5-Özlem اشتياق

1.7K 45 25
                                    

كانت تقف هناك تحيي الجمهور باسمها و اسم الشركة لأنها ببساطة... مالكة الشركة.
و بكل ابتسامةٍ متسعة كانت تنظر على الجميع بعيونٍ لامعة و تشكرهم لتصفيقهم الحار و لكن تلاشت تلك الابتسامة فجأة عندما وقع ناظريها عليه.
و لم تكن الوحيدة التي شعرت بأن الزمن و الوقت قد توقف من حولها فهو أيضاً قد شعر بنفس شعورها حينما وقعت عينيه عليها.
لم يستطع منع عينيه من التحديق بها مطولاً فكان يشبع ناظريه منه و لم تخضع عيونه لا لقلبه المتألم و لا لعقله الذي يفكر بالانتقام من كل شخصٍ كان السبب في إيلامه يوماً.
فكانت تلك العيون السوداء كعضوٍ قد انفصل عن ذلك الجسد الضخم و راحت تفعل ما تريده لا تأبه بما قد يحدث لباقي أجزاء الجسد بعد رجوع الزمن للدوران مجدداً.
كانتا تحدقان بها و بجمالها تنعم بنعيم النظر إليها في تلك اللحظة التي سافر فيها عقله لبعيد تاركاً جسده متصلب متجمد في مكانه ينظر لها بوجهه البارد الميت بينما كان جسده يحترق ناراً من الداخل و أغشية قلبه تكاد تتمزق من قوة نبضاته.
قلبه العاصي قد عاد ليصرخ اشتياقاً لها و راح يبث مأساته لجميع أنحاء جسده يأمره بالتصلب في مكانه.
فلم يحرك ساكناً و راح يعاني كالمسكين و هو ينظر إليها....
فراحت تتدفق ذكريات الأربع سنوات الماضية من العذاب و تغرس أنيابها الحادة داخل رأسه لتذكره بمعاناته و عذابه الذي لم يتوقف إلى الآن!
فتساءل في حيرة و ألم...
ما بك يا قلب؟
أليست تلك التي آذتك و ذلتك بعشقها؟
أليست تلك التي أقسمت أنت بأن لن تضعف أمامها مرةً أخرى؟
أليست تلك الغريبة عنك؟!
ألم تقل أنك تحب المرأة البريئة التي صورها العقل لك و أن هذه المرأة التي تقف هناك ما هي إلا غريبة لا تعرفها و لا تعرف عنها أي شيء؟!
ما بك يا قلب؟
لما تصر في تعذيبي؟!
لم يستطع المكوث في مكانه أكثر لأن مأساته كانت أقوى من اشتياقه لها بمراحل!
غروره كان أقوى من عشقه لها و الذي استيقظ فور رؤيته لها!
فحثث خطاه ليسير بعيداً عن الازدحام يحاول الخروج من هذا المكان الذي كان يضغط على رئتيه و جعل شعبه الهوائية تنقبض و تنسد دون الالتفات و النظر لها مجدداً لأنه يعرف أنه لو فعل ذلك لضعف أمامها و خارت قواه و ضاع غروره الذي ميزه عن باقي الخليقة!
حاول نسيان رؤيتها لتوه كي لا يحترق ناراً أكثر من النار التي تكويه بحرارتها في الأساس!
و لكن ما لم يعرفه أنه لم يرحل وحيداً بل رحل و أخذ قلبها منها.
اختفى من أمام ناظريها و لكن لم يكتفي القلب المسكين المشتاق من تلك النظرة اليتيمة التي أوقفت الزمان من حولهما و تشابك قلبيهما خفية فانتفض ذاك القلب العاصي من مكانه يأمرها بالركض خلفه بحثاً عنه.
........ و انصاعت له!
طار عقلها من مكانه و نسيت ما عانته في كل لحظة بسببه.
اختفى كل شخص و كل صورة من أمام عينيها و كل صوت من أذنيها و لم ترى غيره مبتغاها و هدفها التي كانت تركض من أجله.
فراحت تتنفس بسرعة تشعر باشتياقها يعتري قلبها و يعلو سقف رغباتها.
رغبت لو رمت جسدها المرهق المتعب من سنوات الألم و المعاناة في أحضانه و دفنت نفسها بين أضلعه و ملأت رئتيها برائحته التي كانت تمثل لها الحياة في يومٍ من الأيام و اشتاقت لها.
رغبت لو أحاطته بذراعيه بقوة لا تؤثر في جسده الضخم بقدر تأثيرها و إمدادها بالقوة.
رغبت لو وضعت أذنها فوق صدره و أغمضت عينيها لتستمع للحن نبضات قلبه الذي كان يرخي عضلاتها في السابق.
لم تأبه للأذى الذي ألحقه بحياتها عند رحيله و لم تأبه بالنتائج التي ستعانيها مما تفعله و لا القوانين التي وضعتها لنفسها كي لا تضعف و تعاني مجدداً.
لأنها لمجرد رؤيته... خسرت نفسها و عقلها و قلبها.
انتهى تصفيق الجمع و بدأ الجمهور في الانتشار في القاعة ليوقظها ما حدث و يجعلها تستدرك أن عليها البحث عنه فطارت عائدة إلى غرفة ملابس العارضات و لم تسمع حينها التهنيئات و المباركات التي كانت تتحادف من حولها من كل شخص كان في تلك الغرفة و طارت بعدها إلى خارج الغرفة في دهشة و استغراب الجميع الذين لا يستوعبون لما هي في عجلة من أمرها و تركض بهذا الشكل.
ركضت الفتاة في الممر الذي لا يحتوي إلا على القليل من الناس و أخذت تنظر بعينيها يميناً و يساراً لعلها تجده في بقعةٍ ما حولها ليريحها و يريح قلبه المتعب و المعذب.
و كان صوته الذكوري المميز يتكرر بداخل عقلها و يناديها باسمها مراراً و تكراراً يرغب في مجيئها إليه.
بدون أن تبدي أي شعور بذلك، تدفقت ذكريات أول مرة رأته فيها إلى عقلها لتزيد من نبضات قلبها القابع في صدرها يكاد يهشم أضلع قفصها الصدري و راح يزيدها لهفةً و شوقاً لرؤيته... و سماع صوته... و استنشاق رائحته التي بسببها يصرخ أنفها تضرعاً يطلبها!
مازالت الصدمة قائمة بداخلها.
فعلى قدر أنها كانت تركض كالمجنونة تبحث عنه في كل مكان مازالت لا تستوعب أنها رأته يقف أمامها حقاً و راحت تشكك في صحة عقلها و ما كانت تريده هو التأكد من ذلك.
التأكد أنه عاد... التأكد من أن عقلها لم يصبه الخلل لكثرة تفكيرها فيه... التأكد من أنه هو بالفعل.
أنه هو ذلك الرجل الذي عشقه قلبها و نال الاشتياق و الشوق بدون مقابل.
وقفت الفتاة في مكانها أخيراً و راحت تمسح المكان بعينيها البنيتين و تتنفس بسرعة لشدة تعبها و لكن لم يهمها ذلك في شيء و راحت تتابع البحث عنه تتأمل رؤياه و لو حتى اضطرها الأمر أن تبحث عنه و هي تزحف على الأرض.
و لكن... لم تجده.
و بسبب إرهاقها و تعبها من هذه الحياة التي لم تنال منها إلا الآلام و المآسي...
حاولت أن تكذب نفسها و تكذب شعورها بأنها رأته.
حاولت أن تكذب نفسها بأن عقلها سليم و أن كل ما رأته ما هو إلا وهم فقط!
و لكنها لم تستطع، قلبها المشتاق لريحه العطر لم يستطع.
لا تستطيع أن تكذب عينيها الذي تحفظه شبراً شبراً و لم تكفي أربع سنوات لنسيانه و رميه من قلبها.
شيء بداخلها أخبرها بأنه هو... هو قد عاد بعد سنوات طوال، هو ذلك الشخص و هي لا تتخيل.
عاد عمر... عاد بعد تلك كل السنوات مرة الطعم مؤلمة القلب منهكة الجسد.
عاد و هي تصدق ذلك حتى لو أراد عقلها و قلبها تكذيب الأمر إلا أن هناك جزء بداخلها يكذبهما... جزء أكبر و أقوى منهما كليهما!
أما اشتياقها له و رغبتها في دفن نفسها بين ذراعيه القويتين لتعانقه عناقاً يهشم الأضلع من قوته تغلبت على غضبها و حسرتها على الأربع سنوات التي مضت بدموع و آهات الألم التي جعلتها كالجثة المتحركة.
اشتياقها له فاق أحزانها و آلامها!
حاولت أن تعتمد على حاسة شمها و تبحث عنه بأنفها بدل عيونها حتى تنعش رئتيها برائحته الرجولية و تضفي عليها نعيماً قد قاربت على نسيان كيف يبدو و لكن لم تحصد أي نتائج و كأنه قد تبخر في الهواء.
- دفنة...
أيقظها صوت ذكوري من غيبوبتها فالتفتت لتنظر له تتمنى لو كان هو من تبحث عنه رغم معرفتها بأنه لا يملك صوتاً كهذا و معرفتها بصاحب الصوت جيد جداً.
فهبطت عليه عينيها و نظرت له بنظرات متعبة و زفرت بتعب و خيبة أمل حين أيقنت أنه ليس ما تبحث عنه ثم راحت تحدق بذاك الشخص بعينين تائهتين شاردتين منهكتين متعبتين و وجهٌ أحمر من كثرة اندفاع الادرينالين في أوردتها و تنفسها لا يكاد يتباطأ.
- ماذا تفعلين هنا وحدك؟
سألها مصدر الصوت بعيونٍ قلقة و صوت أجش يحاول تفسير تلك النظرات الغير مفهومة التي اعترتها في عينيها البنيتين الجميلتين.
استوعبت دفنة ما حدث و كيف ركضت وراء سراب تبحث عنه في الأرجاء و كأنه يختبئ بالفعل هنا أو هناك و ينتظرها لكي تجده.
مسحت فوق وجهها ثم نظرت لذاك الشخص بعينين حزينتين و مهمومتين تكاد تقذف الدموع منهما ثم قالت بصوتٍ مختنق تختبئ خلفه مئات الدموع الأسيرة:
-كنت... كنت أسير قليلاً.
رأى ذلك الشخص ما اعترته من حزن و هم و التي حاولت إخفاءهما و لكن لم تنجح مهما في ذلك و رغم أنه لا يعلم ما حل بها قرر محاولة الرفع من معنوياتها.
امتد ذراعه الأيمن باتجاهها يهديها باقة كبيرة من الزهور البيضاء.
- تفضلي دفنة... الزهور التي تحبينها.
حملقت البرتقالية بالزهور التي أمامها و هي تشعر بخيبة و إحباط يغزوانها فرفعت وجهها ببطء لتحط عينيها عليه و أجبرت ابتسامة على شفتيها كي لا تبدو غير مهتمة بهديته التي اشتراها خصيصاً لها. و حين أبصرت تلك الزهور البيضاء اتسعت ابتسامتها المجبرة و امتد ذراعيها لتمسك بالباقة بين يديها البيضاويتين.
- إنها جميلة جداً... شكراً لك...
رفعت الفتاة الباقة إلى أنفها و غمرت خلاياها برائحة الزهور العطرة ثم أكملت كلامها بكل بساطة.
-....يا سليم!
حين شعر أنها فرحت لرؤية الأزهار ابتسم و لم يكتفي بالباقة كمباركة لنجاحها الباهر فانحنى باتجاهها و قبل كلا خديها كأي شخصٍ يبارك لأنثى جميلة مثلها.
- أحسنت صنعاً أيتها البرتقالة... كان العرض في منتهى الجمال!
ارتسمت ابتسامة أخرى على وجهها و احتضنت الباقة بالقرب منها تتمنى لو كانت هذه الزهور تبادل معها فتعطيها رائحتها الجميلة و تأخذ الحزن و الهم بعيداً عنها.
عادت الفتاة للسير مجدداً و لكن هذه المرة كانت مع ذاك الرجل الذي قرر أيضاً أن يضع يده فوق كتفها بدون أي علم منهما لوجود زوج من الأعين الحارقة و التي كانت تقذف شراراتٍ من النار باتجاههما تكاد تحرقهما بنار قسوتهما و كرهها لما رأت.
لم تعرف الفتاة أن بسبب ما حدث الآن قد أشعلت فتيلاً لقنبلة ستدمرها و تحرقها حية. فذاك الرجل قد لان قلبه لدقيقة واحدة حين رآها ملهوفة في البحث عنه و لكن ما إن رآه بعد مع من سبب العديد من المشكلات في علاقتهما سابقاً أكد له أن قلبه كان مخطئ و أن عقله على صواب في إتهامها بكل ذاك الخداع.
أغلق الرجل على قلبه بالقفل و كظم غيطه و أبعد ناظريه عنهما كي لا يحترق قلبه أكثر من هذا و اتجه بعيداً عن تلك البقعة و انتوى الرحيل من هذا المكان الكئيب كي لا يرتكب جريمة يعرف أنه لن يندم عليها ولكنها ليست جيده بحقه البتة.
فراح يسير بعيداً عن هذا المكان محاولاً أن يثبت على غضبه ولا يفكر فيها أنها تلك البريئة التي تعيش بداخله و يثبت أنها ليست سوى مخادعة وضعها القدر أمامه ليتعذب!
فلم يرد أن يلين قلبه مرة أخرى، أراد أن يقسو على نفسه و على قلبه بإقناعهما بأنها ليست بريئة كي لا يندم فيما بعد حينما تظهر وجهها الحقيقي أمام الجميع.
رحل السينيور من المكان لا يعرف أين ستأخذه قدماه و إلى أي جحيم سيتجه ليفرغ فيه غضبه و شجنه الذي حوله جثة تسير على قدمين.
عادت الفتاة إلى غرفة العارضات و ما إن دخلت حتى تفاجأت باندفاع قصاصات الورق الملونة الصغيرة في وجهها و الجميع من حولها يحييها و يصفقون أيديهم لها بحرارة.
فنظرت لهم بنظراتٍ فارغة لا تعرف لما انتباها البكاء لحظتها.
فأي امرأة هي من ستبكي عندما تحقق إنجاز رائع مثل ما حققته هي في هذه اللحظة؟
لما يحدث هذا معها؟ لما هي بالذات؟
أجبرت الفتاة ابتسامة أخرى على شفتيها، ابتسامة خالية من المشاعر و راحت تشكر الجميع بتلك الابتسامة المصطنعة و شعورها بالفرح الكاذب.
تقدم بعض الأفراد من عائلتها و بعض من أصدقائها لاحتضانها و الثناء عليها و لكن لم تسمع الفتاة أي من تلك الكلمات لأنها كانت تشعر ببداية دوار و برودة شديدة تسري في أوصالها.
فكانت تومئ برأسها بإيجاب لكل صوت دخل عقلها و لم تترجمه خلايا مخها. لم تدري بترنحها عندما زاد الدوار فجأة و بدون أي مقدمات أظلم كل شيء من حولها و سقطت الفتاة ليصطدم جانبها الأيسر بسطح الأرض الصلبة.
- دفنة!
تلاهف الجميع لرؤيتها و الاطمئنان عليها و قبلهم كلهم كان الطبيب سليم الذي كان عليه أن يوقظها لخبرته كطبيب.
فمرت بضع دقائق من حمل و استلقاء على الأريكة ثم بدأ العمل في إفاقتها و في النهاية استفاقت الفتاة بألمٍ في الرأس و دوار لم ينتوي تركها و جفونٍ ثقيلة لا تستطيع فتحها بسهولة.
- حمداً لله أنك أفقت... كيف حالك ابنتي؟
كان هذا صوت جدتها و هي تمسح على شعرها بلطف و حنان و لكن دفنة لم تأبه لسؤالها و راحت تمسح المكان حولها بنصف عيونٍ مفتوحة تبحث عن شخصٍ معين في وسط ذلك الزحام الذي يخيط بها من كل اتجاه و عندما لم تجد ما تريد حركت رأسها باتجاه جدتها بسرعة جعلت رأسها يدور أكثر مما قبل و يؤلمها و قالت باندفاع لا تكترث لما حدث لها:
- إيليف... أين إيليف؟!
- لا تقلقي، هي تلعب في الخارج مع إيسو و لارا.
خرج الآن صوت نيهان التي كانت بالقرب منها و تمسك يدها البيضاء و لكن البرتقالية لم تكتفِ بذلك كجواب لسؤالها و راحت تستفسر عن المزيد من الأشياء.
- هل رأتني؟ هل رأتني و أنا بهذا الشكل؟
و لأنها لا تتذكر من كان حولها قبل أن تفقد وعيها و لا تتذكر حتى إذا كانت صغيرتها وسط ذلك الزحام أم لا.
- لا، لا تقلقي كانت في الخارج طيلة الوقت...
تنهدت الفتاة بارتياح سطحي و ليس بداخلي لأن قلبها و باطنها مشتعل من سنوات و لم تنطفئ تلك النيران إلى الآن.
ارتاح الجميع لارتياحها و لكن شخص ما كان يؤدي واجبه و مهمته كطبيب فتكلم، و عندما سمعت صوته حركت رأسها إليه ببطء كي لا يصيبها نفس الدوار مرة أخرى.
- كيف تشعرين دفنة؟ أخبريني...
أخذت الفتاة شهيقاً عميقاً من أنفها ببطء ثم أطلقته بنفس البطء لتجاوب الرجل عن سؤاله بكل صدق.
- أشعر بأن رأسي يدور و و لا أستطيع تحريك أطرافي البتة.
أمسك الرجل معصمها و راح يدقق في النبض و يرى مدى طبيعيته و سرعته ثم أكمل أسئلته.
- هل تناولت طعامك اليوم؟
لأن الفتاة لم تتوقع سؤالاً كهذا صمتت فجأة عندما تلقته لتجذب الأنظار و الأعين إليها فشعرت نفسها كالطفلة المذنبة و أخفضت عينيها للأسفل ثم تكلمت بصوتٍ منخفض أقرب إلى الهمس تدعي ألا يسمعها بعض الناس المحددين كي لا يسوء أمرها.
- لا...
و لكن مع ذلك سمعه الجميع فمن كان يعرفها و يعرف طباعها أخذ في التأفف و الاعتراض لما تفعله في جسدها و صحتها و نفسها.
- مجدداً دفنة، ألم أنبهك ليلة البارحة بتناول الطعام؟!
توقفت توركان عن التوبيخ لثواني بينما أخذت دفنة تبحث لنفسها من مكان لتختبئ فيه حتى تفلت من عقاب جدتها و لكن لم تجد فتابعت المرأة العجوز وصلة التوبيخ بكل بساطة و هي أخذت تصبر نفسها أن جدتها ستنتهي من توبيخها عاجلاً أم آجلاً.
- و تخبرين ابنتك بتناول الطعام الصحي، أنت من تحتاجين هذه النصائح!
كانت نبرتها العالية و اندفاعها دليل على أنها قد تضربها في أي لحظة من الآن فشدت انتباه جميع من حولها و راحوا يحملقون بالمرأة العجوز بدهشة لا يعرفون كيف تنجح دفنة بالتمرد على هذه المرأة الغاضبة و تنفذ بجلدها كل مرة.
و لمحاولة تهدئتها قرر إيسو التربيت على كتفيها لكي تهدأ و ترتاح بينما كان يرسل بعض النظرات الحادة باتجاه دفنة التي كانت على وشك فقدان وعيها مجدداً من كثرة الخجل التي تعرضت له.
ثم تكلم سليم مجدداً بجدية عن حال جسدها.
- دفنة، جدتك معها حق.. يجب أن تعتني بجسدك و تعتني بصحتك...
أومأت الفتاة بأسى و ذنب تشعر أنها ارتكبت ذنباً عظيماً في حق جسدها و حق نفسها بسبب نظرات الجميع التي كانت تلومها على ما تفعله لا يعرفون أن رغبتها في تناول الطعام ليست بتفكيرها هي و لكن أحياناً جسدها نفسه يرفض تناول الطعام.
- و أيضاً... زوريني في المشفى لنطمئن على صحتك.
حركت دفنة ناظريها باتجاه سليم تحدق به لثواني فراحت تفكر هل الوضع غاية في الجدية لتلك الدرجة؟
أليس الوضع ما هو إلا إغماء بسبب قلة الطعام؟
- نعم، أنا سأجلبها لك بنفسي...
قاطعت توركان تفكيرها و لكن أغضبتها بما قالت فاندفعت دفنة إليها قائلة بنبرة حادة و عالية:
- جدتي... أستطيع الذهاب وحدي، لست طفلة!
فلم تهتم توركان بصورة حفيدتها أمام الجميع و قررت أن تلزمها الصمت كما تفعل دائماً.
- حدث يا روحي، لن أتركك تقومين بما تريدين بعد الآن و سأعاملك كما تعاملين ابنتك تماماً!
أحرجتها بدرجة كبيرة و لم يكن لدفنة القوة في الرد عليها بالفعل و قررت الانكماش على نفسها أفضل و قررت نيهان السخرية من الوضع و وضع بعض اللمسات الكوميدية لتلطيف الجو.
- ايوااا، لقد أغضبت توركان العظيمة دفنة... قلبي معك يا صديقتي!
لم تضحك دفنة على نكتتها بل زمت شفتيها و أدارت وجهها لظهر الأريكة في ضيق ثم همست بصوتٍ منخفض لا تعرف ما ستفعله في مصيبتها:
- وقع البلاء على رأسي!
...........................................
دخل الرجل من بوابة المكان يسير في الممر المؤدي إلى تلك القاعة المضاءة بلونٍ أزرق باهت و مصابيح تعطي ضوء بلونٍ زهري تسافر في المكان، يديه مدفونتين في جيبيه و عينيه موجهةٌ ببرود للأمام، أما ملامحه فقد بهتت أكثر ما كانت باهتة في الأساس.
وصل أخيراً للمكان الصاخب الذي اعترته الموسيقى الأجنبية التي لم تترك شخص إلا و رقص عليها فأخذ نظرة سريعة على المسرح ليرى تلك الأجساد التي كانت تتمايل و كانت تؤدي بعض الحركات المتناسقة و المرتبة يدعوها بعض الناس بالرقص ثم حرك ناظريه عائداً بهما إلى البار ليتجه له بعد عدة ثواني متنهداً بأسى.
رغم أنه كان قد وعد نفسه بأنه لن يفكر لا بها و لا بالماضي المر و سيركز على هدفٍ معين يمنع قلبه من الحنين و اللين مجدداً و لكنه لم يستطع فقرر أن يأتي بجسده إلى هنا حيث يستطيع تشويش عقله و ذكرياته... و نسيانها... و كان يأمل ذلك.
على الأقل حالياً....
جلس الرجل على كرسيٍ فارغ ثم طلب لنفسه مشروب يضيع به عقله و ينسيه مدى كونه مثير للشفقة.
و لكن... مجدداً، غرق الرجل في أفكاره.
لطالما كان إنسان يحب التفكير كثيراً.
يحب أن يفكر في كل خطوة يعدوها وكل قرار يأخذه.
كان يفكر كثيراً و يناقش نفسه و داخله أكثر و هذا كان بسبب وحدته التي كان يعيشها على مدار سنوات منذ وفاة والديه و عدم وجود أي شخص يشاركه الحديث و الآلام و لكنه لم يعترض على ذلك أبداً.
عاش الواقع و قرر أن يغلق على نفسه الأبواب و يعيش وحدته بكاملها.
و لكن الآن، رغم رغبته في إبعاد كل الأفكار عن رأسه كي لا يتعذب أكثر، لم يستطع ذلك.
تعذب و عذب عقله و قلبه و جسده و روحه.
فالألم أصبح شريكهم و غذاءهم.
غذاهم بالألم و الذكريات الموجعة و أحرقهم بنارٍ تكويه كل دقيقة و كل ثانية تمر!
لم يستطع أن منع الألم و لم يستطع منع ذكرياته من النبش في روحه بمخالبها.
**********************
نظر لها و عيونه لامعة مضيئة نطقت بالعشق و الشوق و الشغف قبل أن ينطق بهم لسانه فلمعت بلمعة تدفئ القلب و تشرح الصدر و لكن كل الكلمات احتارت في وصف جمالها و تبخرت من جوفه و أبقته محدقاً بها بتلك العيون التي لم تستطع أن تصمد أمامها أبداً.
كم كانت ساحرة الجمال رائعة تسحر كل من رآها و خلابة تضيء الدنيا بحسنها و فتونها و بريقها اللامع.
وقف حائراً في مكانه لا يعرف وصف حالها بمجرد كلمات و جمل و عبارات بسيطة لا تضاهيها و لا تليق بنلك الأميرة التي كانت تقبع بداخل قلبه فتنهد ببطء و أخذ عدة خطوات للأمام لينظر لها عن كثب و هي ترتدي ذاك الفستان الأبيض ناصع البياض و الطويل و الذي أظهرها كأميرة من أمـيـرات الأحـلام.
أما هي فكانت تسير بذاك الحذاء الخلاب ذو الكعب العالي و الذي صنعه من أجلها خصيصاً و هي غاية في التوتر و الخوف من مقابلته في هذا اليوم الذي يهابه الجميع و لكن فور رؤيتها له طار عقلها من مكانه لرؤية مظهره الجميل و الوسيم و شعره المرتب و لحيته المهندمة و التي كانت لتطير عقول كثير من الفتيات إذا رأته بها و أعجبت بوسامته و جاذبيته العالية لتتنهد بتوتر من رؤيته يتقدم باتجاهها.
فحرك يديه السمراويتين ليمسك بيديها الرقيقتين و يضغط عليهما بلطف و رقة بينما عينيه تحدثتا مع عينيها بكلمات الحب و العشق و الغرام.
فارتسمت ابتسامة دافئة على شفتيها عند ملامسة يديه الكبيرتين و القويتين ليديها الصغيرة و الناعمة.
- كم أنت حسناء...!
نظر عمر إلى أعماق عينيها و شعر بهما تجذبانه إلى بحورهما فابتسم ليرفع يده و راح يسمح بأنامله على وجنتها البيضاء و التي تلونت الآن بلون شعرها و سافرت أصابعه إلى شعرها الأحمر و راح يلامس خصلاتها المتدلية ينعم بنعومتها و ينعم برائحتها التي سافرت إلى أنفه الذي بدا و كأنه يستنشق رحيق أزهار البستان من شدة إدمانه لرائحتها الخلابة.
- أنا محظوظ للغاية لأنك ملكي...!
اعترضت دفنة على ما قاله لأنها تعرف نفسها و تعرف شخصيتها فكيف لشخصية كشخصيتها أن تصبح هي الملاك و هو المحظوظ لوجود ذاك الملاك في حياته و بجواره.
و عندما تأكدت من أنه يقول الحق و لا يسخر حقاً جعلها تضحك ضحكة ساخرة من كلامه و تتكلم حيال ذاك الموضوع بجدية تامة.
- كيف تكون محظوظ مع دائخة مثلي؟ أنا المحظوظة بك يا روحي!
ابتسم عمر لمحاولة رفعها لمعنوياته و راح يتمم مسحه على شعرها و وجهها ثم تكلم و هو ينظر بعمق لعينيها الساحرتين التي سحرت خلايا عقله الاستيعابية و جعلته لا يعود لوعيه ابداً.
- أقول.... لو تذهب هذه الجميلة لشخصٍ آخر و تحبه عندها... سأحاول ألا أعترض طريقك لأنه حقك... حقك أن تحصلي على ما تستحقين في أي وقت و أي مكان.
عقدت ذات الشعر الأحمر حاجبيها باستغراب و ضيق لما تسمعه يخرج من فمه و راحت تتساءل كيف وصل بهما الحال إلى هنا.
و كيف أصابه الإحباط في يومٍ جميل كهذا و الذي يصادف أن يكون يوم عرسهما فاندفعت إليه قائلة بدون أي تفكير منها:
- إياك أن أسمع تلك الكلمات منك مجدداً... أنا ملكك أنت... أنت من تستحقني.... و أنت من اخترت أنا و ليس أحداً آخر!
ألزمته الصمت بما قالت و لم يدري أن كلامها رسم ابتسامة عريضة على وجهه و هي لم تعرف أن ما قالته جعلت منه إنسان نظيف و مرتاح من الداخل للغاية و لا يتمنى من هذه الحياة سوى أن يكون كليهما سعيداً ببعضهما البعض.
-....لن أستطيع أن أعيش مع أحد غيرك... أنت حياتي و حبي و دنياي و كل شيء لي!
صمتت الفتاة و هي تلامس لحيته السوداء بأناملها البيضاء برفق و لطف بينما كانت تنظر لبحور عيونه السود لتغرق في حبهما المئات المئات من المرات مجدداً!
- أعدك بأني لك، و ملكك للأبد!
**********
كيف تقول ذاك الكلام و قد ذهبت إلى آخر؟
كيف تعد ذلك الوعد و تنكث به؟
كيف تحب شخصاً آخر و هو الذي أحبها و اختارها هي؟
و هي فقط......!
كيف تفعل ذلك به؟!
كان يجد نفسه مثيراً للشفقة، فبينما هو يتعذب لفراقٍ دام أربع سنوات، هي ذهبت لغيره بكل تلك البساطة و لكن ما يثير شفقته على نفسه حقاً هو عندما رآها مع غيره فأشعلت مشاهدته لتلك المشاهد فتيل الغيرة الذي كان يظن أنه دفن و لن يراه أبداً.
فأحرقته النيران حياً!
أشفق على نفسه و على حاله.
لماذا مازال يحبها بعد كل ما فعلت له؟
كيف يعيش حبها في قلبه المسكين ليتعذب هو و يحترق بينما هي تنعم بحياتها و تعيشها كما تشاء و كأنهما لم يعيشا شيئاً حقيقياً في يومٍ من الأيام و كادا أن يرزقا بطفل لو عاش إلى الآن لكان قد أتم الرابعة من عمر بعد عدة أشهر الآن!
كيف يحدث هذا؟
لم يعرف قلبه جواباً لتعاسته التي كان يعيشها و لكن ما يعرفه أنه سينتقم لكل ذرة ألم و كرامة قد أهدرت و كانت هي السبب في ذلك.
أخذ السينيور عدة رشفات من كأسه و أمر بملئه العديد من المرات آملاً أن يخسر عقله في أقرب وقت.
و في لحظة ما انتبه عمر أخيراً للفتاة الجالسة بجواره و التي كانت تحدق به بابتسامة بسيطة فنظر لها نظرةً ميتةً باردةً يسألها ما تريده دون فتح فمه.
كانت الفتاة هي فتاة عادية تريد التعرف على وسيمٍ مثله عندما شعرت أنه يبدو لن يصدها طالما شرب عدة كؤوس من المشروب التي تذهب عقل أي شخص و لكن ما لم تعرفه أنه ليس ذاك الشخص الذي يترنح لشربه المشروب بل يكون مستفيق و يدري ما يحدث من حوله.
- ألن تطلب لي شراب؟
لم تتركه الفتاة في شأنه و أرادت أن تضع بعض اللمسات من عندها و رغم رؤيتها لمدى بروده تجاه الجميع في المكان أرادت أن تجرب حظها معه.
أصبح الصمت سيد الموقف مجدداً، هي تحدق به و تنتظر إشارته كدليل على تقبله لها و هو يحدق بالفراغ يفكر فيما يجب عليه فعله.
هل عليه أن يبقى ثابتاً على موقفه و لا يعطيها أي اهتمام أم يتنازل كما كان يفعل طوال الأربع سنوات مع فتيات كثر.
لا شيء حل على رأسه جديد لكي يبقى ثابتاً على موقفه فهو ضائع و تائه و رؤيته لدفنة في هذه الليلة لم يغير أي من تلك الأحاسيس.
فأشار لرجل البار ليأتي و فور قدومه فتح فمه ليتكلم بنبرة باردة.
- انظر إلى ما تريده السيدة.
شعرت و أنها قد حققت انتصاراً و تفاخرت بنفسها و راحت تطلب من رجل البار مشروب تريده.
بعد دقائق قدم لها رجل البار الشراب التي طلبته فأخذت تحتسيه و هي تحدق بعمر الذي مازال لا يأبه لأمرها فأرادت لفت انتباهه و اقتربت منه عدة سنتيمترات.
رفعت الفتاة يدها و لامست يده السمراء برفق فانتبه عمر للمستها و نظر إلى يدها التي فوق يده.
- هذه أول مرة أراك هنا...
حرك عمر عينيه لينظر لها بنفس نظراته الباردة الميتة فتوترت الفتاة لثواني و رفعت يدها عنه و راحت تحدق به فاستجمعت قوتها و رفعت يدها لتضعها فوق حافة ياقة قميصه.
و عندها نهض السينيور من مكانه و أخرج المحفظة من جيبه الخلفي ليخرج النقود منها ثم رماها على البار الخشبي و التفت ليسير إلى الطريق الذي جاء منه ليرحل في دهشة الفتاة ثم خيبة أملها و إحباطها لرحيله و لضياع فرصة التعرف على رجل بهذه الوسامة و هذه الجاذبية.
و لكنه توقف....
توقف عمر و التفت ليعود إلى الفتاة القابعة عند البار فدهشت للحظة و بدون أدنى تفكير منها شدها من ذراعها لتقف على قدميها و نظر لوجهها بعمق لترتسم ابتسامة عريضة على شفتيها عند رؤية عودته فتأكد له سؤال دار في عقله لثواني و بعدها... رحل مجدداً. و لكن هذه المرة، كانت الفتاة معه....!
...........................................
- هل مازال هناك المزيد من الصحافة هازال؟
- ثلاثة فقط...
تنهدت ذات الشعر الأحمر و هي تغلق عينيها و ترجع رأسها للخلف بتعب و إرهاق.
كانت تستلقي على الأريكة الموجودة في غرفة العارضات بأمرٍ من جدتها من أجل المقابلات من الصحفيين التي كانت هي و سيدا دبراها في مؤتمر صحفي لمجاوبتهم عن كل أسئلتهم حيال المجموعة و لكن عندما تعبت قررا أنهما سيقابلان كل ثلاثة سوياً اختصاراً للإرهاق التي ستناله.
كان من الممكن أن تؤجل عمل اليوم إلى يوم آخر بسبب إرهاقها و لكن هي تعلم أن في حال ذهبت إلى المنزل ستفكر فيما حدث هذا اليوم و سترهق نفسها أكثر مما هي عليه.
كانت الفتاة تنوي إنهاء المزيد من المقابلات مع الصحافة و لكن دخول صغيرتها اللطيفة ذات الفستان السماوي أوقف جميع مخططاتها التي خطت لها فاتسعت ابتسامتها على وجهها و بعد ما كانت نصف مستلقية على الأريكة نهضت لتجلس قائمة و امتد ذراعها ناحية ابنتها فركضت الفتاة باتجاهها بسعادة و ابتسامة متسعة من الأذن للأذن.
- روحي... كيف اشتقت لك!
احتضنت المرأة ابنتها بدفئ و حنان ثم استنشقت ريحها العطر بعمق حتى تشحن منها و من رائحتها الجميلة لتتنهد فيما بعد و هي تسمع صوت إيليف الطفولي يخرج من جوفها.
- و أنا أيضاً، و انا أيضاً!
ابتسمت دفنة و هي تشعر بباطني كفيها الصغيرين يحطان على ظهرها و أصابعها الصغيرة تنغرسان في قماش فستانها السماوي بينما كانت ترى محاولاتها العدة في الوقوف على أطراف أصابع قدميها لكي تحتضن والدتها أطول وقت ممكن و لا تنزلق فضحكت دفنة و استجمعت قوتها لتحملها عن الأرض و تجلسها على ساقيها.
مضت بضع ثواني على هذا العناق المليء بالحب و البراءة و الراحة ثم ابتعدت دفنة عن ابنتها لتحدق بها و بوجهها لتلحظ فيما بعد حالتها المهيبة فكان شعرها غير مرتب و قد تخلصت من ضفيرتها الحمراء ليحوم حول رأسها كمن أصابته صعقة كهربائية، أما فستانها فقد تساقط حزامه الأبيض ذو الزهرة البيضاء و القليل من الألوان التي قررت أن تلون بها وجهها و يديها لم يرحم الفستان منها و لكن على الأقل لم تمزقه الصغيرة و هذا أراح دفنة.
فكانت كأي طفلٍ يريد القفز و اللعب بمنتهى الحرية لهذا تركتها دفنة على راحتها و حمدت الله أنها كانت أكثر رحمة بها من عديد من الأطفال الآخرين الذين كانوا يضيعون آخر ذرات الاستيعاب في عقول والديهما.
- ماذا فعلت أنت؟!
و لكن لم تنسى دفنة توبيخ صغيرتها على ما فعلت كي تعلمها بأن هذا الامر هو أمر خاطئ و لا يجب تكراره فخجلت الفتاة قليلاً و نظرت إلى يدا والدتها التي سبحت باتجاهها كي تبدأ في ترتيب مظهرها الغير ظريف و هي تهتف لسيدا:
- دعيني آخذ استراحة هازال...
اتسعت ابتسامة إيليف و قفزت على الأريكة بجانب والدتها بينما استطالت سيدا بجسدها لتقول:
- هذا أفضل شيء تفعليه دفنة، و أنا أيضاً أحتاج استراحة!
خرجت سيدا من المكان متجهة إلى حيث كانت ابنتها موجودة بينما أخذت دفنة تحادث ابنتها الصغيرة عن مغامراتها و عن ما كانت تقوم به في غيابها حتى قررت الصغيرة التكلم عن العرض الذي انبهرت به كثيراً.
- الأحذية كانت جميلة للغاية أمي، هل سيرتدي الناس الآن ما رسمتِ أنت؟
مسحت دفنة على شعر ابنتها برفق و أخذت تحاول ترتيب شكلها و مظهرها الجميل و مسح الألوان من على وجهها الأبيض.
- نعم، سيرتدي الجميع ما صممت.
قاومت الفتاة الصغيرة لمسات أمها القوية في مسح الألوان من وجهها ثم تكلمت حين شعرت بقدرتها على الكلام و قالت بابتسامة متسعة:
- هل يمكنني أن أرتدي تلك الأحذية إذاً؟
ابتسمت دفنة ابتسامة بسيطة و هي تقوم بعملها.
- دعيني أفكر.... ستكون كبيره للغايه عليك ما رأيك في أن أصمم حذاء مخصص لك فقط؟
اتسعت ابتسامة الفتاة راحت تنظر لوالدتها بنفس بنظراتها السعيدة.
- حقاً ستقومين بصنع حذاء لي كمثل حذاء أبي؟
توقفت دفنة للحظات حين زارتها ذكرى رؤيتها لعمر هذه الليلة و كيف ركضت كالمجنونة تبحث عنه في كل مكان و في النهاية سقطت أرضاً من كثرة التعب و ها هي جالسة تتمنى ألا يزورها طيفه كي لا تتعب مجدداً و لكن عقلها لم يأبه بما تريده و عصاها كما كان يفعل دائماً.
سعلت دفنة لتنظيف حلقها تحاول أن تدفع الحزن و الهم بعيداً من قلبها العليل، على الأقل في الوقت الحالي.
- بالطبع أنت ابنتي إن لم أصنع من أجلك فلمن سأفعل إذاً؟
سعدت إيليف كثيراً لما سمعته من والدتها و راحت تدندن بأغاني و نغمات تعرفها لانها سترتدي حذاءً مصمماً لها وحدها لا يرتديه أحد غيرها في هذه الحياة.
بعد عدة دقائق أمرت دفنة إيليف بالعودة إلى الجميع مجدداً و أخبرتها بأنها ستكون بعد قليل معهم عندما تنهي عملها كي لا تكتئب و تحزن من ابتعادها عنها.
أدخلت هازال العاملة في ستيل اثنين من الصحفيين إلى الغرفة و لم ينتبه أحد أبداً أنه من المفترض أن يكون ثلاثة فجلس الاثنين أمام دفنة و سيدا الجالستين على الأريكة في انتظار توجيههما للأسئلة و لكن قاطعهما قدوم الصحفية الثالثة اقتحاماً للغرفة بسرعة البرق.
- أنا آسفة كثيراً... ذهبت للحمام و لم أعرف أن الوقت قد حان. هل بإمكاني الدخول؟
نظرت لها دفنة و علامة الدهشة تعتريها من اقتحامها للمكان فجأة و لكن سرعان ما استدركت الأمر و سمحت لها بالدخول بمل ابتسامة لطيفة.
- لا بأس، تفضلي...
اتسعت ابتسامة الفتاة و تنهدت بارتياح ثم اتجهت إلى الاثنين الآخرين لتجلس على كرسي موضوع في ذاك المكان و راحت تستمع للأسئلة التي يطرحها الاثنين عندما أذنت لهم سيدا بطرح ما يريدانه.
- ما هو إلهامك في هذه المجموعة دفنة هانم؟
- إلهامي هو الخريف... الخريف بصفة عامة.
- كيف تستطيعان أن تكونا بهذا التناغم لتديرا شركة سوياً؟
- بالطبع نحو مثل كل الأصدقاء الذين يختلفون و يتشاجرون و لكن السر في تناغمنا هو رغبتنا في النجاح و تركيزنا على الهدف سوياً لتحقيقه.
أخذت الصحافة تكتب ما سمعاه من مديرتا الشركة في مفكراتهما الخاصة بينما كانت الصحفية الثالثة تنظر لهما بملامح عادية فرفعت سيدا رأسها باتجاهها و سألت عن سبب جمودها.
- و أنت، ألا يوجد عندك أسئلة؟
انتبهت الفتاة لكلام سيدا و ابتسمت ابتسامة متوترة.
- أه نعم...
ثم حركت عينيها إلى مفكرتها و تكلمت.
- حسناً... اممم... دفنة هانم...
انتبهت دفنة أن السؤال كان موجه لها فوجهت تركيزها باتجاه الفتاة و تابعت الفتاة النظر بتمعن لدفترها ثم رفعت رأسها لتنظر لها بنظرة عميقة مليئة بالعزم.
- كنت زوجة السينيور إيبليكشي، هل يمكنك تفسير طلاقكما؟
اتسعت حدقتا دفنة و هي تحدق بالفتاة التي ألزمتها الصمت بسؤالها هذا التي لم يسبق أن تجرأ أحد ليسألها إياه يوماً طوال مسيرتها المهنية و الفنية لأنها هي من وضعت الحدود للجميع كي لا يدخلوا حياتها الشخصية.
و لكنها الآن قررت أن تبقى ثابتة لا تنهزم بسهولة أمام سؤال كهذا.
- حياتي الشخصية في كفة و عملي في كفة أخرى لذا أرجوك... إذا كان لديك أسئلة عن مجموعة الخريف من فضلك اسأليها.
لم يلزم ذلك الجواب الصمت للصحفية بل تابعت طرح الأسئلة الهجومية و التي خصت حياتها الشخصية و ألزمت كل من الصحفيان و سيدا و هازال الصمت و الدهشة و الذهول.
- لما لم ترتبطي بآخر بعد انفصالك من السينيور إيبليكشي؟
يبدو أنها لم تكن تجرب حظها بذاك السؤال كما ظنت دفنة و لكن يبدو أنها جاءت مصممة على إفقادها لصوابها و لأعصابها.
و قبل أن تتكلم دفنة و تقول أي شيء وجهت الفتاة سؤالاً ثالثاً لا تنتظر الجوابدمن تلك المرأة بل كانت تنوي إفقادها لقدرتها على التحمل.
- هل فكرتما في الإنجاب أبداً قبل انفصالكما؟
ما قالته كان كالسهم القاتل في صدرها و هذا جعلها تتذكر مأساتها التي عاشتها و تعيشها كل يوم و هي عدم قدرتها على إخبار الجميع بولادة إيليف، فالقليل القليل من حول دفنة هو فقط من يعرف بوجود إيليف في هذه الحياة.
فهي لم تذكر وجود صغيرتها يوماً خوفاً عليها من هذا العالم الموجع و المؤلم الذي لا يهتم سوى بتصويب الضوء و الأعين على أشخاص مظلومين لا حول لهم ولا قوة.
- أنا لا أرى داعي لتلك الأسئلة، لا تهم في نجاح الشركة في شيء.
لاحظت سيدا حالة دفنة الغير سوية و المصدومة فقررت التدخل محاولة أن تجعل الصحفية تكف عن طرح تلك الأسئلة.
و لكن الفتاة لم تهتز و نظرت إلى سيدا بنظرة عميقة و قالت:
- الناس فضوليين، ما يريدون معرفته عن الشخص المشهور لا يكون إنجازاته فهم لا يهتمون بتلك الإنجازات... بل يهتمون بحياته الشخصية.
- و لكني أعتذر عن القيام بهذه المقابلة فلقد ظننت أن المقابلة عن مجموعة الخريف و ليس عن حياتي الشخصية، ليس عندي أي أجوبة.
حدقت بها الفتاة و لاحظت القلق الذي ارتسم على وجه دفنة و رغم أنها لم تحصل على أي أجوبة منها شعرت بنشوة الانتصار لأنها استطاعت رؤية تلك التعابير التي على وجهها أخيراً.
- دعيني أطرح عليك آخر سؤال إذاً...
كانت دفنة على وشك الانفجار و لكن حاولت الحفاظ على صورتها أمام تلك المستفزة فأخذت نفساً عميقاً و حدقت بها تنتظر سؤال آخر ليفقدها صوابها.
- ما سبب إلغاء العرض الوحيد لك في باسيونيس و الذي كنت ستخرجين فيه مع السينيور إيبليكشي؟
بقت دفنة صامتة جامدة تحدق بها بعينين كالجليد من صدمة ما سمعت. لا تعرف من أين أتت تلك الفتاة بمعلومة صحيحة كهذه لا يعرفها إلا عدد قليل من الناس بينما كانا الاثنين الآخرين يتهامسان متسائلان عن إن كان هذا صحيحاً أم محض اختلاقة.
ابتسمت الفتاة حين شاهدت رد فعلها المصدوم مرسوم بتفاصيل دقيقة على وجهها فنهضت من مكانها تلملم حاجياتها مقررة الرحيل.
- شكراً لك لأنك أعطيتني من وقتك دفنة هانم.
خرجت الفتاة من المكان و تبعتها دفنة بعيونها إلى أن اختفت تشعر بأن قلبها قد انتفض من مكانه فهي لم تشعر بالخير من تلك المرأة أبداً.
تابع الاثنين الآخرين طرح الأسئلة العامة التي كانت تجاوب عليها سيدا لأن دفنة قد غرقت مجدداً في عالم أفكارها تفكر في تلك المصيبة التي شعرت أنها ليست آخر مرة ستراها فيها.
مر الوقت سريعاً و أنهى الاثنين أسئلتهما و خرجا من الغرفة لا يهمهما ما كتبا بقدر اهتمامهما بتلك الشجاعة و دهائها بإيجاد أسئلة كمثل تلك لتطرحها و أخذا يتخيلان لو مجلة من مجلاتهما قررت البحث في ذلك الأمر فسيكون سبق صحفي رائع بالفعل!
أما في الداخل كانت دفنة تنظر إلى الفراغ و هي تتذكر ما حل بها من سنوات بسبب رحيل عمر.
**********************
في أول مقابلة صحفية فردية لدفنة و سيدا بعد نجاح شركتهما من عدة سنوات و كانت في غاية المتعة إلى أن قرر صاحب الأسئلة أن يتدخل و يسأل عن حياتهما الشخصية و الخاصة.
- دفنة هانم، ما هي حالتك الاجتماعية؟
نظرت له لوهلة تفكر هل تجعل حياتها ككتاب مفتوح للجميع يعرف عنها و عن حياتها كل ما يريد أم أنها تحتاج أن تخفي بعض الأشياء.
- عزباء.
و لكنها في النهاية قررت الإجابة عن الأسئلة البسيطة التي لن تضر بشيء في حياتها العملية و الخاصة.
- هل تزوجت سابقاً؟
- .... نعم.
و هذا أيضاً لن يضر بشيء لأنها لو نفت السؤال سيتم البحث في الأمر و يعرف في النهايك أنها كانت زوجة السينيور إيبليكشي.
- هل لديك أطفال؟
حينها لم تعرف ما تقوله.
فكرت في ابنتها التي أتمت السنة عن قريب و لا ذنب و لا دراية لها عن أي شيء في هذه الحياة.
فكرت في ظلم الحياة لها بولادتها في عائلة مشتتة كمثل عائلتها، الأم تعاني و الأب لا دارية له بوجودها من الأساس!
- لا أريد أسئلة عن حياتي الشخصية، من فضلك غيرها.
وجدت دفنة نفسها تجاوب الرجل ليبقى محدقاً بها لثواني بتردد مستغرب من جوابها لأن جميع من يعرفهم من المشاهير يحاولون جذب الأضواء إليهم بشتى الطرق حتى عن طريق أن تكون حياتهم الشخصية كالكتاب المفتوح و لكن هذه أول مرة يرى نوعية دفنة هذه.
و لكن في النهاية انصاع لما أمرت به يحاول التركيز أكثر شيء عن أحلامها و طموحاتها التي تنوي تحقيقها في المستقبل لا دراية له فيما تخفيه من أجوبة لذاك السؤال و أنه قد يندم كثيراً في المستقبل لأنه ترك تلك الفرصة تضيع من يده.
قررت أن تمنع ابنتها عن الصحافة لأنها تعرف أسئلتهم و تعرف إصرارهم في تدمير حياة أي شخص كانوا يسلطون عليه الضوء.
و لن يكون أي تدمير بالنسبة لطفلة لا تعرف من هو والدها و ما هو شكله و كيف يكون و كيف يبدو لأنها لم تحظى برؤية صورة واحدة له حتى.
فإذا كثر الحديث حيال ذلك الأمر بدون وجود عمر سيستنتج الجميع أنها ابنة غير شرعية و هذه ستكون بداية اللعنة.
لهذا قررت أنها ستتجاهل أي سؤال يخص حياتها الشخصية دون الكذب فيه لأنها تعرف أن الكذب سيجعل حياتها أسوأ مما قد يتخيله البعض.
**********************
- دفنة، هل أنت بخير؟
نظرت سيدا إلى شريكتها لتجد تلك النظرات الشاردة التي تعتريها لا تعلم أن تلك الفتاة كانت في عالم آخر غير هذا العالم بعيدة جداً عن هنا و لكن سيدا توقعت ما فعل بها هذا و هو الأسئلة السخيفة التي طرحتها الصحفية دون دراية منها بما تفعله تلك الأسئلة بالإنسان.
فقررت الفتاة أن تحاول التهدئة من روع شريكتها أملاً في أن تكون نصيحتها ذو فائدة.
- انظري... لا تهتمي بكلامها، إنها محض صحفية تبحث عن سبق صحفي!
وضعت يدها فوق كتفها و راحت تربت و تمسح عليه و لكن لم تتغير ملامح دفنة ابداً رغم أنها كانت تسمع بأذنيها كلام سيدا بالفعل و يستوعبه عقلها.
- إنها ليست الأخيرة التي ستسأل تلك الأسئلة لهذا يجب ألا تهتمي أبداً!
نصحتها سيدا و عندما لم ترى أي تفاعل منها وقفت على قدميها متنهدة باستسلام و نظرت إلى دفنة نظرة أخيرة و قالت:
- أنا ذاهبة لأرى لارا ثم سأغادر، هل تريدين مني أي شيء؟
هزت دفنة رأسها بعد ثواني من طرح سيدا لسؤالها نفياً لتعود تائهة في عالمها مرة أخرى بعد رحيل سيدا عن المكان.
كانت تخاف على ابنتها كثيراً. تخاف عليها الأذى حتى لو من شعرة واحدة فهي ابنتها التي تعبت في حملها و ولادتها و لا تستطيع أن تقذف بها لذاك العالم الموحش لكي يتلاعب بها و ببراءتها.
فهي تعرف أنهم لو علموا بوجودها لن يرحموها و ستضيع طفولتها بسبب عائلتها المشتتة و والديها اللذان أخطآ بحقها.
هي ابنة شخص لا يعرف بولادتها من الأساس و لو فكرت حتى أن تلك الطريقة قد تفيد في الماضي قبل عودته يعني ليعرف بوجودها لكان سيتأذى هو فمن سيقتنع بأن شخصاً قد رحل لأربع سنوات و أكثر و لم يعرف أبداً بأن له ابنة من زوجته السابقة.
فكرت فيهما كليهما، فكرت في حبيبها و ابنتها... و لكن لم تفكر في نفسها.
رغم أنها كانت ستتضرر أكثرهم.
كانت ستتضرر و ستتهم بأنها من أقامت علاقة غير شرعية و خانت زوجها و أنجبت طفلة غير شرعية إصر ما حدث.
و لربما يؤدي ذاك الطريق و تلك الاتهامات بأن سبب الانفصال كان بسبب خيانتها له.
و لكن لم يهم بالنسبة لها حديث الناس عنها و لم تهتم بذلك الألم المتخلف عن ذلك الحديث طالما كان كليهما مرتاح و سعيد.
يا الله، أي حب هذا؟!
مسحت دفنة على شعرها و ما إن قررت أن تنهض من مكانها لترحل عن هذا المكان ذو المفاجآت العظيمة طُرِقَ الباب ليلزمها مكانها خوفاً منها أن تكون تلك هي جدتها و قد تراها واقفة على قدميها و توبخها مجدداً.
و لكن الزائر قد خيب ظنها و اتضح أنه ليس جدتها بل جد صغيرتها... نجمي إيبليكشي.
في الحقيقة لم يكن نجمي فقط الزائر لهذه الغرفة بل كانت معه زوجته الشقراء ناريمان إيبليكشي و هذا ما أدهش دفنة و جعلها تحدق بها كأنها تمثال يشبهها تماماً و لكنه يتحرك و ليست هي.
- دفنة... ابنتي كيف حالك؟
عينيها لم تزل من عليها و ما لاحظته أكثر من إشقرار شعرها كانت نظراتها الهاربة من مقابلتها.
- أنا بخير نجمي بيه، كيف حالكم؟
- نحن بخير ابنتي...
دخل الاثنان إلى الداخل ليجلسا على كرسيين كانا أمام أريكة دفنة و الفتاة لا تحرك عيونها عن المرأة أبداً تريد أن تسأل عن سبب وجودها في هذا المكان و لكنها ببساطة تخجل فعل ذلك فقرر الرجل التكلم و عفوها من مهمة السؤال.
- لقد جئنا لنحضر العرض و لكننا تأخرنا بفضل أحدهم....
ثم حرك ناظريه إلى ناريمان الجالسة و تنظر للفتاة بتوتر ثم حركت ناظريها إليه بضيق و همست:
- أخبرتك بأني لا أريد أن آتي و لكنك من أجبرتني.
لم تهتم دفنة بهمسها كثيراً فقررت أن توجه تركيزها كله للرجل الذي تجاهل همس زوجته و أكمل كلامه و كأن شيئاً لم يكن.
- و قلنا بما أننا لم نحضر العرض نبارك لك فيما بعد فانتظرنا رحيل الصحافة و جئنا إليك.
كان الرجل يحمل باقة من الزهور الكبيرة فحرك يده التي تمسكها باتجاه الفتاة ليعطيها إياها فالتقطتها دفنة بابتسامة و راحت تستنشق رحيقها.
- شكراً لكما... هذا لطف منكما.
و مل إن فتح الرجل فمه ليتكلم مرة أخرى قررت البرتقالية الصغيرة مقاطعتهما و الدخول إلى الغرفة تركض باتجاه والدتها و لكن ذاك الرجل لفت انتباهها فغيرت وجهتها إليه.
- جدي نجمي!
عانقته عناقاً حاراً و سعد الرجل لذلك كثيراً و حملها عن الأرض ليجلسها على ساقيه كي يستطيع التحدث معها دون إحناء ظهره.
- حبيبتي إيليف، اشتقت لك كثيراً!
- و أنا أيضاً!
ابتعدت الفتاة عنه لتنظر له و إذ به يرى حالة وجهها قد ساء مرةً أخرى فعقد حاجبيه استغراباً و أخرج منديلاً من جيبه ليمسح تلك الألوان عن وجهها.
- ماذا حدث لك هكذا؟ ماذا فعلت بوجهك؟!
رفعت الصغيرة يدها و راحت تمسح وجنتها اليسرى بذراعها الأبيض.
- كنت أقوم بالتلوين مع أبلة لارا.
و قبل أن تقوم بنفس الحركة مجدداً أبعد نجمي ذراعها عن وجهها و قام بالعمل بنفسه.
- و لكن يجب أن تكوني أكثر حذراً حبيبتي..
أومأت الفتاة برأسها باقتناع و راح الرجل يكمل عمله باستمتاع و عندما كانت دفنة تحدق على ابنتها بابتسامة دافئة كانت الشقراء تحدق بها بنظرات مريبة فقررت دفنة أن تحرك رأسها إليها في هذه اللحظة فتراجعت المرأة قليلاً و لكن دفنة لم تحرك ساكناً و بدأت حينها حرب النظرات التي طالت عدة دقائق ثم قررت دفنة أن تتكلم أخيراً حين ملت من تلك الحرب.
- لا تقلقي ناريمان هانم... أنا لا أفضحك لأني لا أعرف عنك شيء.
اتسعت حدقتا المرأة الأكبر سناً بعد ما سمعت ما تقوله دفنة لا تفهم ما تقصده و لا ما تعنيه.
- ماذا تقولين؟
- أقول ارتاحي... تصرفي بأريحية و لا تشغلي عقلك بزيارتي إذا كنت لا تريدين ذلك، و لا تقلقي أنا لست تلك التي تستغل نقاط ضعف الناس لإيقاعهم.
كأنها وضعت الكحول على جرح قد جرحته من أربع سنوات و ليس فقط لناريمان بل كان لدفنة الناطقة بتلك الكلمات أيضاً. فدفنة من عانت بسبب تلك المرأة التي أمامها و لم تفعل أبداً مثلما كانت تفعل تلك المرأة و تستغل حبها لعمر بتهديدها المستمر لها بإخباره عن حقيقة الأمر إذا لم ترحل بعيداً.
في حقيقة الأمر دفنة فعلت هذا لمرة واحدة فقط، و كانت تلك المرة هي حينما انفجرت بسنان و نجمي عندما كانت غاية في التعب و غاية في الضعف و ما كانت تلجأ له فقط هو إفراغ ما في قلبها من حزن و غضب و لم تقصد أبداً أن تتسبب في مشكلة بين الزوجين.
و ما إن أفرغت دفنة ما في قلبها آنذاك شعرت بالارتياح و الطمأنينة مجدداً لهذا هي من صلحت الوضع بين الزوجين فيما بعد لأنها لم تتمنى أبداً أن تكون سبب في انفصال ذاك الزواج الذي دام لسنوات.
أما عن ناريمان التي أصبحت تأخذ حذرها أكثر من البداية كانت بين خوفها من دفنة لقيامها بالغدر مرة أخرى و بين ندمها مما فعلت فيها سابقاً.
فهي الحقيقة فكرت كثيراً... جداً، و عندما قارنت بين دفنة و عمر علمت حينها أنها لا تستحق كل ما عاشته و إن عاد بها الزمن للوراء لن تفعل ما فعلته في الماضي مجدداً لأنهما بم يستحقا كل ما حدث و التي كانت هي سبباً فيه.
لم تستطع ناريمان الرد عليها و بقت صامتة تراقب الصغيرة و هي على ساقي جدها كما يزعم لتلاحظ أن هذه الصغيرة بالفعل قد كبرت كثيراً منذ آخر مرة رأتها بها و لم يكن نجمي يبالغ في الأمر.
كانت ناريمان تفضل عدم رؤيتها كثيراً بسبب المشاحنات التي بينها و بين دفنة في تلك الفترات المتعددة فكانت ببساطة تخاف رد فعل الفتاة إذا رأتها أمامها و رد فعلها البسيط و الهادئ لهذه الليلة غير فكرها تماماً و قررت أنها ستعطي إيليف بعضاً من وقتها لتراها كي لا تبخث حقها كحفيدة عائلة إيبليكشي.
ستتجاهل شعورها بعدم بالرغبة في رؤيتها الذي لا يد لها به و ستتجاهل أيضاً إحساسها بأنها غريبة عنهم بسبب عدم وجود عمر من حولهم رفم أنها ابنته من لحمه و دمه.
لا تعرف لما يخالجها ذاك الإحساس دوماً و هي لا ترغب به من الأساس و للأسف لم تستطع أن تحسن أي من العلاقات التي كانت تقوم بتحسينها في الماضي مثل مصالحة الجميع مع بعضهم البعض لأنها هي سبب المشكلة من بداية الأمر و بسببها هي كذبت الفتاة على عمر و تحملت ما لا طاقة لها به.
بينما كانت المرأة غارقة في أفكارها لاحظت للحظة زوج العيون الضيقة السوداء يحدق بها فنظرت للصغيرة بتوتر تطلب منها تفسيراً لتلك النظرات بدون فتح فمهاو ما إن بدأت بالتحديق بإيليف حتى رفعت ذراعها الصغيرة في الهواء و وجهت إصبع السبابة باتجاهها و قالت:
- أنا أعرفك... أنت الجدة ناريمان!
شعرت ناريمان بأن أعصابها تفلت مجدداً و راحت عينها اليمنى تضيق كما تفعل عندما تغضب و حاولت أن تسيطر على غضبها كي لا تنفجر في الصغيرة البريئة و التي لا ذنب لها في ذلك.
اتسعت حدقتا دفنة في البداية و بعدها حاولت مقاومة رغبة الضحك التي خالجتها لسماع ما قالته الفتاة عن المرأة الكبيرة في السن التي تكره أن يظهر سنها في الصورة و لكن لم يستطع الرجل مقاومة ضحكاته مما زاد من عصبية ناريمان.
- ناديني نورو يا حلوتي!
قالتها بابتسامة مجبورة على وجهها ثم تابعت محاولاتها في تهدئة نفسها حتى اكتفى نجمي من الضحك و انحنى ليضع قبلة على وجنة الصغيرة ثم نظر لوجهها ليتكلم.
- حبيبتي إيليف.... هيا اذهب لجدتك قليلاً و دعيني أتحدث مع والدتك.
انتبهت الصغيرة لنجمي أخيراً و حركت عينيها من على تلك التي تتصرف بغرابة مطلقة و لا تفهم لما تفعل ذلك و عندما نظرت إلى جدها أومأت رأسها بانصياع ثم قفزت من حجره إلى الأرض و انطلقت ركضاً إلى الباب.
تبعت عيون دفنة صغيرتها حتى خرجت من الباب و أغلقته خلفها و سافرت تلك العيون بعدها و عادت إلى الرجل الكبير في السن الذي يقبع أمامها لترى رأسه المنحني و عينيه الشاردتين و ما إن بدأت بالتحديق به رفع عيونه لينظر لها و إذ بها ترى نظرته الجادة المختلطة بقليل من التوتر الذي قد لا يلاحظه أحد.
- دفنة...
- أنا أسمعك.
تابع الرجل التحديق بها و كأنه يراها لأول مرة يريد أن يفضي جوفه بما يحمله و لكن لا يعرف و لا يتخيل كيف سيكون رد فعلها و لكنه جاء اليوم مقرراً إخبارها لكي تتخذ القرار السريع و يجب عليه ألا يتراجع عند هذه الخطوة.
- عمر... قد جاء من السفر.
- ماذا؟!
بقت دفنة محدقة به بقليل من الدهشة التي رسمت على ملامحها الأنثوية الجميلة بدون نطق أي كلمة و من كان له رد الفعل المصدوم أكثر كانت زوجته ناريمان و التي كانت تعرف بالأمر من الأساس و لكن ما صدمت منه هو أن زوجها كان يعرف ذلك و رغم أن دفنة كانت تعلم بعودته و لكن كانت كما قلت سابقاً تحاول تكذيب عينيها التي رأته لبضع دقائق و لكن الآن قد أكد لها الرجل عودته بالفعل لهذا صدمت و اندهشت.
- متى عرفت أنت بهذا الشيء؟!
تنهد الرجل استسلاماً حين تلقى أسئلة من شخصٍ لم يتوقع منه مبادرة الأسئلة فرغم الخصومة التي بين الزوجين السابقين لم يتوقع أبداً أن يتلقى من دفنة الصمت كرد فعل على ما قاله.
فحرك رأسه باتجاه زوجته ليعطيها جواب مناسب أملاً منه أن يلزمها الصمت و يشعرها بإهانة بما قاله و لكن على العكس لم يكن يعرف أنه بهذا كان يمدحها و يطري عليها و تفاخرت بنفسها عند سماع ما قاله.
- يبدو أن جواسيسك يا ناريمان أوصلوا لك الأخبار باكراً.
- بالطبع يا روحي فأنا ناريمان إيبليكشي!
-متى... جاء من السفر؟
قاطعت ذات الشعر الأحمر تلك النظرات و الحديث المشترك بين الزوجين ليحرك كليهما عينيهما إلى الفتاة ليلحظا تلك النظرات المنكسرة التي اعتلتها الفتاة ليشعر الرجل بالأسى و الندم على تذكيرها به.
لا يعرف أنها لا تنساه أبداً و قد تنسى نفسها و لا تنساه!
- لقد وصل البارحة....
صمت الرجل قليلاً ليترك الفتاة تستوعب صدمتها في مجيء ذاك الشخص الذي غادر البلاد غاضباً من الجميع ثم تكلم لشرح سبب عودته.
- لقد ذهب إلى باسيونيس لأنه أراد أن يتحدث مع سنان في أمر الشركة.
على عكس توقعاته بأن تتفاعل دفنة مع كلامه الذي كان موجهاً لها اندفعت ناريمان تطرح الأسئلة التي لا تعرف أجوبتها من جواسيسها بكل أسف لأن الغرفة التي كان يجلس بها السينيور و شريكه عبارة عن أربعة جدران و باب و كل جدار عازل للثوت اكثر من أخيه للصوت فمن المستحيل أن يستطيع جواسيسها سماع أي شيء.
- ماذا؟ أي امر هذا؟ هيا قل.
كظم الرجل غيظه من المرأة اللحوحة الجالسة بجواره و تسأل مئة سؤال في الدقيقة فجاوبها و هو يراقب ملامح دفنة الساكنة و رأسها المنحني بزاوية ميل بسيطة.
- يريد أن يعلن إفلاس الشركة و يؤسس لنفسه شركة جديدة.
رفعت دفنة رأسها لتنظر له عند سماعها ما قاله في الأخير، يؤسس شركته الخاصة.
يريد أن يبتعد عن الجميع و يريد أن يبتعد عن كل ما يذكره بهم و لا شك في ذلك.
لا يريد فقط الابتعاد بل كان يريد إحراق ذلك الجزء من حياته للأبد.
- أيريد ذلك حقاً؟ ماذا حدث بعد ذلك؟
و الغريب بالأمر للرجل أن الفتاة لم تنطق أبداً و لم يسمع سوى صوت زوجته الفضولية تتساءل عن ما يريده عمر و ما ينتويه.
- نعم... ذهب لسنان ليخبره بذلك و سيتناقشا في الأمر بعد ذلك و لا أعرف ماذا سيحدث.
صدمت ناريمان حين سمعت ما قاله الرجل و أسندت ظهرها على ظهر الكرسي تحدق بالفراغ و تتذكر ما حدث من أربع سنوات و أنها كانت أحد أسباب رحيل عمر من البلاد فلولا مخططها الذي سعت من أجله لحصد مال جده ما كان قد حدث هذا.
- هل بكل تلك السهولة سيتخلى عن باسيونيس؟ هل بكل تلك السهولة سيتخلى عن ذكرياته في باسيونيس؟
راحت تتكلم و هي لا تدرك ما حولها و لكن اندفعت فجأة حينما أدركت أن هناك شخص يستطيع إيقافه عن فعل ذلك.
- هل سيتركه سنان يفعل هذا؟!
- بالطبع سنان لن يرغب في هذا و لكن ابن أخي لطالما كان ماعز (عنيد).
