في صباح اليوم التّالي ، كان شابّان يتسابقان بخطواتٍ ثابتةٍ رصينةٍ لِصعود سلّم المشنقة ، وعلى السّطح تحت حبليْن يتمرجحان تعانق الأخَوَان ، وقال الصّغير للكبير : ( أطلُب مِنْك العفوْ ) فأجابهُ الكبير : ( إنّك لم تقترف ذنبًا بحقّي ، فأنا المذنب بحقّ نفسي ) .
وبعد لحظات كانت جثّتان هامدتان يتلاعب بهما الرّيح ، وكانت تحتهما امرأةٌ عجوزٌ تنهلُ الدّموعُ من عيْنيْها غزيرةََ مِدْرارة .
وكان الّذين شهدوا تنفيذ حكم الإعدام يزيدون على عشرةِ آلاف نسمة : رجالًا ونساءً ، شُيُوخََا وأطفالََا .
ولم يكن من الحاضِرين من يُشارِكها أساها ، ولم يكن بينهُم من يُشاطِرُها الحُزن ، ولا شماتة في الموت ، ولكن الجريمة كانت أفظع من مقابلتها بِغيْر الشّماتة القاسية .
وتحلّق بعض النّاس حولها يصبّون لعناتهم على المصْلوبيْن ، ولكنّ المرأة العجوز ـ وكانت أمّ المجرميْن الذيْن لا تزال تتأرجح جثّتاهما على حبال المشنقة ، ويعبث بهما الريح بعنف وقسوة ـ
تسرّبت من بيْن الحشود الشّامتة الغاضبة ، بعد أن ألقتْ عليْهم درسًا لا يزالون يذكرونه حتى اليوم ولا أخال لهم سينسوْنه في يوْم من الأيام .
قالت الأم الثكلى : إنّني لا أملك إلّا الحُزن عليْهما ، فهما فلدتا كبدي ، ولكنّني كنت متيقّنة منذ زمن بعيد أن مصيرهما سيكون القتل بالرّصاص أو الصّلب على أعمدة المشانق .
وكم كنت أتمنّى أن يموتا شهيديْن دفاعًا عن بلادِهِما أو في أرض فلسطين ، إذًا لرفعت رأسي عاليًا بِهِما .
لقد كنت أقول لهما : أنّ الموت مصير كلّ حيّ ن ولكن شتّان بين أن يموت المرء شريفًا ، وبين أن يموت مجلّلًا بالخزي والعار !! .
لقد كنت أقول لهما بشّر القاتل بالقتل . . .
واليوم أرى مصرعهما بعينيّ ، فإذا كانت الحدود مطهّرات ، فليكونا عبرةً لغيْرهما من النّاس . . . .
ومضت المرأة العجوز هائمةً على وجهها . . .
فهل من معتبر ؟، أم على قلوب أقفالها ؟! .
* * *
أنت تقرأ
عدالة السماء
Randomقصص عدالة السماء كلها من الواقع ، قصص تبني ولا تهدم ، تعمّر ولا تخرّب وتقيم القلوب والعقول معًا على أُسس رصينة من الإيمان العميق . إن الكلمة الصّادقة التي تفيد الناس ، لأنها تؤثر فيهم ، وهي التي تمكث في الأرض ولا تذهب جفاءً.