0

27.1K 256 5
                                    



رن جوال ثريا المتواضع وأتاها ذلك الصوت الهادىء عندما فتحت السماعة: تبين شي قبل لا اجي؟

هزت رأسها كأن من تخاطبها تستطيع رؤيتها: لا.. سلامتك.

ختمت تلك مكالمتها بطريقتها المعهودة، لا ايطال ولا تفرع: فمان الله..

سبحان مغير الاحوال.

في زواجها الاول عاشت في صخب، مدللة مرفهة من قبل زوجها واهله. ثمرة ذلك الزواج كانت ولدان. انتهى ذاك الزواج بخيبة ثم بضيم، فنفس الاشخاص الذين تعاطفوا لوحدتها استغلوا تلك النقطة في اخذ ابناءها منها. الابناء الذين جاهدت لوصلهم لتقابل بالفتور من قبلهم بعد ان كبروا وصاروا رجالا. لم تعد تتذكر متى كانت اخر مرة كلمتهم حتى.

في زواجها الثاني عاشت في هدوء، تعتني بوفاء بزوجها المريض، متجاهلون من قبل اهله. لم تلد من سلطان طفلا، لكن ابنته من زواج سابق كانت هناك من اليوم الاول. تجاهلتها، صنعت فيها عقدا، دفعتها و تلاعبت بمشاعرها لتقبل بقرارات اودت بانكسار قلبها. توقعت ثريا ان تتركها طيف كل يوم، لكنها بقت. لم تستحق ذلك الاحسان.. لكن طيف، التي لم تقربها بصلة قرابة سوى زواج ابيها بها، كانت الوحيدة التي بقت لها، غريبة تحولت الى ابنة.

لم تلاحظ ثريا طول المدة التي قضتها بالتفكير ولا دخول طيف الى ان نادتها باستغراب: وش فيك خالة؟

تمنت لو يوما ان تناديها طيف بـ("يمه") لكنها تعرف انها لا تستحق..: ولا شي. كيف كان الشغل؟

دلكت طيف جانب رأسها متنهدة: الحمد لله، بس الاوضاع متوترة شوي. من لما سمعوا قرار بيع الشركة لمجموعة والموظفين حالتهم حالة.

كانت طيف تعمل في الفرع النسائي لاحدى الشركات متوسطة الحال. لم تكن وظيفتها هذه ما تطمح به، لكن الحاجة دفعتها ان تنسى الماجيستير وتقبل بأي وظيفة.

لمعة الخاتم الذي كانت ترتديه طيف لفتت انتباه ثريا لتشعر بشجن عظيم: متى بتفسخيه..؟

عرفت طيف على الفور ما كانت تعنيه وخبأت يدها في شعرها البنى المحمر الكثيف: اسويلك عشا؟

ابتسمت ثريا بحزن ودعتها تغير الموضوع: تعشيت توي و بقيتلك شي منه. كليه قبل لا يبرد.

راقبتها تذهب على عجل، عادة لم تتغير طوال الثمان سنوات التي مضت كلما تطرق الموضوع الى ذاك الماضي. لم تعد طيف تلك الفتاة ذات السادسة عشر ربيعا. ازدادت حسنا ونضجا وغموضا: يا ليت تشوفها اللحين يا مالك...


"قبل عشر سنوات"


الى هذه اللحظة، لم تر طيف زوجة أبيها تبكي قط.. لم تظنها قادرة على ذرف الدموع، إظهار أي عاطفة، أي تعبير غير الغرور و السخرية..

عكــس الرحيــل ...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن