حياة لا حياة لها

92 5 0
                                    

حياة لا يمكن ان تكون حياة عادية ان لا تصل لأهدافك حصرة، ان لا تستطيع ضم وطنك وارضك ومالك، حصرة ما بعدها حصرة.
-أنت مش بتتكلم لية؟
هكذا أنتهت شقيقة حسام من حديثها، بعد ملاحظة الحالة الذي يمر بها عبد الحميد لتقطع شروده، ليقول لها بلا مبالاة :
-حضرتك لو أنتي مش واخده بالك...
ليصمت ثم يكمل قوله بهوجاء وصياح
-أنا صحبي مات ومن أول ماجيت هنا وانا بقابل مصايب وحياتي كلها بقت غمضة معرفش مستقبلي لونه ايه حتى!
لتدعس شقيقة حسام على فرملت السيارة لتقف فجأة حتى كاد المارة بالتصادم، عندما رأت دموع عبد الحميد لتقول في هدوء تحاول لملمت شتاتها .
-هوا حضرتك مش شايف انه اخوية، وبعدين انت بتزعقلي ليه؟
-بصي يااا...
-انا سلمى اسمي سلمى يا عبد الحميد.
-بصي يا انسة سلمى، انا واحد امي ماتت من تعبها وابوية مات من الفقر وانا مش عارف اعمل حاجة في حياتي ومفيش حاجة عشان اعملها، ومرا وحدة لقيت نفسي هنا.
-روق يا عبد الحميد ان شاء الله بكرة احسن.
-بكرة بكرة بكرة ملعون ابو بكرة اللي بيزلني كدة.
وصمتت ليس لأنها لا تستطيع الرد بل لأن حالته لا تسمح بالحديث، ليجول في زهنه أنه رأى مثل ذلك الموقف من قبل، اجل لقد تذكر موت والده.
لما كان ذاهب ليبحث عن عمل في اي مجال ودخل لأحدهم في مطعم صغير يطلب العمل به حتى تكبر عليه صاحب المطعم و سبه وأهانة، وسبحان ربك الذي يصنع الصدف كان عبد الحميد يمر من امام ذلك المطعم وسمع إهانة والده، ليتحول ابنة الصغير لذئب مفترس لولا كثرة الأعداد لما لحق احد صاحب المطعم من يد عبد الحميد.
وبعد ما وصلت سلمى لمنزلها، وقفت امام بوابة كبيرة من الحديد، الذي هبط على الأرض قبل خلقها، بملايين السنين، لتفتح البوابة بهدوء لتدخل بالسيارة وتمشي بها داخل ممر طويل حتى وصلت امام بوابة البيت وقف عبد الحميد بعد نزوله من السيارة يتأمل الحديقة.
منزل من الزجاج الذي يطوف بين بقع من بركات المياه وداخله حمامات السباحة والغرف والديكورات الجميلة الشكل.
-ايه يا عبد الحميد هتفضل واقف كدة كتير ، ما تتفضل أقعد.
-لا عادي بس المنظر خطفني.
-اها البيت... عجبك؟
-بصراحة أنا اول مرة أشوف الفخامة دي.
-طيب قولي يا عبد الحميد، ناوي تعمل ايه في مستقبلك؟ انا مستعدة اساعدك وأعوضك عن الأزائة اللي حصلت بسببي انت بتفهم في ايه؟
-أنا برسم .
-طيب تعالى معاية!
ثم قامت من مجلسها لتمشي تجاه أحدا الغرف، دخلت مرسم به جميع أدوات الرسم، عبارة عن غرفة مصنوعة بديكور قديم وكلاسيكي لديها شرفة تطل على بركة تجعلك تعتقد انك تسكن بجانب النيل.
دخل عبد الحميد ينظر للعدد الموجودة ذهب ليقف أمام لوحة وتجلس سلمى أمامه ليمسك بالفرشة ويبدأ رسم سلمى.
-هو أنت بتعرف تعمل اي غير الرسم يا عبد الحميد.
-معتقدش ان في حاجة تانية بعرف أعملها.
ومن ثم وقفت سلمى لتبحث بين الأسطوانات القديمة لتجد معزوفة الشيطان، لينبسق الصوت في الأرجاء وعبد الحميد منسجم بتحديد ملامحها.
***

وبعد أن مر الوقت ببزخ، يقوم عبد الحميد أخيراً ليقول لسلمى:
-أنا خلصت.
قامت لتقف أمام الوحة ليصيبها الزهول فلا فرق بينهم هم الاثنين، الشعر البندقي الناعم، وعينيها كدائرة القمر تزينت بلون السماء الصافي، البشرة الناعمة كالفضة بيضاء كالثلج جميلة المنظر حقاً مع أطار أسود وتستند عليه وهي تضع بيديها حول عنقها لتقول لعبد الحميد.
-أنت اذاي كدة؟ أنت عملتها إذاي؟ بجد شابوو عليك يا عبد الحميد انا عندي ليك شغل حلو اوي.
-بجد وهشتغل إيه ؟
-هتشتغل هنا.
-إيه يعني إيه ؟
-كل اللي عليك انك ترسم والباقي علية. -لو على الرسم مفيش مشكلة بس بارضة عايز اعرف إيه أللي بيدور في دماغك؟
-بص يا سيدي انا هروح دلوقتي مشوار ولما ارجع هحكيلك، تمام.
-تمام
-خد رحتك انت هنا في بيتك، أنا واثقة فيك يا عبد الحميد.
وقفت لتعطي عبد الحميد ظهرها لتقف عند باب الخروج من المرسم لتنظر له ثم تلتقي عيناهم ليتحدثو في صمت لتبتسم له وتمضي قدماً.
عاد عبد الحميد لشروده في ماضيه وكم يعانى في ايامه ليقول لذاته 'أنا الان وحدي وظللت وحدي بحثت عما لم يكن لي يوماً، ركضت وراء أحلامي ولم تتحقق! ولن أتعجب لذلك فأنا فقير يا خالق الأكوان كم أنت عظيم كيف تحدد المصائر وتنهيها هل تخلف احدهم عن ما تود صنعه يوماً، وإذا؟ ماذا سيحدث له أنا في حكاية أغرب من الخيال، لا عليك يا عبد الحميد دعنا نمارس هوايتنا قليلا حتى تعود سلمى ونعلم لما تخطط؟'
***


ديستوبيا أرض الضياعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن