رفعت حاجبيها بدهشة شديدة مما قالـه ؛ من المستحيل ان تذهب مع ذلك المغرور بذاته:
- لأ متشكره ، انت بس وصلني بيتي و كتر خيرك.
مط كريـم شفتيه بلا إكتراث ثم قال:
- دي توصيات والدك.
لم تصدق ما قاله بالتأكيد ، فوالدها لن يسمح بذلك ابدا:
- محصلش ، بابا عمره ما هيرضالي كدا.
لم يجب و تابع طريقه لتنهره بشدة وقد وصل ضيقها لأشده:
- وبعدين مستحيـل امشي مع واحد غريب و معرفوش ، وكمان اروح بيته !! .. مستحيــل.
سكن كريـم لوهلة ثم اطلق ضحكة خفيفة وقال:
- واحد غريـب !! .. الله يرحم القميص الابيض ، اتبهدل من القهوة يا عيني.
لم تستطع الإجابه ، بل اكتست وجنتيها بحمرة الخجل واشاحت بوجهها للجهة الأخري ثم قالـت بعد لحظات:
- نزلني لو سمحت.
نظر اليها عبر المرآة الامامه ثم نظر امامه بصمت ، و بالفعل وجدتـه يوقف السيارة ولكن بعد ان مر بأبواب حديدية لم تدرك فائدتها بسبب ظلام المكان الغريب !
ابتلعت لعابها بتوتر ولكن شجعت نفسها وفتحت الباب ثم ارتجلت من السيارة لتحاول العودة الي المنزل..
ولكن تفاجأت به يرتجل من سيارته الفارهه وينظر اليها بإبتسامة اظهرت بياض اسنانه الناصع ثم قال وهو يرفع حاجبيه بتحدي:
- اهلا بيكي في بيتي..
لاحظت نظرة التحدي في عينيه لتقول بعناد:
- وانا رافضه تحيتك دي وهمشي يعني همشي.
- و الله مش بمزاجك يا آنسه خلـود .. لحسن حظك هتفضلي يومين في القصر دا.
قال جملته الأخيرة وهو يشير الي هيكل مظلم لقصر فخم ولكن لشدة عتمة المكان لا تري سوى مجسمه المعتم.. !
قالها ثم تخطاها لتمتم هي بحنق:
- بيت دا ولا مقبره ! ، ايه الضلمه دي؟
ليتوقف كريـم ثم يقول دون ان يلتفت:
- سمعتك .. ومتخافيش بيتي..
ثم تابع سيره لتنظر اليه خلود بتعجب ممزوج بالحرج..
تابع كريم طريقه نحو باب القصر ثم عبث بشيء ما في الظلام لينير المكان بالكامل فجأة..
فغرت خلود فاها عندما نظرت الي ذلك القصر الذي نعتته الآن بالمقبره..
قصر لا يوجد له أحرف كفاية لوصفه ، لا يوجد سوي في الأفلام الخياليـه فقط.. !
ظلت مندهشة للحظات بينما كريم يتابع تعابير وجهها بإستمتاع ، مرت بعينيها علي الحديقه الواسعة وانوارها الرقيقه والمريحه للأعصاب ، نظرت ارضا لتجد قدميها فوق ارضٍ رخاميه بيضاء وعلي الجانبين تخرج اشجار متساوية الطول من فتحات بشكل المربع..
رفعت بصرها لتجده يستند بظهره علي الحائط ويتابعها بنظراته المعروفة الوقحه..
إحتضنت جسدها بذراعيها وهي تشيح بوجهها في خجل لتزيد ابتسامته اتساعاَ ثم يقول:
- هتفضلي بره ولا ايه ؟! ، تعالى ادخلي..
ثم فتح الباب بالكامل ليجدها تقول بخوف تحاول إخفاءه لتعزيز موقفها:
- لأ .. قولتلك مستحيل .. انا هروح المستشفي لبابا.
رفع كريم احد حاجبيه ثم قال:
- اتفضلي روحي..
ثم التفت ودلف الي قصره تاركاَ الباب مفتوحاَ وراءه.. !!
أخذت نفساَ عميقاَ ثم زفرته بضيق شديد ونظرت حولها ، وفجأة سمعت صوت مزعجاَ يأتي من خلفها .. انتفض جسدها بفزع والتفتت لتجد البوابة الرئيسيه تغلق تدريجياَ ؛ إذن فهو يريدها ان تستسلم وتدلف بمفردها..
نظرت الي الباب بإحتقار ثم زفرت مجددا وبعد تردد اتجهت الي الثلاث درجات الرخاميه المؤديه الي الباب وجلست علي اخر واحدة تنتظر الصباح ان يشق ذلك الظلام..
لم تلحظ اعين كريم الذي يراقبها من شرفة غرفته ، و ما هي إلا دقائق لتذهب خلود في عالم النوم في الخارج ويتسطح جسدها تماماَ علي الأرضية الرخامية البارده.. !
ترك كريم شرفته ودلف الي الغرفة ثم ظهر بعد لحظات امام الباب الرئيسي ، كانت خلود توليه ظهرها وجسدها ممدد بالجانب علي الارض ، ظل هو للحظات يسير بعينيه علي جسدها ثم اتجه اليها و سكن قليلا ثم هبط اليها وحركها حتي اصبحت رأسها علي ذراعه وجسدها ما زال ممددا علي الارض..
تبعثر شعرها الاسود علي وجهها ليبعده بأنامله برفق ثم يسير بإبهامه علي وجنتها بنعومه..
انجذب لتصرفاتها التي تكبر سنها بمراحل ، إختلافها و عدم حديثها معه او بطريقة اوضح رفضها لـه ؛ وهذا شيء جديد عليه ، شيء يزعجه.. فلا بد من ان يريح ذاته المرفهه.. !
******
أشرقت الشمس بعد ليلة طويلة متعبه ، استيقظت خلود وفتحت اعينها لتجد امامها نافذة ! ، خزانة ملابس ، منضدة و اريكة صغيرة ثمينه..
انتصبت جالسة بفزع ثم وبدون تفكير نهضت لتقف و تنظر حولها بخوف ، وجدت ملابسها ملقاة علي الاريكة لتبتلع لعابها بصعوبة وتنظر الي نفسها لتجد قميصاَ قطنياَ يصل الي ما بعد الركبة بقليل..
تسارعت ضربات قلبها ، ماذا حدث ؟ اين هي ؟ لا تذكر انها قامت بتبديل ملابسها ؟ إذن من فعل؟؟
ركضت الي الباب ما ان وقع بصرها عليه ثم فتحته بعنف و دموعها تتكون في مقلتيها بسبب تذكرها لـليلة البارحه..
ماذا فعل بها هذا المجرم ؟؟
وجدت نفسها بدون وعي تصرخ بإسمه:
- كــريــــــم..
لحظات و وجدته يخرج من الغرفة الموجودة في جانب منعزل وينظر اليها بتعجب ، لتركض نحوه وهي تقول:
- عملت فيا ايه يا حـيوان..
ما ان وصلت اليه حتي صفعته ودموعها تهبط رغماَ عنها ، مرت لحظات مشحونه لينظر اليها بحدقتين متسعتين بغضب ثم رفع كفه ليصفع وجنتها بشدة لجرأتها المفرطة تلك !!
التفت وجهها للجانب الآخر من شدة الصفعة وكادت ان تسقط لولا ان امسكت قبضة كريم بذراعها وجذبها بقسوة ناحيته وهو يزمجر بغضب:
- انتي ازاي تمدي ايدك عليا..
لتنطق خلود بصوت مقهور باكي:
- وانت ليه تعمل فيا كدا .. عملتلك ايه انا ؟؟
نظر لعينيها بعدم فهم للحظات ثم ادرك ما ترمي اليه ، وفجأة كبل ذراعيها وراء ظهرها و دفعها نحوه لتلتصق به تماماَ ثم يقول:
- عملتي كتيـر .. وبعدين انا حر اعمل اللي انا عايزه..
زاد بكاؤها حدة عندما تأكدت من اقواله بما فعله ، اشاحت بوجهها عنه بعجز لتجده يقهقه بعلو صوته ضاحكاَ:
- مش معقوله يا خلود كنتي فظيعه .. مكنتش اعرف انك كدا ابدا.
زاد نحيبها من كلماته السامه فتوقف هو عن الضحك تدريجيا ثم قال:
- اهدي يا خلود .. اهدي محصلش حاجه..
ثم عاد لضحكه مجددا ليفلتها من يده لتسقط هي علي الأرض ثم تزحف لتبتعد عن ذلك المجرم..
لاحظها كريم ليسرع ويجذبها ثم يكبل ذراعيها مجددا خلف ظهرها ولكن هذه المرة صدمها بشدة في صدره الصلب وكأنه يستعرض جسمانه القوي ، ثم اقترب من عينيها اللامعتين بسبب الدموع وقال:
- امبارح انتي نمتي بره في الجنينه ، كل اللي عملته يا بنت الناس اني شيلتك ودخلتك الأوضه..
لتقول خلود باكيه كـ طفلة صغيره:
- كداب..
- صدقيني وان كان علي هدومك فخليت الدادة اللي تحت هي اللي تعمل كدا عشان انتي تنامي مرتاحه ، ولو مش مصدقه هي تحت في المطبخ انزليلها..
كانت تتابع كل حرف يخرج من بين شفتيه بصدمة وعدم تصديق ، و ما ان انتهي حتي رفعت بصرها لعينيه لتجده يبتسم بمكر وتشعر بذراعيه تلتف حول خصرها جيداَ ، ابتلعت لعابها بقلق وحاولت الإبتعاد ولكنه قاطعها بصوته:
- فعلاَ باباكي موصيني عليكي بس من ساعة ما كنتى طفلة صغيره .. من وقتها مشوفتكيش و بصراحه مكنتش متخيل انك تبقي حلوه كدا..
ضمت حاجبيها وتعابير الخجل جلية علي وجهها وحاولت التقلص لتبتعد عنه ولكن لطول قامته وجسده القوي لم تستطع الفرار..
وجدته يميل برأسه وبدون مقدمات يطبع قبلة رقيقة طويلة علي وجنتها لـتشهق بصدمة وخوف ويضطرب تنفسها..
و لكن انقذها منه صوت إمرأة يأتي من خلفها:
- الفطار يا كريم بيه.
لم يظهر علي كريم الإكتراث او الحرج ، بل ابتعد فقط بهدوء لتدفعه خلود فإرتددت هي للخلف لتقف جانبا بوجه مضطرب و تنظر ارضا:
- حاضر يا دادة جاي..
اومأت المرآة العجوز برأسها ثم ابتعدت بهدوء كما جاءت..
ما ان تحركت المربية حتي خفق قلب خلود بهلع وحاولت الفرار ولكن اسرع كريم بدفعها الي الحائط ومحاصرتها لتقول بتحذير:
- انت عارف لو قربتلي بس .. نهايتك هتكون بسببي.
ابتسم كريـم ابتسامته المعروفة ثم اقترب بوجهه من وجهها وهو ينظر اليها بتحدي لما قالته فأغمضت هي اعينها بقوة واشاحت بوجهها للجانب لتقول وهي تلعن عجزها:
- ابعد عني بقولك ..
ثم تابعت برجاء:
- ارجوك..
وجدته يبتعد عنها فجأة ويقول وهو يهبط الدرج:
- ثواني والقاكي لابسه عشان نروح لأبوكي.. !
.