المقدمة " زمجرة حرب "

281 20 5
                                    

تألق فانوس زيناس في جلال الظلام، يكسر جفن الليل بنوره الخافت ويقف شاهدًا على الصمت المهيب للسور الأسطوري الذي يحتضن الممر الجبلي العتيق

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

تألق فانوس زيناس في جلال الظلام، يكسر جفن الليل بنوره الخافت ويقف شاهدًا على الصمت المهيب للسور الأسطوري الذي يحتضن الممر الجبلي العتيق. خطاه على تلك الدروب الممتدة في السماء، بين أحضان الجبال، كانت كألحان توق للحرية تتردد صداها بين الصخور والشقوق. وهو يقاوم زمهرير الهواء وتلك النسمات العليلة التي تداعب خصلات شعره، تزحف الغيوم الثقال لتلبس السماء ثوبها الرمادي، محاكية بذلك الغموض الذي يختزله قلب الشاب.

زيناس، والذي يعني اسمه "العائش" في اللغة اليونانية، لم يكن سوى فتى في ربيعه السادس عشر، تلقفته يد القدر ليرمي به في أحضان أمنيا، تلك البلدة الغافية على الساحل، والتي تعتليها الأسوار الشامخة كحُراس أبديين. هناك حيث يصطفي بحر بوروس الغربي شواطئها، وتداعب غابات إستاليا الشرقية حدودها، وتلتقي همسات الطبيعة بضجيج البشر في عناق متناغم.

تتربع الأكواخ الخشبية القديمة على عرش الفقر، فيما تتوسط البيوت الطينية المشهد كتجسيد للحياة المتواضعة. وهناك، على قمة الجبل، غلب الوهن جفن زيناس فاستسلم لنعاسه بجوار الصخرة، لكن ما لبث أن انتفض من مضجعه، متصبب العرق، ملتقطًا أنفاسه المتلاحقة كمن يعاني الاختناق. على وعي تام بأن الرؤيا قد حطت رحالها عليه هذه الليلة، لم يسمح للحلم العابث أن يكون مهدًا للسكون والاستكانة.

استحضر زيناس مشاهد الحلم الذي اغتال قيلولته، حيث الرؤى البائسة تعصف به: والديه يتعرضان للعنف والقتل الوحشي أمام بصره، ووجوه الغزاة تنسج سرداب الظلم والفساد في دياره. كاترين، رفيقة الطفولة البريئة، تفر هاربة مع سيل الناجين من براثن الغاصبين. أعادته تلك الأحلام إلى قسوة وأهوال ما مرّ به، محفورًا في الذاكرة كنقش في صفحات التاريخ.

تحت ظلال ليل متثاقل بأسراره، كان زيناس يلتقط أنفاسه الحائرة، مغتسلاً جبينه بقطرات من ماء الحياة، قبل أن يخطو نحو ملاذ الحكمة والسكينة، موطن الحكيم أرثر. وبينما يهم بالهبوط نحو الكوخ، لا تزال أسئلة تعتصر فكره كما تعتصر اليدين ثمرة: ما الأسرار التي تحتضنها هذه الجدران؟ من البنّاء الغامض لها؟ ولم تُفرض عليهم هذه الحياة القصية خلفها؟

مضى زيناس متخذاً خطاه إلى مأوى الحكمة، يطرق الباب مرتين كأنما يطرق باب الأمل. وإذ به يدخل ليرى أرثر، شيخ القوم ومهد العقل، يستقبله بعينين تعبران عن الحنان الأبوي.

إلياذة فناءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن