عندما جاء نيكول في اليوم التالي كانت روزالي تلبس بدلة ملونة بالأصفر والأحمر والبنفسجي , أدارت نفسها من جانب الى آخر أمام المرآن ورأت نفسها كيف تظهر في عيون الناس , ألا تبدو مزخرفة أكثر مما يجب في هذه الألوان ؟ هل هي تحاول جلب الإنتباه كما أدعى والدها ؟ قد أكون كذلك , قالت لنفسها , ولكن ثم ماذا ؟ لن أعبأ .
مررت المشط على شعرها البني الفاتح فأحدث قرقعة خفيفة حينما ألتوت أطراف الشعر الى خصل ناعمة , وضعت بعض الظلال حول عينيها مما أضفى عمقا للون عينيها البندقيتين.
رن جرس الباب ,فراحت مسرعة تسابق درجات السلم لتستقبل نيكول وفتحت الباب على مصراعيه.
" أهلا , يا عزيزي ! ". قالت ثم وقفت بإضطراب .
" مرحبا آنسة بارهام ...... حبيبتي ". كان أدريان واقفا يبتسم بأدب.
" أوه ..... بحق السماء ...... إنني متأسفة , كنت أتوقع شخصا آخر".
" ذلك ما ظننت ,إنه واضح من خيبة الأمل المرتسمة على وجهك".
نظر الى بدلتها وهو يخطو نحو قاعة البيت لكنه لم يقل شيئا .
" هل جئت لترى والدي؟".
" ومن يكون غيره ؟ بكل تأكيد لم آت لك , إنني لا احلم أن أكون مفسدا لمتعة الآخرين".
" إنني لا أعرف ما تعنيه".
رفع حاجبيه عاليا بحركة إنفعالية ثم دخل الى غرفة الدراسة , بعد ذلك بقليل جاء نيكول , اقتادته الى البهو وقد أخذها من ذراعها.
"حبيبتي ! " . قال وهما يسيران ببطء : " لقد مرت عدة أيام , إنني أفتقدك في الدرسة إفتقادا شديدا".
عانقها برقة , سحبت نفسها منه وهي تقول :
" دعنا نمشي في الحديقة ونتحدث يا نيكول , لدي الكثير أريد أن أقوله لك".
ذهبا الى الحديقة ,كانت عطور الزهور الربيعية فواحة في هواء الحديقة وتنشقت روزالي بعمق , وقد وضعت يدها في يد نيكول , كانت تحس أن من الممكن ملاحظة جميع تحركاتها من داخل غرفة الدراسة المطلة على الحديقة ,إن نيكول طويل القامة ورشيق الجسم , راحت روزالي تنظر الى العلى نحو وجهه الجميل ذي الطابع الأنثوي.
" ألا تسأل عني؟". قالت بغنج وقد بدا وجهها يطفح بالسعادة ,وضع يده تحت ذقنها وقال بنعومة :
" بالطبع يا حبيبتي ! أحس أنني تائه بدونك , لقد كنت مستغرقا بافكاري ".
" كيف يكون شكلها يا نيكول ؟".
أربكه السؤال وإرتسمت على وجهه سحنة المذنب , إستمرت متعلقة بذراعه وهي تنظر الى الأعلى نحو وجهه :
" أعني الفتاة التي تحلم بها؟".
ربت على يدها يفكر شارد :
" انت تعرفينني جيدا يا حبيبتي , يمكنك قراءة أفكاري , إنها ......إنها أسطورية الجمال".
"من هي ؟".
قالت روزالي وقد جفلت بإستغراب من تحقق صحة سؤالها .
" الفتاة التي أخذت مكانك في المدرسة".
" أوه.......". قالت وقد سحبت ذراعها منه فأسرع ووضع ذراعه على خصرها وأدارها نحوه لتنظر اليه.
" لا تكوني ضنية يا حبيبتي , أنت تعرفين أنك الفتاة الوحيدة لي , في الواقع إنها مرتبطة كما علمت عنها".
إبتسمت اليه :
" إذن فقد قمت بالأستفسار عنها؟".
" في الواقع.... أنا........".
" نعم أنت قمت بذلك ". إستدارا ثم أستمرا في المشي والحديث نحو باب البيت.
" هل تلبس خاتم؟".
"كلا .... ولكن........".
" إذن لا زال هناك أمل لك ".
"لا تكوني حمقاء يا روزالي".
قال وقد أدارها من كتفها وعانقها بقوة غير معهودة ,ثم أمسك يدها :
" أنت الفتاة التي لي...... وأنت تعرفين ذلك".
" هل انا كذلك؟".
فكرت مع نفسها ثم أدارت نظرها نحوغرفة الدراسة في اللحظة التي كان أدريان قد أخفض عينيه من جهة الشباك.
هل أنا الفتاة لنيكول فعلا ؟ أنها غير متأكدة و أنها غير متاكدة من أي شيء بعد الآن , بدا نيكول أمامها وكأنه في حلم جميل.
" إنها طويلة ,وذات قوام ممشوق وشعر أسود ووجه جميل , لقد تخرجت بفرع الإقتصاد ".
قال ثم سكت .
منتديات ليلاس
"لكنها ليست أنت....... أليس كذلك؟". سحبها نحوه.
( وكأنه يمثل دورا وكذلك أنا ) , بهذا التفكير راح دماغها يفكر كادت الفكرة المذكورة تنفجر الى ما لا تحمد عقباه لولا أنها قررت التوقف عن هذا المسار في فكرها , رأت أن تتخلص من تلك العيون الرقيبة لذا فقد أخذت يد نيكول وسحبته بإتجاه البيت.
" لنذهب الى البهو ". قالت له : " الوقت ممل في االخارج".
جلسا على الأريكة الضخمة وكانت روزالي بإتجاه الزاوية :
" إذن فإنك لم تفتقدني مطلقا؟".
" الا تتوقفين عن هذا الكلام الفارغ فتعانقينني بصورة طبيعية؟".
كانا متوترين في أعصابهما , لكن شعور قوي طغى عليهما فأحست بمتعة فائقة لأنها ترى نفسها محبوبة فعلا وأنها محبوبة لنفسها فقط.
" أجد ما يقدرني على الأقل ".
الفكرة تأرجحت هكذا في ضميرها وعندما إبتعدا عن بعض لم يدر بخلدها السؤال ما إذا أحبته بدورها هي أيضا؟ إستمعت الى نيكول كالعادة يتحدث اليها عن عمله وعن معاناته الخارجية وآراءه عن كل شيء يدور في العالم ,وعندما أسرع الوقت بالأنقضاء تذكرت أنها لم تقل له كلمة واحدة عن عملها الجديد ,إذ لا يبدو أنه مهتم بذلك.
" روزالي ؟". سمعت صوت أبيها خارج البهو .
" إنني آتية يا أبي".
"ما رأيك ببعض القهوة يا عزيزتي , إن والدتك على وشك القدوم".
سحبت يدها من نيكول وتركته وهي تتبادل بعض العبارات مع والدها ,تبعها نيكول إلى المطبخ وجلس يراقب بينما راحت هي تهيء الصينية,وضعت خمسة أكواب مع صحونها الصغيرة, لم يعرض نيكول أن يقدم مساعدة كما لا بد أن يفعل أدريان لو كان معها.
إستمر في الحديث حول نفسه وقضاياه ووجدت أفكارها تسرح بعيدا عن صوته الممل ,ما هو رد فعل الدكتور كرافورد اتجاه نيكول ؟ ما هو رأيه في صديقها؟ لديها شعور انها تعرف ما سيقوله حول نيكول بعد ذهابه ولا شك أن قوله لن يكون إستحسانا.
" خمسة أكواب يا حبيبتي؟".
سؤال نيكول أعادها إلى الواقع مرة أخرى
" لدى بابا ضيف زائر من الكلية يساعده في كتابه و كتاب مدرسي , هو متخصّص بالرياضيات بالطبع".
تذمّر نيكول وهو يقول:
" اوه....... واحد آخر منهم ؟".
وجدت روزالي نفسها في وضع غريب لأول مرة حيث تريد فيه الدفاع عن أناس يهاجمهم نيكول.
" أراهن أنه ذو عقلية قديمة ومثقل بالمعلومات ". قال نيكول : " كما هو الحال في معظمهم ,بإستثناء والدك بالطبع يا حبيبتي".
" كلا , هو ليس كذلك".
قالت بصوت أكثر حدة مما كانت تريد أن تظهره , فنظر إليها بإستغراب : " إنه شاب وذو شخصية مسرّة جدا , إذا أردت أن تعرفه".
لقد أصبحت مستاءة من نفسها و لماذا يجب عليها أن تقف في الدفاع عن رجل كان قد أزعجها هو إلى حد لا يطاق والذي كان خشنا معها كلما حدث وإلتقيا , لقد إلتوت إبتسامة نيكول.
" فالأمر هكذا إذن , أليس كذلك؟".
" إنني لا أعرف ما تقصده , إنه ليس كذلك مطلقا و إذا وجب أن تعرف فإنني أرى أننا نثير أعصاب أحدنا الآخر لم أتصور أن أثنين يمكن أن يصلاه ,لقد تخاصمت معه خلال ثلاثة أيام أكثر مما تخاصمت مع فرد آخر طول حياتي".
" حسنا يا حلوتي , لا تنحنين إلى الوراء محاولة الأنكار , وإلا سأحاول أن أصدق تلك الأفكار الرديئة التي جاءت في راسي".
أدارت نفسها إليه بغضب.
" لا تحاول أن تبرر أفكارك المشتتة عن طريق إتهامي بأن لدي مثل هذه الأفكار".
عليها أن تمارس سيطرة إرادية قوية وهي تحمل الصينية إلى البهو,يجب ان توقف الرجفة في يديها وإلا ستنسكب القهوة في المكان .
ذهبت الى غرفة الدراسة وفتحت الباب " قهوة ".
قالت وقبل ان يرفع ارجلان رأسيهما أغلقت الباب ثانية , عادت مرة أخرى إلى المطبخ لتحضر بعض الطعام وران بإرتياح أن نيكول لم يكن هناك , وضعت بعض الكعك والبسكويت على طبق وكمية من المعجنات المخبوزة على شكل أصابع صغيرة في طبق آخر وحملتهما الى البهو ثم جلست على الأريكة بجانب نيكول وصبّت القهوة.
وعندما ظهر الآخرون في مدخل الباب , اخذ نيكول يدها , قدم والدها الرجلين بكلمات مختصرة , رمى الدكتور كرافورد نظرة متفحصة على نيكول وتراءى لروزالي أنه قد اخذ فكرة قاسية عن نيكول ,لكنها لن تهتم في أي حال بنتيجة تفحصه هذه , ادارت القهوة والطعام على الجميع وبينما هي تنحني لتعطي كرافورد كوبه تركّزت عيناه على عينيها لبرهة , لقد كانت نظرته حاذقة ومتسائلة لدرجة أنها إرتعشت خجلا وأدارت نفسها بإنفعال , أي حق له أن يتصرف أتجاهها هكذا ؟ لم أطلب إليه ان يختبر لي الرجال من اصدقائي , قالت بصمت مع نفسها ,وأن يؤيد هذا أو ذاك و مثل ما يحلو له.
كان الحديث مملا و فروزالي تعرف أن أباها لا يحب نيكول وهو لا يكلّف نفسه عناء إخفاء ذلك , فتحت الباب الأمامي وبعد لحظات دخلت سارة.
"مرحبا بكم جميعا".
قالت واخذت عيناها تدوران في الغرفة ,وجدت زوجها فإبتسمت له ثم أدارت راسها , وقد أنتفض هو على قدميه في الحال .
" إسكبي لأمك كوبا من القهوة يا روزالي , فسآخذه لها بنفسي".
أعطته القهوة فترك الغرفة هي تعرف أنه سعيد إذ تمكّن من الأفلات , فإنه دائما لا يرتاح من وجود نيكول.
" لا تسرع يا دكتور كرافورد ". صاح فرانكلين : " خذ وقتك , سأتحدث قليلا مع زوجتي ". وعندما إنغلق الباب وراءه وضع نيكول كوبه الخالي بإعتناء على الصينية , وانحنى إلى الخلف ثم وضع ذراعه حول روزالي وقال :
" إذن فانت واحد آخر من هؤلاء العلماء الفصيحين يا دكتور كرافورد؟".
حملقت روزالي في نيكول وأغلقت عينيها بإنتظار رد فعل الدكتور كرافورد العنيف , ولكن عندما فتحتها مرة أخرى رات أنه بتسم , لقدمد ساقيه الطويلتين ودفع بيديه إلى جيبي بنطلونه , وقال بكسل واضح:
" نعم , أجدك محقا أن تسمينا هكذا ". بدا وكأنه يتهيأ لأن يمتّع نفسه : " لا شك أن ما يزعجكم أنتم المتمسكين بالتقاليد والمهتمين كثيرا بالماضي ,أنت تدرس اللغة اللاتينية واليونانية القديمة على ما أعلم , هو أننا العلماء نسأل أسئلة بصورة دائمة".
يبدو أن نيكول فوجىء بذلك, طلقته الأولى أخطأت الهدف وجلبت رد فعل غير متوقع ,حاول مرة أخرى.
" المشكلة أنكم تميلون دائما إلى إختراع الأشياء الخطرة ثم لا تعرفون كيف تسيطرون على ما اخترعتموه".
"نعم سمعت بذلك كثرا ,من قبل . قال الدكتور كرافورد وكأنه يخاطب طالب بطيء التعلم: "لكن ليس العلماء الذين يسيطرون على إختراعاتهم , فمعظم هذه الأختراعات , االتي تسميها خطرة ,وتذهب إلى أيدي السياسيين والعسكريين منهم حال ما تخرج من مرحلة التصميم و ولأنك حللت هذه الأختراعات الخطرة فإنك ستجد أن معظمها قد أخترعت لغراض محددة ولأستعمالها في أوقات محددة , وبالطبع هناك نسبة معينة من العلماء يختارون العمل تحت التخصص العسكري ولكن بعض منهم يعملون بصفة بناءة وليست هدامة ,في أي حال ذلك شانهم وإختيارهم , لا يمكنك الحكم على جميع العلماء بسبب قيام عدد قليل من زملائهم بالعمل بما يرونه جزءا من قناعتهم".
أنت تقرأ
بانتظار الكلام - ليليان بيك - روايات عبير القديمة
Romanceهناك من يقول : العلماء بعيدون عن حياة الحب, بل أكثر من ذلك أحيانا ,يتهمونهم بقلة الحساسية والإنسانية وبأنهم يبنون حياتهم على أسس علمية بحتة....ويذهب بعض العلماء ومنهم أدريان كرافورد عالم الرياضيات الى منع دخول المرأة في حياتهم أوحتى بيوتهم ولو لغرض...