كنز آل بيرمونث

216 34 30
                                    

نهضت من سريرها  الدافئ بخفة ووضعت وسادتين مكانها ثم قامت بتغطيتهما  ، القت نظرة خارج غرفتها ثم حملت حقيبتها الصغيرة التي بداخلها قارورة ماء، حبل، مرآة وثلاث شمعات صغيرة. فتحت نافذتها بهدوء متجنبة الصرير الذي تحدثه قطعة الخردة المهترئة تلك .
"ممتاز! الوقت مناسب!"
ارتدت معطفها الشتوي الاحمر ووضعت ساعتها الصغيرة ، ثم ابعدت شعرها الصبياني القصير من كتفيها، وارتسمت على وجهها ابتسامة خبيثة متحمسة.
"لدي امتحان بعد يومين ، انا اراجع ولا اريد ان ارسب لذا رجاءا لا تدخلوا الى هنا! ثمن الايجار لهذاالشهر داخل المغلف اسفل الدرج،لذا لاداعي للدخول فانا لن افاتح الباب اصلا...اعتذر ولكني مجبرة ولا اريد ان ارسب!"
كتبت هذه الجمل على ورقة ثم قامت بالتوقيع وعلقتها في الجهة الخارجية للباب قبل ان تغلقه بهدوء . نزلت الدرج المهشم على اطراف اصابعها ثم خرجت مسرعة من ذاك النزل .
ركضت بين الازقة الخالية تحت المطر، الى ان وصلت الى مصنع قديم مهجور. لم تقم بالدخول من الباب بالطبع ، فلا يوجد باب اصلا، ولكنها جثت على ركبيتها وبدأت في الزحف كالاطفال داخل احدى الانابيب المعدنية الموجودة داخل المصنع بعد ان دخلت من احدى نوافذه المكسورة . الصدأ يقيم حفلة داخل تلك الانابيب ولا يدع بقعة دون ان يتواجد فيها ، شباك العناكب كانت مدعوة ايضا. ببساطة الانابيب قذرة من الداخل اكثر من الخارج ، ولكن ذلك لم يكن يزعجها اطلاقا. بعد دقائق من الزحف خرجت من هناك لتجد نفسها في... لايهم اين هي ، امسكت هاتفها ثم كونت بضعة ارقام ، اعادت الاتصال بضعة مرات الى ان رد الطرف الاخر...
_"الو؟ من الذي يتصل في هذا الوقت؟!"
كان الصوت صوت صبي  وبدا بديهيا انه لا يزال نائما في سريره...
صرخت في الهاتف بغضب:
_"ماالذي تفعله؟! اتفقنا ان نلتقي اليوم ! لم انا الوحيدة التي اتت؟ المهم ...اسرع يا هذا، فاليوم طويل! كما اتفقنا انا في مكان اللقاء "
ايقظ صراخها الفتى ، فنهض من سريره وجهز نفسه بسرعة بينما اغلقت هي الخط..
حسنا..اظن ان  هذا هو وقت وصف المكان..."شبه"منزل صغير  من غرفتين ولكنه تحت الارض (قبو تقريبا) ولايمكن الوصول اليه الا بعبور تلك الانابيب وبالطبع لا احد يتجرأ على دخوله ، فحتى لو دخلت الى المصنع فلن تتجرأ على دخول الانابيب التي به ،لان الجميع يظن انها تؤدي للمجاري.
وقفت في وسط الغرفة و تنهدت وهي تهمس بتهكم:
"تبا لهذان الغبيان! اخبرتهما اننا سنذهب اليوم ولكن لا فائدة ترجى من احمقين مثلهما..."
وقبل ان تنهي جملتها شعرت بنفس ساخن خلفها يتبعه صوت هادئ بارد يقول:
_"اتنعتينني بالغبي الاحمق في غيابي؟ هذا حقا مؤلم بالنسبة لي."
استدارت بخفة لتركل الفتى الذي خلفها بمهارة ، ولكنه تجنب الركلة باعجوبة...تنهدت مجددا لتحدق فيه وتصرخ في وجهه:
_"كم مرة اخبرتك ان تكف عن الاعيبك السخيفة معي يا هذا؟؟ ثم متى اتيت ؟ او بالاحرى كيف اتيت الي فجأة؟!"
وضع يده على كتفها بهدوء ، ثم يحدق فيها ببرود وسخرية ويقول:
_اولا اسمي ايستبان وليس "يا هذا" ، ثانيا اتيت قبلك ببضعة دقائق، وثالثا كنت متكئا على الحائط هكذا تماما ولكنك لم تلحظيني بتاتا حتى بمصباحك المضيئ هذا وعندما اتصلت به لم ارد رؤية تعابير وجهك الغاضبة لانه تأخر فقررت تهدئتك بطريقتي"
رفعت المصباح لوجهه ، وكان صبيا اسود الشعر يتنافس جمال شعره وملوسته مع جمال عينيه البنيين اللامعتين، حدقت فيه بضع ثوان ثم احمر وجهها وصرخت في وجهه بصبيانية :
_"كف عن الاعيبك وجملك الرومنسية فأنا لا اهتم لا لك ولا لغيرك وستعاقب على ذلك حين يأتي الأخرق الآخر!"
_"ولكني اهتم بك..."
قاطعته هي بنظرة شيطانية  منزعجة:
_"قلت أني لا أهتم! "
وسرعان ما تحول وجهه الوسيم البراق الى وجه فتى في الثالثة من عمره وامه توبخه...في هذه الاثناء اتى الفتى الاخر وكان يتثاءب بينما يحاول غلق زر قميصه العلوي الابيض ، فرك شعره البني برفق ثم اتجه اليها   بسرعة وهي تصرخ في وجه ايستبان...
_"هاه! آيرين! انا اعتذر عن تأخ..."
التفتت "آيرين" اليه ونظرت اليه نظرة مرتعبة ..
-"مالذي كنت تفعله بحق الجحيم كي تتأخر هكذا؟!"
يتردد في الاجابة فيعتذر كصديقه قائلا:
_انا آسف أمي، اقصد سيدتي اقصد آيرين! ولكنه خطأك على كل حال، من يستيقظ على الرابعة فجرا ليأتي الى مكان كهذا؟ حتى القطط لا تتجرأ على ذلك!"
رمقته بنظرة مرعبة  والشرر يتطاير من عينيها فيرتعب ويعتذر مجددا ، وليغير الموضوع ، ينظر الى ايستبان الذي كان جالسا في الزاوية وكان روحه خرجت ، فيقترب منه ويسأله:
_"ايستبان! لم انت مكتئب هكذا؟ لا تقل لي انك ..."
_"اجل يا جيم حاولت اضحاكها قليلا ولكن انظر من يضحك الآن!"
_"اخبرتك الا تفعل ذلك ! انها شيطانة بالفعل!"
_اجل اجل...انظر اليها وهي تتواصل مع الجحيم الآن
كانت تحاول ايجاد الخريطة ولكنها نسيتها لذا بقيت تفتش  بغضب في حقيبتها الى ان وجدتها ، لمعت عيناها بشدة ثم نظرت الى ايستبان وجيم و ابتسمت ابتسامة مغامرة ثم نطثت:
_فلنذهب يا رفاق!
نظر ايستبان اليها باستغراب ثم قال:
_وعمك في النزل؟ كيف ستخبرينه بالمغامرة؟ تعلمين سيعاقبك فنحن لازلنا في السادسة عشر...
_لاتكترث ، فقد تدبرت أمري...
[في النزل :]
صعد الرجل الدرج بهدوء محدقا في ساعته ، انها تشير للرابعة والربع فجرا وهو سمع باب النزل قد فتح، اتجه الى غرفة  ابنة اخيه المتوفي ، ولكنه حدق في الباب مذهولا بعد ان وجد تلك الملاحظة خاصة وانها من تلك الفتاة الغريبة التي لم يرها تدرس من قبل بالرغم من اجتهادها المدرسي وتفوقها، توقع ان هناك حيلة ما فدفع الباب ولكنه موصد بشدة! يبدو ان هناك شيئا وضع بالداخل ليمنعه من الدخول، دفع الباب بكتفه فكسر الباب وتحطم واصدر ضجيجا جعل المنظفة تصرخ محتارة في مايحدث ...
ماذا يحدث؟! لقد قامت بإغلاق الباب  بواسطة كتب ثقيلة وضعتها عليه من الداخل كي لا ادخل اليها! ربما هربت مجددا لتلهو مع اولئك الاغبياء!
_من تقصد يا سيدي؟
_من اقصد؟! ومن غير آيرين يمكنها فعل ذلك؟
_ولكنها في سريرها يا سيدي. انظر...يبدو انها متعبة وتريد النوم طيلة اليوم ولكنها خافت ان توبخها فادعت انها ستدرس اليوم كاملا.
اشارت الى سريرها وقد بدت الوسائد تحت الغطاء على شكل جسد بشري.
يبدو انك مرهق يا سيدي، ارجو ان تنام قبل ان تصحو ابنة اخيك ...
صدق السيد ماقالته بسرعة  وغادر الى غرفته بارتياب بينما ابتسمت المنظفة في الخفاء وهمست:
_حظا سعيدا آيرين، ولاتتأخري فلن اتمكن من التغطية عليك اليوم أيضا.

قصص قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن