part 204

187 11 5
                                    

في صباح اليوم التّالي ، كان شابّان يتسابقان بخطواتٍ ثابتةٍ رصينةٍ لِصعود سلّم المشنقة ، وعلى السّطح تحت حبليْن يتمرجحان تعانق الأخَوَان ، وقال الصّغير للكبير : ( أطلُب مِنْك العفوْ ) فأجابهُ الكبير : ( إنّك لم تقترف ذنبًا بحقّي ، فأنا المذنب بحقّ نفسي ) .

وبعد لحظات كانت جثّتان هامدتان يتلاعب بهما الرّيح ، وكانت تحتهما امرأةٌ عجوزٌ تنهلُ الدّموعُ من عيْنيْها غزيرةََ مِدْرارة .

وكان الّذين شهدوا تنفيذ حكم الإعدام يزيدون على عشرةِ آلاف نسمة : رجالًا ونساءً ، شُيُوخََا وأطفالََا .

ولم يكن من الحاضِرين من يُشارِكها أساها ، ولم يكن بينهُم من يُشاطِرُها الحُزن ، ولا شماتة في الموت ، ولكن الجريمة كانت أفظع من مقابلتها بِغيْر الشّماتة القاسية .

وتحلّق بعض النّاس حولها يصبّون لعناتهم على المصْلوبيْن ، ولكنّ المرأة العجوز ـ وكانت أمّ المجرميْن الذيْن لا تزال تتأرجح جثّتاهما على حبال المشنقة ، ويعبث بهما الريح بعنف وقسوة ـ

تسرّبت من بيْن الحشود الشّامتة الغاضبة ، بعد أن ألقتْ عليْهم درسًا لا يزالون يذكرونه حتى اليوم ولا أخال لهم سينسوْنه في يوْم من الأيام .

قالت الأم الثكلى : إنّني لا أملك إلّا الحُزن عليْهما ، فهما فلدتا كبدي ، ولكنّني كنت متيقّنة منذ زمن بعيد أن مصيرهما سيكون القتل بالرّصاص أو الصّلب على أعمدة المشانق .

وكم كنت أتمنّى أن يموتا شهيديْن دفاعًا عن بلادِهِما أو في أرض فلسطين ، إذًا لرفعت رأسي عاليًا بِهِما .

لقد كنت أقول لهما : أنّ الموت مصير كلّ حيّ ن ولكن شتّان بين أن يموت المرء شريفًا ، وبين أن يموت مجلّلًا بالخزي والعار !! .

لقد كنت أقول لهما بشّر القاتل بالقتل . . .

واليوم أرى مصرعهما بعينيّ ، فإذا كانت الحدود مطهّرات ، فليكونا عبرةً لغيْرهما من النّاس . . . .

ومضت المرأة العجوز هائمةً على وجهها . . .

فهل من معتبر ؟، أم على قلوب أقفالها ؟! .

* * *

عدالة السماء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن