الفصل الأول : نزاع النداءات

97 4 1
                                    

الضفة الساحلية - بلدة أمِنيا - ٨١٩ م - اليوم الأخير من المهلة

في الأثناء، بينما كانت القرى الساحلية تتأمل هذه الظاهرة المرعبة بعيون متسعة وقلوب تخفق بالهلع، كانت بلدة أمنيا تعيش لحظات أشد قسوة. فجأة، ومن بين طيات الظلام الذي كان يخيم على المحيط، ظهر كائن جليل، ذو جسد مدرع يشق السماء، مع أجنحة غرابية الشكل واللون، ترسم ظلالاً مهيبة على مياه البحر المتلاطمة.

السكان الذين كانت الدهشة قد تملكتهم، ظنوا في حيرة أن هذا المخلوق قد يكون أحد رسل الجيوش الشيطانية التي طالما هددت بقدومها، وأن هذا قد يكون البدء لعهد الدمار الذي تنبأ به الأقدمون. بخطى مرتجفة ووجوه باهتة، تجمع الأهالي أمام كوخ الحكيم أرثر، تحت دقات قلوبهم المتسارعة، ملتمسين الإجابة.

بصفاء وهدوء يعكس حكمة العمر، خرج أرثر من كوخه وبحركة يديه طمأن الجموع: "الصبر يا أهل أمنيا، فما نشهده الآن هو إنذار لعاصفة قد تجتاحنا في أي لحظة، إننا على أعتاب حقبة مليئة بالخطر. لقد تقاطرت علينا جيوش من عوالم لم تطأها أقدام البشر، والآن، ها هو مخلوق يشق طريقه إلينا، لم نرَ له مثيلاً إلا في صفحات الأساطير القديمة."

لكن صرخة غضب من أحد السكان قطعت هذا السكون، "أنحفر القبور إذن ونجلس بانتظار الموت؟!" تردد صدى كلماته في الجموع، وكأنه أيقظ النار تحت رماد اليأس، وألقى بظلال من الشك حول مصيرهم المجهول. لم يتزحزح أرثر أمام الرعب الذي امتلك الأهالي، وكأنه وحده كان على يقين بأن الأمل ما زال يتنفس تحت أنقاض الخوف. "بدل أن تحفر قبرك، اصقل سيفك وارفع درعك. لا زالت في أرواحنا شرارة الحرب،" قالها بثقة تحدت اليأس الذي بدأ يستشري في القلوب. بعدها، انصرف الجميع إلى منازلهم، محملين بمزيج من القلق وشحذ العزائم.

وفي تلك اللحظة، كما لو كان القدر يلقي ببطاقاته على الطاولة، ظهر مخلوق رمادي اللون، متأصل القوة، شبيه بالحصان ولكن بأرجل غزال وقرن أحادي يتوسط جبهته. كان اليونيكورن يحمل فارساً من جنود الظلام، ذلك الفارس الذي أسرع ليقف أمام قائده، مقدماً التحية بكل إجلال.

"يا أكسوديا العظيم، جئتك بأخبارٍ لم تكن في الحسبان. النداء الذي كان من المفترض أن ينطلق من فتى أجنحة السماء قد صدح بالفعل، ولكنه لم يكتمل كما خُطط له، والسبب ما زال خافياً علينا. هذا أطلق، بدوره، النداء الثاني، الذي انبثق بكامل قوته وهو الآن يتجه نحونا." صمت الفارس للحظة قبل أن يتابع، "وعلينا الاستعداد."

نظر أكسوديا إليه بعينين تبرقان كالبرق الذي يسبق العاصفة وسأل بصوت رعد، "وماذا عن النداء الثالث؟!" كانت نبرته حادة كقطع الزجاج، تحمل في طياتها إدراكاً لخطورة ما يتوجب عليهم مواجهته. بهدوء العاصفة التي تسبق الهيجان، وقف أكسوديا، وقال بصوته الذي يخلف صدى في الأرواح، "أي إنذار من النداء الثالث لم يلوح بعد في الأفق، لكن النداء الثاني هو ما ينبغي أن يشغل بالنا الآن." التابع، وقد بدت عليه آثار القلق، أومأ مؤكداً: "إن السيطرة على النداء الثاني تبدو كاملة، يا مولاي."

إلياذة فناءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن