أبيض: نوازل الشفاء

132 17 1
                                    



شتاء القلب أقسى الفصول فلا برد أكثر إيلاما من جمود القلب، إن الحب أدفأ طرق الموت وأقساها، إنه شتاء، ألم محبب، طريق معبد بالأشواك، إنه وهم، سراب، طرق لا تملك خط نهاية، سلاسل تطول ولا سبيل لها في الانقطاع. كل ما يدارينا من مشاعر في الحب مجرد أطغاث أحلام فعند النهاية لا وجود للحب، ستبرد الأيادي وتزول المشاعر ونكبر في العمر، ستصبح الثواني سنوات وستمر كالدهر علينا حتى يصير الموت أشهى الأطباق للقضاء على الوحشة، وحدة قلوب لم تعرف سعادة إلا في شخص منحته كل الأمان فغادرها، فلم يعد هناك أمان.
عند الجسر كنت أرى صفحات الماء تتقلب وتنكمش وتتقطع وتتلاشى، وانعكاس الشمس يتكسر ويضمحل وأحيانا يختفي مع السحاب، هذه هي نهاية الطريق، لا وجود للأضواء، كل شيء مظلم بطريقة مؤلمة حد الغثيان، كل شيء حولي يدور ويصيبني بالجنون حتى ضوء الشمس صار يعني لي الظلام، إنني ضائع، هذا الطريق الذي سلكته أودى بي إلى الهلاك، طريقي الوحيد جعلني أصل إلى الحضيض بأسهل وأقصر طريقة، لا سبيل للرجوع، أنا بالنهاية مسجون، كل ما أراه أمامي هو الهاوية ولا أملك الخيار إلا في الخضوع.
لكن يدا ما وضعت على كتفي، عيناها أضاءت عتمتي، كانت ساكنة، جميلة بشكل من أشكال النعيم تجسدت وحلت على قلبي كما النسيم، أخمدت العواصف وحل بعد الشتاء ربيع.
«ما الذي تفعله عندك أيها الشاب؟»

قالت ونبرتها الهادئة حوت قليلا من الاستحياء والتردد، تأملتها قليلا ثم أجبت:
«ربما عابر على هذه الحياة وصلت إلى النهاية وأود العودة إلى الديار»

لا يتعلق الأمر بأي طريق تسلك فكل الطرق تؤدي إلى قلبك، وقد وجدت قلبي عندها.
نظرت إلى عينيها وصخب نشب بصدري عندما انكمشت ملامحها بعدم رضا وقد أردفت بعد برهة من الزمن:
«وما الذي جعلك تظن أن الحياة طريق؟ لم ليست هذه هي ديارك؟»

لا، لا يمكن أن تكون دياري، صرخ قلبي لكنني قلت بهدوء:
«ليست الديار ما يجعل قلبك مضطربا، أنا لا أشعر بالأمان، لا أشعر بالحب، لا أشعر بأي شيء سوى المرض يستفحل بكياني، إنني أموت بهذه الديار كزهرة وضعت بين الأحجار جذورها»

أحسست بأناملها الباردة تمسح ما نزف من دمعي وابتسامة رقيقة غلفت شفتيها وكم كانت كلماتها تنصب على قلبي كما الشفاء:
«إنها ديارك، لا تهرب منها، إنها ديارنا كلنا وهذا ما تفعله، إن الحياة تقتلنا حتى نعيش، تعذبنا حتى نجيد العيش، تحزننا لنعرف معنى الفرح، تسكب علينا البأس فنضحي حيارى لا ندري ما نفعل، تضيعنا بين الطرقات ولا نجد المهرب لكننا نملك في النهاية قلبا يعرف الطريق، هذا الفؤاد ضوء بداخلنا ينير سبيلنا ويرشدنا، لا تقتل قلبك، إنه سراجك، أحب نفسك، اعرفها، اغفر لها وستجد طريقك، كن قويا ولا تستخف بديارك، ليست الديار ما يجعل النفس مطمئنة بل هي ما توصلك بعذابها إلى نهاية تصل بها إلى الاطمئنان، أنت لم تنه بعد رحلتك، فإن لم تكن النهاية سعيدة فتلك ليست أبدا بنهاية»

خفقان زهر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن