رمادي: عالم بالأبيض والأسود

288 33 1
                                    


«هل يحق لفتاة مثلي أن تعيش؟»
تساءلت ولم يكن هذا التساؤل للمرة الأولى، ربما خطرت هذه الفكرة ببالي مرات كثيرة، لا أدري، هل السبب حزني العميق الذي لا يشفى أم أن هذا هو الشعور الذي يصيب الناس الذين اكتسبوا من الحياة الخبرة الكافية ليزهدوها، أعلم أنني واحدة من الخيارين، أيهما؟ لا أدري.

لم أفكر بعد في الانتحار، لا أرى الكثير من الأسباب التي تجعلني معلقة بتلابيب الحياة لكنني أنتظر الموت بصدر رحب، أكره عندما تتراكم الذكريات بشكل عشوائيّ تبعثر صفو ذهني بعيدًا عن ضبيح الطلاب في الصفوف. كنت في الحديقة أراقب تساقط أوراق الشجر التي صارت عارية لا كساء لها وأفكر في أن الحزن لا زمان له ولا مكان، ولا أسباب واضحة ولا فائدة كذلك، مع ذلك نتائجه وخيمة، كل ما نستطيع فعله عند الحزن هو شرب القهوة أو الشاي وانتظار معجزة ما تنقذنا من الغرق أكثر. فجأة دق الجرس وقد أصبت بالهلع لحظة من الزمن فلملمت كراريسي وكتبي في عجالة ورحت أركض بين الأروقة علي أصل في الميعاد الفصل قبل أن تصله الأستاذة وأقحم نفسي بمشكلة بنهاية اليوم الغريب.

لم أعد أتذكر آخر مرة تكلمت بها مع شخص، أو اليوم الذي أقمت به محادثة طبيعية مع أي كان، لا أعلم السبب لكن كل عائلتي محت اسمي من قائمة الأحياء كأن موت أمي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، لكنني بخير مع أحزاني، مع أيامي البائسة، مع البكاء.

دخلت بحبل أفكاري صديقتي المفضلة جيسو والتي لا أملك غيرها، مر زمن طويل لم نعد نتحدث فيه كما كنا، صارت علاقتنا أكثر سطحية، أجد الأمر غريبًا كيف كنا لا نفترق في الماضي أما الآن فمن النادر أن ألتقيها أو أن ألقي عليها السلام. الأمر غير مهم، ربما بعد مصارعتي للأفكار والهواجس إبان موت أمي جعلتني صنديدة، أكثر صلابة، ربما صرت لا أتزعزع إثر الأحزان الصغيرة فالموت كان أكبر الأحزان.

تذكرت أنني كنت أقرأ رواية لدوستويفسكي تسمى «الأبله» وقد وضح فيها كيف يمكن للطيبة أن تجعل المرأ يبدو مغفلًا وسهل المنال فيتم التلاعب به وغسل أفكاره وجعله دمية، انتابني شعور أن الأمير ميشكين مثلي، كنا نعاني من المشاكل نفسها، ليس فعليًا لكن الأمر مشابه من وجهة نظري، قد قررت بلحظة ما أن أكمل قراءتها فرحت أتفقد حقيبة ظهري علني أجدها فلم أفعل، رحت أعود بالزمن إلى الوراء أستذكر أحداث يومي المتعبة فلا أثر لكتابي بينها لأنني لم أقرأ الكتاب منذ شهر أو ربما أكثر.

تنهدت تلك التنهيدة المتعبة واستلقيت على السرير بروح مُطفئة، اختفاء كتابي كان خاتمة ممتازة لهذا اليوم البائس فعرفت أنه انتهى بطريقة درامية أكثر من اللازم، لكنه كان غريبًا، لم ينتهي بالدموع والعبرات، لم أجد رغبة في البكاء مجددًا، أشعر ببعض التعب، الصداع صار يلازمني طيلة هذا الشهر، الأيام تركض كأنها في سباق مع الأرنب الذي يكون أنا، وكانت النتيجة أنها سبقتني بينما كنت نائمة في حضن الأحزان.

خفقان زهر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن