حين أری عينيك..

ولادة حياة

أن تهب حياتك لشخص تتمنی عدم رحيله, لتبقی ضحكاته في الدنيا هي ترياق الشفاء لروحك و ذاتك وجميع جوارحك.

مضی شهر علی مرض ليلی.و قد حدد لها الطبيب موعد العملية التي تعتبر الملاذ الوحيد لتتعافی مما تشكو منه.

"تطابقت العينة" هذا ماقاله الطبيب باتصال هاتفي لعائلتها الذين قفزوا فرحا واسرعوا لاخبارها وقد كنت موجود لأشهد تلك الفرحة وتراشق النظرات المفعمة بتجدد الأمل بولادة حياة جديدة لها.

لم يكترث أحدا وقتها بمعرفة هوية المتبرع.
تركت كل شيء خلفي, وتوجهنا بالموعد المحدد للعملية, وقد غبت عن الأنظار لكي أدعو ربي لها بنجاح العملية.

كان التوتر واضحا علی كل الوجوه, مع انشغال البعض بالدعاء و البعض بالصلاة وبعض العيون تناجي الرحمن للسماء.

والكل يرقب انطفاء الضوء الأحمر الذي سيعلن نهاية العملية.
فعلا جاء الوقت.بانطفائه و خرج الطبيب وهو يخبرنا بنجاح العملية الأولى ولكن مابه, لما وجهه غير سعيد, لاحظت أسماء أن هناك خطب ما علی ملامح الطبيب الذي دمعت عيناه حينها."لقد فارق المتبرع الحياة" هذا ما قاله وكان سبب حزنه .

تم نقل ليلی إلی غرفة العناية المركزة لمراقبة حالتها بعد عمليتها و متابعة الحالة.
"أين علي" أمي حفظها الرحمن بحثت عني حينها و لكنها لم تجدني لتخبرها أختي أسماء بأني قد أكون أتمشی بالخارج.

آه يا أسماء ألم تشعري بوجودي بجوارك, أمي أنا هنا أمامك ألا تريني, آه صحيح أنتم لم تعودوا ترونني لأنني أصبحت روحا تحلق حولكم.

نعم, لقد كنت أنا هو ذلك المتبرع, الذي وهب حياته لمن يحب, لم أستطع أن أسكنها بحياتي فقررت أن أكون معها بكل جوارحي.أن أهديها نفسي فأحميها بكل دقة خافق نابض.

أحببتها لدرجة أني لم أستطع أن أتخيل الكون بدون ملامسة أطرافها للأرض, أعطيتها أغلى ما عندي وهبتها إحدی الكليتين ليتفاجیء الطبيب بأني لا أملك سوی كلية واحدة وهو عيب خلقي منذ الولادة.أنا نفسي تفاجأت ولكني أصررت أن أمنحها الحياة واسكن فيها.

" عديني بأن تحافظي علی حياتك فلقد وهبك أغلى ما يملكه الإنسان, لقد منحك حياة جديدة " هكذا خاطبها الطبيب.

لم تفهم ليلی و الحاضرون مقصد الطبيب, بأن هذا الحديث عن علي, ليصدموا بفاجعة فراقي عندما أخبرتهم الممرضة بضرورة التوقيع لإستلام الجثمان.

لم يصدقوا بل أصيب الجميع بعمی الأحداث و تعالت الأصوات بين حزن و رفض لما سمعوا."كيف تفعل بي هذا يا علي" هكذا قالت أمي التي لم تصدق الخبر بل رفضته جملة و تفصيلا.

لكنها الحقيقة يا غاليتي, لقد تركت لك بسمتي لتحلق لديك و منحتك الهواء الذي كنت أتنفسه لتنعش دمع عينيك, وهبتها الحياة لتبقی تذكركم بي وأبقى أنا كذلك أطوف حولكم.

فحديثي من حديثها و نبضي هو نبضها الأنفاس ستكون من كلينا معا.

أرجوكم اعذروني و لصبابتي و عشقي سامحوني..

محبكم علي..