جزء من الحلم كان حقيقة|•

234 20 31
                                    

ستكون هذه آخر مرة أقول لكم فيها:

اِستمتعوا!

اِستيقظت في هذا اليوم على صوت صرير الريح فوق سطح المنزل، رغم أن الساعة عقاربها تدق عند السابعة صباحًا إلا أن الليل يتشبث برداء السماء، لم تكن لي مقدرة على النهوض من فراشي وكم تمنيت لو أن الوقت يتوقف فآخذ غفوة أبدية لكنني تنازلت وتملصت من مكاني.
كان كل شيء كئيبا في هذه الغرفة وكانت الأصوات من الطابق السفلي شبه معدومة، بقيت وهلة من الزمن أسترجع ما حدث في ما مضى فوجدتني أسترجع بعض الشظايا، وبقلب خافق رحت أتجه نحو صندوق خشبي أفتشه دون أية سيطرة على نفسي رغم يقيني أنني لن أجد شيئا، وقد كان كذلك، لم أجد شيئًا.
إن أحلامنا لا تتحقق، لطالما كنت على معرفة بهذا، أن الحياة تقف أمام رغباتنا وأن كل ما نريده صعب ومحدود.

نزلت فوجدت عمتي وولداها الصغيران يفطران فشاركتهما الطاولة، لم أكن مقربة جدا منهما رغم توبيخ عمتي لهما حتى لا يتجاوزاني أو يرهباني إلا أنني كنت وبشكل ما مثيرة للرعب، مدركة لهذا، إنني مشحونة بالسلبية حتى أنني أصبحت عمياء عن أي شيء مفرح قد يتخلل حياتي.

خرجت من منزلي وقد وضعت ابتسامة عمتي داخل جزء ما من ذاكرتي، كانت قطعة دافئة تغمرني كلما راودتني كذكرى، إلا أنني أشعر بذلك البرد الذي لا دفء بعده، كل ما أجيد الشعور به هو الحزن، الألم، البؤس، التعاسة والبرد.

هذا الشتاء ما أقساه من فصل، إذا أتى الشتاء تحزن السماء وتغدو الأطيار دون ملجأ ويصير الثرى مسكبا لدمع السحاب، كلما أتى الشتاء وسمعت صوت الريح من خلف الزجاج تنتابني رغبة في العودة بالزمان، إلى زمن الطفولة الجميل حيث كنا لا نعرف ما هي أحرف الهجاء، ولا نعرف القواعد والأسماء، وكنا نقول ما نريد دون حواجز ولا نعرف معنى للكبرياء، كلما أمطرت السماء شعرت برغبة قوية في البكاء، فأبكي حتى تنتهي المأساة، حتى تجف عبرات السحاب، حتى تجف الأرض من الدماء، حتى تكف الريح عن صفع أسقف البنايات، كلما رأيت السماء رمادية تنتابني أحزان العمر كلها تصطف بذاكرتي، تشعرني بالضيق وتخنقني، تميط الكرى عني وتثير سهدي، إن ليالي الشتاء مليئة بالعواصف والبكاء، مليئة بأحلام لا تتحقق، مليئة ببدايات دون انتهاء.

كنت أمشي بالطريق نحو الجامعة وقد سبقتني مجموعة من الفتيات تتهامسن وتقهقهن، تأملتهن من الخلف بشيء من الغيرة، بشيء من الحزن، كن يملكن بعضهن وأنا هنا أملك نفسي فقط. كنت أعرف من بينهن جيسو، إنها فتاة لطيفة، لطالما ساعدتني في واجباتي أو أي شيء بالقسم، لقد كانت مثالا للصديقة الوفية لكنها تبقى أمنية منسية، أمنية تنتظر الضوء ككل أمنية في دفتري، أمنية لن تتحقق كأي أمنية في دفتري.

ومن بين أماني الكثيرة كان هو، بارك جيمين، أسمى أماني وأغلاها، إنه الهدف الوحيد الذي أعيش من أجله، أحارب في سبيله ضعفي وأحزاني.
لو كنا بزمن غير هذا كيف كنا لنلتقي؟
ربما كان القدر رحيما بنا فنلتقي، قد تكون ثمرة حبنا أزهرت بعد البعد الشقي، وستمحي ذكرياتنا معا ألما دفينا، وستزرع الآمال في أرضنا.
لن أضطر لنسيانك فأنت ستكون ملكي، سنعيش أيام الشتاء البارد في الدفء، سنزور عوالم عديدة ونجرب كل جديد أول مرة، فنحن نقع بالحب مرة، ودائما أحلاها هي أول مرة، وأرتشف من رحيق شفاهك كأنهما ترياقي، لن تكون حواجز بيني وبينك نعيمي فأنت وحدك كالظلال، كالمشرق، كالخلود.
يا سارق أنجم الليل بعينيك واضعها قل لي ما سيحدث لو أن عينيك نظرت إلى سمائي؟ ماذا سيحدث لو شفت كلماتك مأساتي؟ ماذا لو أننا التقينا وحققت لي أحلامي؟

خفقان زهر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن