الفصل الخامس (إلتقاء)

57 3 0
                                    



مر سنتين ، ترعرع أسمها في العلوم بل و قد غيرت اسمها الحقيقي لأنها طلبت هذا موضحة أنها لا تريد ان يعرف اسمها الحقيقي احد عند ترعرع اسمها ، فمع إنتشار الالتكنولوجيا ؛ اصبح من السهل للمرء الإطلاع على ما يشاء ، فلم تغير اسمها و حسب بل غيرت في شكلها بالفعل . قد ارتدت الحجاب الإسلامي و ارتدت نظارة طبية لاكن قلبها ظل على ما هو عليه .

بعد مرور عدة أشهر ذهبت في عطلة إلى الشاطئ . دخلت الغرفة التي ستقيم فيها كانت أشبه بتلك الغرفة التي كانت تسكن فيها في أوائل هروبها . قد عاشت حياة تعيسة طوال هاذين السنتين و الستة أشهر الماضيتين . أفرغت محتوياتها في الغرفة ثم نزلت إلى الشاطى ، قبل ان تذهب ، نسيت شراء شيء خارج محل إقامتها . دخلت الصيدلية ، سألت البائع عن ما تريده و استأذنها أن تنتظره خمس دقائق ليحضر طلبها . ذهب الرجل ، كانت تطالع الشارع على يسارها فوقع نظرها على طفل يبكي في وسط الشارع ، ذهبت كي تساعده او بمعنى أصح لتبحث عن أهله . كان الطفل يَحْمِل ملامح منه ، كان يذكرها به ولاكن سرعان ما جائت امه ، كانت ملامح امه مألوفاً ايضاً و كانت ملامح الفتاة مألوفة على الام . قالت لها في هدوء" كنت سأبحث عن امه " ردت عليها هي الأخرى "انا امه ،شكراً لك" . ايقظها من افكارها صوت البائع قائلاً بحماس "ها هو طلبك ، لحسن حظك هذه اخر عبوة . شكرته ثم ذهبت . استيقظت مبكراً في صباح اليوم الثاني حتى ترى شروق الشمس من على البحر ، باتت تفكر في الطفل و امه و حاولت ان تتذكر متى رأتها ؟! أصبحت الساعة الواحدة ظهراً ،قد أصابها  النعس على شط البحر فأخذت قيلولة و لاكن القيلولة زادت عن حدها الطبيعي . استيقظت لتطالع الساعة ثم خرجت كي تتمشي في  شوارع هذه البلدة رائعة  الطبيعة . وقع شحات في مرمى نظرها جالساً على رصيف الشارع من الناحية اليمنى و كان هناك رجل بنفس مواصفات حبيبها يعطيه القليل من النقود ، اقتربت  لتطالعه و قد تأكدت! فهذا العقل عقل العلماء بيَّن لها ان هذا الطفل كان إبنه و هذه المرأة هي زوجته الثانية! فقد تذكرت اين رأتها . قد رأتها مسبقاً في زفافها حين كان عمرها لا يتجاوز ال١٦ ، و قد ميزت ملامح ذلك الرجل العطوف فكان حبيبها . انهارت على الأرض تبكي و تغسل ما بها من عناء ،كانت قد ابتعدت كثيراً عن محل إقامتها ، كانت الثالثة عصراً . سارعت نحو محل الإقامة و قررت عدم الخروج خارج هذا المبنى إلا بعد يومين لتستمتع قليلاً . قد ذهبوا هم ايضاً للأستمتاع بجمال هذه المدينة و جمال طبيعتها . مر هاذين اليومين بسلام تام ، كانت على وشك ان تنسى تلك الأحداث المصادفة . كانت تشتهي الحلوة المعلبة فذهبت إلى دكان صغير يبيع بعض الحلويات . كان الدكان متر في مترين ، يحوطه من الداخل الصناديق المغلفة من كل جانب حتى اصبح صغيراً للغاية للوقوف فيه . كان ظهرها للباب إثر تحدثها مع البائع . قد ذهب هو الاخر إلى نفس الدكان فكان يريد هو الاخر إحضار بعض الوجبات الخفيفة لأسرته . كان واقفاً خلفها منتظراً دوره . لم تتبين له من ظهرها ولكنه شم رائحة لم يشمها منذ سنتين !! رائحة حبيبته . شعر بالغضب ، الحزن ، العتاب و الفرح تجاهها ، رغم ذلك تمالك نفسه . شمت هي الأخرى رائحة ذكرتها بأول يوم رأته فيه . تأكدت انه هو! . كان وجهها كان على وشك الإنفجار من حمرته ، و بقلتي أعينها على وشك الانفجار من البكاء . كانوا هما الاثنين يشعرون ببعضهم البعض و إن يشاء القدر ان يتقابلوا مرة أخرى بعد سنتين . خرجت هي تحاول إخفاء وجهها لاكنه استدار إثر خروجها من باب الدكان ببعض خطوات قائلاً بعد ان ناداها بإسمها الحقيقي : 

