ومرت الأيام ثقيلة بطيئة ، ودار الزمن دورته ، فانقضت ثلاث سنوات ، ودُعِيَ الولد الكبير إلى الخدمة في الجندية بعد أن استكمل الثامنة عشرة من عمره ...
واجتمعت العائلة تتداول الرأي ، هل يترك الابن الثاني مدرسته ليتولى حانوت أبيه ، وحاتون أخيه من بعده وهو قد أصبح في الصف الرابع الإعدادي لم تبقَ له غير سنة ليتخرج من الإعدادية ؟؟!! وإذا لم يفعل فمن يُعِيلُ أهله ؟ .
استقر رأي العائلة على بيع الدار ، ولو أن الخروج منها كخروج الشاة من جلدها ، لا يسمى إلا موتًا أو سلخًا . . !
والْتحقَ الابن الكبير بالجندية في بلد مجور يتدرب على استعمال السلاح ، وكان معلّم التدريب العسكري يلاحظه فيجد فيه ذهولًا وانصرافًا عن التدريب ، فكان ينصحه تارةً ، ويعاقبه بالتعليم الإضافي تارةً أُخرى . . دون جدوى . . .
لقد كان حاضرًا كالغائب ، أو غائبًا كالحاضر ، وكان جسمه بعيدًا . .هناك عند عائلته .
واستدعاه ظابطه يومًا ، وسأله عن مشكلته ، ففتح له قلبه وأخبره بأمره ، فبادله الظابط الإنسان حزنًا بحزن وأسى بأسى ، وكف عن ملاحقته في أمر إتقان التدريب .
وعرض ظابطه مشكلته على آمر سرّيته ، فأمر بتعيينه في مطبخ الجنود بغسل القدور ، ويقطع اللحم ، ويوقد النار ، ويوزع الطعام .
أما أمه . . . فكانت هي أيضًا حاضرة كالغائبة . . استقرضت بعض المال من أحد سماسرة بيع الدور لتطعم العائلة به ، ورهنت سند الدار عند السمسار ، فعرضت الدار للبيع .
واستمر عرض الدار على الراغبين بشرائه أيامًا ، وأخيرًا وبعد مرور عشرين يومًا ، باعت الدار بأربعمائة دينار ، ثم قضت تسعة أيام في معاملات حكومية رتيبة لنقل ملكيتها إلى المالك الجديد.
والموعد شهر كامل ، قضت منه تسعة وعشرين يومًا في البيع ونقل ملكية الدار إلى المشتري الجديد ، وبقي يوم واحد على موعد إعطاء البدل النقدي عن ولدها ، وكان عليها أن تسافر إلى المدينة التي استقر فيها ولدها في الجندية مساء اليوم التاسع والعشرين ، لتسلم البدل النقدي صباح اليوم الثلاثين ، فإذا تأخرت عن الموعد ساعة فلن يقبل من إبنها البدل النقدي ، وعليه أن يتم خدمة العلم كاملة وهي سنتان .
أنت تقرأ
عدالة السماء
Randomقصص عدالة السماء كلها من الواقع ، قصص تبني ولا تهدم ، تعمّر ولا تخرّب وتقيم القلوب والعقول معًا على أُسس رصينة من الإيمان العميق . إن الكلمة الصّادقة التي تفيد الناس ، لأنها تؤثر فيهم ، وهي التي تمكث في الأرض ولا تذهب جفاءً.