أزرق غامق: سماء في كبد البحر.

202 28 22
                                    


نسيم الصباح، الشيء الوحيد الذي يستحق أن تستيقظ من أجله، وربما لا يستحق فعلا، لكنني هذه الأيام أشعر كأنني فراشة مبتورة الجناح، لا سبيل لها في التحليق ولا سبيل لها في الاختباء، جوفاء العيون محتارة المصير مشبعة بالنغزات كثيرة الأوجاع، خرجت من المنزل الذي صار يثقل على قلبي ومع كل خطوة أخطوها كانت نبضاتي تعود.

جعلت حقيقة أنني واقعة بحب الشخص نفسه الذي تحبه صديقتي شيئا ما يتساقط من قلبي كما أوراق الخريف، وكنت أذوي كل دقيقة، كل ثانية، كشمعة لا تنفك تنشب بالحريق. أدرك أنني الخاسرة الوحيدة دوما، لأن اليأس أقسم أن يجاورني ما تبقى من حياتي والناس رددت خلفه آمين.

وبين أوراق الحديقة الملقاة قد وجدت نفسي، ذابلة، حزينة مثل زهرة لم يغادرها الشتاء، وكان لي نواح أليم يصدع جدران دواخلي في صمت، حتى أنا، حتى قلبي، بات أصم ليسمعه.

جلست على كرسي بإحدى الزوايا المخفية بالحديقة الفارغة وكم ساورني شعور حميم ونسائم الصباح تحتضن روحي الهائجة، وحيدة دون أن أضطر لتصنع ابتسامة أو إخراج كلمة لا تستطيع النجاة من عثرات أنفاسي. وبين درجات السماء كانت الشمس تتصاعد، ربما ببطء وربما سريعة قليلا، وربما لم ألاحظ أنها كانت تتسابق مع الزمن، وخلال تلك اللحظات القصيرة فكرت بكل شيء مضى، بماضي، حاضري، مستقبلي القريب والبعيد، ولكنني كنت أعلم أنني في لحظات ما قد أنسى أن الآمال شمس غاربة لا يراها البائسون أمثالي، ربما لو كنت سعيدة بشكل من الأشكال ما كانت الحياة قد رمت بي في هذه الحديقة البائسة أبكي أطلال يوم حقير.

أيام العطلة غريبة بشكل محبب، إنها أيام لا تستطيع أن تحكم عليها بالطول أو القصر لكنها دائما ما تكون معبأة بالذكريات، معبأة بالصور. شيئا فشيئا كان متجر الزهور يتراءى لي وبسبب هواجسي التي ترافقني لم أستطع أن أدرك أن قدماي ساقتاني إليه حتى وقفت عند ناصيته.

ثم بدأ قلبي يخفق، ذلك الخفقان المؤلم، ذلك الوجع الكئيب الذي تتمنى لو تتقطع بك الدنيا ولا يساورك، العجز، الخذلان، شخص ما مثلي في هذه الحياة كان ليهرب، كان ليفنى ويتبخر، لكنني ابتسمت، وبقوة لم أعهدها من نفسي فتحت الباب الذي خبأ خلفه ضحكات ذلك الفتى الذي سرق قلبي وصار يهرب ويتنقل به، كانت هالة الوقار تحتضن كيانه الجذاب، كان ساحرا، كان كزهرة النرجس التي لا تنحني، نقيًا كتيجانها المتراقصة، ناصعا كأشعة الشمس، كصفوف الغيم في السماء، كالذهب، كشيء لا يجوز أن يكون منه اثنان، كان شخصا تبكي عندما تراه لأنه لوحة هاربة، زهرة لا تجيد الاختباء، فراشة لا تعرف سوى الطيران على قلبي الجريح، لكنه كان كالأشواك، كلما حاولت إمساكه تفجرت عيناي دمعا، تفجرت ينابيع الدماء، توقفت الأحزان عن الجريان لكنه يخفق في قلبي، كصوت من النعيم، كالمياه الرقراقة، شيئا بهيجا، مؤلما، معذبا، شيئا كالسماء في كبد البحر، لا تفهمه، رغم ذلك تحبه وتهابه.

خفقان زهر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن