سنمضي بين شخصيات القصة بتسلسل سريع ومرتب، سنقفز بين الأحداث لنرى في النهاية إلى أين سنصل، نبدأ بصداقة وُلدت منذ ثلاثة أعوام، صداقة بُنيت بين فتاتين كانتا لوحدهما ووجدت كل واحدةٍ منهما نفسها عند الأخرى، كانتا الكتف الساند والمتنفس لبعضهما، وجاء الآن الوقت الذي ستفترقان فيه حين جاءت ليلى لتأخذ غزل من الدار وتعود بها حيث أخاها، احتضنت غزل صديقتها وهما تبكيان، كُتب عليها الفراق جبراً، قالت لمار من بين بكائها ودموعها الكثيرة: سأشتاق لكِ كثيراً
أجابتها الأخرى بصوتِ متقطع: سوف أزوركِ دوماً، سوف أخرجكِ من هنا لتأتي معي حيث أعيش
ابتسمت لمار واحتضنتها مجدداً: سأنتظر ذلك اليوم
وابتعدت عنها لتذهب مع زوجة عمها خارج الغرفة ثم خارج الدار لتترك قطعة من قلبها هناك تتحسر على فراقها وبشدة.
***
خرجت غزل مع عمتها ليلى وهي مازالت تبكي وتشهق رغم محاولات عمتها في تهدئتها، وقبل الوصول للبوابة الرئيسية التفتت لتودع المكان الذي صاحب ذكرياتها حين فقدت ذاكرتها، مسحت عليه بنظرة مودعة لتتبعها يدها في إزالة دموعها.
خرجتا من البوابة الرئيسية لتلتقي عينا الصغيرة بعينا الشخص الذي أخذ جزءاً كبيراً من قلبها، الشخص الذي كان لها الأب والأم، كان لها السند والأمان والحماية، كان كل شيء وما زال.
احتضنت عيناها عينا عزيز الدامعة وهو يقف على بُعد خطواتٍ منها، جرت إليه وارتمت في حضنه تبكي مجدداً، كان فرحة لعودتها له، لأنه لم يمت كما اعتقدت وكما أخبرها ذاك الشخص الذي رأته في المشفى يوم الحادث، عزيز ليس بميت، هو الآن أمامها من جديد.
أما عزيز فمشاعره لم تقل فرحاً عنها، فهو الآن وجد أخته وابنته الصغيرة، وجدها بعد بحثٍ لثلاثة أعوام، وجدها بأملٍ كان قد ضاع منه وعاد مجدداً، وجدها وارتوى قلبه عند رؤيتها، ابتعد عنها وهو ينظر لكل شبرٍ فيها، يكاد لا يصدق من شدة فرحته أنها أمامه الآن وبخير.
همس لها وهو يزيل عنها دموعها: لقد اشتقتُ لكِ
عادت تبكي وهي تقول: لقد أخبرني بأنك مت، وأني سأبقى وحيدة دون سند
عقد حاجبيه وسأل: من هذا الذي أخبركِ بهذا الكلام؟
أجابت بصوتٍ خفيض: عمي إبراهيم
ابتسم لها وقال مطَمئِناً: أنا هنا الآن ولن يفرقنا أحد، أفهمتِ؟
ابتسمت له وهزت رأسها: فهمت
التفتت لترى عمها محسن ينظر لهم ويبتسم اقتربت منه واحتضنته قائلة: اشتقتُ لك يا أبي
نزل محسن لمستواها وبادلها حضنها ليقول: وأنا أيضاً اشتقتُ لكِ يا حبيبة أباكِ
ثم أخذا بيدها ليصعدوا جميعاً للسيارة عائدين معاً والسعادة تغلفهم غير أن غزل ينقصها وجود لمار معها لتكتمل سعادتها مع من تحب.
***
بعد مرور يومين قضتها غزل مع أخيها في شقته دون اعتراض، بل أعجبها المكوث بعيداً عن أعمامها بعدما تذكرت وفهمت كل شيء
جاء الآن الوقت لمفاجأة إبراهيم، فقد كان موعد الاجتماع الذي اتفق عليه فهد وإبراهيم مع المحامي لتقسيم الورث وقد نفذا خطتهما في جلب محسن سريعاً إلى الشركة ووضعاه أمام الأمر الواقع
دخل محسن غرفة الاجتماعات وهو ينظر للحاضرين الذين لم يكونوا سوى إخوته والمحامي المدعو بالسيد محمد، جلس وهو يقلب بصره بينهم بتساؤل
نطق إبراهيم موضحاً: اليوم سوف نقسم الورث شرعاً ليأخذ كل ذي حقٍ حقه
صُدم محسن بما سمع وقال بغضب مكبوت: ولكن أنا لسـ-
قاطعه فهد بابتسامة لها مغزى: لقد انتظرناك كثيراً والآن ليس لديك أي خيار
أنزل محسن رأسه بتوتر وهو لا يعلم كيف يوقفهم، الآن سيضيع حق غزل وعزيز الذي حافظ عليه خلال اختفائهم، رفع رأسه على صوت ماجد وهو يقول للمحامي: يمكنك البدء سيد محمد
هزّ المحامي رأسه وأخرج ملفاً من حقيبته يتضمن جميع الأملاك التي كتبت لعزيز وأخته والتي ستُقسم على الإخوة الأربعة الآن، بدأ المحامي في الحديث قائلاً: كان للسيد عزيز والطفلة غزل نسبة خمسون بالمئة من هذه الشركة من حيث الأرباح والامتلاك لأن والدهم السيد أحمد كان هو المالك الأساسي للشركة
أخذ نفساً قبل أن يكمل تحت نظرات الإخوة الأربعة: الآن سيتم تقسيم هذه النسبة بينكم بقيمة اثنا عشر ونصف بالمئة بالإضافة إلى نسبكم التي تمتلكونها ليصبح لكل واحدٍ منكم خمسة وعشرون بالمئة من هذه الشركة، وعليكم الآن التوقيع على أوراق التقسيم حتى يتم إثباتها قانونياً
وأخذ يرتب الأوراق بين يديه ومحسن يراقبه بتوتر، وإبراهيم ينظر للأوراق التي بين يديه بانتصار، بينما ماجد وفهد يتبادلون نظرات مطَمئنة ذات معنى لا يفهمه سواهما
مدّ المحامي يده للشخص الجالس على يمينه والذي لم يكن سوى إبراهيم وقبل أن يأخذها هذا الأخير طُرق الباب ليقطع لحظة انتصار إبراهيم الذي التفت إلى فهد ليسأله: ألم تلغي مواعيدك اليوم؟
التفت إبراهيم مجدداً للباب دون ان ينتظر الجواب سائلاً: من الطارق؟
دخل ذلك الشخص من خلف الباب ليقول بحاجب مرفوع: هل قاطعتُ شيئاً مهماً يا... عمي؟!!
قطعت أنفاس الحاضرين لظهور عزيز المفاجئ بعد موته، وهل يعود الأموات مجدداً بعد موتهم!!
أنت تقرأ
مفقودة
Short Story«"ما اسمكِ أيتها الصغيرة ؟!" صمت آخر ساد المكان وفراغ كبير اجتاح عقلي وسؤال وحيد يتكرر صداه داخلي.. من أنا !!» *** «سأله محسن مستغرباً صمته: ماذا هناك ريان؟ هل يوجد ما تود إخباري به؟ تنهد ريان بعد أن أخذ نفساً عميقاً: لقد رأيت غزل!» *** دخل ذلك الش...