مر اسبوع وتوطدت العلاقة بين حسام ورفيقه الذي لم يمله بعد .. لم ينتقصه وقد علم بنقصه .. صديق يحاول مساعدة شخص يلتقيه لأول مرة ويال العجب صار صديقه .. لقد طلبها من البحر ذات يوم .. عندما كان واقفاً علي الشاطىء كعادته .. بينما تنساب موسيقي عمر خيرت في أذناه كبلسم شاف لندوب روحه .. يشعر بالنوتات تتخلل مسامه , تعانق جراحه بحنان افتقده منذ الصغر .. توقظ بداخله الأمل من ثباته .. تمني وقتها صديقاً لا يخجل من الافصاح عن مكنونات صدره له .. رفيقاً يتقبله رغم عيوبه .. يحتمل مزاجه العكر علي الدوام .. وقد كان زياد نعم الصديق حقاً .. حتي أنه شاركه مشاكله في العمل واستمع لنصائحه باهتمام .. فزياد بالرغم من مزاحه الدائم .. الا انه ذو عقل راجح .. لم يكتفي بمؤاذرته فحسب .. بل صار يحاول الترويح عنه بمزاحه الدائم .. يحاول جعله ينسجم مع الواقع المحيط حوله .. حتي أن النوبات قلت كثيراً عن زي قبل بسبب عفوية زياد التي دفعته دفعاً للاختلاط رغم أنفه .. ابتسم بأمل , لقد هاتف طبيبة كعادته اليومية وأخبره بان النوبة تعاوده نعم ولكن الاغمائات انتهت تقريباً .. وكم شعر بالسعادة عندما اخبره الطبيب انه علي الطريق السليم وفكرة الرحلة تؤتي ثمارها علي ما يبدو .. ولكنه في الحقيقة زياد .. يعلم ذلك جيداً وكم هو ممتن لذلك ,,,,,,
فتح مفكرته وعيناه شاخصتان في الفراغ بينما يستجمع أفكاره .. لقد إشتاق للكتابة ، اشتاق لمخاطبة صديقه الوفي الأول ( البحر )
(أيها البحر تشبهني وأشبهك .. أشبهك في صمتك .. تشبهني في ثورتي .. أشبهك في غموض أعماقك .. تشبهني في صدق قولي .. في اللاحدود لصبري .. يريحني الجلوس قربك والنظر لأفقك البعيد .. أسكب ما بداخلي فيذوب داخلك كملحك .. لتبتلعه أمواجك ويختفي .. دمت لي خير رفيق .. دمت لي خير صديق .. دمت متفهماً حنوناً .. مستمعاً بلا ملل .. أهديك وحدك يا صديقي أملي الوليد )
- " الله قسم وسمعني يا حبيبي "
إبتسم حسام محركاً رأسه بمعني لا فائدة .. دوماً يظهر له في أشد أوقاته عوزاً واحتياجاً .. ليقطع تأمله بمزاحه الذي بدأ يعتاده بل ألفه .. التفت ليواجه نظرة زياد الماكرة والذي عاجله بالقول ،،،
- " يا عم الحنين عمال تتغزل في البحر أشوف فيك تسع تشهر وتكون ولادة متعسرة يا بعيد .. المزز أد كدة وانت عمال تتغزل في البحر ! ولا تكونش معجب بسمكة " ضحك حسام بينما تابع " هي السفلة عروسة البحر مفيش غيرها صح "
عاد رأس حسام للخلف من شدة الضحك " بس اسكت فرجت الناس علينا "
حرك زياد كتفيه وهتف ببراءة مصطنعة ،،
- " أنا عملت ايه بس .. انت الي فشتك عايمة ع الصبح " ثم فرك بطنه متابعاً " يا سلام لو الغدا النهاردة يبقي سمك وجمبري وياسلااام لو في استاكوزا هننور من كتر الفسفور "
حرك حسام كتفه بلا معني وهتف " مش بحب السمك "
اتسعت حدقتا زياد بصدمة " نعم يا حبيبي مبتحبش ايه ! امال انت اسكندراني ازاى في اسكندراني بزمتك مبيحبش السمك ! "
تحرك حسام واضعاً مفكرته علي أحد المقاعد والتفت واضعاً يديه في جيوب بنطاله بثقة وتابع " أه ،،، أنا "
-" أحيييييه ،، انت بتتكلم جد ! "
أومأ له حسام موضحاً " يعني بتخنق من الشوك ومعنديش خلق للتفصيص والكلام ده "
- " فقري "
- " نعم ياخويا "
زياد بجدية " طبعاً فقري ،، حد ميحبش السمك .. يااااه ده الحاجة عليها طاجن سبيط يشرح القلب كدة .. الله يمسيكي بالخير يا أمي "
ابتسم حسام واقترب مربتاً علي كتف صديقه " ربنا يخليهالك يا صاحبي "
حرك زياد سبابته أمام وجهه هاتفاً " بص بقي لما نرجع ليك عندي هدية طاجن سبيط معتبر من ايد الحاجة .. هتاكله وتدعيلي "
لاحظ توتر ملامح حسام بينما تمر فتاة ترتدي مايوه بيكيني ويغطيه وشاح شفاف بجوارهما .. سحب حسام مفكرته وهم بالرحيل علي عجل .. فاستوقفه زياد قابضاً علي معصمه " مش هتمشي يا حسام .. البنات الحلوة متخوفش صدقني " ثم تابع بمزاح " دول نعمة والي يكرهها يعمي يابني "
تابع حسام الفتاة حتي ابتعدت .. تنفس الصعداء وهو يلتفت ليواجه صديقه هاتفاً ،، - " عارف يا زياد .. عارف كل ده علشان كدة نفسي أخف وارجع انسان طبيعي .. عاوز أحب واتحب .. عاوز يبقالي بيت وأسرة وأولاد "
تابع زياد حركات يديه الإنفعالية بإشفاق أخفاه بمهارة بينما يقول بجدية " عاوز حاجة وهعمل حاجة تانية خالص .. انت اعترفت بمرضك وروحت لدكتور علشان يعالجك .. بس لوحده مش هيقدر يا حسام .. لازم الإصرار يبقي من جواك .. لازم تتغلب علي خوفك وتهزمه " ثم صمت قليلاً وعيناه تلتقطان الألم في عيني صديقه فتابع مازحاً " ده انت هتفجر لما تخف يا جدع بس ابقي افتكر أخوك فطوطة بمزة ولا حاجة تكون بتحب الشاب السوفيف الذي لا يري بالعين المجردة "
انفجر حسام في الضحك حتي أدمعت عيناه .. خفة دم زياد ستصيبة يوماً بنوبة قلبية من شدة الضحك .. ربت زياد علي كتفه بينما يعدل من قبعته موجهاً حديثه لحسام بينما ينظر للسماء مضيقاً عيناه ،،،
- " يابني انت الشمس دي مش مضايقاك ولا ايه .. أسلفك كاب من بتوعي يا عم .. أبو البخل الي فيك ده "
- " لا يا عم خلينالك انت الفانكي أنا كويس كدة "
حرك زياد كتفيه بلا مبالاة " براحتك يلا نلحق الغدا "
- " يلا "
***
الحفل المسائي كان رائعاً .. الجميع يستمتع وملاحظات زياد المضحكة علي كل شخص يمر بجوارهما .. رجلاً كان أو إمرأة جعلته يندمج مع الأجواء .. رغم تجنبه النظر لجميلات الحفل كعادته الا انه شعر لأول مرة بالإنطلاق ، بالتحرر .. بحلمه الذي ظنه بعيد المنال يقترب منه .. لأول مرة يبادل زياد المزاح الساخر عندما شاهدا شخصاً فيما يبدو من هيئته سائحاً .. يعتلي ساحة الرقص ويبدأ في الإهتزاز بسرعة مع النغمات الشرقية التي انبعثت في المكان حولهم .. بلا مبالاه بمن حوله وبرغم سخريته من فعلته .. الا انه حسده علي انطلاقه ولا مبالاته بسخرية من حوله .. بل شاركهم الضحك وهو مستمر في تلك الحركات الخرقاء التي يقوم بها باستمتاع حقيقي .. دون قيود ، دون خجل ، ودون كلل ،،،
عاد حسام مساءاً الي غرفته بعد انتهاء السهرة .. القي بجسده المنهك علي الفراش زافراً .. لقد كان يوماً مرهقاً وقد شارك رفقاء رحلته الإستمتاع لأول مرة .. لقد حقق انجازاً غير مسبوق .. وكم هو ممتن لزياد .. توجه لحمام الكابينة ملتقطاً ملابسه ليحظي بحمام بارد ينعش جسده المرهق ليساعده علي النوم .. خرج من الحمام بعد فترة مرتدياً بنطلون قصير مريح وتوجه نحو الفراش فارداً جسده عليه مناشداً للنوم .. رنين هاتفه بلا توقف جعله يستيقظ من غفوته .. تناول هاتفه يطالع رقم رئيس الأمن في مصنعه و الذي طلب منه تركيب كاميرات في المخازن للقبض علي ذلك الدخيل المجهول .. فتح الخط بسرعة ،،،
- " ها يا مدحت فيه جديد عندك "
- " أيوة يا حسام باشا وعرفنا الفاعل .. واحد من عمال المخزن .. الكاميرا لقطته وهو بيحط منوم للمناوب معاه .. وسرقته من المخزن بمساعدة واحد من خارج المصنع أول مرة أشوفه .. معاه عربية بيهرب فيها بالي اتسرق "
فرك حسام جبهته بإرهاق .. لقد كان يريد الوجود في مصنعه في ذلك الوقت ليواجه السارق بسرقته بنفسه ولكن .. زفر بخفوت هاتفاً " تمام يا مدحت عارف طبعاً هتعمل ايه ! "
- " طبعاً يا فندم ،، بكرة التسجيلات هتروح القسم زي ما اتفقت مع حضرتك "
- " تمام وبلغني أول بأول بالإجرائات الي هتحصل "
- " تمام يا فندم "
- " سلام "
أغلق الهاتف و اعتدل جالساً بتفكير لوهلة .. قبل أن يتوجه نحو حقيبته متناولاً بلوزة قطنية خفيفة ويخرج مسرعاً ،،،
لابد أن يخبر زياد بالتطورات .. لقد كانت فكرة إخبار مدير الأمن فكرته .. عندما شرح له ما يحدث في مصنعه .. ووضعه لكاميرات مراقبة في المخازن لتلتقط السارق حتي يعود ليشاهدها بنفسه .. ولكن أنس أخبره بأن الخسارة ستكون وقتها أكبر ولابد من سرعة التحرك .. وقف أمام كابينة صديقه لا يعلم ما يفعل .. هل يوقظه من نومه ليخبره .. أم ينتظر الصباح ببساطة .. لا ، لن يستطيع ان يصبر .. لقد أراد مشاركته ما حدث .. هو صديقه الوحيد ومخزن أسراره .. رفع يده منتوياً الطرق علي باب الغرفة .. وعندها ! .. أستمع لمحادثة جعلت الدم يصعد لرأسه .. والكلمات تختنق في حلقه .. ابتلع ريقه بتوتر وهو يتخذ قراره بعدم طرق الباب .. وضع يده علي المقبض وأغمض عيناه معتصراً لهما .. يحاول تهدئة أنفاسه .. دعا في سره أن يكون الباب غير موصد من الداخل .. وأدار المقبض بهدوء لينفتح الباب .. وقف أمام الباب يطالع المشهد أمامه بصدمة .. مطارق تنهال فوق رأسه .. انتفاضة بدنه ، وارتعاشة يديه .. عيناه الحمراوان كبؤرتي جحيم مستعر .. يلهث وكأنه عداء ماراثون يسعي للتفوق علي منافسيه .. شحب وجهه وكأنه علي شفير الموت .. وضع يده علي صدره يحاول تهدئة أنفاسه وعندها .. سقط فاقداً للوعي .. وآخر ما رآة كان زوج من الأعين الوجلة تطالعانه بصدمة ،،،،،،