3

3.9K 108 0
                                    


- خــلود ..خـــلود !!

انتبهت خلود لصوت والدها لتنظر اليه ثم تقول:

- هـا.. بتقول حاجه يا بابا؟
لتبتسم كوثر وتغمز لهـا بعينها:
- اللي واخد عقلك.
نظرت اليـها خلود شزراَ ثم قالت بتهكم:
- مــاله ؟
- يـ بخـته.
لتضحك خلود بسخريه:
- ها ها ها ها..
ضم أشرف حاجبيه قائلاَ بتعجب:
- مالك يا خلود ؟!
لتجيب كوثر:
- هي كدا من ساعة ما مستر كريـم كلمنا.
زاد أشرف من ضم حاجبيه وهو يقول:
- ليه ؟ عملك ايه يا خلود.
نظرت خلود الي كوثر بضيق ثم نظرت لوالدها وقالت بهدوء:
- ابداَ يا حبيبي محصلش حاجه ، انت عارفني مبحبش اتعرف علي حد..
- بـس دا مش اي حد يا خلود..
- قصدك ايه ؟؟
وصلا الي بيت كوثر لتقول كوثر بضجر:
- مبحبش انا تقطيع الاحداث دا ، بس يلا اشوفكو بكره .. باي باي.
ابتسمت خلود ثم قالت:
- اوك مع السلامه.
دلفت كوثر الي منزلها و اكملت خلود مع والدها لتنظر اليه بإهتمام:
- قصدك ايه مفهمتش؟؟
نظر اليهـا والدها بإبتسامة ثم قال بإرهاق:
- هـحكيلك .. بس لما نروح عشان اقدر اتكلم.
ضمت خلود شفتيهـا بتفهم ثم قالت:
- سلامتك يا بابا .. بإذن الله مشكلة صدرك هتتحل.
نظر اليها والدها للحظات ثم عاد ببصره الي الامام و ردد بتمهل:
- بإذن الله..
*****
وصلا إلي المنزل لتبدل خلود ملابسها بأخري مريحه ، ثم تتجه إلي المطبخ لتعد طعام الغداء..
انتهت من الطهو لتتجه بعد ذلك لصنع كوبين من الشاي ثم تسير الي غرفة والدها الجالس علي سرير وبجانبه صندوق مليء بالصور القديمه:
- ايه صندوق الذكريات دا؟
قالتها خلـود بمزاح و هـي تجلس بجانبه وتمد يدها بكوب الشاي الساخن..
تناوله من يدها و هـو يقول بإبتسامه:
- صندوق صور جمعت كل اللي نعرفهم .. دوري فيهم كدا جايز تفتكري حاجه..
ذمت خلود شفتيها و هي ترفع حاجبيها وتتفحص الاوراق بعينيهـا ثم وضعت كوب الشاي علي منضدة بجانب السرير و استلقت علي معدتها ثم شرعت في تفحص الصور..
امسكت بصورة لطفلة صغيره لتبتسم وتقـول:
- انـا..
- مممم صح .. دي انتي في الحضانه.
- عسووله انا علي فكره..
قالتها ممازحة ليقهقه والدها ثم يقول ضاحكا:
- طب كملي يلا..
اكملت العبث في الصور لتجد صورة لهـا علي مكتب فخم و بجانبها شـاب في مقتبل العمر يمسك بذراعها ويبتسم بينما هي تبكي وقد وقعت القهوة علي جزء من ملابسها بعد ان اغرقت سطح المكتب بأوراقه !!
ارتسمت ابتسامة علي شفتيها ليقول أشرف ممازحا:
- خلـود .. رقم قياسي في دلق السوائل..
حاولت خلود كتم ضحكها ولكن انفجرت ضاحكة ليقول والدها بإبتسامته المريحه:
- طـب تعرفي مين المسكين اللي عانى منك بسبب دلق القهوه دا؟
سكن ضحكها قليلا لتعتدل وتقول بشغف:
- مــين ؟؟
اشار والدها الي الشاب الذي يمسك بذراعها وهو يقول:
- الاستاذ دا..
نظرت خلود الي ذلك الشاب ، ملامحه ليست بالغريبة عليها و لكن لم تصـل لتعريف صاحبهـا بعـد:
- هو مين يعني ؟!
- كريـم سيف الدين..
اتسعت حدقة عينيها بدهشة و نظرت اليه ثم قالت غير مصدقه:
- كريـم ميــن ؟؟
- اللي كان الصبح فـ النادي..
عادت بنظرها إلي الصـورة ، بالفعل فالملامـح متطابقه رغـم كونه اصغر في الصوره.. واكثر لطفاَ !
مرت لحظات صمت سريعة الي ان نطقت خلود:
- انا ايــه اللي مقعدني جنبه ؟؟ هو يقربلي ايه اصلاَ ؟!
تنهد أشرف مطولاَ ثم بدأ بالحديـث في هـدوء:
- كريم هو ابن صاحب الشركة ؛ اللي هو الاستاذ سيف الله يرحمـه ، انا كنت دايما اخدك معايا الشغل و كريم كان بيجي مع ابوه عشان يتعلم اصول الشغل ويمسك الشركه ورا منه .. المهم ان كريم كان يقعد في المكتب وانتي تدخليله وهو بيشرب القهوه وهووب توقعيها علي الملفات و الاوراق ، يجي الاستاذ سيف يعنفك تستخبي ورا كريم..
ثم تنهد و تابع مبتسما:
- ايــام حلوه متتكررش.
كانت تستمع اليه بصمت غير مصدقه ، لا تتذكر شيئا من هذا ابداَ كـمن مُسحت ذاكرته تماماَ:
- انــا ؟! امتي الكلام دا ؟؟
- من زمــان .. بقولك و انتي في الحضانه.. وكريم كان لسه مخلص جامعه مبقلوش سنتين.
سكنت قليلاَ ثم تابعت بشرود:
- يعني عشان كدا كلمنا انهارده.
- لأ .. هو برده مكنش فاكرك.
- مممم يعني حضرته بتاع ضحك وهزار وكلام من دا .. مش كدا؟
- كريم اتغير من يوم ما اتيتم .. من يوم ما امه وابوه ماتوا مع بعض فـ حادثه علي الطريق السريع..
سكنت خلود للحظات ثم تمتمت بأسي:
- ربنا يرحمهم.. هما ومـامـا.
- يا رب.
قالها اشرف ثم ربت علي ظهرها قائلاَ:
- يلا يا جميل قومي شوفي الاكل.
ابتسمت خلود ثم قبلت خده وقالت قبل ان تتهض:
- حاضر.. بعد اذنك.
ثم خرجت من الغرفة ودلفت الي المطبخ وبدأت في فحص الطعام ، انتابتها ارتجافة سريعة عندما تذكرت الصورة ، أكانت تجلس مع ذلك الوقح في الماضي ؟ بل و تحتمي به ايضاَ ؟؟
شعرت بالخجل الشديد من ان تراه مجدداَ في المستقبل وهو متذكر الآن من تكون هي تماماَ..
*****
مر النهـار وغابت الشمـس ليعلن البدر موعد النـوم للجميع..
استيقظت خلـود بعد مدة من النوم لشعورها بالعطش الشديـد ، خرجت من الغرفة و اتجهت الي المطبخ لتمر بغرفة والدها لتسمع انيناَ خافتاَ ، عقدت حاجبيها بتعجب و تراجعت لتقترب من غرفة والدها وتمسك بمقبض الباب بخوف وقلق وهي تهتف:
- بـابـا .. آآ.. انت كويس ؟
كُتم الأنين فجأة ولكن سرعان ما عاد بتألم اكبر ، لم تنتظر خلود اكثر بل فتحت الباب بسرعة لتجد والدها ممددا علي الفراش ووجهه يتصبب عرقاَ بشده وكفه موضوع علي قلبـه !!
فزعت خلـود من مشهد والدها لتركض نحوه ثم تقول بخوف وهي تربت علي كتفه بلهفه:
- بـابـا في ايه .. مـالك قولي؟؟
لم يستطع الإجابه بل ظل صوت انينه يتعالي مظهراَ ألمه الشديد..
اسرعت خلود بفتح درج المكتب الموجود في الغرفة بجانب السرير تبحث عن اي نوع مسكن يأخذه والدها الحبيب ، لم تجد سوي اشرطة فارغه ، هرولت الي الهاتف تحاول الإتصال بجارتها كوثر مرة بعد مره ولكن لا بوجد رد..
سيطر الإرتجاف عليها رغم محاولتها للتماسك ، اسرعت الي غرفة والدها مجددا تبحث في حقيبته فلم تجد شيئاَ يساعد ، زاد انين والدهأ العاجز عن الحراك او الحديث لتهبط الدموع من عينيها وهـي تشعر بعجزها اللعيـن ، عاودت البحث في اغراضه لتجد كارت ذلك الوقح المدعو بكريم ، نظرت اليه ثم الي والدها لا تصدق ما ستفعله ولكن لا خيار اخر امامها !
امسكت بهاتفها و اتصلت سريعا برقمه المدون ، مرة لم يجب فعاودت الإتصال لينقطع الجرس و يأتيها صوته النائم:
- الـو..
اخذت نفساَ عميقاَ ثم زفرته وقالت بسرعة لتبدو ثابتة اللهجه و لتخفي صوت بكاءها:
- الـو ، انا خلود .. آسفه اني اتصلت في وقت متأخر بس بابا تعب و مش عارفه اعمل ايه وهو تعبان جامد ومش بيتكلم خالص ..
