*قبلها السقاء*
وسافر الشّاب بتجارة أبيه من مرحلة إلى مرحلة : يسهر على إدارة القافلة ، ويحرص على حماية ماله ويقوم على شؤون رجاله .
وفي حلَب الشّهباء ، باع حبوبه ، واشترى بثمنها من صابونها المتميّز ، وقماشها الفاخر ، ثم تجهز للعودة إلى أدراجه إلى الموصل الحدباء .
وفي يوم من الأيام قبيْل عودته من حلَب ، رأى شابّة جميلة تخطر بغلالة من اللاذ ( ثياب حرير حمر ) في طريق مقفر بعد غروب الشمس ، فراودته نفسه الأمّارة بالسّوء على تقبيلها ، وسرعان ما اختطف منها قبلة ثم هرب على وجهه ، وهربت الفتاة . وما كاد يستقر به المقام في مستقره إلّا وأخذ يؤنّب نفسه ، وندم على فعلته ، ولات ساعة مندم .
وكتم أمره عن أصحابه ، ولم يبح بسرّه لأحد ، وبعد أيام عاد إلى بلده ، وكان والده الشيخ في غرفته يطلّ منها على حوش الدّار ( فناؤه ) ، حين طرق الباب السقّاء ، فهرعت ابنته إلى الباب تفتحه له ، وحمل السقاء قربته وصبّها في الحب ( وعاء كالزير والجرة ) ، وأخت الفتى تنتظره على الباب لتغلقه بعد مغادرة السقّاء الدار . عاد السقّاء بقربته الفارغة ، فلمّا مرّ بالفتاة قبّلها ، ثم هرب لا يلوي على شيء .
ولمح أبوها من نافذة غرفته ما حدث ، فردّد من صميم قلبه : "لا حول وقوة إلّا بالله العليّ العظيم" .
ولم يقل الأب شيئًا ، ولم تقل الفتاة شيئًا . .
وعاد السقّاء في اليوم الثاني إلى دار الرجل كالمعتاد ، وكان مطأطئ الرأس خجلًا ، وفتحت له الفتاة الباب ، ولكنه لم يعد إلى فعلته مرّة أخرى .
لقد كان هذا السقّاء يزوّد الدار بالماء منذ سنين طويلة ، كما كان يزوّد دور المحلة كلها بالماء ، ولم يكن في يوم من الأيام موضع ريبة ، ولم يحدث له أن ينظر إلى محارم الناس نظرة سوء ، وكان في العقد الخامس من عمره ، وقد ولى عنه عهد الشباب ، وما قد يصحبه من تهور وطيش وغرور . . .
........
لا اوصيكم 😊
أنت تقرأ
عدالة السماء
Randomقصص عدالة السماء كلها من الواقع ، قصص تبني ولا تهدم ، تعمّر ولا تخرّب وتقيم القلوب والعقول معًا على أُسس رصينة من الإيمان العميق . إن الكلمة الصّادقة التي تفيد الناس ، لأنها تؤثر فيهم ، وهي التي تمكث في الأرض ولا تذهب جفاءً.