- مولد شاعر –
كان الضياء ينتشر في كل مكان ..
شمس بيضاء صافية ترسل أشعتها لتغسل العشب الأخضر الندي .. أتقدم بمقعدي عبر طريق من الفضة محاط بطوب من البللور الشفاف الذي ينعكس عليه ألف قوس قزح .. النهر يترقرق أمامي وليس أمامي غير الشرب ولكني قبل أن أفكر هبطت من السماء جنية .. جنية مسحورة كالتي نراها في أفلام ديزني صغيرة بحجم العصفور ولها جناحي فراشة ، نظرت لي وأبتسمت وهي تمد يدها قائلة :
- قبل أن تشرب أعطني ذكريات الطفولة وقصة حبك القديمة ..
أعطني خطابات غرام المراهقة وأنات الليل الطويل
أعطني أعذب ضحكة ضحكتها في حياتك
أعطني رائحة الأنسام التي أستنشقتها وأنت تنظر لعيون حبيبتك
أعطني أثر إبتسامتها وأختلاجة قلبك
أعطيتها جزء مما طلبت فليس لدي الكل .. نظرت لي طويلا ثم همست :
- لك روح شفافة ونفس مغلقة
نعم يا جنيتي يمكنك رؤية روحي فأخبريني ماذا ترين ؟
قالت وهي ترتفع للأعلى :
- أرى ضفيرة طفلة وشجرة تبلدي ورائحة أعشاش العصافير في الخريف
ورفعت عصاها السحرية نحوي قائلة :
- قم يا علي وأشرب
فقمت .. نهضت من مقعدي المتحرك الذي سجنني طويلا ووجدت أقدامي من تحتي فتية تحن إلى الركض .. قالت لي وصوتها يبتعد :
- أشرب بقدر حاجات وأغتسل بقدر حجمك و حاذر الغرق لأن الذي يغرق .. لا يعود
ركضت كما لم أركض من قبل .. قدماي كانتا أقدام طفل يركض في رمال الرهد حتى وصلت لشاطئ النهر المضئ .. إنحنيت وأنا ألهث ثم ملأت كفي وغسلت وجهي بماء النور .. تلألأ سطح النهر مرحبا بوراده فنهضت وخضت فيه بأقدامي .. غمرني الماء وغمرتني النشوة فرحت أشرب وأسبح مثل دولفين سعيد .. غصت في باطن النهر فرأيت آلاف الوجوه .. جوف النهر يختزن ذكريات من زاروه .. رأيت صراخ عنترة وهو يركع عند بقايا خيام دار عبلة ويشدو للنيران التي خبت :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباح دار عبلة وأسلمي
شهدت صراخ قيس في البرية ناعيا حبه الضائع :
صغار نرعى البهم يا ليت إننا .. إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
ورأيت أحمد شوقي على ضفاف النيل جالسا يكتب أشعاره .. (فيرديكو لوركا) يلقي بقصيدته الأخيرة بفخر ملوحا بقبضته أمام كتيبة الإعدام بينما على أطلال بيروت يبكي نزار على بلقيس ..
بلقيس كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس كانت أطول النخلات في أرض العراق