صمتت لتسمع عرضه للمساعدة ولـكن حدث ما كانت تخشاه .. صمت ، لم يجب لتقول بتردد:
- فـ آآآ.. ممكن تيجي تـ تشوفه بس؟
آتاها صوته البارد بعد لحظات:
- اكييد .. بس خلود مين؟؟
صمتت للحظات بإشمئزاز ولكـن صوت والدها المتألم دفعها للحديث بسرعة:
- خـ خلـود .. خلــود أشرف اللي حضرتك شوفتها الصبح فـ النادي..
- خلود ؟! ..
ثم تابع بطريقة مستفزه:
- آه آه افتكرت .. اوك هشوف واجيلك.
- بسرعه لو سمحت.
- اوك..
اغلقت الهاتف ثم ركضت لوالدها وحاولت ضبط جلسته وهي تقول:
- متقلقش كريم في الطريق..
*****
وصل كريـم الي العنوان المدون في ملف أشرف ليهبط ثم ينظر الي ذلك البيت البسيط ، اتجه ناحيته و طرق الباب ثم انتظر للحظات لتفتح خلود الباب وتنظر اليـه بحرج فبادرها بقوله الجاد:
- هو فيـن؟
افسحت له المجال ليدلف ثم ارشدته بصمت الي غرفة والدها ليتجه اليه كريم:
- تعالى معايا..
ثم اسنده ليخرج فساعدته خلود بفتح الباب ، ليركبا السيارة متجهين الي المشفي..
******
جلست علي المقعد بجانب حجرة العناية المركزه ودموعها خضعت للنزول ، بينما وقف كريم امامها مستندا بظهره علي الحائط و مسلطاَ بصره عليها..
مرت لحظات إلي ان انتبهت خلود اليه فجففت دموعها سريعا و رفعت رأسها لتنظر اليه لتجده بنظر اليها بثبات بتلك العينين الثاقبتين ، ابتلعت لعابها ثم قالت:
- انا علي فكره اتصلت بناس كتير قبل ما اتصل بـ حضرتك بس محدش رد.
نظر اليها للحظات ثم قـال:
- مفيش مشاكـل .. المهم هو يبقي كويس.
خرج الطبيب من الحجره لتنهض خلود و تنظر اليه بلهفة بينما قال كريم بحذر:
- ايه الاخبار يا دكتور.
- الحقيقه مش عارف اقولكم ايه .. بس الاستاذ حالته الصحيه متأخره وسبب اللي حصل دا ان القلـ..
ليقاطعه كريم بجديه:
- المهم هيخرج امتي؟
نظرت اليه خلود بتعجب ثم قالت:
- انا عايزة اعرف سبب اللي حصله ايه..
تجاهلها كريم قائلا للطبيب:
- مقولتليش .. هيخرج امتي؟
مط الطبيب شفتيه ثم قال:
- هيفضل هنا يومين علي الاقل لحد ما نشوف.
لتهتف خلود بإصرار والدموع تلمع بأعينها:
- انا عايزه اعرف بابا ماله ؟؟
نظر اليها كريم بغضب ثم التفت مجددا الي الطبيب وقال:
- شكراَ يا دكتور ..
ثم التفت وقبض علي ذراعها ليجعلها تسير امامه قهراَ.. !
اوصلها الي سيارته وهي تحاول الإفلات من قبضته:
- سيبني .. سيبني انا هفضل مع بابا..
فتح كريم باب السيارة الخلفي ثم ادخلها رغماَ عنها و صفع الباب بقوة واتجه ليصعد امام مقوده وينطلق في حين حاولت خلود فتح الباب ولكن بلا فائدة..
بدأ الخوف يسيطر عليها لتقول مرتجفه:
- انت عايز مني ايـه؟
نظر كريم اليها عبر المرآة الأماميه ليوقف السيارة جانبا ثم يتنهد وبقول:
- مش عايز حاجه يا خلود .. لكن مش معقوله هتفضلي في المستشفي اليومين دول.
حركت رأسها نافية وهي تقول:
- لأ هفضل معاه .. انا عايزة اعرف انتو مخبين عني ايه بابا ماله؟؟
ظهر علي وجهه الإمتعاض ليقول منهيا الحديث:
- مش انتي عارفه انه عنده مشكلة بسيطه في صدره ؟! .. هي دي.
لم تقتنع بقوله و لكن فضلت ان تتحلي بالصبر لتقول:
- طب لو سمحت وصلني البيت..
أدار محرك السيارة ثم قال:
- لأ مفيش قعاد هناك.
- افندم ؟! .. امال فين ان شاء الله؟
ليجيب بإبتسامة غامضة وهو يتحرك بسيارته ليعود الي الطريق:
- فـ بيتي.. !!

غرورك انجب عنادىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن