الفصل السابع

57 3 0
                                    



مر إسبوعان ، أنتهوا من طقوس الدفن . وصل الخبر إلى أهله في الجنة الصغرى ، لم تكن علاقات الأهل قوية ، قد مات والداها فلم يكن لديها احد سوى أبنة خالتها و زوجها. لم تستطع تركه هذان الإسبوعان بمفرده فقضتهما معه في نفس المنزل ، كان كلً منهما ينام في فراش منفصل عن الأخر . لم يستطع هو النوم بجانب من تخلت عنه رغم أفتقاده الشديد لضمها إلى صدره في الساعات الليل المتأخرة و رغم أحتياجه الشديد لأحتضانها في مثل تلك الظروف الصعبة التي مر بها من أول موت أمه حتى موت بنت خالته ، و هو من كان يريد عتابها على تلك السنتين الماضيتين . أما هي فلم تستطع النوم ، كيف لها ان تنام بجواره و شعورها بالخجل حيال نفسها ينفجر من وجهها ، و كيف لها الأن أن تنام بمفردها و حضن حبيبها على بعد عدة خطوط . هي من نامت الليالي بعيداً عن أحضانه التي أشعرتها بالأمان لأربعة سنين متواصلة . هي له و هي تعلم ذلك فصبراً جميلاً .

ضمت أمتعتها في كُرْه بعد أن حادثها شخص من وكالة العلم العالمية طلب منها أولوية الحضور خلال شهران لأجل مؤتمر شديد الأهمية ، لكن يجب عليها الحضور قبله بعدّة أسابيع . إنها تود و بشدة البقاء مع حبها الأول ، من وجدت معه كل ما تمنت و لا يضاهيه شهرة العالم بأسره . عجزت عن الكلام أمامه فقط اكتفت بنظرة حزينة تحمل فيها كل ما تعانيه من حزن إلى فرح و خجل إلى أشتياق . رأها تحمل حقيبتها ، يعلم انها إذا ذهبت الأن لن تعود مرة ثانية . تابعها حتى قال من على بعد مترين منها ، يائساً و عينيه مليئة بالحسرة و الألم :

-أهذه هي لحظات الوداع ؟

استدارت عند سماعها لكلماته . شعرت بنفس الشعور : الحقارة و الأنانية ، فقد فضلت نفسها مراراً و تكراراً . زفرت ثم قالت :

-يبدو ذلك.

كان ذلك الحديث في احد ممرات المنزل . كان بائساً فالمرء عندما يجد من يحب بعد طول غياب يعتقد أنه لن يتركه مجدداً مع أن العقل يعلم تماماً أن هذا الإنسان سيرحل عاجلاً لكن صوت القلب يغطي على صوت العقل بصوته الصاخب .

اجتازت عقبة الباب و أخذت الخطوات تحسراً نحو الحافلة على نصية الشارع تتسأل هل عليها البقاء أم الرحيل . ليس جميع البشر يحظون بفرصة ثانية كما حظت هي . تتسأل أهو الان في أشد الحاجة إليها ، أم هو الرجل القادر على التغلب على مصاعب حياته ؟ في لحظة قررت إتباع قلبها . إستدارت إليه من على بعد ١٥ متراً كانت لا تزال عيناه معلقتان بها ، كان على شفتيها مرارة هاتان السنتان . ألقاها هو الاخر بألتسامة يغمرها الفرح . تركت حقيبتها لتقع عل الإسفلت في لا مبالاه . ركدت نحوه ثم قفزت عليه لتحتضنه كأول مرة قفزت عليه فيها . عجز كلاهما عن الكلام ، بكى كلاهما في حرارة ، تمسك بها و كأنه اول و اخر مرة يضمها إلى صدره . قالت بعد لحظات و هي محاطة بذراعيه

-حبيبي...حبيبي أنت .

رد عليها و الدموع في مقلتيه :

-سأظل أحبكِ دون مقابل...و اكثر مما تتخيلين .

نزلت من عليه لتمسح دموعها ، تحبس شهقاتها و تقول راسمة الإبتسامة الساطعة على شفتاها :

-لا...لا تقلق ، فلن أتركك بعد اليوم حبيبي .

تفوهت بكلماتها الأخيرة موضعة كفيها الأثنتين على وجهه تمسح دموعه ، تطالع عينيه في شوق و حرارة . لم يصدق ما سمعه تواً . حسناً ، إنها معه الأن دون حواجز أو عتاب ، فقط هو و هي . ظن أنه يحلم بعد سماع تلك الكلمات بصوتها الملائكي . حملها ليحتضنها من جديد فتحول بكائهما إلى إبتسامة العاشقين .

هما (هي و هو)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن