في غمار الفقدان العميق، حيث الأرواح الآمنة التي كانت ملاذ زيناس قد انتزعت من أمام عينيه، وهو يصرخ معلقًا بخيط وهمي يرجو عودة المستحيلة. يأبى الواقع إلا أن يصرح بقسوته: لا رجعة في الموت. ومن تلك الأعماق المظلمة، يجد زيناس القوة ليستمر، يتشبث بالأمل في الانتقام للأرواح التي غادرت دون وداع.
ما زال صدى صرخات جده، مرتفعًا من الشرخ العميق الذي صنعه أكسوديا برمح "سونيا"، يعتصر قلب زيناس. يأتي النداء الثالث كبلسم إنقاذ لأرثر، الذي بات ينزف بغزارة. وفي خضم هذا، يرقب أكسوديا الشرخ الذي صنعه النداء، مصدومًا بقوته النازفة، متسائلاً كيف لصاحب النداء أن يتقن اندماجه ويروض العنقاء بهذه البراعة.
"يجب عليّ الارتقاء للمرحلة الثانية قبل أن يُحرر النداء الأول، حينها فقط سأكون قادرًا على مواجهة النداءات الأخرى. سأريهم قوة الصيحة التي بحوزتي!" يفكر أكسوديا بتحدي. لكن تأتيه رسالة تخاطرية من سونيا، تذكّره بضرورة استخدام السحر لتنشيط تعويذة الشفاء قبل أن يتمكن من التحول للطور التالي.-"كم من الجنود بقي؟" سأل أكسوديا بنبرة لا تخلو من القلق.
سونيا نظرت إلى الأفق، حيث الأعداد الغفيرة من الجنود تحاصر البلدة، "آلافهم ما زالوا يحيطون بأسوارنا، وإن فقدنا الخط الأخير من دفاعاتنا، سنُحرم من فرصة الهروب."
"استعدي، سنقاتل." عزم أكسوديا، مسددًا ضربة قوية برمحه على الأرض، مستهلكًا أرواح جنوده المتخمين بالقوة السحرية، مقدمًا على الانتقال للطور الثالث. الأرض اهتزت من حوله، وهو يتخذ شكلًا جديدًا، شكل الجانب الأعظم والأقوى من صيحته، تضخم جسده وتغلفه الهالة السوداء بالدرع السحري، وبقي القليل فقط حتى يكتمل شفاؤه.
كان الخوف يرتسم على وجوه الجميع، وبدا أرثر، مثقلًا بجراحه الغائرة، يبكي دموعًا من دم، يتوسل لسيلين: "أرجوكِ، أنقذي زيناس... لقد حاولت... لكن فشلت. أشعر بالعار، فقدت أخته، ابنة عمه، والآن أنا عاجز عن حمايته. شفائي مستحيل، إن السحر اللازم لشفائي ليس بمقدور حتى كيلما. يجب أن تمنعوا زيناس من استدعاء ندائه، وأن لا يقع بين أيديهم..."
كانت سيلين، ابنة المحارب الأسطوري أركون، تمسك بأرثر الذي كان يكافح الألم. "أنا أعرف من أنتِ، يجب أن تخبري زيناس بهذه الكلمات..."
وبينما كان يتحدث، انفجرت السماء برعد جديد، وغشاها ضباب كثيف ومطر غزير، كأن السماء تشهد على تحول الأحداث الدرامي الذي كان ينسجه مصيرهم المتشابك. - يتجه أكسوديا مسرعاً بعنف بعد شفائهِ نحو إيلين لكي يهاجمها يشيرُ برمحه رامياً بهالتهِ السحرية رماحاً غزيرة يهطلُ وابلها من السماء نحو إيلين و ندائها الضخم " سيليا " تحاولُ مراوغتهِ لكنها تفشلُ ويصيبها بعضا من تلك السهام الرمحية، إيلين عاجزة عن الهجوم تصرخُ بقوة لن تنال مني - لن تصمد أمامي يا نداء المحيط، سلم الفتى يقفز أكسوديا موازياً السماء ويشيرُ بتعويذةٍ عبارةٌ عن نيازكٌ سحرية ضخمة مدمرة، - سيليا يصرخ مزمجراً طالباً المساعدة من النداء الثالث، تنهمرُ النيازك عليهم وإيلين تدفع بهالتها السحرية لحمياتهم، وهذا أخر شيءُ تستطيع فعله لحمايتها وحماية زيناس، - يتجه أكسوديا برمحهِ مباغتةً لها بعد كومة الدخان الذي أحدثهُ لتشعر و تصعق إيلين أنهُ أصبح خلف
كان القدر قد خطّ سطره الأخير في صفحة المعركة. "سيليا" كانت الكلمة التي تمتم بها أكسوديا، الإيذان بنهاية كل شيء. بخطواتٍ محسوبة، اندفع نحو النداء الثاني، عاقدًا العزم على أن يكون مصيره كمصير صيحة أرثر المأساوي. لكن العنقاء الأسطورية "لايا" اعترضت طريقه بلهيبها الخالد، تقي النداء من هلاكٍ محتم.
أكسوديا، بعيونٍ متوهجة بالحقد، نظر إليها. "أهكذا تظهرين، يا صاحبة النداء الأخير."
"إيلين، اذهبي! ضعي الكريسيال بجوار زيناس. يجب ألا نخسر أحدًا آخر!" صرخت سيلين بأمر عاجل.
"وماذا عن أرثر؟" سألت إيلين، قلقًا يعصف بصوتها.
"كيلما استعادت وعيها وتكافح لتحتفظ به حيًا. والآن، حان وقت دفع الثمن، أيها الساحر الشرير!" ومع هذه الكلمات، انقضت سيلين في هجوم عظيم، مدعومة بندائها القوي.
أكسوديا صد الهجوم وتمكن من طعن كتفها برمحه، لكن سيلين لم تستسلم. في المرة الثانية، هاجمت بكل ما تملك من قوة، حتى أتى ذلك الحدث المفجع؛ صرخة أرثر الأخيرة، التي اهتز لها الأرض حزنًا وألمًا.
زيناس، المتأثر بصراخ جده، بدأ نوبته مجددًا. "إيلين! أسرعي، ضعي الكريستال بجانبه!" صرخت سيلين بيأس.
لكن الوقت كان قد تسرب من بين أيديهم، السماء انشقت، تنهدت الغيوم وتبددت، كأنها تفسح المجال لنزول كائن عظيم بأجنحة لؤلؤية ضخمة، تعكس ألوان النصر أو الهزيمة، وتنتظر العالم أن يستقر على واحد منهما. الهلع اختلط بالهواء وأخذ كل رئة تستنشقه. فقد تحرك النداء الأول، "أكسنورتيانا"، بكل عظمته وطاقته السماوية، تاركًا أثره الخالد في السماء. وفي غمرة هذا الكشف، زيناس، ببريق سحري محيط به، تمكن من تمزيق أجنحة نداء المحيط بيأس عنيف. "أين جدي؟" صرخ متلفتًا، ليجده أخيرًا من بعيد، غارقًا بين بحار من الدم.
جنون زيناس تفجر، فأطلق النداء السماوي هجومه العشوائي، مما دفع سيلين للصراخ "ابتعدوا جميعًا!" وإلى إيلين أمرت "أسرعي واحمي كيلما، إنه ليس بوعيه!" وفي تلك اللحظات، تمكن النداء من إحداث دمار واسع.
أكسوديا، في محاولة يائسة لاستعادة موطئ قدم، حاول توجيه ضربة ماكرة لكنهُ قوبل بمقاومة عنيدة أسقطته أرضًا. لم يستسلم، فأطلق سهامًا سحرية ضخمة تحوم حول النداء بكامله. كان الهجوم يتجه نحو "تيانا"، لكن في غمضة عين، تغير مسار السهام إلى أكسوديا، الذي سقط مرة أخرى متأثرًا بالضربة.
"يجب أن ننسحب، سونيا!" هتف أحدهم. "لا يمكننا مواجهتها، ولا يتوفر لدينا ما يكفي من السحر لتحمل هجوم آخر!" لكن أكسوديا، رغم محاولته الهروب، وجد النداء يطارده بسرعة فائقة، مما أسفر عن سقوطه مجددًا.
في تلك الأثناء، تدخلت العنقاء سيلين، محلقة به عاليًا ثم هابطةً به بسرعة البرق لتلقيه بين الأنقاض، مطروحًا وعاجزًا. نظر زيناس حوله والغضب يتوهج في عينيه. سيلين ابتعدت وهو يتقدم بسيفه، مستعدًا للضربة القاضية، لكن في تلك اللحظة، بدأ جسد زيناس ينهار، دماؤه تنزف بغزارة، ضحية لقوة ندائه الجبارة.
الرعب تملك الجميع وهم يتساءلون بفزع عن مصيرهم تحت رحمة النداء الذي أصبح خارج نطاق السيطرة.
أنت تقرأ
إلياذة فناء
خيال (فانتازيا)في أعماق زمان غابر ومكان يكتنفه الغموض، تدور رحى معركة عتيدة. يصارع الأبطال والأشرار على امتلاك "إلياذة الفناء"، تلك التحفة الأثيرية المفعمة بقوى خارقة؛ فمن يمسكها بين يديه، يمتلك مصير العالم. يُمكِن لهذا الجوهر المنبثق من رحم السحر أن ينشر رايات ال...