04

453 29 4
                                    

لا أعرف اسمه
لا اعرف عائلته
كل ما أعرفه، كان يلقب بقطرات

---
*مستوحاة من الواقع*
----

في أمسيات العطل المدرسية، حيث نتوجه نحو البادية فتعانق أرواحنا هواء نقيا لأرض طيبة، أمضى فيها والداي معظم لحظات طفولتهما، كما أمضيت فيها أفضل العطل.

كنا نجتمع و أخوالي حينما يكون القمر المنير الوحيد، و لا وجود لأي صوت غير تلك الصادرة من الحيوانات في الخلاء، و قهقهات صادرة من المنزل الذي حوى عديدا من ذكريات أخوالي، ...

يتناوبون على سرد قصص سمعتها لعشرات المرات، لكنني و في كل مرة أعيد سماعها، أستشعر لذتها و كأنها مرتي الأولى في استكشافها، فهم قد وهبوا ملكة الحكاية و السرد، فصارت أحاديثهم تستهويني، حتى أدمنتها. فكلما حلت عطلة، أجدني متحمسة لتلك التجمعات العائلية، و السماع لحكاياتهم لأسافر بذهني لزمن خال، و أرتدي رداء شخصهم في الماضي، فأعيش ما عاشوه.

من بين القصص التي لطالما لامست روحي هي حديثهم عن "قطرات"، ذاك الفتى الذي شاءت الأقدار لتجعل منه أحمقا ربما ... لا أعلم، لكنني أعلم أنه يرتقي ليكون أفضل شخصية و أحبها إلي.

العديد من تفاصيل حياته أجهلها، لكنني أعلم أنه لم يكن ينطق، و حين نطق بشيء كان أول ما قاله "قطرات" حتى صار لقبا اشتهر به، فنسي اسمه الحقيقي و الذي يندرج ضمن ما أجهله عن شخصه.

قطرات. هو كان يستمع لأستاذ يشرح درسه خارج اافصل، فالتقطت آذانه جملة؛ تسقط قطرات المطر. أو ربما كانت الجملة غيرها، فالتفاصيل الدقيقة قد نسيتها ... لا أعلم ما كان شعوره حين نجح في نطق "قطرات"، لكنني أخمن أنه ابتسم بفخر، و سعادة، كما فعلت و أفعل كلما تذكرت قصته.

هم قالوا أنه لطالما أحب أن يتواجد في تلك التجمعات حول النار الدافئة، مع أحد أخوالي و آخرين من سكان القرية. هو لم يكن يتحدث، فقط يشاركهم دفئ الحمراء الملتهبة، و يتنغم بأحاديثهم المختلفة. و حين يحين وقت الذهاب، يرغب بالبقاء مع أحدهم فيتبعه، حتى صاروا يتحايلون ليفروا منه، تاركين إياه يعود أدراجه خائبا، أو كما خمنت أنا. فلطالما أشفقت عليه حين يتم ذكر هذا الجزء من حياته.

سألت عن مسكنه، عن عائلته، أين هم ؟! فعلمت أنه كان من أحد المناطق البعيدة من القرية، و أن عائلته لطالما قاموا بربطه كي لا يفر، لكن محاولاتهم باءت كلها بالفشل، فاستسلموا و تركوه يفعل ما يشاء.

سألت عن حاله الآن، فلم أجد إجابا يشفي غليلي. قيل أنه اختفي بعد مدة، أحدهم يقول أنه انتقل لقرية أخرى، بينما الآخرون زعموا أنه قتل بسبب حادث، بينما البعض يفصح عن رؤيته بالمدينة التي أقطن بها. و تبقى الحقيقة مجهولة، لن يعلمها إلا هو، "قطرات".

تلك كانت اللمحات التي أذكرها عن قصته، هي لم تتعدى الألف كلمة، لكنها محملة بمجموعة مشاعر تهز كياني كلما قصت على مسامعي. فقطرات، الفتى المختل، مشابه لشخص العديد ممن أعتبرهم أبطالا، و كلما سمعت عن حياته، كلما رغبت في معرفة المزيد عنه ...







خواطر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن