, لكنه لم يدعها توقفه أو تمنعه.
أخيرا قال وهو ينظر اليها " أتمانعين ان جلست؟"
عقدت كلاريسا ذراعيها علي صدرها ونظرت بامعان الي الرجل الذي يجلس براحة علي مقعدها, كان شعره الأشقر أشعث بسبب الريح وبحاجة الي ترتيب, لن تكن متأكدة لما طلب منها سماع تلك الأغنية ولماذا توقف قرب منزلها هذه الليلة, لكنه هنا, وحضوره يريحها بطريقة لم تكن متوقعة.
سألها" ما الأمر؟ ما الذي يزعجك؟"
استمرت في تمرير يدها فوق قماش الروب وقالت" ماذا اذا كنت أقوم بعمل خاطئ؟ اذا لم تكن العملية الجراحية ناجحة, فعلي ستيفاني أن تمر بكل ذلك الألم من أجل لا شيء"
أخيرا رفعت عينيها اليه والتعبير الواضح في عينيه جعلها غير قادرة عن ابعاد نظرها عنه
قال" من النادر أن يكون الألم بلا نتيجة, وكل شخص يعاني منه, ويشعر به وفي نهاية الأمر كل شخص يتخطاه"
علمت كلاريسا ومن خلال تجربتها أن هذا غير صحيح, فهناك بعض الألم الذي لا ينسي مطلقا. كيف يمكن أن تشرح ذلك ل كايل ,هذا العازب الذي يعيش حياة سهلة وسعيدة؟
سألها" ما هو الأمر الأكثر صعوبة لتعيشي معه, أن تفشل عملية ستيف وأنت تعلمين أنك قمت بكل ما لديك من قوة لمساعدتها, أو حمايتها من الألم وأنت تعلمين أن هناك فرصة لها لتسير؟"
"بالنسبة لرجل يدعي أن لا يعرف شيئا عن الأطفال, أنت حقا تدرك تماما ما الأفضل لهم"
رفع يده قائلا" أنا مجرد شاهد برئ" تحركت عضلة في وجهه وبعد لحظة تابع" رأيت جوي يقع علي الدرج الأسبوع الماضي, وأنت تعلمين كم تحب راين المنازل مع كثير من الدرج بداخلها, ولكن بسبب سقوط جوي كانت مستعدة لتغيير هندسة المنزل كله من الداخل في البيت الذي ينويان بناؤه, سقط الطفل علي ثلاث أو أربع درجات وبكي بقدر ما يستطيع ثم قفز وعاد الي اللعب مرة ثانية"
صوته الناعم أثر علي أعصابها المشدودة لكنه لم ينزع القلق الشديد من أعماقها" ما تريد قوله أن الأطفال أقوياء حقا"
"أكثر قوة من الوالدين علي ما أعتقد"
سألته" وخطة ميتش و راين للبناء؟"
"مازالت معلقة في الهواء"
هكذا تشعر كلاريسا ,كأن حياتها معلقة في الهواء ولأول مرة أدركت أنها كانت تعيش هكذا لأكثر من خمس سنوات, منذ ولادة ستيفاني ورحيل جوناثان.
"وما الذي قلته ل ستيف عندما سألتك اذا كان والدها سيسمح لها باجراء الجراحة؟"
"لم أقل شيئا, لم أستطع أن أتكلم"
فهي لا تستطيع الكلام عن زوجها السابق حتي بعد كل تلك السنين؟ وكايل لم يشعر بالرضا بسبب ذلك.
لم يعجبه ذلك مطلقا , لقد وقع في غرامها ,هو يريد أن تبادله ذلك الحب, لقد أعطي المسألة الكثير من التفكير وأمضي كل ساعات يقظته يخطط للحظة التي ستدرك فيها كلاريسا أنه هو من الذي تريده.
يعلم كايل أن الرقص يحتاج لشخصين ويعلم أنها أقسمت أنها لا ترقص ولكنه اعتقد أنها لا ترقص بسبب ستيفاني, أما الآن...لم يعد متأكدا.
انحني الي الأمام وأمسك بكرسيها وقال بصوت هامس" ما الذي ستقولينه ان أخبرتك بأنني أحبك؟"
شعر بالدماء تتدفق الي رأسه وهو ينتظر جوابها, لقد خطط لكل شيء لكنه لم يخطط ليقول لها أنه يحبها, علي الأقل ليس الآن, بعد أن قال تلك الكلمات لا يستطيع استعادتها.
"سأقول لا تخلط الحب بالوحدة"
لم يكن ذلك ما أمل أنه سيسمعه, لكن هذا ما جعله يتوقف ليفكر ...حياته المليئة ,عمله, والديه وشقيقيه, أصدقاؤه, ويشعر بالوحدة؟ نعم, اعتقد أنه يشعر بالوحدة فقط من أجلها.
سألها وهو يمسك بذراعها" هل أنت وحيدة, ريسا؟"
اقتربت منه فشعر بمزيد من الشوق اليها, مالت برأسها الي جهة واحدة وشعرت بلطافة هذا الرجل, قالت" أنت حقا لطيف, هل تعلم ذلك؟"
ابتسم باستغراب, قال لها أنه يحبها وقالت له أنه لطيف, الأطفال لطفاء, الهرر لطيفة, الرجال أقوياء مثيرون.
"ان أردت الصراحة ريسا, أنت تبدين كعمتي ميلي, وهي دائما تقول ذلك بصوت كاف ليحطم الحواجز"
"أنت تقصد أنك لم ترث صوتك المثير منها؟"
"أنت تعتقدين أن صوتي مثير؟"
"أنت تعلم جيدا أن صوتك رائع, أخبرني المزيد عن عائلتك"
آخر شيء كان كايل يحب القيام به هو التحدث عن عائلته, لا, هذا غير صحيح, آخر شيء يحب القيام به هو أن يغادر, التحدث عن عائلته ليس بالأمر السيئ.
سأل أخيرا" ماذا تريدين أن تعرفي عنهم؟"
"آه, لا أعلم, قالت لي راين أن لدي ميتش الكثير من الأقارب. أنا لدي ستيفاني بالطبع, لكن كل أقاربي الباقيين هم, أمي التي تعيش في فلوريدا, ابن عم في تكساس, وعمتين في فرمونت. ما هو الشعور أن تكون محاطا بعدد كبير من أفراد عائلتك؟"
تراجع كايل الي الوراء قليلا لكنه لم يبعد يديه عن كرسيها, لم يفكر من قبل بذلك, فقال" في معظم الأحيان...الكثير من الضجة والصخب"
"الضجة؟"
"صحيح, كل شخص يتكلم مع الآخر في وقت واحد, أمي كانت الابنة الوحيدة لعائلتها, لكن لدي أبي ثلاثة أخوة وثلاث شقيقات, وجميعهم متزوجون وأنجبوا العديد من الأولاد وهكذا, لدي الكثير من أبناء وبنات العم"
قالت" اذا لديك عائلة كبيرة ومليئة بالصخب"
"لقد التقيت ببعض منهم في زفاف راين و ميتش, هل تذكرين العم مارتن؟"
"الرجل الذي ناداني كلارا, أري أن تصغير الأسماء أمر متوارث في العائلة"
ابتسم لها وهو يقول" أنني أشعر بالامتنان أن العمة ميلي تزوجت من داخل العائلة ,لا فكرة لديك أي احساس بالراحة لدي لأنني أعرف أنني لن أقلق أن أطفالي سيرثون أي صفات منها"
قالت" لقد تأخر الوقت"
"أنت تقولين ذلك دائما ريسا, قد يكون الوقت متأخرا لكنني لا أريد المغادرة"
"اعتقدت أنك فهمت أن كل ما يمكن أن يجمعنا هي الصداقة" وضعت قدميها علي الأرض ووقفت" ليس لدي ما أقدمه لك, لا شيء, وأنا لا أريد أن أستغلك"
أراد كايل أن يخبرها أنها مخطئة وأن هناك أشياء كثيرة تستطيع تقديمها له, وأشياء تستطيع أخذها منه, وهو لا يمانع في العطاء مادام هما الاثنان يتبادلان.
لكن مجرد النظر اليها عبر الغرفة, علم أنها ليست في حالة من التفكير لتسمع ما يريد أن يقوله, هي هكذا...تتقلب من الدفء والعاطفة الي البرودة. في لحظة كانا يتحدثان عن العائلة, وفي اللحظة الثانية تقفل علي نفسها بعيدا عنه. قال وهو يرفع معطفه عن المقعد" كلاريسا كوهاغن ,أنت امرأة معقدة, وأنا لا أستطيع أن أفهمك بصورة جيدة"
"لا تحاول كايل, لا يستحق ذلك العناء, وطالما نحن نتحدث عن الوقت, أريد أن أشكرك علي كل شيء, لأنك جعلت ستيف تضحك, وعلي الهدايا, لكن الآن عليك أن تتوقف عن ذلك كايل, حان الوقت لانهاء كل هذا للمرة الأخيرة وقبل أن يشعر أحدنا بالأسي"
ارتدي كايل معطفه وسار نحو الباب الذي كانت تمسك به وقال" ما رأيك بأغنيتنا؟"
"انها ليست أغنيتنا, وسيكون من الأفضل ألا ترسل لي أي أغنية أخري كايل, من الأفضل أن ينتهي كل شيء"
"كان يجب أن تعرفيني جيدا لتعلمي أنني لا أستسلم بسهولة, هذه طريق أخري نحن عائلة هاريس نتناولها من جيل الي جيل, لدينا عناد شديد..نتوارثه كل واحد منا"
تراجعت كلاريسا خطوة للوراء واستدارت
حدق كايل بتعابير وجهها الغامضة قبل أن يتجه نحو الباب ,غادر المنزل وتمكن من القيادة الي فلادلفيا, لم يتمكن من ابعاد نظرة كلاريسا عن مخيلته, لم يعلم سبب تلك النظرة, لكنه سبب لها الألم, ومقابل حياته كلها لن يعلم ما الذي قاله لتبدو بكل هذا الحزن.
لم يعجبه أن يري الألم في عينيها وكان مصمما علي أن يكتشف ما الذي سببه وما الذي قاله وذكرها به, حتي يجد طريقة ليخفف من ذلك الألم في قلبها.
لن يكون الأمر سهلا خاصة أنها قالت لها وداعا وأقفلت الباب وراؤه, وهي تقصد ذلك فعلا, لن تجعل الأمر سهلا عليه ليتمكن من القضاء علي كل مخاوفها لأنها لن تجعل من السهل عليه أن يتمكن من رؤيتها ثانية.

نهاية الفصل السابع

الفارس الاعزب منقوله من منتدى رواياتي روايات عبير دار النحاسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن