في هذه المعركة الهائلة التي تفوق الوصف، كنت واقفاً أمام ساحر عُرف بعظمته، يحيط به ألوف من الجنود المسلحين بأروع الأسلحة السحرية. ومقابلهم، يظهر جدي، ومن خلفه مخلوق عملاق مجنح، مدجج بدرع ثقيل، يحيرني هل أعيش واقعاً أم مجرد كابوس يتجسد أمامي. ليت هذا الواقع يتبدد ككوابيس الطفولة التي كانت تزول بعد لحظات من اليقظة والراحة. لكن هذه المرة، الواقع مغاير بتفاصيله العميقة والملموسة؛ أتواجد في ملحمة كانت حتى اللحظة مجرد قصص أسطورية. الفهم يفر مني، وكأن الوعي يختفي ويدفع بي نحو الهاوية اللامتناهية.
أنظر إلى جدي بعينين لم تألفا مثل هذا الشكل إلا مرة واحدة في الصغر. أتذكره غاضباً في تلك الأيام التي كنت ألهو فيها مع صوفيا الصغيرة بين حقول الزهور. تلك الذكرى التي انقلبت لحظتها إلى مأساة حين اقترب منا ذلك الرجل الغامض بعباءته السوداء وقبعته الأنيقة، وجهه يشع بالبراءة التي لم أكن أعي أن وراءها يكمن قادر على الأذى.
"كيف حالكما يا أشقياء؟" قال بصوت يوحي بمعرفته بنا، ثم تابع بغموض، "لا تزالون تحملون نفس الملامح التي وُلدتم بها، إنه أمر فريد للمختارين أن يبقوا دون تغير." وعندما توجه إلى صوفيا بكلماته الخبيثة، "أنتِ صوفيا، أليس كذلك؟ عيناك الزرقاوتان، وشعرك الأشقر كحقول القمح الذهبية..." عندها تدخلت بحزم، "ماذا تريد من أختي؟ ، حذرني والدي دائمًا من مخاطبة الغرباء، لذا قلت لصوفيا بصوت مُلح، "هيا نعود إلى المنزل." وما كان من صوفيا إلا أن بدت مشوشة ومتعلقة برغبة في رؤية أمها، "من هذا الغريب، يا زين؟ أريد أمي."
"لا تخافي، أنا معكِ." وأمسكت بيدها الصغيرة وبتُ أسير بها بعيدًا عن الغريب. لكنه لم يكتفِ بمراقبتنا وإنما نطق بعبارات غامضة، "هايلوثيا"، كلمات لم أفهمها حينها لكنها بدت وكأنها نذير شؤم.
فجأة، تهاوى شيء ضخم من السماء، مُظلم كظلال الليل، واختطف صوفيا، محتضنًا إياها بأجنحته العملاقة. صرخاتها المُبكية خرقت الهدوء، "يا زيناس!" كانت تناديني، وصدى صوتها يتلاشى في الأفق.
وبينما أنا غارق في ذهولي، حضر جدي مُهرولًا ومعه مخلوق يشبه تلك الهيئة التي اختطفت صوفيا، وملامحه شديدة القسوة والغضب. وهنا، خانني وعيي وسقطت في غيبوبة من الصدمة.
استفقت على جدي الذي بدا مُرتبكًا، وهو يخبرني أن ما رأيته كان مجرد كابوس، وأنني كنت فاقدًا للوعي، ولكن الحقيقة المريرة كانت خطف صوفيا. ووعد بأنه سيعيدها، "أعدك يا زيناس."
ومع توالي الأيام، جاءت الكارثة التي دمرت كل أمل في عودتها؛ إذ وُجدت ملابس صوفيا مُلطخة بالدماء. الحزن اجتاح الجميع، ولم يكن هناك حاجة للكلمات لتشرح ما حدث؛ لقد ماتت صوفيا.
أذكر تلك الفترة التي امتلأت بالحزن الذي لم يفارق والديّ، حتى ألم مأساة سايري، حيث بدا كما لو أن الهاوية نفسها ابتلعتهم، تاركةً وراءها ألم الفقد الذي لا يُحتمل ،في لحظة غير متوقعة، يمكن للمصائب أن تنقض على الإنسان، تهدم الأسوار التي شيدها حول نفسه، تحيلها إلى أنقاض كمدينة خُليت من سكانها. يظل الإنسان بعدها كروحٍ مُنهكة، شاخت قبل الأوان، تثقل كاهلها الخيبات حتى يتمكن من رفع هذه الأنقاض ويبدأ في بناء حياته من جديد.
أنت تقرأ
إلياذة فناء
Viễn tưởngفي أعماق زمان غابر ومكان يكتنفه الغموض، تدور رحى معركة عتيدة. يصارع الأبطال والأشرار على امتلاك "إلياذة الفناء"، تلك التحفة الأثيرية المفعمة بقوى خارقة؛ فمن يمسكها بين يديه، يمتلك مصير العالم. يُمكِن لهذا الجوهر المنبثق من رحم السحر أن ينشر رايات ال...