- قرن جديد –
يا أيام الثانوي أين أنت ؟..
تتناثر الأيام والشهور والسنوات من مفكرة الزمن .. خمس أعوام طوال تمر بلياليها .. بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين .. مياه كثيرة جرت تحت الجسر خلال هذه السنوات .. تغير كل شئ وأهتز ألف ثابت وثابت .. حين إجتزت الصف الثامن بنجاح ودرجة عالية – رغم إهمالي للدراسة- زغردت أمي كثيرا وضمتني إليها وهي تبكي من الفرح وأخبرتني إن خالي قد قرر أن يدخلني مدرسة ثانوية خاصة .. سألتها متحيرا :
- يعني شنو مدرسة خاصة ؟
وأضفت غاضبا وقد بدأت أفهم :
- قصدك مدرسة للمعاقين ؟؟
قالت لي بسرعة نافية الفكرة تماما :
- لا لا لا .. قصدي مدرسة غي حكومية في حتة تانية غير هنا .. الإهتمام الأكاديمي فيها أكبر والبيقرو فيها كلهم شطار زيك وبيدخلو أحسن الجامعات ...
وصمتت لحظة وأردفت مبتسمة :
- خالك عايزك تطلع دكتور
قلت لها بلا إهتمام :
- أنا ما عايز أبقى دكتور
- ليه يا علي ؟
قلت لها متحديا :
- عايز أبقى زي أبوي وأرجع الرهد أدرس في المدرسة بتاعتو .. في أحسن من أبوي ؟
نظرت لي بدهشة سرعان ما تحولت لحزن وهي تغمغم :
- مافي أحسن من أبوك يا ولدي
وهكذا بدأت النملة رحلتها تجاه الثانوي ..
يحمل كل الناس معزة خاصة لمرحلة الثانوي .. يتذكرونها بحنين بإعتبارها الأيام التي بدؤا ينضجون فيها ويفهمون الدنيا .. يذكرونها لأنها مصنع الأصدقاء الحقيقيين الذين يبقون معك طوال حياتك .. يذكرونها بسنوات الشقاوة والرجولة المبكرة وإكتشاف إن الحياة تتكون من نصفين .. ذكر وأنثى وأن الوقت قد حان ليبحث كل واحد عن نصفه الآخر ..يذكرونها بمرحلة المراهقة الأولى وصراع الهرمونات داخل الروح والجسد ..
أنت لم تعد هنا ولا هناك .. لم تعد بعد طفل ولم تصر رجلا ينظر لك الآخرون بجدية .. أنت في برزخ مبهم مع خيالاتك وأحلامك ودنياك الخاصة بك .. روحك تشعر بالتمرد وجسدك قد صار أقوى .. صرت أكثر إهتماما بمظهرك وتقلقك تلك الحبوب اللعينة التي تظهر على وجهك .. صوتك يتغير ويكتسب خشونة مميزة تتفاخر بإظهارها حين تتكلم مع أصدقائك .. صرت متعطشا لإثبات ذاتك وعدم تقبل النقد والزجر من الكبار .. ترقد في سريرك وتتأمل النجوم اللامعة وتفكر .. ألف خاطر وخاطر يجول في الذهن الناشئ .. الروح قد صارت شفافة وبوسعك شم رائحة الليل وسماع رفرفة جناح العصفور ..تمشي في الشواع مختالا وكأن الأرض لا تسعك وتحاول أن تغير مشيتك ليكون لك ولها شخصية .. تسرح كثيرا و هناك حنين قاس لشئ بعيد لا تدري ما هو ولكنك تريد الوصول إليه .. يصير للأغاني معنى وللموسيقى طعم ورائحة وتكتشف أن ما ينقصك هو حبيب يفهمك ورفيق تصب عليه كل هذه العواطف التي تتصارع في قلبك .. أصدقاؤك يخبرونك بمغامراتهم الصغيرة وإنتظارهم أمام بوابة مدرسة البنات وأن كل منهم لديه حبيبة يكتب إليها وتكتب إليه .. تبتاع من المكتبة دفترا ملونا للخواطر وتمسك بقلمك وتحاول أن تكتب .. عن أي شئ .. تكتب شعرا وكلاما رقيقا لفتاة غير موجودة ثم تشخبط ما كتبت وترسم وجها غامضا بعينين واسعتين وتفتح كتابا للأشعار وتقرأ :