كانت دفنة مهتمة جداً بمعرفة كل تفصيلة عن حياته و عن رغباته الحالية و لكن كان ذلك بقلبها. فقلبها ذاك الذي دفنته داخلها و أخفت كل مشاعرها و لم تسمح لأحد أبداً أن يتلصص عليه فقررت سؤاله عن ما تريد معرفته و لكن لم يكن رقم واحد في قائمتها.
- هل علم بوجود إيليف؟
صدمته لسؤالها المباشر و ظل محدقاً بها لبضع دقائق لا يعلم لما امتلك أملاً كبيراً في رؤية غير رد الفعل الصامت ليقنع نفسه بأنها مازالت متعلقة به و تحبه كالسابق فهو تمنى لو يعود الاثنان كالسابق رغم كل السنوات الأليمة و المرهقة التي مضت فرؤية كليهما مدمر بهذا الشكل فطر قلبه.
-... لا أظن ذلك.
تكلم بهدوء تام ليجعلها تعود لحالتها الساكنة السابقة التي كانت عليها و لكنه لم يكتفي بتلك الكلمات و قرر التكلم مرة أخرى.
- و لكن.... لن يظل ذلك للأبد دفنة.
رفعت دفنة رأسها إليه مجدداً تحدق عليه بتلك العيون المتعبة التي أنهكها الزمن في عمرها الشبابي الصغير و لم تسأل ما يقصده لأنها كانت تعلم أن هناك تتمة لما كان سيقوله.
- أنا معك في أي قرار ستأخذينه و سأساندك أنت.
رفعت دفنة رأسها كلياً لتحدق به و علامات الاندهاش باتت ظاهرة على وجهها بالكامل مما جعل الرجل يتأكد أنها حية أخيراً و تتفاعل مع الجميع كما يتفاعل باقي البشر مع حولها.
بينما ناريمان لم تشعر بمنطقية ما قاله فأي عم سيقف في وجه ابن أخيه ضد زوجته السابقة حتى لو كان ذاك الرجل مخطئ مئة بالمئة فاندفعت إليه قائلة:
- أي قرار ستأخذه؟! ماذا يعني ذلك؟
توقفت ناريمان و هي تحدق به ثم قررت أن تحرك ناظريها للفتاة التي مازالت تحدق عليه بنفس نظرات الاستغراب و الاندهاش و قررت أن تهاجمها بكلامها علها تحرك بها شيئاً هي ليست متأكدة بوجوده بداخلها من الأساس.
- هل إذا قررت ألا تخبر عمر بوجود إيليف ستوافقها فيما تفعله؟!
انتبهت دفنة لما قالت المرأة و حركت ناظريها لها تريد أن تخبرها أنها لن تفعل ذلك أبداً و أنها كانت تنتوي و تخطط كل ليلة بإيجاد السينيور الذي رحل و لا يعلم بوجود ابنته كي لا تبخث حقهما في ذلك.
- انا متأكد ان دفنة لن تقوم بأي شيء يضر ابنتها و لن تكون أنانية و تسلبها حقها و حق عمر بمعرفة أن له طفلة منها، أليس كذلك دفنة؟
لكن قرر الرجل أن يتكلم عنها ليبين مدى عدالة هذه المرأة التي لم تفكر في معاقبة ذاك الشخص أبداً رغم كل ما فعله بها في السابق.
فأومأت الفتاة برأسها بإيماءة بسيطة توافقه على كل كلمة نطق بها الرجل لأنها صحيحة مئة بالمئة و إن كانت غير ذلك ستكون إهانة كبيرة لها.
استأذن الاثنين بعد تلك الكلمات الأخيرة و بقت الفتاة صامتة محدقة بالفراغ تحاول استدراك أكبر قدر تستطيع استدراكه من الموضوع.
- لقد عاد عمر.... لم أكن أتخيل....!
............................................
وقف تحت قطرات الماء الهاطل فوق رأسه سقوطاً إلى جسده ليشعر بدفئ تلك القطرات يسري فوق جسده الأسمر الطويل و الضخم وصولاً لأوصاله.
كانت عينيه حمراوتان بلون الدم و وجهه جامد و متصلب و ساكن المشاعر و كان يحدق على الفراغ بجمود و عيونٍ باردة حيث كان عقله غارق في مكان بعيد عن هذا المكان.
كان يفكر بها....
كم وجد نفسه مثيراً للشفقة بدرجة كبيرة جعلته يشمئز من نفسه.
قلبه الخائن دق عندما رآها على المسرح في ذاك الوقت و لكن عقله الحكيم راح يكذب ذاك الشعور حتى آخر لحظة و حاول إقناعه أن ما يحدث ليست إلا نزوة و أن هناك آلاف الأسباب التي ستجعله يفقد ذاك الشعور عاجلاً أم آجلاً و أكبر دليل هو ما حدث هذا اليوم.
خانته و خانت مشاعره و راحت مع نفس الشخص الذي كان يبغضه في الماضي.
ذهبت للشخص الذي تمنى أن يكون آخر شخص تذهب إليه في العالم لأنه في الماضي رأى مدى تناغمهما و قربهما الشديد لبعض.
و لكن فات الأوان و أصبحت هي ملك لشخص... تحبه.
التفكير في ذلك حتى جعله يختنق و يزيد من حنقه و غضبه!
عاقب السينيور نفسه لأربع سنوات طوال يملأهم القهر و الألم. حرم نفسه من كل طيب بسببها هي و هي من كانت عليها أن تنال العقاب لا هو ليعود بعد تلك السنوات ليرى أنها قد نجحت و ارتقت بشركة و ماركة عالمية أما هو فقد ضاعت أربع سنوات من عمره و هو يفكر في أحزانه و آلامه التي ألحقتها به فتخلف عن الحياة و أصبح من عشاق الألم و لكن لا، هو لا يستطيع أن يراها تنجح و ترتقي بهذا الشكل و هو قابع ينظر لها من الخلف يشاهدها تزداد بريقاً و نجاحاً.
يجب عليه أن يدمرها و ينتقم لكل ذرة ألم شعر بها يوماً من الأيام بسببها.
يجب عليه أن يراها تركع أمامه مذلولة و هذا لن يحدث إلا عندما يعود للساحة مجدداً.
و ليحدث هذا يجب عليه أن يتنازل قليلاً و يقبل بالعودة إلى باسيونيس.
نعم، باسيونيس شركته التي تعب و ذرف الدماء قبل العرق في الماضي لكي تزدهر و تصبح من الماركات العالمية و لكن تركها تنهار بهذا الشكل بسببها أيضاً.
و لأنه علم بأن دفنة لها فضل كبير على باسيونيس يجب عليه أن يتخلص من أفضالها في البداية كي يستطيع تدميرها بحق.
اختياره باسيونيس لتدميرها كان بسبب أنه سيأخذ الكثير من الوقت لينهض بماركة مجهولة لا يكفي اسمه لينهض بها و غير هذا وجود عاملين كعاملي باسيونيس سيساعده على ذلك أيضاً.
نظر عمر بعينين تملأهما العزيمة و الإصرار لتحقيق مبتغاه و هدفه في تدمير تلك المرأة.
أغلق السينيور الصنبور فتوقف الماء عن الجريان ليخرج من الحمام يرتدي رداء الحمام الأبيض و يسير باتجاه غرفة النوم.
اتجه السينيور إلى غرفته و راح يبحث عن معدات الرسم بدون نطق أي كلمة و لكن لاحظ أن الفتاة قد استيقظت و أخذت تنظر له فأبعد وجهه عنها و أكمل طريقه ليتكلم بكل برودٍ معها.
- يمكنك استخدام الحمام قبل الرحيل.
أصيبت بخيبة أمل لتفويتها فرصة أن تكون عاشقة لهذا الضخم الوسيم فانصاعت لما قاله بأسف و نهضت من مكانها لتتجه إلى الحمام.
جلس عمر على المكتب الموجود في الغرفة يحاول تجاهل شعور الذنب الذي اعترى قلبه و أصابه بعدم الراحة.
كان متناقض بدرجة كبيرة.
يشعر بالرغبة في إحراق روحها و لو بأبسط الأشياء و لكن حين يقوم بما قد يحرقها تشمله النار أيضاً.
فكل امرأة قضى معها وقت كان يراها أمامه لتشعره بقذارة ما يفعله فهو في النهاية لا يؤذي إلا نفسه لأنها لا تعلم بما يفعله و لا تراه.
و لكن داوم على إقناع نفسه أن كل ما فعله يوماً سيأتي يوم و تكتشفه و حينها ستحترق و سيحترق كبرياؤها حتى لو لم تَكِن له أي مشاعر.
ارتدى الرجل ملابسه و بدأ في رسم الأحذية مجدداً و لكن هذه المرة كانت بأسلوب مخيف و مهيب يشد الناس بطريقة رهيبة رغم مهابتهم لذاك الأسلوب.
كانت رغبته بإحراق روحها و الانتقام منها أكبر من رغبته من أي شيء آخر لهذا جعلت رغبته في النجاح تتفاقم و تكبر لكي يحرقها و يحرق صورتها التي لبدت بداخله.
................................................................

Attention
لان اسم إمينة هو اسم أم عمر و لانهم مكانوش مع بعض في فترة الحمل أو الولادة قررت اني احط لبنتهم اسم تاني و هو إيليف
إيليف اسم جميل و بيبدأ بنفس الحرف بتاع إمينة
Elif - Emine
المعنى: ﺍﻷﻟﻴﻒ ﻭﺍﻷﻧﻴﺲ ﻭﺍﻷﻟﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﺤﺒﺔ
انا حبيت الاسم و حبيت اسميه لها مش لسبب معين يعني

............... النقط بتكون عبارة عن النقل من مشهد لمشهد
******** النجوم بتكون ذكريات

Aşk acısıحيث تعيش القصص. اكتشف الآن