في مقهى عتيق ..
جلس يراقب الباب ..
لم يكن يتعمد ذلك .. ولم يسأل نفسه يوماً لماذا تتعلق عيناه بالأبواب دائماً !
مرت ساعات عجز فيها زحام المقهى وضجيجه أن يـأخد من عينية التفاتة تشغلهما عن مراقبة الباب !
سأله عامل المقهى عندما لاحظ أنه لم يطلب شيئا :
- هل تنتظر احد ما ؟؟
نظر إليه .. ولم يجب ..
صدمه السؤال ..
كان كمن يسمع اسمه للمرة الأولى ..
لم يكن سؤالا عادياً ، رغم أنه سمعه من قبل !!
لكن هذا السؤال القديم ،كان مختلفا هذه المرّة ..
كان كافيا لتثور في داخله اسئلة أخرى لم يسألها من قبل ..
لماذا يجب علينا أن ننتظر أحد ما ؟!
لماذا لم أنتظر أحد من قبل ؟!
وهل أولئك الذين ينتظرون يلتقون بالذين انتظروهم ؟!
نهض بتثاقل .. قلب نظره للمره الأولى منذ ساعات في زوايا المقهى ..
كأنه يبحث عن إجابات يعلم أنها غير موجوده !!
غادر المكان تاركاً أسئلته ملقاه خلفه على الطاولة ..
وفي خارج المقهى كان يتأمل الشوارع وهي تمسح آثار المطر من على جبينها ..
- ربما انتظرت هذه الشوارع المطر ، وتحملت كل الخطى التي عبثت بوجهها كي يجدها المطر حين يأتي !
وربما لم يكن المطر هو من تنتظره ..
يالهذه الـ" ربمـا " !!
حتى الشوارع تنتظر الذين لا يأتون أبداً !!
كان يسير من شارع الى آخر دون ملل ودون هدى .. كأنه يريد أن يوصل رسالة إلى تلك الشوارع في أقصى سرعة ممكنة ..
وربما كان يود أن يهمس في أذن كل شارع بأن عليه الرحيل وأن لا يطيل الانتظار .. ربما يتأخر المطر في المرة القادمة .. وربما لن ياتي !!
وحين أعياه التعب والإحباط .. جلس واسند ظهره المثقل بالأسئلة لجدار قديم .. عبث الزمن في ملامحه !!
كان جداراً مسناً ربما كان يقف وحده في هذا المكان قبل أن تأتي المدينة باسرها لتحيط به وتمنع عنه الهواء .. والانتظار !!
- حسنأ أيها الجدار العجوز .. يبدو أني قد أثقلت عليك فمن الواضح أن وقوفك وحيداً في هذا المكان رغم كثرة جدران المدينة حولك قد انهكك وأعياك ، وكأني ألمح تلك الرغبة الجامحة لديك في عناق الأرض !!
ابتعد عن الجدار ليبحث عن آخر لديه القدرة على تحمله ، حين يسند ظهر أسئلته إليه !
وعدته عيناه أن تتجاهل كل الأبواب ..
فالأبواب طريق القادمين .. الذين لا يأتون
وطريق الراحلين .. الذين لا يعودون ..
سيبحث هذه المره .. عن جدار ..
ولن ينتظر ... فكل الذين انتظرهم لم يأتوا
سيبحث عن جدار مثله .. لا ينتظر أحد !
لازال يبحث ..
ولازال كل رواد المقهى العتيق ..
يحتسون أسئلته التي تركها على طاولته قبل أن يغادر ...!!