-هلا تحدثنا قليلا؟!

أومأت برأسها موافقة و وجهها كالورد الأحمر .

جلسوا في مقهى ، كان طراز حديث نوعاً ما ، جلسوا امام بعضهم البعض على طاولة لشخصان ممددين يديهم و كل واحدٍ منهما يمسك أيده في توتر و لاخر في عصبية و انهيار . لم تعرف ما عساها ان تقول فتحدث هو أولاً :

-الديكِ مبرر؟!

ساد الصمت بينهم ليتركها في توتر اكبر ثم تابع

-أتعلمين كم عشقتكِ اخر فترة في زواجنا!!

حدقت فيه بأستغراب و عدم تصديق لتقول مترددة :

-م...ماذا...انت...عشقتني؟!

تفوهت بأخر كلمة مشيرة إليّ نفسها . كان داخلها حالة من الفرح و الندم ، لا تصدق ما سمعته تواً . كانت تحدث نفسها بصوت داخلي : -أهذا هو من أحبته ، اهذا هو...

ليتبع حديثها ابتسامة نابعة منها . لكن حينها كان من الطبيعي أن تهرب ؛ فلم تنجب و ليس عليها أي مسؤلية حقيقية ، كانت في حاجة الهروب و البعد عنهم . لم يرد إخبارها بشأن أمه لكي لا تنهمر حبيبته في البكاء ، نعم مازالت حبيبته الوحيدة . مع علم ان عاجلاً او اجلاً ستعلم ، و حدث ما كان يخشاه ، فسألت عن أمها :

-كيف حال أمي ؟

طرق مقبض كفه بكفه الاخر و هو يعكس رأسه بالاتجاه الأيمن خاشياً ردة فعلها فإستعد و هو يجمع شجاعته ليتنهد و يقول :

- اعتطك عمرها .

كانت كلمة رحمها الله قاسية نوعاً ما . كانت العبارات تتجمع على عينيها لتنطق الكلمات بتهتهة :

-مم...ماذا ؟!كك...كيف هذا؟!

ثم انهمرت في البكاء . لم يشعر بنفسه سوى ان جلب مقعده إلى جانبها . يداً على ذراعيها الاخري و مال برأسه على رأسها يحاول تهدأتها . أغمضت عينيها . احست براحة و امان طال غيابهما . احست بهما قدر حزنها و اكثر .

بعد لحظات جاء خبر عاجل على شاشة التلفاز معلنين عن عاصفة في البحر قد حدثت و خرجت عن حدود البحر لتصل إلى الشاطئ (ذاكرين اسم الشاطئ) وقف في اهتمام و اضطراب ، وقفت هي الأخرى ورائه . قائلين انتهاكها لكل من كان على ذاك الشاطئ و من كان داخل البحر! فر هارباً ، فقد تذكر أن زوجته الثانية قد أخبرته بأنها ستصتحب الأولاد إلى ذلك الشاطئ . فرت معه ولا تدري إلى اين هو ذاهب . هل تراه ذهب ليبحث عنهم  في المستشفيات أم امام الضحايا أم على الشاطئ أم في محل إقامتهم . فقد ذهبت معه ولا يهمها إلى اين .

هما (هي و هو)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن