شروق الشمس .. ، مشهد رباني رائع يتمثل في صعود الشمس تدريجيا في السماء الرمادية لتنشر آشعتها بتروي في أرجاء المكان..
جلست هي امام نافذتها وامالت برأسها لتستند علي حافتها الخشبية ، وظلت تتأمل بزوغ الشمس بالكامل وصعودها عاليا في السماء..
سمعت طرقات خفيفة علي الباب ثم يفتح ليدلف منه رجل بشوش الوجه ، نحيف الجسد و وجهه مليء بالتجاعيد وآثار الزمن الطويل..
ارتسمت ابتسامة علي شفتيها ثم نهضت واتجهت اليه قائلة:
- صباح الخير يا بابا..
ثم مالت وامسكت بكف يده تقبله ليملس والدها علي شعرها الأسود وهو يقول بنبرة حنونه:
- صباح النور يا خلود.. صاحيه بدري يعنى!
ابتسمت خلود ثم قالت:
- عادي .. هروح المدرسه بعد شويه.
- طيب يا بنتى ربنا يوفقك.. انا هروح الشغل انا.
- طيب مع السلامه يا بابا ..
فأجاب وهو يلتفت ليخرج من الغرفه:
- مع السلامه..
- سلام وخلي بالك من نفسك.
ضحك والدها بخفة ثم قال:
- حاضر..
*****
دلفت من بوابة المدرسة الحديديه وهي تعبث بدفاترها فلم تلحظ تلك العيون المعلقة بها ، بقوامها الممشوق وملامحها وغيره..
خلود فتاة تبلغ من العمر الثامنة عشر عاما وهي في الصف الثاني من المرحلة الثانويه ، تمتلك شعرا اسود واعين سوداء كسواد الليل تماما ، جسدها أنثوي طغت عليه ملامح جمال بريئه ،
مما يجعل كل من يراها يقع في غرامها فورا..
متفوقة في دراستها رغم وفاة والدتها منذ نعومة اظافرها ولا يوجد في حياتها احد سوي والدها العجوز..
دلفت خلود إلي الصف لتتجه إلي مقعدها وتجلس عليه ، نظرت حولها نظرة سريعة ثم عادت لتفتح كتابها وتقرأ بعينيها بهدوء..
لا يوجد أصدقاء كُثر تعرفهم في تلك المدرسه فبرغم شخصيتها القوية وثقتها الزائدة في نفسها إلا ان مستوي معيشتها لم يسمح لها بالإختلاط بزملاء الصف الأثرياء ، فوالدها مجرد عامل في شركة أقمشة ضخمة و كبيرة ، و حالهما المادي بالكاد ميسور..
****
في مكان آخر تجمع رجال الأعمال في مكتب فخم حول طاولة إجتماعات من الخشب المتين ، كانت الأجواء مليئة بمزاحات خفيفة و ضحكات متعاليه إلي ان دلف هو من الباب ليخرس كل من في القاعة ويعتدل في جلسته كعلامة للإحترام..
جلس هو علي المقعد الرئيسي وهو يحل زر بدلته الأوسط بخفة ثم نظر نظرة سريعة علي الجالسين ثم أخفض بصره للأوراق الموجودة امامه ليعيد تنظيمها ويضع القلم بحدة عليها ثم يبدأ في الحديث بجديه:
- شحنة الكتان معادها امتي؟
ليجيب احدهم بسرعة:
- علي وصول يا كريـم بيه.. عملائنـا اتصلوا وبلغونا انها في طريقها لـ هنا..
- كـويس..
قالها كريم ثم وجه حديثه لشخص آخر:
- ايـه جدول الإجتماعات انهارده ؟؟
ليجيب الآخر بروتينيه:
- جدول حضرتك انهارده فيـه إجتماع واحد كمان ساعتين مع شركة الـ "لورانس" الأجنبيه يا فندم.
- مممم.
همهم بها كريم ثم قال بتحذير:
- عايز كل الاوراق تبقـي مظبوطه قبل معاد الـتسليم.. مفهــوم ؟
- مفهوم يا فنـدم.. !
ضغط كريم علي زر بجانبه ثم قال:
- كوباية قهوه سادة .. بسرعة يا عم أشرف.
بعد دقائق دلف أشرف- الإسم المطلق علي والد خلود- ثم وضع قدح القهوة بجانبه وإستأذن ليخرج..
*****
حضر عملاء شركة الـ "لورانس" ليتم توقيع عقد تسليم شحنة القطن ، جلس كريم مع رجلين اجنبيين وإمرأة غربية شقراء ، مرت لحظات صمت سريعة الي ان قطعه كريم بصوته متحدثا بلهجة إنجليزية ممتازه:
- ما هي شروط العقد المدونه ؟
ابتسم احد الرجلين ثم قال بلغة انجليزية هو الأخر:
- شروط العقد بسيطة مستر كريم ، فقط المشكلة في المبلغ قد لا يعجبك.
مط كريم شفتيه بلا إكتراث ثم قال:
- لم ؟.. كم المبلغ؟؟
نظر الرجلين الي بعضهما ليقول الآخر:
- مستر كريم نحن علي علم بمكانة خامات القطن المصرية ولكن المشكلة اننا نري ان مبلغ المليار ونصف المليار مبالـغ فيـه !
-مبالغ فيه ؟؟
نطق كريم بدهشة ثم تابع متسائلا:
- و ما هو مبلغكم المناسب؟!
نظر الرجل الي المرأة الجالسة معهم لتنظر هي الي كريم نظرات أدرك معناها جيدا منذ دلوفها اليه ، فهم يستخدمون المرأة كوسيلة لتيسير امور العقد و الموافقة علي ثمنٍ قليل..
استند كريم بمرفقيه علي المكتب وهو يحدق بها وقد أدرك لعبتهم التقليديه بالنسبة له ، ضيق حدقة عينيه وهو ينظر بثبات الي عينيها ليهتز ثباتهـا وترمش بإستسلام ليبتسم هو ابتسامة جانبيه وقد حصل علي وليمة أخري الليله ، وبدلا من تقليل المبلغ ، يستطيع الآن رفعه لـ مليارين .. او اكثر !!
******
بعد إنتهاء الإجتماع المعلق خرج كريم برفقة مندوبة شركة الـ "لورانس" الشقراء ، إرتدي كل منهما نظارة سوداء انيقة ثم أمرها كريم بإشارة من يده بالتحرك أمامه..
مرا بجانب أشرف والد خلود الذي نظر اليهما لينظر اليه كريم من خلف نظارته ببرود ثم يكمل طريقه ، حرك أشرف رأسه بحسرة قائلا بخفوت:
- يا خسارتك يا بني .. !